أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات















المزيد.....

الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


يعد "أوستن هنري لايرد" ( 1817- 1894 ) واحداً من أولئك المغامرين الأوربيين في القرن التاسع عشر الذين فتنتهم قصص الليالي العربية فشدوا الرحال إلى الشرق يدفعهم فضول كاسح للإطلاع مباشرة على كل ما هو عجائبي وغريب في تلك الأصقاع الغامضة.
وفي كتاب ( الطريق إلى نينوى ) ترسم لنا "نورا كوبي" صورة بانورامية واسعة عن سيرة هذا الرجل المتحدر من إحدى عائلات الطبقة الوسطى الإنكليزية التي تهيئ في الغالب فرصاً جيدة لتولي أبنائها وظائف مستقرة داخل البلاد. ومنذ وقت مبكر أدرك لايرد أن دراسة القانون، ومن ثم أداء عمل ممل في مكتب كئيب – كما أراد له والداه – لا تلائم طموحه الجامح فترك مكتب خاله ( المحامي ) تحت تأثير عمه "تشارلز" ليغادر لندن مع صديقه "متفورد" باتجاه سيلان، فعبرا القسم الأوربي إلى القسطنطينية ليمرا بسوريا وفلسطين ويزورا الأراضي المقدسة، ومن ثم العراق، ليدخلا بلاد فارس عن طريق همدان، ولم يكن لايرد حينها قد تعدى الثانية والعشرين من عمره.
تسبغ كاتبة السيرة على لايرد صفات خارقة، مصورة إياه على هيئة الرجل الأبيض المتحضر والمتفوق. فهو مثل جيمس بوند، وسيم يسحر النساء، وجريء وذكي ولماح، له حدس قلما يخطئ، ومحظوظ، وذو شخصية تمتلك جاذبية وسطوة تجعل الآخرين يهابونة ويحبونه ويحترمونه.
ورجل مثل لايرد لابد أن يكون شجاعاً ومقداماً، وإلاّ كيف يجازف بعبور صحارى وجبال تعج بقطاع الطرق والقتلة، والضواري من الحيوانات. وقد تعرض فعلياً إلى عمليات سلب كثيرة وهو يتنقل من مكان إلى آخر.
وتصف لنا الكاتبة في صفحة مثيرة كيف قاتل لايرد – في رحلة صيد – خنزيراً برياً شرساً في سهل الموصل برمح، بعد أن وقع رفيقه من على حصانه وأغمي عليه. وبعد أن أخطأ لايرد الضربة الأولى ظل لنصف ساعة يحاول باستماتة مع الحيوان الجريح الهائج، حتى تمكن منه وأرداه قتيلاً .
وللايرد وسامة يبدو أنه سحر بها نساء عديدات، لكن تحفظه، كما تقول كاتبة سيرته منعه من التطرق، في أوراقه ومذكراته وكتبه إلى تفاصيل علاقته بالجنس الآخر. وقد كسب ود "محمد خان بختياري" شيخ قبيلة البختيارية في جبال إيران، وأرسى علاقة ثقة مع زوجته، ورفض عرضاً للزواج من أختها، لأن شرط ذلك كان الدخول في الإسلام، وحين يتحامل عليه قاضي الموصل، الذي كان يمثل أعلى سلطة دينية في المدينة، ويدبر له مكيدة لقتله، تأتي ابنته التي يقول عنها لايرد بأنه التقاها مصادفة لتحذره من ذلك، ولا نعرف عن حقيقة هذه العلاقة شيئاً سوى أن تلك الفتاة كانت من الجرأة بحيث جازفت في الذهاب إليه، وربما أكثر من مرة، في مدينة محافظة متعصبة تعاقب فتاة كهذه بان ترسلها جثة طافية في نهر دجلة، وكذلك علاقته مع تلك الشابة الفاتنة في القسطنطينية، وكانت تتمتع بمركز عال ويعتقد أنها أخت السلطان العثماني، وقد كان يزورها في بيتها الفاره مع صديقه "أليسون" ثم كفّا عن حضور حفلاتها الراقصة، حيث تتراشق الفتيات بالفواكه المجففة، ويتدافعن ضاحكات من أجل تسلية سيدتهن، فالمضي بالعلاقة مخاطرة كبيرة، وقد تؤدي إلى الإطاحة برأسيهما.
