أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل الدلفي - الثقافة والعنف جدلية الخفاء المتبادل















المزيد.....


الثقافة والعنف جدلية الخفاء المتبادل


كامل الدلفي

الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 09:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الثقافة والعنف جدلية الخفاء المتبادل
كامل الدلفي

الى م يرجع الإرهاب ؟
هل هو نابع من رواسب الطبيعية يوم كان الانسان كائناً طبيعيا ، قبل ان يتحول الى نسق اخر ، ام ان الإرهاب افراز جديد لانساق الثقافة التي مكنته من تجرده من ثوبه الطبيعي الأول ؟
في نقطة التحول الأولى من الطبيعي الى الثقافي نعثر في أروقة الفكر والفلسفة والعلوم على التفسيرات والتكهنات والبديهيات التي ربما يكون على قدر من الفائدة ان نشير اليها لاننا نستدرج هنا اشارات التلازم والابتعاد فيما بين نسقي الإرهاب والثقافة بقدر ما ،فمتى قطع الانسان علاقته بالنظام الطبيعي ممهدا انتقاله الى النظام الثقافي ؟
أي متى اصبح بامكاننا الاشارة الى ان الانسان كائنا مثقفا ؟ لا ريب ان نزاعات هائلة في الفكر قد جرت وتصادمات لاحد لها قد مرت ، الا انني اميل الى ماحدده كلود ليفي شتراوس في هذا المجال سيما عند مساهماته الفعالة في تجذير اتجاهه المعرفي الانثربولوجيا البنيوية ويمكن الاستزادة في الرجوع الى مؤلفاته (البنيات الاولية للقرابة – 1949 ) ،(مدارات حزينة -1955) (الانثربولوجيا البنيوية ) 1960 ، الفكر المتوحش 1963 ) ، ان هذه الكتابات تشير الى تطور نظرة الفلسفة البنيوية والانثربولوجيا حول نزاع الطبيعي والثقافي في الانسان ، ومنها نستطيع ان نستدل على اجوبة لاسئلتنا متى عرف الانسان كمثقف فقد اشار شتراوس الى صعوبة الوصول الى التحديد الجازم في ذلك (ان لغز ظهور الثقافة سيظل مستعصيا فهمه على الانسان ما لم يتوصل على المستوى البيولوجي الى تحديد التغيرات البنيوية او الوظيفية التي حدثت في الدماغ ، وكانت الثقافة ، نتيجتها الطبيعية ) ( ) .
ان شتراوس لم يخرجنا بتاتا عن منطوق التطور الانساني الذي الزمه بغايات قصوى في مستويات شعورية ولاشعورية الى ابتناء ادوات وبنى ممهدة لاحتواء حاجات ولوازم التطور ، فكان العامل الاول الذي يحدد تلك القفزة ظهور اللغة المنطوقة كما يقول شتراوس (كان من بين اهدافي اثبات ان الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة يتحدد باللغة المنطوقة ) ( )
ان اللغة شكلت المعلم الوظيفي الرمزي والنموذج الراقي لتمايز الانسان عن المخلوقات واستحداث القطيعة النهائية مع الرحم الطبيعي وخصائصه السلوكية ، خرج الانسان وقتها من الضرورات الكليانية الى الخضوع للقواعد والقنونة السيوسيولوجية .
اما العامل الثاني الذي يؤشر خروج الانسان الى فضاء الثقافة والتحرر من سيطرة الطبيعة كسلطة وحيدة مهيمنة انها ظاهرة حظر الزواج من الاقارب اذ تمكن العقل البشري بقدرة هائلة من الانتصار على الغريزة متحولا الى الثقافة فكتب شتراوس (ان تحريم الزواج من الاقارب يؤسس الخطوة الرئيسة التي تحقق بفضلها وبالاخص من خلالها الانتقال من الطبيعة الى الثقافة ) ( ) .
