أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - فلسطين في شعر عبد المعين الملوحي















المزيد.....



فلسطين في شعر عبد المعين الملوحي


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 493 - 2003 / 5 / 20 - 05:43
المحور: الادب والفن
    


 

 

إنّ الخط الموحد لنهج وحياة الأديب والشاعر عبد المعين الملوحي هو نكرانه للظلم ، ويؤثّر في نفسه عدم الإنصاف .. فقد كان أول ديوان حققه ونشره في التراث  ديوان ديك الجن الحمصي لإنصاف هذا الشاعر العملاق المظلوم وذلك في عام 1960 ، وفي عام 1965 نشر كتابه "المنصفات " وهو نوع من الشعر لا تجده في آداب العالم كلها ، و"المنصفات " هي القصائد التي قالها الشعراء العرب في إنصاف أعدائهم في الحرب .. قال أحدهم :

شددنا شدة فقتلت منهــم       ثلاثة فتية  وقتلت  قينــا

وشدوا شدة أخرى  فجروا      بأرجل مثلهم  ورموا  جوينا

فآبوا بالرماح مكســرات      وأبنا بالسيوف قد  انحنينـا

وباتوا بالصعيد لهم أحـاح      ولو خفت لنا الكلمى  سرينا

أما عمله في أشعار اللصوص وأخبارهم فقد سرق من عمره أكثر من أربعين سنة ، وكل ذلك يعود إلى رغبته في إنصافهم أولاً ، وفي إظهار أنّهم كانوا في طليعة الذين أنكروا الظلم الاجتماعي ..

وهو لا يكتفي بالدفاع عن الأدباء والمفكرين ، بل يشمل دفاعه الأفكار والقيم والمبادئ ، فنراه يدافع عن اللغة العربية في وجه من يريدون تحطيمها ، وعن وحدة الأمة العربية ، ويدافع عن الحق والعدالة والإنسانية والجمال .. يدافع عن الحرية : " الحرية كما قال المنفلوطي ـ شمس يجب أن تشرق في كل نفس ـ وهذه الحرية هي الناظم الأول والأخير لكل ما كتب ونشر من مقالات تبلغ ألفين ، ومن مجلدات يزيد عددها عن 95  كتاباً ..

ومن القضايا التي تحتل مكانة خاصة في وجدان عبد المعين الملوحي : قضية فلسطين ، إنّه يدافع عن حق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه .. ويتساءل من يقرأ أشعاره في فلسطين إن لم يكن هذا الشاعر فلسطيني المولد . وهو في دفاعه الصادق هذا يعكس حقيقة كلّ عربي شريف يرى في قضية فلسطين قضيته الخاصة تجري في دمائه وتمتلك كيانه ، فالعربي الحقيقي هو فلسطيني قبل أن يحمل أية جنسية قطرية أخرى .

ويرى شاعرنا في انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني ذروة النضال في سبيل الحرية ، ويقول في الانتفاضة الباسلة: " أنا كنت أعتقد أنّ فيتنام ذروة النضال في سبيل الحرية .. أما الآن فقد وضعت فيتنام في الدرجة الثانية من النضال بعد نضال أطفال الحجارة ."
 قبل التعرف على مواقفه في شعره من فلسطين والفلسطينيين ، سنتعرف على وجهة نظره في الصراع العربي الصهيوني .

صراع حضاري
في تحليله للصراع العربي الصهيوني يطلب الشاعر والأديب عبد المعين الملوحي أن لا نقع في حلبة " المزايدة " في هذا الموضوع على حساب مستقبل أمتنا العربية . وهو يذكر أنّه قال إنّ الصراع العربي ـ " الإسرائيلي " صراع حضاري منذ عام 1943 أو حوله ، عندما كان في زيارة رفاقه في مدينة من مدن فلسطين .. وعندما اجتمع برفاقه ليلاً ، وكانوا أكثر من سبعين فلسطينياً عربياً ، قال لهم: إنّ نتيجة صراعكم مع اليهود معروفة . إنّ حضارة القرن الثاني لا تقاوم حضارة القرن العشرين بل الواحد والعشرين .

