أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 28 ضحايا الانفال على الاراضي التركية















المزيد.....

التاريخ يتكلم الحلقة 28 ضحايا الانفال على الاراضي التركية


كاترين ميخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 10:17
المحور: حقوق الانسان
    


بدأ الاتراك ببيع الطحين والسمن والرز لنا لكن باسعار فاحشة جدا ونحن مضطرون للشراء ومن لا يملك نقودا يقوم الآخرون بمد يد المساعدة والعون له, او يضطر البعض الى بيع ما بحوزتهم من الحلى الذهبية باسعار زهيدة الى الاتراك, واحيانا يضطرون الى مبادلة قطعة ذهبية بكمية من الدقيق او الدهن او الرز. في تلك الفترة كنت بصحبة عائلة ازاد دوسكي, وكنا نتبادل وجهات النظر فيما ينتظرنا والقلق ينتابنا جميعا فيما لو التجأت السلطات التركية لتسليمنا الى العراق. وزادت شكوكنا حينما بادر الجندرمة الاتراك الى منع مواطنيهم من الاتراك والاكراد من تبادل المواد الغذائية او بيعها لنا, مما اضطرنا الى الاعتماد فقط على اكل لحوم الحيوانات التي كانت تذبح مما تسبب باصابة الكثيرين بسوء الهضم او الاسهال الحاد. عائلة ازاد قلقة وتشاركها قلقها عوائل اخرى ماذا لو تم اجلائهم الى الدول الاوربية, خاصة وان لديهم فتيات يخشون عليهن الانخراط في الحياة الاجتماعية الاوربية؟ كلها محض افتراضات وتوقعات. الكل يجتمع للصلاة بعد ان توفر الماء من النبع القريب الذي يبعد مسافة ربع ساعة عن مكان تواجدنا. الكل يبتهل الى الباري ايجاد سبل النجاة والخلاص من ذلك المأزق. وفيما نحن منهمكون في نقل الماء وفي طريق العودة, واذا بابنة ازاد تصرخ: "أبي هذا هو أبي هذا هو مع مجموعة من رفاقه!" كان ذلك قرار اتخذته القيادة العسكرية لبهدينان بترك الاراضي العراقية والتوجه الى تركيا, بعد ان اكتسح صدام المنطقة باكملها, باسلحته الكيمياوية, وبكافة الوسائل, من طائرات ومدفعية واحرق قرى واباد ساكنيها, وبات لدى القيادة قناعة بعدم امكانية مواجهة اسلحة الدمار الشامل الفتاكة تلك, وما من وسيلة للنجاة غير الانسحاب والتوغل في الاراضي التركية. بدت على ازاد امارات الالم والحزن للكارثة التي لحقت بالبيشمركة فقد فقدت زمام الامور ولم تعد قادرة على قيادة الجماهير او توجيهها ولم يتسنى لها, او لم يكن باستطاعتها, اقناع حتى نفسها بالاستمرار في عملية الانتحار الجماعية تلك. الغضب آت, ولكن هذه المرة سوف لا يستهدف صدام بل الحركة الكردية, كلها, التي احرقت كردستان ودفعت حياة خيرة ابنائها ثمنا لسوء التقديرات او المهاترات والمصالح الذاتية والاستقطابات العديمة الجدوى والتي نخرت في الكيان المسلح للقوى الكردية التي كان الاولى بها ان تكون موحدة لتواجه الطاغوت وآلته الحربية. سألت ازاد الا تعتقد ان هذه المسيرة الضخمة لو توجهت الى بغداد ربما حققت نتائج افضل من الالتجاء الى مصير نجهله, انها تضحيات في كلا الحالتين فمن باب اولى ان نوحد اولئك الناس ونوجههم لاسقاط النظام باي ثمن, اننا لا نستبعد ان نقضي نحبنا هنا من الجوع والبرد. ولكن الجماهير, والكلام لازاد, قد فقدت ثقتها بنا, ولا هم للجميع غير النجاة بجلده.
مكثت مع عائلة ازاد ثلاثة ايام وبعدها وصل الرفيق سلام وابديت له الرغبة في مرافقته للتوجه الى عائلة عبدالله التي استقرت في كلي يبعد عنا مسيرة ساعتين. حملت عليجتي ( العليجة حقيبة قماش تحمل على الظهر يستعملها البيشمركة لوضع مستلزماتهم الخفيفة) الزرقاء على ظهري وتوجهت مع سلام. وبعد مسيرة ساعة بين تلك الجبال شعرنا بالتعب والاعياء فجلسنا للراحة. كنا نتحدث عن الصور الفوتوغرافية الشخصية والتي يجب اتلافها لعدم افساح المجال للتعرف على كوننا من قوات البيشمركة, افرغت الصور من العليجة وتناولت علبة الكبريت من سلام وهممت باشعال عود الثقاب ولكن يدي ارتجفتا ولم تطاوعني في اتمام العملية. في تلك اللحظة شعرت كأنني الغي كل ذكرياتي وايامي التي اعتز بها واتلاف الصور يعني ادارة ظهورنا لماض لم نحصد منه غير الذكريات المتمثلة في تلك الصور. قلت لسلام: "دعها الآن وفي حالة الضرورة القصوى سأتولى امرها انا", اعدت ترتيبها مرة ثانية مع بقية الكتب والاوراق التي يعلم سلام بوجودها بحوزتي ومنها دراسة قد هيأتها عن (اوضاع المرأة العراقية في ظل الحرب العراقية- الايرانية) والجزء الثاني (المرأة في كردستان). كان سلام يحثني على حرقها والتخلص منها تفاديا لمواجهة المزيد من المصاعب, ولكنني كنت ارفض ذلك واقول له: " بذلت جهدا كبيرا في اعدادها وكتابتها, وفي لحظة واحدة احكم عليها بالفناء! " بعد ساعة اخرى من المسير وصلنا الى بيت عبدالله وتسابق الاطفال لاستقبالي وهم يصرخون "سعاد هات!" أي (سعاد اتت). التحقت بالعائلة كأنني واحدة منهم وتلقوني بترحاب بالغ. الطعام هو لحم الذبائح التي يذبحوها يوميا, ولا تتوفر البدائل, من دقيق او سمن او سكر. لم يتحمل الكثيرون الاستمرار باكل اللحوم لوجبات النهار كلها ولفترة طويلة, مما ادى الى اصابتهم بالاسهال وتقلصات الامعاء وسوء الهضم الشديد وامتنع الكثيرون عن الطعام. نسبة الوفيات كانت اكبر من بقية المناطق الاخرى للانخفاض الشديد في درجات الحرارة. لقد سئموا من تناول اللحوم وفضلوا الجوع على ذلك. كنت قد اعطيت عبدالله 300 دولار لتحويلها الى ليرات تركية وكذلك الحلي الخاصة بي ولكنه لم يفلح في بيعها.
بعد اسبوع من المعاناة والجوع قدمت سيارة كبيرة مرسلة من الحكومة التركية توزع الخبز, فتهافت حولها الآلاف املا في الحصول على فتات منه لانقاذ حياة الناس وسعيد من كان يسعفه الحظ فيحصل في ذلك البحر المتلاطم, على كسرة منه لاطعام اطفاله. لكن بدأنا نشعر بالامل في ان هناك مساعدات قادمة الينا. انه لمنظر يبعث على الشفقة والاسى في آن واحد, ان تجد آلاف الاطفال واياديهم الغضة ترتجف وهي ترتفع املا في اصطياد قطعة خبز. آلاف الرجال يتهافتون على السيارة للحصول على الخبز. انها حقا مادة الحياة, تجسدت في تلك اللحظات بصورة جلية.
بدأ الاطفال بالتهام الخبز بشراهة فمنهم لم يتذوقه طيلة اسبوع. بعدها قامت سيارة نقل اخرى انزلت منها ثلاث خيم صغيرة, وعلى الفور فتحت وركبت خلال نصف ساعة, كانت من منظمة الهلال الاحمر الذي بدا يقدم الخدمات الانسانية لاولئك المنكوبين. منظر لا ينسى للممرضات وهن يصطحبن مجموعة من الرجال حاملين موتاهم على ايديهم رقد فوقها من فارق الحياة من اطفال وكهول, واصبح منظر الجثث والموتى مألوفا لدينا وكأنه لا يعني شيئا فالجميع يشعر بانه على قاب قوسين او ادنى منه بصورة او باخرى, الموت يحصد العشرات يوميا.



#كاترين_ميخائيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ يتكلم الحلقة 27 كاترين على الاراضي التركية
- التاريخ يتكلم الحلقة 26 المراة الكردية تقود المسيرة الى تركي ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 25 الانفال في بهدينان
- التاريخ يتكلم الحلقة 24 ام سربست
- التاريخ يتكلم الحلقة 23 حلبجة الشهيدة
- التاريخ يتكلم الحلقة 22 المراة في الجيش العراقي
- التاريخ يتكلم الحلقة 21 السيدة زينب
- التاريخ يتكلم الحلقة 20 الشهيدة عبير
- التاريخ يتكلم الحلقة 19 المالكي في واشنطن
- التاريخ يتكلم الحلقة 18 ام محمد
- التاريخ يتكلم الحلقة 17 هل المراة العراقية جديرة بقيادة البل ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 16 هيا الوطن في خطر
- التاريخ يتكلم الحلقة 15 بنت الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم 15 الشهيدة امال
- التاريخ يتكلم الحلقة 14المراة الكويتية
- التاريخ يتكلم الحلقة 13 المؤنفلات
- التاريخ يتكلم الحلقة 12 لميعة عباس عمارة
- التاريخ يتكلم الحلقة 4 - الطبيبة
- التاريخ يتكلم الحلقة 11 الرياضة
- التاريخ يتكلم الحلقة 10 الاعلام


المزيد.....




- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...
- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 28 ضحايا الانفال على الاراضي التركية