ان رجوعي الى الوراء ، الوراء البعيد هناك في أوليات الحضارة يحقق لدي انسجاما ووحدة عضوية في اعتبار ان كليانية الانسان وتمظهرات تطوره لاتجعلنا احرارا في البحث المجزوء في أي ظاهرة دون الرجوع الى التمأسس الاولي ، وخوفا مني ان أقع في مطب النزوع الجهوي او الطائفي او الفئوي على اعتبار ليس هناك من خلاص في لحظة ما من تأثير ايديلوجي ، سيما وانا بصدد التطرق الى ظاهرة خطرة ومفهوم معقد (كالإرهاب ) وبذلك الصدد يقول ادوارد سعيد ( انه لمن الاسهل والاكثر شيوعا ان يسقط المثقفون في انماط من الحقد المنتقم والاعتقاد بصحة وصواب النفس بحيث يعمون عن رؤية الظلم الذي يحيق بالغير وباسم جماعتهم هم ، الاثنية والقومية ويصح ذلك بوجه خاص على فترات الازمة والتوتر الاستثنائي حيث يرفع علم التعبئة ) ( )
وما جئت بهذه المقدمة النظرية من جانب استعراض نظري ليس بذي فائدة او علاقة مضمونية ، بموضوعنا ، على العكس أني اجدها على اهمية قصوى في تقديم النسق الثقافي كعامل موضوعي رئيسي في مواجهة الازمة الحضارية التي نحن بصددها وما الإرهاب الا خصيصة واحدة من ضمن نتاجاتها ، وان الثقافة سلاح انساني حاد في المعالجة والاحتواء ومضمون لافكاك منه في دخولنا الى المواجهة .
وحري بنا ان ندخل الى ايضاح مفهومي في الثقافة ومن ثم الإرهاب ، ونجد منظومة العلاقات المتبادلة فيما بينهما وانساق التبادل والتاثير وحسبنا الانتقال من العام الى الخاص لضرورات التحقق العياني ، اذ دون تناول اليومي لايمكن ان نحرز الجدوى من المعالجة ،
تعريف الثقافة والمثقف
لست بصدد استعراض مفاهيمي زمني ، يقدر ما اشرت اليها بادئا على انها خلاص الانسان من الغريزية والانتقال من الطبيعية ، غير ان ايراد تعريف اصطلاحي لها من بين التعاريف العديدة التي ظهرت لها ينطوي على جانب من الاهمية في بحثنا ونورد هنا تعريف تايلور E.B.Tylor الذي يقول (الثقافة هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة ، والمعتقدات ، والفن ،والادب ،والاخلاق ،والقانون والاعراف ، والقدرات والعادات الاخرى التي يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع ) ( ) وقد وجدنا في هذا التعريف ما يوصلنا الى استكناه جوهر الثقافة والذي من خلاله ان نسير نحو تعريف المشتغل في صناعة هذا المركب أي (المثقف) لاغرو اننا لانستطيع ان نلم بكافة التعريفات التي وردت بهذا الصدد ، ولكن من المهم ان نسوق اهمها ، وقد وجدنا . بما ذكره المفكر الايطالي انطونيو غرامشي اذ كتب في ( دفاتر السجن) مانصه : ( بوسعنا القول ان كل الناس مثقفون ، ولكن لايقوم كل الناس داخل المجتمع بتك الوظفية ، وظيفة المثقف) ( ) .
ومن هذا التعريف خرج تصنيفه الشهير للمثقفين ، فهناك المثقفون التقليديون الذين يمارسون اداء عملهم نفسه بدون تبدل عبر الاجيال ، وامثلتهم الموظفون ، المعلمون ،رجال الدين .. الخ والمثقفون العضويون ذلكم الذي يرتبطون بتنظيم المصالح وتحقيق التوسع السلطوي حسب الارتباط المباشر باهداف الطبقات والمؤسسات التي يرتبطون بها ، وقد وجدنا ان المثقف في بعض التفسيرات هو منتج روحي ومادي يحتاج الى الارتباط بروح العصر بأواصر الادراك الحتمي للارتقاء بالوظيفة الثقافية الى دور فعال ، وقد ارتبطت غالبية التفسيرات التي تناولت الشأن الثقافي بمفهوم تصاعدي واحد اكد ان الانسان تحول ضمن سلسلة ادوار حضارية الى ماهو عليه الآن منفصلا شيئا فشيئا بدرجات واسعة عن بدائيته الاولى .
