أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - في كل جيل أباطيل














المزيد.....

في كل جيل أباطيل


عبداللطيف هسوف

الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 07:23
المحور: الادب والفن
    


حظرا حلقة نقاش تنظمها لجنة اتحاد طلبة المغرب في مقصف المعهد الوطني للإحصاء التطبيقي. كان النقاش حادا بين التقدميين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى. تحت جناح التقدمية، كانت تنضوي تيارات عديدة: المعتدلون المنظمون في الأحزاب اليسارية المعروفة والمتشددون الماركسيون. هؤلاء قاعديون والآخرون بيبساويون، هؤلاء اتحاديون والآخرون طليعيون، هؤلاء من منظمة إلى الأمام والآخرون من منظمة العمل...إلخ. اختلاط في التوجهات وخلط في الأفكار والجميع شباب مغاربة جاؤوا من أجل تحصيل علم يمكنهم من ولوج سوق العمل فيما بعد وشق طريقهم في الحياة.
ترددت كلمات كثيرة في لحظة قصيرة. ترددت كلمات تحمل معاني ضخمة في لحظة جد وجيزة. كلمات من قبيل: النظام الفاسد، الداخلية، ادريس البصري، بنبركة، عمر بنجلون، القصر، البروليتاريا، الطبقة العاملة، القوات الشعبية، الفئات الحية، القوى الظلامية، الحركات الطلابية، الماركسية، الشيوعية، التنظيمات العميلة، الاشتراكية، البورجوازية، الإمبريالية، النضال، الخط التقدمي، العزل الأيديولوجي، القومية العربية، الثورة الإسلامية، الدين السياسي، الاستعلامات العامة، الانضباط، نقطة نظام..إلخ.
احتفظ كمال في ذهنه بعبارات رنانة يسوقها متدخل من هنا ومتدخل من هناك: التاريخ يبدأ منذ يبدأ التفكير... ، تأمل ذاتك تعرف نفسك...معرفة الذات بداية الحرية... ، يجب على المناضل أن يعرف الحدود بين الممكن والمحال... ، يجب المحافظة على تشاؤم الفكر وتفاؤل الإرادة، كما قال كرامشي... ، التخلص من العقائد المغرقة في الأساطير... ، الجهاد بحمل السيف ورفع كتاب الله... ، التخلص من الطغاة... ، لا شرقية ولا غربية... ... إلخ.
عندما يتدخل إسلامي، يرمقه اليساريون بنظرة عدائية. وعندما يتدخل يساري، يوجه له الإسلاميون نظرات شرزاء. تفرقوا شيعا، فريق يصفق وفريق يزعق. هذا يقول: اختصر، الكلام ليس بطوله ، وذاك يقول: الشيء إذا زاد عن حده جانس ضده . ومع أن الجو كان مشحونا بالعدائية، فقد ظلت الهدنة بينهم قائمة والخناجر في أغمادها نائمة إلى أن تجرأ أحدهم واصفا الإسلاميين بعملاء النظام، فرد عليه آخر واصفا اليساريين بعملاء الأنظمة الأجنبية الماركسية الكافرة. تعالت الأصوات وضج المكان واختلط الحابل بالنابل. ظهرت عصي تلوح في الهواء وسلاسل حديدية هنا وهناك. أخذت الأعناق تشرئب والأبدان تتدافع.
قال كمال مخاطبا صديقه سعيد: ها قد أزفت ساعة الانسحاب، لا مكان لنا هنا .
تردد سعيد القاعدي الانتماء، لكنه انتبه إلى أنه صاحب فوزية هذه المرة معه. كانت فوزية مقعدة تستعين بكرسي متنقل، طالبة تدرس في نفس القسم الذي يدرس به سعيد. أحبته هي بجنون وأحبها هو بقوة لا توصف دون أن يعير اهتماما لعاهتها.
كانت فوزية زهرة بيضاء رقيقة، وجهها مشرق وشعرها أسود سابل، عيناها سوداوين واسعتين تسطرهما بكحل يضفي عليها بهاء قل نظيره. لكن مع ذلك، كانت النظرات حزينة تحكي عن عذابات متراكمة وصراعات مع المرض مسترسلة. عاهتها تحملها معها أينما حلت وارتحلت منذ أن بلغت سن العاشرة من العمر. لم ينفع العلاج الذي قدم لها طيلة عقد من الزمن في مستشفيات بلدها. أوصاها الدكاترة بالهجرة إلى الخارج للاستشفاء على أيدي جراحين حققوا تقدما طفيفا في أمراض توافق عاهتها. لكن، العملية كانت تحتاج لآلاف الدولارات. هذا ما لن يتمكن أبواها من توفيره حتى وإن عملوا العمر كله. الأب موظف بسيط في وزارة الصحة والأم مربية في روض للأطفال.
تقدم الأب سابقا بطلب لتسفير ابنته وعلاجها على حساب الدولة. انتظر سنتين قبل أن يخبره المسؤول الصحي بأن الدولة لا تتكفل بالعلاج في الخارج ونصحه بأن يدق باب المحسنين وينشر طلب الإعانة في الجرائد. إلا أن الأمل الذي كان يبزغ مع كل إعلان ينشر في جريدة، ما يفتأ يتلاشى مع مرور الأيام. ويطبق الصمت، الصمت القاتل. لا مجيب ولا مستفسر عن حالة فوزية. ما كان يعوض تألم الجميع، خصوصا أب وأم فوزية، هو نجاحها المتواصل في دراستها وحصولها دائما على أحسن الدرجات.
أوصل كمال وسعيد فوزية إلى حجرتها بجناح الطالبات. بعد ذلك، انطلقا في شوارع الرباط، تاركين وراءهم ذاك المكان الذي سادت فيه العصبية والعدائية، وربما تكاثفت الأيدي على هذا أو ذاك وانتهى تبجحهم المتواصل بضرورة مقارعة الفكر بالفكر ودحض الادعاء بالبينة والدليل المقنع.



#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعرفهم جميعا...
- كيف كان المستعمر الفرنسي ينظر إلى المغاربة وسلاطينهم؟
- الإثنيات المغربية: التشكيلة المتنوعة، محاولة المستعمر تعميق ...
- الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم ال ...
- سكان المغرب الكبير الأولون - البربر أو الأمازيغ: تحديدهم بال ...
- سكان المغرب الكبير الاولون - البربر أو الأمازيغ: بالأصل الإث ...
- هل تصنع السلطة مثقفا حقيقيا؟
- مقاومة حفنة من الرجال وانتصار أمة بكاملها - لبنان يهزم العول ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبداللطيف هسوف - في كل جيل أباطيل