ويرى شاعرنا أنّ التفوق الصهيوني على العرب سيستمر أمداً لا يستطيع تحديده في الزمان ، وإن كان يستطيع تحديده في الأسباب ، وسيستمر احتلال الصهاينة لأجزاء أخرى من الوطن العربي ، ما دامت أسباب هذا التفوق قائمة ، ما دامت الأمة العربية ممزقة متفرقة ، يحارب بعضها بعضاً حرباً حقيقية بالحديد والنار أو حرباً كلامية ونفسية بالإذاعات والخطابات . ما دامت أغلب الجيوش العربية تهمها حراسة الأنظمة ، وحماية الحكام لا حماية الأمة العربية وتحرير فلسطين . مادام بعض الحكام العرب يسلمون بلادهم لحماية "إسرائيل " ويضعونها تحت تصرفها ، ويخرجونها من جبهة التحرير كما فعل السادات في إخراج مصر وجيشها ، من ميدان النضال . ما دام بعض العرب يقاتلون الأصدقاء ويتركون الأعداء ويخرجون جيشاً ثانياً باسلاً من المعركة .

..

مادامت الشعوب العربية لغواً لا تشترك في تقرير مصيرها ، متخلفة يفتك بها الجهل والمرض والجوع .

ولكنه غير متشائم .. إذ يقول : " تبدو في الوطن العربي علامات صحو مميزة تعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا ، وفي مقدمة هذه العلامات ثورة الجزائر ، التي انتصرت على فرنسا بعد احتلال استمر أكثر من مئة وثلاثين سنة .

لن تبقى " إسرائيل " ورماً خطيراً في جسد الأمة العربية ، ولسوف تباد كما بادت جحافل التتار والصليبيين ذات يوم ، أرجو ألاّ يكون بعيداً . "

إنّ داء الأمة العربية معروف جداً ، وما علينا إلاّ أن نقدم الدواء الشافي .

إنّ الدعامة الأولى التي تبنى عليها "إسرائيل" سياستها العدوانية ـ كما صرح كبار قادتها ـ هي تمزق الأمة العربية والخلافات بين دولها ، فمتى تنهار هذه الدعامة بوحدة الأمة العربية واتفاق دولها ؟!

وهو يدعو إلى معرفة العدو لأنّها تزيد من قدرتنا في التغلب عليه ، على شرط أن لا نكتفي بالمعرفة . ويقلل كثيراً من هول الغزو الثقافي الصهيوني مؤكداً أن " لا غزو ولا تأثير للثقافة الصهيونية في العقل العربي ، إنّها ثقافة غريبة عنا ، وصدها ، إذا غزت بعض العقول ، في بعض الدول العربية ، هو في تعزيز ثقافتنا ورفع مستواها . لا يستطيع الطحلب أن يعيش في الصحراء المحرقة . "

وحول موقف الشعراء والأدباء والمفكرين العرب من عملية السلام مع إسرائيل ومن التطبيع ، يعتبر أنّ أثر تلك المواقف يحمل قيمة نظرية : " ذلك أنّ المسألة أولاً وأخيراً هي مسألة حكومات عربية ـ بعضها تعترف   بإسرائيل ، وبعضها تغازل إسرائيل وتتعامل معها في حدود كثيرة أو صغيرة ..

ثم إنّ هذه الحكومات لها صحفها ومجلاتها وكتابها ووسائل إعلامها . وهي قادرة على توجيه هذه الأدوات حسب ما تريد . ترك مهمة مقاومة التطبيع على المثقفين والأدباء خدعة كبيرة .. فالأدباء القوميون الأحرار غرقى في بحر من المعترفين بإسرائيل ومن المهرولين للاعتراف بإسرائيل ..  ويتذكر عند معالجة هذه المسألة وموقف المثقفين من الحكام أو على الصحيح في موقف الحكام من المثقفين قول الشاعر :

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له     إياكَ إياكَ أن تبتل في الماء

فلسطين والعاطفة الإنسانية والقومية في شعر الملوحي :

يمتاز الملوحي برهافة الحس والعاطفة الإنسانية الصادقة ، وعاطفته لا حدود لها فهي من صدقها وقوتها لو هبَّ جزء زهيد منها على الصحارى القاحلة الجدباء ، لأحياها وكساها بالخضرة والزهور :

وعاطفةٍ لو هبَّ معشارُ خِصبها   على القفرِ أضحى القفرُ بالزَّهرِ كاسيا ( الملوحي يرثي نفسه )

يستمد شاعرنا عاطفته الإنسانية التي تشمل البشرية جمعاء من أصله العربي وجذوره الإسلامية ، ونزعتها الإنسانية العامة ، والتي استمدها من إطلاعه العميق والواسع على ثقافة أمته  وتعمقه وفهمه الموضوعي للتراث العربي ، بالإضافة إلى إطلاعه على ثقافة الشعوب ، وتمسكه بالحياة والعقل وسيلة لفهم الحياة ومعالجة مشاكلها بقوانينها الاجتماعية الملموسة . ففي الوقت الذي ينحصر هم الكثيرين بهمومهم الشخصية ، يحمل شاعرنا أعباء الوجود عامة ، وهو يرفع من شأن بؤساء العالم بأن يبني علاقته بهم على أساس التحالف في النضال وليس من منطلق الشفقة والحنان فقط  :

إذا أنا إنسانيتي لم تهزنـــــــي   
                         فليس أبي من عبد شمس ولا  جــدي
أ أنكر إخوان الشقاء ، و إنهـــــم 
                         هم عدتي في النائبات وهم   عضــدي
أولئك أهلي ، ما جحدت إخاءهــــم

                         فمن فقرهم فقري ، ومن وجدهم  وجدي

                                           ( تحية الهند ـ 1965 )

كما أنّ أهم العناصر التي تعطي شعره زخماً وقوة تجعلها قابلة للعيش في المستقبل هي نزعته التقدمية :

قد عشتُ أَيامي على دربِ التحرُّرِ والرُّقــيِ

وقذفتُ أَحجاري على الطُّغيانِ معْ شعبي الأَبيِ

 

النصرُ يا ولدي لنا ، ولوَ اننا كنا  الضحايــا

ولنا غدٌ وجمالُهُ ، ولوَ انَّنا عِشنا رعايــــا

                                                  (ورود)

 

والملوحي ضد جميع أشكال التمييز الطبقي والعرقي والديني ، فعاطفته الإنسانية  ثورية ، فهو ضد العبودية ، وهو لم يكتفِ بالدعوة للرفق بالعبيد والمظلومين وإنما دعاهم إلى الثورة ضد  مستعبديهم ، وبقي في خندق الثوار :

وإن ثار في الأرض العبيدُ وجدتني     نصيراً لزحف الثائرين مواليا

 

كما تعد المشاعر الوطنية والقومية من أهم وأصدق وأعنف العواطف التي هيمنت على الشاعر عبد المعين الملوحي .. إنّها لصيقة به ، بل قل هي جزء من شخصيته نهلها مع حليب أمه وعاطفة أهله .. ويبقى هدف إعادة رفع العلم العربي خفاقاً ـ ذلك العلم الذي اضطر والده الشيخ الجليل أبو أنيس إلى حمل سطل من الكلس والصعود على سلم خشبي لمحوه عن جدار صدر الإيوان ، والطفل عبد المعين راكع خاشع لا يجد تفسيراً لما يرى ـ ( يبقى هذا الهدف النبيل ) تحدياً أساسياً من التحديات التي تواجه الشاعر ، وينمو هذا التحدي يومياً مع تعاظم التحديات التي تواجه الوطن العربي ، ومع اطراد نمو وعي الطفل ومعرفته بالأسباب الحقيقة لهذه التحديات ، ومنذ الطفولة يعي الملوحي بذهنية الشيخ الناضج أن أحد أهم الأسباب الأساسية في المآسي التي يعيشها الوطن يكمن في التفرق والتشرذم ، لذلك نجده في أوائل قصائده ، التي كتبها عام 1929 وهو في صباه ، يدعو العرب إلى التعاضد والوحدة :

 
         ضموا الجهود ووحدوا الأعمالا        تبنوا الفخار  وتدركوا  الآمـالا
         إن الرماح إذا تناثر   عقدهــا       كسرت ويعيي   جمعها  الأبطالا

         يا أيها الزعماء لا تتفرقـــوا        حسب البلاد تفرقاً و قتـــالا

والشواهد على مواقفه القومية المؤيدة للوحدة العربية ، وتحرر الشعوب تطغى على مجمل قصائده وملاحمه ، وتمتزج مع جميع عواطفه ، فهو إن تحدث عن الحب أو الطبيعة أو الغزل أو الرثاء  لا ينسى الوطن ولا الهموم القومية والإنسانية ، وهو الذي تغنى بوحدة الوطن العربي وأمجاده منذ صباه ، وهو على حق تماماً فالوطن العربي مشعل نور أضاء للإنسانية مستقبلها في أكثر العصور قتامة وظلاماً :

وَطَنٌ واحدٌ لنا عربــــيّ        العلى والفخار من   أسمائــه

جبلت أرضه من المجد والجو       د وشعت أنواره في  سمائــه

وطني! عد كما كنت  للكــو      نِ مناراً وَنَجِّهِ   مـــن  دائه

أنت فيض من  الهداية و النـا      س ظماءَ إلى  ترشــف  مائه

                                       ( وطني العربي ـ 1941 )

 

تبين هذه القصيدة الوطنية أنَّ الشاعر عبد المعين الملوحي أطلق شعار : وطن عربي واحد منذ عام 1941 ، أي قبل العديد من الأحزاب التي تبنت وأطلقت بعده بسنين هذا الشعار .

 

تعد عاطفة شاعرنا الإنسانية السامية والقومية الصادقة المناهضة  للظلم والاضطهاد ، أساساً ومنطلقاً لموقفه من القضية الفلسطينية ودفاعه عن شعبها المظلوم والمضطهد بشكل مباشر من الاستعمار وربيبته الصهيونية ، ومن قبل الصمت العربي والعالمي المتفرج على مأساته . وقد تجلت مواقفه هذه منذ الطفولة ، فقد نظم قصائده في الدفاع عن الشعب العربي الفلسطيني وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، كان ذلك في قصيدة " ثورة فلسطين " التي كتبها عام 1936 ..

 

ثورة فلسطين :

من الطبيعي أن تحتل فلسطين السليبة مكانة خاصة في وجدان عبد المعين الملوحي الذي جبل على مكافحة الظلم بكل أشكاله وأنواعه .. فالظلم الذي عاشته وتعيشه فلسطين ـ مهجة الشاعر ووجوده ـ قلما عرفته أرض أو شعب .. لقد وقف مع شعب فلسطين الأبي مذ كان تحت وطأة الاحتلال الإنكليزي البغيض الذي لم يتزحزح عن صدر هذا الشعب الباسل إلاّ بعدما سلمه لطغيان أظلم .. أما الشعب العربي الفلسطيني فقد ثار على الاستعمار الإنكليزي والاستيطان الصهيوني اللذين تباريا في بشاعة المجازر التي اقترفاها بحق هذا الشعب البريء المكافح .. ويدشن الملوحي أشعاره في الدفاع عن الشعب الفلسطيني بقصيدة ملحمية تحت عنوان " ثورة فلسطين " كتبها عام 1936 خلد فيها مأساة ذلك القروي من قرية  ( قاقون ) من أعمال طولكرم الذي أرداه رصاص جندي بريطاني وهو قائم يصلي ، بدأها بوصف ذلك العربي المسلم وهو خاشع في محراب ربه يصلي  :