ان المثقف اذن ليس معفوا من واجب القول ، القول الذي لايروم من خلاله استدرار الرضا والاستحسان من لدن الجمهور ، والذي جاء من موقفه التبعي لمراكز القوى المتعددة عبر التشكيلات التاريخية ، بل واجب ابقاء الكرة في ملعب الجماهير واحراجها واثارة امتعاضها وحتى غضبها وحنقها احيانا ، عبر كشف حقيقتها التي عليه ان يطالعها بها ، حقيقتها الواضحة بانها تمارس الجرائم والجرائم المماثلة مع بعضها دون الفكاك من ازدواجيتها المقدسة في ثنائية (الضحية –الجلاد ) ان العامل الثقافي ..هو عامل احاطة العنف وتطويقه واكتساح مواقع الارهاب.
وقد لا يستطيع ان يخلص مثقفنا العراقي الى تمثيل هذا الدور الستراتيجي ضمن مقاساته المطروحة ما لم يتخلص من اكبر خصائصه وهي التبعية الى السياسي واعلان استقلاله التام كقوة ثقافية ..
في هذا الصدد ارى ما كتبه الأستاذ محمود صبري مهما وحيويا يقول (المثقف ينبغي ان يدخل معترك العمل السياسي لا كسياسي محترف يهتم بالثقافة ، بل كمثقف محترف يهتم بالسياسية ، وهكذا يستطيع ان يحرر نفسه من خدمة (مراكز القوى) ، انتماؤه الأساسي ،الذي هو أوسع واهم من أي انتماء أخر ، هو الى الفكر والثقافة وليس الى السياسة بل انه يستطيع ان يقلب الاية ويفرض على السياسة ان تنتمي بتبني رؤيته ) ( ) .
لقد صار في أمكاني القول ان الثقافة هي البيان الأول لانسنتنا . وان الإرهاب قطع انسوي حاد انه ثقوب سوداء في مرئية الانسنة الشاملة ونعود الى سؤالنا الأول بعد هذا التمهيد الى م يرجع الإرهاب ؟
هل نرده الى مرجع لاشعوري لدى الانسان ؟ ام انه ناتج عن يقظة عناصر طبيعية ما قبل ثقافية ساكنة تنتقل وراثيا تتحرك لحظة توافر الظروف البيئوية المناسبة ؟ ام غير هذا وذاك ؟ أنني سأجيب في استعراضي القادم عن هذين السؤالين ان دراسة الإرهاب بمعزل عن الظواهر الاجتماعية والسياسية يؤدي بنا الى قصور منهجي وهنا لابد من عودة الى تقييمنا للمشروع السياسي في العراق بعد 3 سنوات من الاحتلال نقد أكدنا ( أن الصراع الذي يجري في العراق الان صراع من نوع جديد مختلف بإيقاعاته وخصائصه ومزاياه عما سبقه من اشكال للصراع الاخرى التي مرت في سلسلة التطور الماضي للمجتمع فلأول في مرة التاريخ يعلن المجتمع العراقي افلاسه من مجتمعيته ، وذلك تحت تأثيرات الفوضى العالمية التي نقلت بؤرة تكاثفها الى بغداد، ان الفوضى والازمة المعقدتين في فلك العراق نابعتان من فوضى وأزمة عالميتين لذا ان في مقدورنا استبيان مستويات الصراع في العراق على انها مساقط الظل للمستويات الدولية التالية :
1) صراع عالمي تمثله اميركا – اوربا – اليابان – الصين .
2) صراع دول الشمال – دول الجنوب (العراق واقع في هذا الصراع كأحد دول الجنوب ) .
3) صراع عالمي – اقليمي –اميركا – ايران – سوريا – تركيا .
4) صراع اقليمي –تركيا –ايران – اسرائيل – الدول العربية .
ان هذا الامر في تركيز الفوضى العالمية في بؤرة محلية دفع بنتائج بنيوية صارخة أدت الى الوقوع في التشويش والبعثرة المجتمعية ، فاننا نستطيع ان نحدد النتائج التي تمخضت عن السنوات الثلاث وكالاتي :
1- فساد القيمة :-
لقد تعرضت قدسية المعنى في العراق الى التشيؤ والتسعير فأن كل شيء بسعر وبثمن وفق انماط الحسابات الرأسمالية الجديدة منذ مقدمها الى العراق ففي المستوى التاريخي لا أدل من تجربة النهب المنظم لحضارة وتراث الحقب الحضارية العراقية ومصادرتها الى جهات غير معلومة ، وفي المستوى الثقافي :حرق المكتبات والصروح العلمية ونهب محتوياتها وقتل المثقفين والاعلاميين والصحفيين ، وفي الطب والعلوم قتل الكفاءات العلمية والاساتذة والاطباء واصحاب الاختصاصات واجبار المزيد منهم على هجرة العراق ، اما في البيئة فنجد تلوث المياه والهواء والولادات المشوهة وارتفاع اعداد المصابين بالسرطان ،والتصحر والكثير من الامثلة التي يمكن للمرأ ان يسوقها في تعزيز جانب فساد القيمة والتي تتفاقم مع الزمن برابط جدلي بمستوى السبب والنتيجة .
2- فساد الروح : ان المفهوم الاخلاقي (الضمير) حقق تراجعا في مؤشره الطبيعي ونجد ذلك خاصة في مجالات نهب الثروة العامة والفساد الاداري والتملق والزيف والتزوير الخ .
3- انهيار أعمدة التعاضد المشاعي في المجتمع واختفاء آليات الدفاع الطبيعية وهنا أقصد التراجع الحاد في الفنون العراقية والآداب والشعر والثقافة عموما والعلم والرياضة .
4- ازدياد سلطة العنف فلايمكن الحديث عن مشهد اكثر دموية في رقعة اخرى ينافس ما يجري من ارهاب مركز وعنف لاطبيعي بين ظهرانينا .
5- هفوت البولتيكا :-ان البوليتكا (السياسة) بشقيها النظري والعملي تحتاج الى ان تصدر عن وعي مجتمعي وبراديغما حضارية من اجل ان تتمكن للوصول الى علة المشكلات وارتفاع ورقي في الاداء في مواجهة المعضلة الا ان ذلك ابعد ما يكون في المرئية السياسية العراقية .
6- ازمة الطائفية :
وهذه ازمة دينية بحتة اذ يخرج الدين من كونه نظام معرفي ومنظومة تشريعية واخلاقية تدعو الى خير وصلاح الناس والمجتمعات ليتحول الى طائفية محلية ومسلحة ، والانكى من هذا ان الطائفية تكتسب اطارا دستوريا جعل التوازن الطائفي في اساسيات التوزيع الاداري والوظيفي ، ان العقل الديني استطاع ان يحاصر المواطنة بعد ان وضع المعادلة باتجاه البحث عن وسيط بين الدولة والمواطن الا وهو الطائفة .
ان ما اسلفته يمثل فشل المشروع السياسي في مواجهة الاشكاليات العضوية في المجتمع وانتج اشكالية حاكمية جديدة رغم قدم هذه المشكلة في العراق ) ( ) .
ان أزمة الحاكمية هي التي ادامت انتاج العنف دونما ريب وقد تأسست متزامنة مع المشكل الاول والجوهري الذي وجد العراقي نفسه في إتونه ، أنها المشكلة التي تنحصر في تصاعد تمويه الانتماء الهوياتي للفرد العراقي واخضاعه الى فوضى انتمائية حادة ، ان فترة مابعد التغيير دفعت باتجاه توافر غير اعتيادي لحقائق سيوسيوتاريخية بشكل متصاعد في الوعي اليومي في عملية خروج من اخاديد الذاكرة الى السطح من اللامرئي الى المرئي في ثنائية (الغياب /الحضور) مما أدى الى انتاج ذهنية ضاغطة باتجاه حركة شرطية تصادمية بين بؤر المكونات الذهنية المستجدة ( ) .