لم يكن لايرد قد حصل على أية شهادة أكاديمية في مجال الآثار، ولم يتلقَ سوى بعض الدروس القليلة بهذا الخصوص، لكنه أتقن اللغات المحلية ( العربية والتركية والكردية والفارسية والكلدانية ) واستطاع عقد علاقات متينة مع علية القوم في كل مدينة دخلها ، أو مع شيوخ القبائل ( الجبور وشمر في العراق، والبختيارية في إيران ) وتعرف على عادات وتقاليد الشعوب والقبائل التي زارها، ودوّن معلومات مهمة بصددها أصبحت في ما بعد ذخيرة استخبارية للخارجية البريطانية وهي تخطط للحصول على مناطق نفوذ في الشرق.
كانت القبائل البدوية في العراق تحتفي بلايرد وتستقبله بكرم، وقد كتب في مذكراته تفاصيل مثيرة عن حياتها، وأنماط معيشتها، وعلاقاتها، فيشير في سبيل المثال إلى أنه على الرغم من السيادة المطلقة التي يمتلكها شيوخ البدو على عشائرهم إلاّ أن واجبهم كان ثقيلاً لأنه كان محتماًَ عليهم إطعام أبناء عشيرتهم عند الحاجة حتى لو أدى ذلك إلى نفاد ممتلكاتهم. ويخبرنا أن المرأة البدوية جميلة للغاية في طور شبابها، غير أنها تهرم بسرعة ويدب الهزال إلى وجهها والارتخاء إلى جسمها جراء الولادات العديدة ويصف لايرد الرجل البدوي قائلاً: ( أعطه الصحراء والفرس والرمح، وعند ذلك لن يحسد أي غني أو سلطة على وجه الأرض ) ص 359.
في عام 1840 وقف لايرد، وكان في الثالثة والعشرين من عمره، بين تلال الموصل وهو موقن بأن هذه التلال تحمل في أحشائها آثار العاصمة العظيمة للآشوريين ( نينوى)، أولئك الذين بنوا حضارة زاهرة بدءاً من منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وقد أحس لايرد برغبة شديدة في أن ينقب فيها، وحين اضطرته الظروف للعدول عن مسيره إلى سيلان، عاد إلى بلاد مابين النهرين ليباشر التنقيب فعلياً، واصطدم منذ البدء بعراقيل شتى منها اعتراض السلطات العثمانية والأهالي والقبائل البدوية حيث كانوا يعتقدون بأن ( هؤلاء الإفرنج الملحدين إنما يعرفون أماكن الفضة والذهب المدفون في أراضيهم ) ص 102، وكذلك سعي المتعصبين لتدمير المنحوتات الأثرية المكتشفة لأنها تمثل أصناماً، واستطاع لايرد بلباقته وحسن خلقه، ولإتقانه اللغات المحلية أن يسخِّر كثيراً من السكان المحليين، وأن يضمن حماية بعض شيوخ البدو، في أعمال التنقيب واستحصل على وثيقة من السلطان نفسه تخوله صلاحية العمل.
نقّب لايرد في مئات الغرف المزخرفة بمشاهد معارك حربية ومناظر احتفالات وكتابات، وعثر على ثيران مجنحة وأسود ذوات رؤوس آدمية، وكان أول شخص يعلن للعالم عن هذه الاكتشافات المذهلة.
واصل لايرد تنقيباته في ( خرسباد ونمرود وقويسنجق وتل النبي يونس ) بحثاً عن المدينة المندرسة ( نينوى ) وعلى الرغم من تجاهل الحكومة البريطانية، وكذلك المتحف البريطاني لنداءاته المتكررة في تغطية أعمال الاستكشافات وتوسيعها إلاّ انه واصل عمله بجهد دائب، وصرف ما معه من أموال قليلة في هذا السبيل، في ظروف مناخية صعبة جداً.