سكن الليل وانبرى في  السكون     طالباً نصرة  القوي  المتيــن

مسلم هزه الشقاء فصلــــى              تائه اللب في  الصفا والحجون
من فلسطين فلذة الوطن البائس               مهد الهوى ومهوى الفتــون
                                 *          *          *

 ترى ما هي مشاعر الإنسان البريء والطغاة يحيطون به وهو يصلي ، بأسلوبه البارع جعلنا الشاعر نعيش تلك  اللحظات العصيبة التي تتنازع فيها مشاعر المظلوم بين ربه ومصيره وقاتله :
وتراءى لناظر الشيخ  نـــور             في ظلام  يعشي النواظر جون
ورآهم فلم يخف من أذاهـــم             أيخاف القتيل من سكيـــن؟
قال: يا رب، ثم قام يصلـــي             كاتماً بؤس قلبه  المــحزون
                                     *       *         *

        ومع تعذيب الطغاة لذلك المواطن البريء تزداد حدة معاتبته لربه ، وينقلنا الشاعر عبر استعاراته واستخدامه للنص الديني والأسطورة إلى حالة أزلية من التساؤلات السرمدية التي راودت الإنسان وستبقى تراوده ، طالما هو يمر في تلك الحالات اللاإنسانية واللامعقولة :

   رفسوه  واستهزؤوا ، وهو يدعـو            قائماً في يدي كريم معيــن

      " أسجين يا رب أنت فنشـــكو            لست يا رب بالضعيف السجين"
أم عم عن بني فلسطين؟  كــلا           ثم كلا ما أنت أعشى العيــون
نجني  ربِّ  مثلما  كنت   نجيــــت من الحوت والأذى (ذا النون)

 

                                 *         *        *

        ننتقل مع كاميرا الشاعر إلى لقطة جديدة ، كأنّه يخرج لنا أبدع اللوحات ، لكنّها ليست غريبة عنا في القرن الواحد والعشرين ، على الرغم من أنّه التقطها في أوائل القرن العشرين ، أي منذ حوالي قرن من الزمن ، ويبدو هذا القرن لحظة ، بل أقل من لحظة ، لأن تلك اللقطة اللوحة ما زالت تتكرر أمامنا ، مع كثير من التفنن في الظلم والبطش وإذلال الإنسان من الصهاينة المحتلين لأبناء شعبنا في فلسطين :
" أ تصلي وليس تجدي صــلاة           إنما النصر للظبى والجفــون"
ورماه – شل الإله يديـــه -       برصاص أودى بروح  ثميــن

وتلوى الشيخ الطعيــن  ونادى         - لعن الله أمة السكـون –

ويح هذا الإنســان إن زاد بأساً          زاد حقداً على الضعيف  الحزين
 

                                   *        *           *

        يحاول الشاعر نقل قضيته إلى مستوى متحضر ، فيسعى لمناقشة الإنكليزي المعتدي علّه يستطيع ثنيه عن تكرار مجازره الآثمة ، ولكنّه لا يعيش في الأوهام بل هو يعرف حقيقة الاستعمار والمحتل ، ومع ذلك يحاول إيصال صوت الحق حتى ديار الظالمين :

أيها الإنكليز و  الدم  يجـــري          عن يساري معربداً و  يميـنـي

أخبروني: أما تجمع  فيــــكم          لؤم أهل الدنيا ؟ ألا اخبـرونـي

                                *           *          *

ويتم الشاعر رسم أدوار جميع أبطال هذه المأساة ، فيتمنى استبدال رأس     " صلاح الدين "  برؤوس جميع قادة الأعراب ، ويحاول إيقاظ حواسهم المتخشبة بتذكيرهم بأن العلي القدير سيسألهم عمّا فعلوه عند سماعهم لاستغاثة الشعب العربي في فلسطين :

     
 يا رؤوس الأعراب يا ليت للعــر         ب بكم كلكم (صلاح الديــن)
قد سمعتم أنين شعب  فلســـــــــطين فلم تفزعوا لذاك الأنيــن
قد كرهتم جهادكم وارتضيتـــم         ذلة الإنكليز و الصهيونــــي
ثم يصل بنا إلى استنتاج منطقي ، يقودنا إلى طريق خلاص لا لبس فيه للخروج من هذه الكارثة المحدقة بنا ، ويقودنا سلوك هذا السبيل إلى طريق الحق ، إنّه :

