أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - رشيد يعيد الاعتبار لآليات رأسمالية القرن التاسع عشر!















المزيد.....

رشيد يعيد الاعتبار لآليات رأسمالية القرن التاسع عشر!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1665 - 2006 / 9 / 6 - 10:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثير من الاجتماعات الحكومية لا تستحق الذكر.. لأنها مجرد لقاءات بيروقراطية تخاصم الابداع وتعادي التحليق بالخيال إلي أحلام مستقبل مختلف عن العالم الذي نعيشه، وتكتفي بتبرير الأمر الواقع والحفاظ علي استمراره و»استقراره« مهما كان حافلاً بالعيوب والتشوهات ومسكونا بالفساد وشتي أصناف السلبيات.
لكن لكل قاعدة استثناء .. وقد كسر المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة هذه القاعدة المملة في اجتماع عقده يوم الأربعاء الماضي لبحث كيفية ضبط تداول السلع في الأسواق، وبخاصة السلع التي يحتاجها المصريون خلال شهر رمضان الذي سيهل هلاله بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
والجديد في هذا الاجتماع أنه لم يقتصر علي كبار صغار وصغار كبار المسئولين في وزارة التجارة، بل إنه ضم أيضاً عدداً من التجار وأصحاب سلاسل المحلات وفي مقدمتهم محمد المصري رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أي شهبندر التجار.
والجديد كذلك أن الاجتماع ضم مسئولاً يرأس جهازاً حكومياً يجري تشكيله - لأول مرة - وظيفته حماية حقوق المستهلك، بحيث سيكون سعيد الألفي أول من يحمل هذا اللقب في الإدارة المصرية عبر تاريخها الطويل.
والجديد أيضاً هو إجراء حوار علني، ومفتوح، بين كافة الأطراف السابقة ، في حضور عدد من الصحفيين.
وتفاصيل هذا الحوار منشورة في صحف الخميس الماضي، وبالتالي لا داعي للت والعجن فيها. لكن ما يلفت النظر في هذه التفاصيل عدد من الأمور الأساسية:
أولاً - تبلور مفهوم متطور لدي الوزير رشيد محمد رشيد عن اقتصاد السوق، فبينما برر معظم المسئولين الحكوميين السابقين، والحاليين، كثيراً من الجرائم الاقتصادية باعتبارها من مقتضيات »حرية الاقتصاد« واحكام قوانين الاقتصاد »الحر« التي يجب أن »نسجد« أمامها ونلزم حدود الأدب أمام »قدسيتها«، أكد رشيد بوضوح لا لبس فيه أن الاقتصاد الحر لا يعني الفوضي، ولا يعني إطلاق العنان للممارسات الاحتكارية واغتيال المنافسة التي بدونها لا وجود للاقتصاد أصلاً ولا مجال لتفعيل قوانين العرض والطلب بصورة صحيحة.
ثانياً- إن الاقتصاد الحر لا يعني استقالة الدولة من وظيفتها ودورها تجاه المجتمع والاقتصاد. بل إن مسئولية الدولة تزداد في الرقابة وضمان عمل آليات الاقتصاد بشكل يكفل حماية المنافسة وتوازن العرض والطلب دون آلاعيب أو عشوائية، وحماية حقوق المستهلك. وعلي سبيل المثال فإن أسعار سلعة مهمة مثل الأسمنت عندما ترتفع بصورة جنونية لا لشيء إلا لأن الأسعار العالمية أعلي من الأسعار المحلية، وأنه يوجد طلب من الخارج علي هذه السلعة التي يتم إنتاجها في مصر، فيلجأ التجار لرفع الأسعار مهددين بسحب الأسمنت من السوق المحلي وتصديره..
لا يمكن للدولة أن تقف مكتوفة الأيدي وتقول ان هذه هي »أحكام الاقتصاد الحر« ومقتضيات العرض والطلب. وهذا ما فعله رشيد محمد رشيد حين قال للتجار أنهم إذا لم يقوموا بتخفيض الأسعار إلي الحدود »المعقولة« فإنه بإمكان الحكومة وضع رسوم علي التصدير، او حتي منع التصدير بالكامل.
وهذا مجرد مثال علي ما يجب أن يكون عليه دور الدولة .. لا أن تترك الأمور سداح مداح.
ثالثاً- إن الأهم من القرارات الوزارية .. هو موازنة تقلبات السوق بآليات منع الممارسات الاحتكارية وحماية المنافسة من جانب، وحماية حقوق المستهلك من جانب آخر.
وهاتان المسألتان بُحَّت أصواتنا منذ انتهاج سياسة الانفتاح عام 1974 علي ضرورة إعمالهما، انطلاقاً من أن آليات اقتصاد السوق حزمة متكاملة لا تتجزأ. ومع ان صيحاتنا راحت أدراج الرياح لما يربو علي ثلاثين عاماً فإن قانون منع الممارسات الاحتكارية وحماية المنافسة وقانون حماية المستهلك قد صدرا أخيراً .. بعد طلوع الروح.
صحيح أنهما قد تأخرا جداً .. لكن أن يصدرا متأخراً أفضل من ألا يصدرا أصلاً.
وصحيح أن صياغتهما والدفع بهما إلي مجلس الشعب تم في عهد حسن خضر ومن قبله أحمد الجويلي قبل تولي رشيد محمد رشيد الوزارة ، لكنهما صدرا علي يديه، ويحسب له أنه يحاول تفعيلهما.
وهذا تطور تشريعي مهم يمكن أن تكون له آثاره الاقتصادية الخطيرة.
لكن هذا التأثير الإيجابي المنشود يواجه نوعين من التحديات.
التحدي الأول: هو محاولة الالتفاف حول هذه القوانين الجديدة وتفريغها من مضمونها (علي غرار ما حدث مع المادة 76 من الدستور)، بحيث يكون لدينا جهاز له »شكل« القيام بمكافحة الممارسات الاحتكارية دون أن يكون له »مضمون« هذه المهمة الخطيرة. ونفس الشيء ينطبق علي جهاز حماية المستهلك الذي بشر الوزير بأن لائحته التنفيذية ستصدر في أكتوبر المقبل. فمثل هذه الأجهزة المنوط بها مهام عظيمة، والتي يفترض فيها أن تفصل في نزاعات أحد أطرافها حيتان كبار، وربما أسماك قرش مفترسة، سواء كانت محلية بالكامل أو مجرد واجهات لشركات عملاقة عابرة للجنسيات.. كيانات وليدة وتمارس وظيفة غير مسبوقة في تاريخ مصر وتحتاج إلي خبرة وعلم وآليات وتفويض ونزاهة وقدرة علي مواجهة الضغوط والإغراءات..
وكل هذا كان يقتضي أن تكون هذه الأجهزة في مرتبة أعلي من تلك المرتبة الناشئة عن إلحاقها بوزارة التجارة.
وهذا امر يمكن تعديله مستقبلاً .. وإلي أن يحدث ذلك نأمل أن تستطيع هذه الأجهزة الوليدة مواجهة التحدي الأول، نعني تحدي تدجينها وتحويلها إلي »ديكور«.
والتحدي الثاني هو أن تظل تلك الأجهزة مجرد »إدارات« تابعة للوزارة، حتي مع اشتمالها علي عضوية شخصيات وجمعيات غير حكومية. فالقوة الحقيقية لجهاز مكافحة الممارسات الاحتكارية، وكذلك جهاز حماية المستهلكين تكمن في التفاف الناس حولها وتزويدها بالمعلومات والمتابعات الميدانية، والدراسات التحليلية الموضوعية المتعمقة، والحملات الجماهيرية في مجالات متعددة ابتداء من هذه السلعة او تلك الخدمة وانتهاء بالدفاع عن البيئة وحقوق الأجيال القادمة. وهذه السلع ليست مسائل بسيطة بل إنها عناوين لأباطرة وأبقار سمان ومليارات الجنيهات والدولارات الصاعدة من تحت البلاطة والقادمة عبر المحيطات. وكثير منها لديه قدرة جهنمية علي الفساد والافساد وشراء الذمم وخنق الضمائر وإسكات أعلي الأصوات بسيف المعز وذهبه دفاعاً عن مصالحها التي ربما لا تكون مشروعة دائما في كل الأحوال.
ولذلك فإنني قلت للوزير رشيد محمد رشيد أن دور لجان حماية المستهلك ليس فقط تعقب تاجر غلبان يقوم بمخالفات تافهة، وإنما هو اولاً وقبل كل شيء يتعلق بالفساد في القمة. وعلي سبيل المثال فإنه يتردد أن استيراد السلع الغذائية الأساسية، من سكر وزيوت وخلافه، تحتكره خمس او ست عائلات تسيطر علي كعكة عملاقة تقدر بمليارات فلكية. وأن هذا - إذا كان حقيقياً - فإنه يفسر الاسعار الجنونية التي تشوي المستهلكين الذين لا حول لهم ولا قوة أمام هذه الأساطين الاحتكارية.
وإذا لم يكن بإمكان جهاز منع الممارسات الاحتكارية، وجهاز حماية المستهلك، وضع أياديهما في عش الدباير وبحث مثل هذا النوع من الأمور الجدية .. فإنه لا يكون هناك معني لإنشائهما.
ورد رشيد محمد رشيد علي ذلك بلباقة طالباً مني التقدم بشكوي إلي الأجهزة المعنية.
ويبدو رد الوزير منطقياً، لكنه المنطق الشكلي أو المنطق الصوري، الذي توجد فجوة بينه وبين الواقع. وهي فجوة ناجمة عن غياب المعلومات وغياب الشفافية (تذكروا أن مركز مصر علي مؤشر الشفافية تراجع من الترتيب السادس والستين عام 1998 إلي الترتيب السبعين عام 2005، وأن مصر حصلت علي ثلاثة من عشرة في آخر تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية).
ومع ذلك .. فإننا لا نريد أن نروج شائعات أو أن نطلق الاتهامات دون دليل، فمثل هذه التصرفات غير المسئولة تشكل تهديداً للاقتصاد وتسميماً للأجواء، وليس هذا هو المطلوب بالطبع. بل العكس هو ما نريده، حيث نهدف إلي تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تنقيته من الأعشاب السامة والممارسات الفاسدة. وهذا يطرح علي عاتق الأجهزة الوليدة - التي نرحب بها - مسئولية تعزيز مناخ الشفافية بصورة تدريجية. وعلي سبيل المثال فإنه يجب عليها فيما يتعلق بالموضوع الذي نثيره أن تطلب من الجهات الرسمية الاعلان عن اسماء الأشخاص الذين يقومون باستيراد السلع الغذائية في السنوات العشر الأخيرة ، وإعلان قيمة الحصة الاستيرادية لكل منهم ونسبتها من إجمالي الصادرات.
فهذه المعلومات والبيانات الأساسية حق للمجتمع، وليست سراً حربياً. ومن خلال وضعها تحت أعين الجميع، يستطيع الباحثون أن يقطعوا الشك باليقين، وتتوافر بالتالي إجابة للمجتمع عن السؤال المعلق فوق الرءوس: هل هناك ممارسات احتكارية أم لا.. فيما يتعلق باستيراد السلع الغذائية التي لا مناص لأي مصري من شرائها مهما كان الثمن؟!
وبوجود إجابة مقنعة وموضوعية علي مثل هذا السؤال .. وغيره من الأسئلة .. يتعزز الاقتصاد الوطني.. وتنشأ علاقة صحية بين أطراف المجتمع، بما في ذلك البائع والمستهلك.
واذا كان لهذا كله من معني .. فان المعني هو أن الوزير رشيد محمد رشيد قد نجح في بداية القرن الحادي والعشرين، وبعد عقود من انفتاح السداح مداح - في إدخال آليات ابتكرتها الرأسمالية العالمية في القرن التاسع عشر لترشيد اقتصاد السوق وضبط الاقتصاد الحر وتجنب تحول »حريته« إلي فوضي تحيل السوق إلي غابة.
وهذه مسألة تحسب لرشيد محمد رشيد .. لكنها تطرح علي جدول أعمال المستهلكين ، وبالذات ملايين الضعفاء منهم، مهمة الالتفاف حول آليات منع الممارسات الاحتكارية وحماية المنافسة، وحماية حقوق المستهلك .. وتحويلها من أجهزة حكومية بيروقراطية إلي عمل جماهيري ونضالي يومي .. دفاعاً عن حقوق الوطن والمواطن.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ندافع عن لصوص الرغيف .. بسبب الدعم؟!
- ماذا أنت فاعل يا وزير الثقافة؟
- هل جامعات مصر عضو غريب في جسم يرفضه؟!
- الفساد .. وسنينه 6
- الفساد .. وسنينه 7
- الفساد .. وسنينه 8-8
- قطارات الموت
- الفساد .. وسنينه 5
- تحالف الاشتراكيين : إنجاز لمصر .. وليس لليسار فقط
- الفساد .. وسنينه 2
- الفساد .. وسنينه 3
- الفساد .. وسنينه 4
- التطبيع .. مع الفساد
- ثلاثية حسن نصر الله
- استحقاقات القرار 1701
- ألغاز إنجليزية
- 13ساعة أجازة من حرب لبنان.. فى -مصيف- أسيوط
- -العدوان الثلاثى- الثانى .. والصمت العربى المزمن
- القاع
- شافيز .. أكثر عروبة من العرب


المزيد.....




- نهشا المعدن بأنيابهما الحادة.. شاهد ما فعله كلبان طاردا قطة ...
- وسط موجة مقلقة من -كسر العظام-.. بورتوريكو تعلن وباء حمى الض ...
- بعد 62 عاما.. إقلاع آخر طائرة تحمل خطابات بريد محلي بألمانيا ...
- روديغر يدافع عن اتخاذه إجراء قانونيا ضد منتقدي منشوره
- للحد من الشذوذ.. معسكر أمريكي لتنمية -الرجولة- في 3 أيام! ف ...
- قرود البابون تكشف عن بلاد -بونت- المفقودة!
- مصر.. إقامة صلاة المغرب في كنيسة بالصعيد (فيديو)
- مصادر لـRT: الحكومة الفلسطينية ستؤدي اليمين الدستورية الأحد ...
- دراسة: العالم سيخسر -ثانية كبيسة- في غضون 5 سنوات بسبب دوران ...
- صورة مذهلة للثقب الأسود في قلب مجرتنا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - رشيد يعيد الاعتبار لآليات رأسمالية القرن التاسع عشر!