أتضح للايرد أن الآشوريين ( مواطنو مدينة نينوى) الذين ورد ذكرهم في التوراة هم أول من أخترع العجلة في العالم. ومن الألواح التي استخرجها بدا أن أسلوب الحفر الذي أتبعه الفنان الآشوري كان متقدماً يعكس عقلية جبارة، ويدل على دقة الملاحظة. وكانت المنحوتات، ذات النحت الناتىء، وهي سمة تميز الفن الآشوري تحتوي على مشاهد للصيد ( حيث ترى الخيول والأسود والثيران منفذة بحساسية ومهارة عظيمتين ) ص 283. وما أثار دهشة لايرد يومها هو حجم وضخامة المنحوتات الآشورية التي يصعب على خمسمائة رجل زحزحتها فكيف نقل هؤلاء هذه القطع، ولا يوجد مقلع للمرمر ضمن منطقة تبعد سبعة إلى ثمانية أميال ، كما يقول؟.
وظن لايرد أن الأسود المجنحة ما هي إلاّ حراس لبوابات المعابد، فهذا المخلوق له رأس بشري يرمز للحكمة وأجنحة نسر ترمز للخفة وجسم أسد يرمز للقوة.
ولان لايرد لم يكن يمتلك المواد الكيماوية والطرق الحديثة التي عرفها علم الآثار في ما بعد فإن لوحات ومنحوتات كثيرة كانت تتفتت بمجرد تعرضها للضوء والهواء على الرغم من أنها بقيت سليمة طوال آلاف السنين تحت الأرض. وهذه من الانتقادات التي توجه اليوم للايرد لأنه تسبب في تخريب وإتلاف وضياع آثار مهمة.
فكر لايرد بنقل الآثار الكبيرة إلى جانب النهر لتحمل على أكلاك في نهر دجلة إلى شط العرب، فالخليج العربي حيث ستبحر بها السفن الحربية البريطانية إلى لندن .
تم صنع عربة نقل هائلة ، أصبحت، في حينها، أعجوبة الموصل ، وجيء بحبال غليظة، ورجال أشداء، واختار لايرد أصغر الثيران المجنحة وأسداً بالحجم نفسه وكلاهما في حالة جيدة.. وهنا (( راحت أصوات طبول ومزامير الأكراد ترتفع عالياً ، وملأت المكان صرخات الحرب التي كان العرب يطلقونها حتى بدوا شبه مخبولين من فرط الإثارة، فقد نزعوا معظم ملابسهم، وتطايرت شعورهم في الهواء، واتخذوا أوضاعاً مجنونة وهم يمسكون بالحبال بقوة كبيرة، فيما احتشدت النسوة على حافات الخنادق، وأضافت صرخاتهن المتواصلة وهلاهيلهن التي تثقب الأذن الحماس إلى نفوس الرجال )) .ص(306 ) .هذا ما كتبه لايرد في مذكراته .
وبعد جهود مضنية، وبعد أن أخذت الحبال تتقطع سقط الثور إلى الجانب الآخر، وتهاوى العمال.. يقول لايرد؛ ( وفجأة ساد صمت رهيب بعد الصخب، وأسرعت إلى الخنادق وقد أعددت نفسي لان أجد الثور وقد تحول إلى قطع عديدة. ويصعب علي وصف إحساسي حين وجدت المنحوتة ترقد بالمكان الذي أردته وهي سليمة ) ص 307.
وهكذا يبدأ الرجال يرقصون الدبكة ابتهاجاً من غير أن يدركوا ساعتها أن ثروة كبيرة – هي لهم – تُسرق في وضح النهار.

• ( الطريق إلى نينوى ) نورا كوبي.. ترجمة ( د.سلسل محمد العاني، دار المأمون – بغداد – 1998.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا العالم السريع
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات