أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصة قصيرة ......فسحة صغيرة من الحرية














المزيد.....

قصة قصيرة ......فسحة صغيرة من الحرية


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1664 - 2006 / 9 / 5 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


حينما التقاها صدفة على إحدى منعرجات العمر على هامش المنفى بما يكفي من الدفء في خريف العمر , تغزل بعينيها العسليتين وشعرها الفينيقي الخرنوبي المنسدل على ظهرها شلالات أخذ لونه من لون أواخر الليل لما يختلط لون الفجر مع لون الشفق , يشبه بالضبط تلك الهنيهة من الزمن التي يختارها ذاك الفدائي عاشق زهرة عباد الشمس متسلقا المدى لينفذ عمليته الفدائية ممتطيا البحر في زورق مطاطي , راسيا على أطراف البر و متسللا بستان الزيتون الذي يحد قريته التي طرد منها إثر مذبحة نفذها مجموعة من المتعطشون لرائحة الدم تحت جنح الظلام , ومن يومها راح اللجوء يتداوله .
كم بهره بساطتها وانبهارها به , وذلك الحنان الأمومي الذي يسكن عينيها لما يلتقيها , مسد بكفه على وجهها القمحي , وعبثت أصابعه ما بين سنابل شعرها , لم يترك للهنيهات فرصة تتدحرج ما بين المسافة التي راح يتغزل بثدييها وما بين يده التي امتدت إليهما ليداعبهما , شدها إليه بقوة , واختصر الزمن واتبع سياسة حرق المراحل فقبلها في شفتيها على الرصيف أمام أعين الناس ليؤكد لها أنهما في بلاد لا تحرم الحب , وتنفسح على مساحاتها الحرية كثيرا .
تركتها جرأته مندهشة واجمة , ونبهها غزله : كيف كرت الأيام سريعة متدحرجة , فجعلت منها صبية ناضجة مشتهاة ....بالأمس وعلى رمية حجر من العمر كانت مازالت الطفولة تعبث في أعماقها عبر حدود قريتها .... بالأمس وعلى رمية سوسنة كانت الطفولة تتمرجح معها في ملعب المرج على مسافة نطة واحدة من منزلها المحاذي للبحر غربا , ومن الجهة الشرقية تتمطى الشمس عبر نافذة غرفتها الصغيرة , كانت تسميها فرنكة لأنها تقع على السطح وحيدة منفلتة من أي غرفة تجاورها , تصعد إليها عن طريق سلم خشبي يتكيء جدار غرفة والديها . ومن على قمة الجبل المطل على قريتها , و طفولتها المشدودة للسحاب , كانت ترفل بثوب أبيض قصير مكشكش تتسحسل غيمة تلمس قدميها تنحدر باتجاه أفق يحده دغل من الياسمين ينفسح على حقل من الحبق شمالا , ومن الجهة الجنوبية سرب من الفراشات تسربت للتو من شرانقها توقا إلى الحرية على الرغم من مصير الموت الذي ينتظرها , راحت تركض فرحة متعمشقة جناحي فراشة تجول الفضاء , وكانت الفراشة , وبمحض الصدفة , ملونة بألوان علم الوطن الكنعاني .
بهرها عنفوانه وشدها إليه كبرياؤه , كم عجزت عن تفسير مشاعرها نحوه و عن ضبط نزواته ومحاولاته المتكررة لإثارة الأنثى فيها , كانت لقائاته معها قصيرة , فهو دائما مستعجل وذو أسفار كثيرة , لا يتوفر لديه الوقت كي تستطيع أن تتملاه ولو مرة واحدة , أن تشبع منه فتقرأه في عينيه , لتتمكن من أن تتعرف عليه أكثر وتعرفه , لم تسمح لها اللقاءات القصيرة من أن تسبر غوره فتكشف مكنوناته , وبقي بالنسبة لها إنسانا مبهما غريب الأطوار مجهولا , تحركه طبيعة غريبة استثنائية تدل على شخص قد تعثر كثيرا باللجوءات , ولكنها انغمست معه في تجربة فريدة من العلاقة بين رجل وامرأة رفض أن يسميها حبا , لكثرة ما استهلك من مشاعر الغزل في الحب مع الكثير من النساء كما اعترف لها , فكثيرا ما كان يهرب من أن يناديها حبيبتي كلما حاصرته هي لتطمئن على منزلتها عنده , فيكتفي بأن يناديها:يا صديقتي .
ألقت برأسها على كتفه مستسلمة لدفء النظرات الحنونة التي تمتليء بها عينيه البحريتين , وسرعان ما تراجعت عندما تذكرت أنهما يقفان على الرصيف في قارعة الطريق , لقد تعلمت و تعودت في الوطن أن الحب حرام ... تنحت جانبا وتأملت جبهته الكنعانية , والشيب الذي غزا صدغيه . مسحت براحتها على جبهته , وكأن لمستها تحاول أن تزيل ما تجمع في أخاديد التعرجات ما تراكم من قهر السنين فيما مضى لديه , تنبهت لتلك الخطوط الرفيعة التي تفضح عمره الذي بقي يصر على عدم البوح به مكررا عبارته المشهورة : إن عمر الإنسان يحسب بعدد الأصدقاء وليس في عدد السنوات , ويضحك ضحكته المعهودة التي سلب بها لبها , لفتت الأخاديد في جبينه انتباهها إلى أخاديدها هي التي بانت لها في المرآة عندما همت تزين نفسها للقائه مساءا , كشفت لها ما تراكم من السنين سهوا , أربعون سنة طويت طوت معها طفولتها . فجأة عمت جسدها قشعريرة جعلتها غير قادرة على تحمل لحظة الصقيع التي انتابتها وهي تقف إلى جانبه ...غاصت في ذاكرتها , فتذكرت تجربة زواجها السابقة الفاشلة , و أن الموت قد ذهب بأمها وأبيها والكثير من شباب قريتها الذين حاولوا العودة عبر كسر الحواجز التي وضعتها قوى الطغيان لمنعهم من الوصول إليها , ثم لاحت بذاكرتها بسمة مريرة حملت إليها أسماء شبان ادعوا حبها لم يطيقوا نزوعها الكبير للحرية رافضة أن تكون مجرد امرأة تنتظر من يتقدم للزواج بها , فهجروها , كثيرا ما تساءلت : لماذا يحق للرجل دوما الاختيار والمبادرة في انتقاء شريكة حياته بنفسه فيبادر لاختيارها والتصريح لها برغبته بها أو بالزواج منها تحت أي ظرف دون أن تملك المرأة نفس الحق , و تكتفي بانتظار رجل يختارها لا تبادر هي لاختياره , لماذا لا تثور الناس على المفاهيم والعادات التي ثبت ظلمها وجورها ؟ و لماذا لا تثور المرأة على التقاليد التي تحرمها من ممارسة حقها وحياتها الطبيعية مثلها مثل الرجل؟
لم ترغب في الاسترسال في تساؤلاتها لكي لا تفسد متعتها بفسحة الحرية هذه مع صديقها فتستحيل إلى مناظرة سياسية اجتماعية يطيب له ممارستها كثيرا , تأبطت ذراعه و سارت ملتصقة به , نظرت إلى السماء , كانت السماء متلبدة بالغيوم السوداء المتلاحقة , تساقط فوق رأسها بعض الأوراق المصفرة من الشجر الذي يزين الرصيف معلنة عن الخريف القادم , كان الوقت مساءا من مطلع شهر أيلول , أخذت تمطر رذاذا جميلا , أحست بقشعريرة منعشة , التصقت به , ووازنت وقع خطواتها على وقع خطواته , وراحت تدندن بصوت منخفض أغنية لفيروز بصوتها الرخيم الذي يحبه كثيرا : ( ورق الأصفر ذهب أيلول تحت الشبابيك......ياريت الريح .....) .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة جدا......فسحة صغيرة من الحرية
- من أين يأتي هذا الإيغال والمبالغة في سفك دماء الأطفال والغلو ...
- وين العرب.....وين الإسلام ؟؟
- قراءة في البيانات والكتابات السياسية لبعض أطراف المعارضة الع ...
- كتابة على جدار حر
- بالأمس ابتهجت وابتهجت معي قريتي الجاعونة
- خنجر من لحمي في لحمي
- أنا والسياسة الواقعية أو الواقعية السياسية
- من ذاكرة معتقل سابق ...الذاكرة الأخيرة
- هل الأول من أيار عيد للعمل أم عيد للعمال ؟
- ويرحل الحمام
- قصة قصيرة ...موعد في 8 آذار
- -إن درجة تحرر المرأة هي مقياس التحرر بشكل عام-
- محاولة في الغوص في العلاقة بينها وبينه , الرجل والمرأة
- قصة قصيرة......زمن الذاكرة
- حانت ساعة العمل لمنظري الصهيونية لتحقيق رؤاهم
- إنعتاق
- قصة قصيرة جدا - وتكتمل ألوان قوس قزح
- لماذا يحمل الواحد منا في بنيتنا في داخله ضده
- غدر


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصة قصيرة ......فسحة صغيرة من الحرية