الجهاد الجهاد فرض علـيـنــا          لا رعى الله مهجة المستكــين
يا فلسطين في غد ندرك الحــــــ ـق  منيراً مثل الصباح   المبيـن
تكمن مصادر القوة في قصائد الملوحي بأنّها غنية بالمشاعر الإنسانية الملازمة لحياة ونضال وكفاح جميع الشعوب وفي جميع الأزمنة ، فهي ليست مقيدة بمكان ولا بزمان بل هي إنسانية سامية حرة الفكر ..

وفي عام 1956 يسافر شاعرنا إلى فلسطين الحبيبة ، ومن هناك يوجه تحية صادقة إلى خليل الرحمن وشعبه الأبي :

وإذا سألت عن المكارم والعلا            يوماً وجدت لها الخليل  خليـلا

بلد يخاف الدهر غضبة  أهله            فتراه في أرض الخليل ذليــلا

قل للعروبة لن تري مستعمرا            زحف الرجال من الخليل سيولا

 

كما يحي نابلس على إثر طرد القائد الإنكليزي " كلوب " فيقول :

نابلسَ حيّ تحي الشعر والأدبــا     

                                    والعز والمجد والأخلاق و العربـــا

قد ظن طلعتها يوماً له   سلبــاً 

                                    سهلاً فكانت قفاه عندها  سلبـــــا

       
ويتجلى صدق عاطفة شاعرنا في قصائد الرثاء التي نظمها في شهداء فلسطينيين قضوا دفاعاً عن فلسطين ودفنوا بعيداً عن ترابها المقدس ، كرثائه لعلي السرطاوي وعصام السرطاوي ، والدكتور عبد الرحيم بدر .   

 

من قصيدة رثاء المرحوم على السرطاوي :      

        في عام 1971 يفجع الدكتور عصام السرطاوي ـ صديق شاعرنا ـ وهو في دمشق بوفاة والده في بغداد ، وتنقطع السبل به فمحظور عليه ، ليس فقط دفن والده في وطنه الحبيب فلسطين ، بل وحتى حضور مأتم والده ودفنه في بغداد ، يا للعار وشماتة العدو بنا :

 
قضى لم  تدر كيف  قضى      وخاف عليك إن أنبـــأ

ولم تسند له رأســـــاً      لغير الله ما طأطــــأ

ولم تغمض له عينــــاً      كعين النسر أو  أجــرأ

ولم تحفر له قبـــــراً      يواري الشمس بل  أضوأ

أنحرم دفن موتانـــــا ؟    ولا – والله – لم  نصبـأ

ويهزأ من  مآتمنـــــا ؟   وكل العار أن  يهـــزأ

                   *        *         *

الحرب والحب :

وفي عام 1971 يبدع الشاعر عبد المعين الملوحي قصيدة تحت عنوان "الحرب والحب " نشرها في مجلد الثقافة بدمشق ، قال عنها الشاعر حامد حسن  " لعل هذه القصيدة أوعى وأجمع وأندر ما قيل في الحرب والحب " صور فيها الشاعر فدائياً فلسطينياً يخوض معركة من معارك الشرف والبطولة ضد المحتل الصهيوني ، بعد أن كان ذلك الفدائي البطل " عصام السرطاوي " قد سرد عليه مشاعره والأفكار التي انتابته أثناء المعركة الشرسة .. يقول الشاعر في مقدمتها :

أخي ( ع . س .)

عندما قصصت علي أنباء معركة " المفرق " وما لقيت فيها من هول ، وكيف صبرت مع إخوانك الفدائيين وصمدت ، وأنك لمست الموت لمس اليد ، وأنك أبصرت في قلب المعركة " إصبعاً " تومي إليك أن تقدم ، فتقدمـــــت   ونجوت ،  وأنك عاهدت ربك ، لئن ردك الله إلى أهلك لتقبلن ذاك البنان المنقذ ... وأنك عشت ووفيت بعهدك ..