ان التراكمات الخطابية التأويلية قد ساهمت في تعميق الهوة بين المكونات وقد نجد في مقال الاستاذ جمال مهدي صالح ما يعزز تقييمنا لخطورة النص المنتج وقدرته في تأويل النص الاصلي بل وفي ابتلاعه (ان الخطاب وهو تأويل لنص (دال signfier) بمعنى انه الافكار المكونة او المؤولة عن النص – أي انه الخطاب (مدلول signified) وعندما يمتلك هذا الخطاب (منظومة الافكار المؤولة ) مقومات معرفية ليست بالضرورة ان تكون في حالة صيرورة (diviner) بل في حالة تكيف (adaptation) لاولياته ليشكل حقلا مغلقا بقيمه ومنطقه ، ومع ذلك يتحول هذا الخطاب بحكم الشعور الجماعي السايكولوجي للجماعة الى نص يلتهم النص الاول يعيد تشكيله ولوتاويلا بما هية جديدة)( ).
وان هذا التفسير يتطابق مع ماذهبنا اليه بدرجات متفاوتة ولكنه يقوي استنتاجنا ، ان الفاعلية المستجدة انتجبت تصوراتها الثقيلة التي تمكنت من السيطرة على الفعل ورد الفعل في الانسان العراقي ، وان كل تعقيدات المشهد تعيش بجلاء تام تلك الخصائص النسخية التي تفرزها تلك التصورات ولم تكن وليدة جدل معرفي او صراع اجتماعي حقيقي ، وبذا يمكننا القول بان الحقيقة التي نستعرض ذاتها يوميا بيننا هي ليست حقيقة بل هي الوهم الذي غذته زمانية الاطياف او تاريخية الكتل الانسوية المتنوعة في العراق ( ).
لقد وجدنا فيما اشرنا اليه انفا ان الارهاب نكوص انساني حاد او حركة الى الخلف او سقوط حاد باتجاه ماضوي ، انه عبارة عن تضييق العالم في كوة مظلمة تحت ارادة اليد ضمن ارتياح شعوري ساذج يشع البهجة العقدية لدى مرتكبيه دون ان ننسى كتلة المصالح والمنفعية المتحققة في الممارسة .
وقد اوردنا ان الانقسام الهوياتي جعل الطوائف الاثنية تورث الحاضر ازمتها الوجودية المستوحاة من تواجدها التاريخي السلبي او الايجابي ، اننا لم تتفق نهائيا على الحدث التاريخي ولم يحصل اجماع عقلاني عليه فقد اختلفنا في تفسيره وتاويله وطرق نقله وفي الشك واليقين تجاهه ، الا اننا نستسلم بين يديه وتحت سطوته كالدمى او بيادق الشطرنج ، اننا ننزف الجهد والدم في اثبات وشرعنة سلوكيات الموتى ونهمل معاناة الاحياء وننسى الاستلاب العياني واليومي لانسانيتهم ، لا بل يجري دفعهم باتجاه قربنتهم في تحقيق قداسة الامس ، انها قوننة الوهم ، تلك التي تبسط نفوذها في الوعي العراقي المعاصر ، ان البنى الاقلوية في العراق أي هوياته الفرعية المتعددة قد خرجت الى حلبة الساحة بشكل استعراضي ناسية كم هي منهكة القوى من جراء صراعها القديم ، وان جميعها وان احتفظت ببعض الحيوية فأن هذا المقدار لايؤهلها للمواجهة الخلافة مع برنامج النظام العالمي ، الذي استطاع بذكائه ان يلعب على متناقضاتها ويستثمرها بالشكل الذي يلائم طريقة توجهه البرنامجي ، ان النظام الدولي يمتلك من القدرة في استثمار ذلك بدرجة . تفوق التصور وهو يعلم ان المكونات العراقية ستحصد الهزيمة في الصراع معه شاءت ام ابت لعدم امتلاكها قدرة خلق وانتاج عناصر المواجهة الحضارية ، ان غياب النقد الذاتي في مسيرة اطيافنا وانعدام لحظات التأمل الفلسفي والوجداني في معطيات العقل السياسي لديها ، جعلها لاتدرك قيمة الاتزان في المواجهة الحرجة واعتقد ان ظاهرة العنف الطائفي وعدم الاتفاق على تمأسس الدولة القادمة والاختلاف الحاد في ذلك ينهلان من هذا المنهل العذب ، لقد أوضحنا بأسهاب المرئية المحلية للارهاب : القوى والمنتجات واطار المشهد ولزاما ان ننظر في العامل الدولي المباشر واهمية دوره في انتاج العنف في العراق .
( ان الحوادث الدموية التي تتعاقب في العراق تكادان تشكل امتحانا صعبا ليس من السهل اجتيازه لكل القوى السياسية العراقية باختلاف توجهها وجذرها العصيوي ،فلا يمكن لها ان تضع اقدامها على عتبة الخروج من الازمة مالم تقف مليا عند اعتبارات الدم ودراسة انساق المؤامرة المحيطة بهذا الدم اقليميا ودوليا اذ لايمكن لها ان لاتبصر ورقة التوت وهي تتساقط عن سوءة الانظمة المحيطة بنا وقد بدت مكشوفة في عرائها ، فالمحيطان الاقليمي والدولي يمارسان تعمية قصدية واشاحة نظر متعمدة تجاه مجريات الاحداث لدينا هذا في الاعم ، لكن اطراف في المحيطين ذاتهما يمتلكان اياد طويلة في بعثرة اوراقنا، مجمل القول ان العالم يتساهل في دمائنا تحت الحجج والمبررات التي تضعها دوائره السياسية والمخابراتية ، وليس جديدا هذا التساهل الدولي مع الابادة البشرية خاصة فيما يتعلق بسياسة راعية الكوكب العظمى (الولايات المتحدة الامريكية ) ، ان وجودنا المهدد بالخطر اليومي وبالصدمة المستديمة عليه ان لايجعلنا غير داركين للسجل التاريخي لهذا الطرف او ذاك في الممارسة الارهابية وان نستحضر المستويات المتشابهة لاحداثنا والتي حدثت في بلدان بائسة مثل بلدنا ، ان الاعلام التسويقي لبرامج الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان لايمكن ان يطلي على بصرنا غشاوة نهائية حتى نقع في هذه المطبات وكمن يستجير بالنار من الرمضاء ، فمن قبل مرت بهذا الرخص الدموي نيكاراغوا واندونوسيا وجنوب تركيا ولبنان والبوسنة ، الخريطة واسعة ، وللقوة الجبارة بصماتها على محيط الخريطة وفي موت الملايين على الكواكب ،ولو راجعنا سجل محكمة العدل الدولية وتحديدا في العام 1986 لوجدنا ضالتنا في البحث فقد ادانت المحكمة بلدا ما بسبب ارهابه الدولي يقينا ان ذلك البلد ليس عربيا او اسلاميا او شرقيا كما يحلو للقوة الام ان تلصق الارهاب بشعوب هذه المناطق ، وفي علمنا ان هذا البلد الوحيد من بلدان الارض الذي ادين بمثل هذه التهمة ، انه الولايات المتحدة الامريكية صاحبة شعار (ابتدأ الهجوم أولاً وبرر لاحقا ) ذلك هو المستوى الشعاراتي الاعلائي للوقاية الامريكية الذي انتج الفعل الكلياني القوموي لابادة منابت الهواجس والتخيلات ، أيان كان الباعث حتى ولو جناح فراشة او نشيد مدرسي او ركعة صلاة فالاستباق والوقاية هما ركنا ستراتيجية الامن .
ان حوادث الارهاب المؤلمة التي تحدث في بلادنا ، تحتم على العقل السياسي العراقي المأزوم الخروج من دائرة الضيق المحلية والنظر الى افاق جديدة بانفتاح نحو منتجات العقل الانساني والنضال المدني وايجاد تحليل دقيق لشبكة اللا مالوف في الوقائع الدارجة ، فليس سهلا الخضوع الى المنطق المعتاد الذي يأخذ باخضاع العلائق التعاضدية الى سيطرة القوة واذلال القانون لسلطانها ، ان في ذلك تمجيدا مبرمجا للعنف ومحاولة مدروسة للاطاحة بالتآزر العضوي بين السكان وارباك وسائل الدفاع الذاتية للمجتمع) . ( )
ان النظام الراسمالي العالمي ضمن مخططاته الجديدة هو السيطرة المطلقة على العالم وانتاج الممثلين المحليين في المناطق المتفرقة للعالم المؤيدين والمنفذين لبرامجياته وقد حدث ذلك في العراق بالشحم وبالدم وليس من وسيلة لا نكار هذا ، ان الراسمالية حققت انجازات هائلة في تعضيد مقومات الدولة ، وانها ساعية الى تماسس دولة عراقية بالمواصفات التي ترتأيها ، واننا قد خرجنا اولا من دائرة ارهاب الدولة الذي مارسته الدكتاتورية طيلة 35 عاما ودخلنا الى ارهاب الفوضى المصطنع ثم سندخل ثانية الى ارهاب الدولة المصنعة بالمقاسات الاميركية لان المفهوم المجرد للدولة قد حقق على طول تمأسسه خطوات متقدمة في ضرب دفاعات المجتمع وبوسائل مختلفة لها نفس الهوية الارهابية ، بالتاكيد هو منتج دولتي وهو لصيق بالدولة فكرا وممارسة واذ ناتي الى تعريف مبتسر للارهاب يكون مفيدا للبحث (ان الارهاب يعني الفاعلية المبرمجة للعنف ضد السكان والتلويح به وانتاج الخوف لتحقيق اهداف ذات طبيعة دينية او سياسية او فكرية ) ( ).
وحين نعود الى المفكر الامريكي نعوم تشومسكي نجده يؤكد (ان الارهاب حسب التعريفات الرسمية هو ببساطة جزء من عمل الدولة ، في عقيدتها الرسمية وليس بالتأكيد فقط بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ، ليس الارهاب كما يدعون غالبا هو سلاح الضعيف ) ( ).
وعليه ان ننبه ان قوة الخلاص هي بايدينا في بناء مجتمع مدني متطور ، وليس بيد الدولة او حلفائها الراسماليين الدوليين لانهم طالما بحثوا عن خراب هذا المجتمع وابادته ومازالوا .
يقول تشوميسكي ( ان سياسية الولايات المتحدة في السنين العشر الماضية قد خربت المجتمع المدني العراقي وقوت صدام حسين الذي دعمته بقوة في اسوا فضاعاته بما فيها تسميم الاكراد بالغاز عام 1988 ) ( ).
وتجدر الاشارة الى ما ذكرته الاستاذة انتصار بكر صالح في مادة من هو الارهابي (ويمكن ان نقول بان ما يفرض على بلد معين في حالة رفضه للقرارات الدولية من عقوبات يتمثل اغلبها في فرض حصار اقتصادي شامل هو الارهاب بعينه) ( ).
لقد فشلت المؤسسات السياسية (الاحزاب تحديدا) في ايجاد برنامج للخروج من ازمة العراق وقد لا تكون في نظري قوة الحل معدومة لدى مؤسسات وقوى المجتمع المدني التي تكون قادرة بجدارة على منع انتشار العنف والفساد باطلاق مساهماتها العريضة وصد كافة الميول الفاسدة في الموقع المقابل وقد اورد الاستاذ شمخي جبر ما هو يستحق ان نذكره هنا اذ يقول ( ان الفضاء الذي لابد ان يشغله المجتمع المدني مشغول من قوات الاحتلال او من المجتمع المحلي ، والقوى التي تمارس العنف في مواجهة الاحتلال او مواجهة عمليات التغيير التي تعتقد انها تستهدف مصالحها او تستهدف قيمها او لا تتوافق مع اطروحاتها السياسية والاجتماعية الدينية ) ( ) .
ان انتاج المثقف العضوي وصلابة عود قوى المجتمع المدني واستمرار تحالفاتها والتنسيق فيما بينها وانهاء حالات الشللية والانانية في مرافقها والتمسك بروح العمل الجماعي وممارسة النقد الذاتي ، والايمان بدور هذه المنظمات وبطابعها التطوعي سينتج لا محالة كتلة كبيرة ذات تاثيرات ضاغطة وانتاج سلوكية المراقبة على المؤسسات الحكومية والاحزاب السياسية حينها يمكن الكلام بطلاقة عن نهاية جدية للارهاب .






#كامل_الدلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة وثنائية العرقنة - الفناء
- دفاعا عن السلوك الديمقراطي لاينبغي خلط الاوراق في قضية مؤسسة ...
- عاصمتا الاحتراق الديمقراطي بغداد وبيروت


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كامل الدلفي - الثقافة والعنف جدلية الخفاء المتبادل