عندما قصصت علي هذا كله ... في أسلوب أدبي رفيع .. أسلوب الإنسان الذي خاض معركة الحرب ثم ذاق طعم الحب ، عرفت أن قصيدة ما في وصف هذين الموقفين قد انتهت فعلاً ، وبقي علي أن أسجلها ، وقد سجلتها في ساعتين أو ثلاث .. إنها منك ومني ، منك روحها ومني هيكلها ، منك معانيها ومني ألفاظها ، منك صورها ومني شكلها ، وشتان بين من يعطي المعاني والصور والأرواح ، ومن يعطي الألفاظ والأشكال والهياكل ...

فإليك يا أخي البطل مرتين ، أهدي إليك ما هو منك . نصرك الله في   حربك ، حرب تحرير بلادك ، ومتعك بحبك هذا الطريف العنيف ...

                                      عبد المعين الملوحي

نورد أبياتاً من هذه الملحمة القمة الجديدة  ، ونترك لذوق القارئ الحكم عليها :

 

ذكرتك والموت فوقي يحــــوم 

                                وتشتعل النار حولي اشتعـــالا

كأن الرصاص على كـــل درب 

                       رذاذ  ترامى ، وغيث  توالــى

وتهوي القنابل من كل صـــوب

                      تدك التلال وتطوي  الجبـــالا

                       *         *         *

حبيبة قلبي رشفت بنانــــــك  

                       شهداً مذاباً ومـــــاء  زلالا

غداً في فلسطين أبني  لحسنـــك 

                       قصراً على بحر يافا  تعالـــى

                      *          *         *

حياتيَ كأسان : حرب و حـــب 

                        وكلاً شربت نهالا نهـــــالا

ولولا النضال جهلت الهــــوى 

                       ولولا الهوى ما  عرفت النضـالا

 

 

 

رثاء عصام السرطاوي :

أغلب من يتعرف على الشاعر عبد المعين الملوحي وملاحمه الشعرية في الرثاء يتمنى لو يرثيه الملوحي ، بل إنّ زوجة المرحوم  الدكتور جميل صليبا تمنت بعد قراءتها قصيدة " بهيرة " لو أنّها هي المتوفاة وزوجها خلدها بمثل تلك القصيدة .. ومن بين أولئك الذين أوصوا شاعرنا برثائهم الدكتور عصام سرطاوي ، الذي ألهم شاعرنا قصيدة " الحرب والحب " ، وهو عربي فلسطيني ثائر ، ترك أمريكا في عام 1967 و انصرف إلى العمل الفدائي والسياسي ، قتله بعض الفلسطينيين المهووسين من أبناء بلده نتيجة اتصاله بالقوى التقدمية والعناصر المسالمة :

رثاؤك بعض حقك يا  عصــام        تمام الحق أن يرثى العظــام
وأغلى الشعر شعر أخ وفـــي       بكى بطلاً يمزقه  اللئــــام
يقتل بعضنا بعضاً  كأنـــــا       لنا في قتل أنفسنا غــــرام
ونترك في أراضينا عــــدواً        لدوداً لا ينيم ولا ينـــــام
                                *          *          *

 

رثاء الدكتور عبد الرحمن بدر :

لفلسطين والفلسطينيين مكان خاص في مهجة كل عربي حر ، فهم أصل المناعة الأولى في مقاومة العرب والإنسانية للصهيونية العنصرية ذلك السرطان الخبيث الذي جلبته لهم وللإنسانية تناقضات الاحتكارات الرأسمالية العالمية ، وشاعرنا لسان حال الأحرار ، إن ألم بشقيق خطب ينوب عن شعبه في تخليد ذكراه ، ومن الذين خلدهم تاريخهم وعملهم صديق شاعرنا الدكتور العالم الفلسطيني عبد الرحيم بدر الذي وافته المنية عام 1994 :

 

كيف  أحيا وقبرُ عبدِ الرحيــــم    
                              رابضٌ في شَغافِ قلبٍ   كليــمِ ؟
صاحَ :  آهٍ ، فرددَ الميــــتُ آهٍ  

                               هل سمعتم آهاتِ عظمٍ  رميــمِ ؟

                         

                             *      *      *

       

أتدرون بما تتحدث به رفات أي مشرد فلسطيني قضى بعيداً عن تراب  وطنه ، إنّها تستغيث أن تدفن في ربى فلسطين لأنّها سئمت مرارة النفي والقهر والحرمان :

انصتُوا تسمعوا نداءً شجيـّــــَاً

                             رددتْه أشلاءُ ميتٍ عظيـــــمِ:

احفروا في ربى فلسطينَ  قبــري   

                             في خليلِ الرحمنِ ، بينَ الكــرومِ
قد سئمتُ الحياةَ نفياً و قهــــراً    
                            فعساني في القبر ألقى  نعيمـــي
                            *     *     *

لكن بمن تستنجد ؟ وهل بقي من رجال في زمن القواد الخونة الذين نجحوا في مهمتهم في تمزيق الأمة وخلق جيل من الخصيان لا حول لهم ولا قوة ، فعبثاً الاستنجاد بهؤلاء :
ألفَ لبيكَ لو دعوتَ  رجــــالاً
                            لا قطيعاً يرضيه رعيُ الهشيـــمِ
نحن جيلُ الخصيانِ عشنا ومتنــا 

                            في جناح الحريم ، مثلَ  الحريــمِ

نحن جيلُ الشقاقِ ، في كلِّ قطــرٍ 
                             زرعَ الحقدُ ألفَ ألفِ زعيــــمِ
                             *     *     *

إن أردت الخلاص فاستنجد بجيل أطفال الحجارة الذين ترعرعوا على النضال في مخيمات المقاومة ، ولم تطلهم بعد الأيدي الملوثة :
حبذا لو دعوتَ أطفالَ  جيــــلٍ 
                             أنبتته الخيامُ صلبٍ  قويـــــمِ
سلحتْهم أرضُ الكرامـــــة بالـ  

                             أحجارِ شَقَّتْ رأسَ الدخيلِ  الدميـمِ

                                   *     *      *

ويختتم شاعرنا قصيدته بغنائية نسيجها اللحن الشجي والعاطفة الصادقة النابعة من أعماق قلب محب صاف ٍ :

يا طبيبي قد غابَ عني دوائـــي 

                            منذ غاب الطبيب عبدُ  الرحيـــمِ

يا حبيبي قد ضاعَ مني شفائـــي 
                             مذ جفاني الحبيبُ عبدُ الرحيـــمِ
فانتظْرني غداً سألقاكَ  صُبحـــاً
                             لا يطيقُ النديمُ هجرَ   النديـــمِ
        إنّ عبد المعين الملوحي يحمل قضايا العرب وفي طليعتها قضية شعبنا العربي الفلسطيني في وجدانه ، وهو في شعره ينطق بلسان كل عربي حر ، يؤمن بأنّ تباشير الفجر لابد ستكسو آفاق فلسطين نصراً ، وحرية ، وسلاماً :

الجهاد الجهاد فرض علـيـنــا          لا رعى الله مهجة المستكــين
يا فلسطين في غد ندرك الحـــ ـق  منيراً مثل الصباح   المبيـن

 (مقتطفات من كتاب : الأصالة والإبداع في شعر عبد المعين الملوحي ـ شاهر أحمد نصر ـ مطبعة المنارة ـ طرطوس 2002)

    طرطوس 1 ـ 1 ـ 2003                   شاهر أحمد نصر

[email protected]

 



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بحث في الحرية والديموقراطية - 2
- بحث في الحرية والديموقراطية - 1
- عقبات تحقيق المشروع التنويري العربي ؟
- هل هناك من هو أقوى من حكام الولايات المتحدة الأمريكية الحالي ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - فلسطين في شعر عبد المعين الملوحي