أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - متاهة / قصة قصيرة














المزيد.....

متاهة / قصة قصيرة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 07:09
المحور: الادب والفن
    


الذين عرفوه.. لم يألفوه كئيباً.. صامتاً.. شارد الذهن، قبل هذه الأيام كان يشاركهم الحديث ولو ببضع كلمات مبعثرة لا معنى لها.. أصدقاؤه لا يعرفون عن عائلته شيئاً سوى أنه مقطوع لا أحد لـه في هذه الدنيا.. أخبرهم مرة بأن والده تركهم مرة وسافر إلى مدن أخرى يعمل هناك وما يعرف عنه شيئاً البتة.. أمه ماتت في حريق شب في بيتهم وهو طفل بعد ولادته بأيام.. هذه الأيام يصمت كثيراً.. يذهب إلى عوالم أخرى، فيغرق في متاهة طويلة لا حدَّ لها، يفز منها بعد صيحة قوية يوجهها أحدهم ممن حامت الحيرة حول رأسه.. لا فائدة من كل ما يطلقونه من كلمات تجاهه.. هو غائص في أمواج تعيده لسنوات نحو الطفولة التي احترقت مع البيت وماتت مع أمه.. كان مجيئك نذير شؤم لأهلك؟ لا يعلق بأية كلمة.. يبتلع ثرثرتهم وينسحب مهزوماً بدموع خفية.. النار تستعر.. ألسنة اللهب تصل إلى قبة السماء، الصرخات المدوية تنصهر وتختلط مع الفزع والرهبة.. هاله منظر النار المشتعلة داخل البيت القابع تحت رحمة المباني الكبيرة.. ركض مع الناس الراكضين بهوس وجنون حاملين الماء ومطافئ الحريق اليدوية.. لا يحمل شيئاً.. نظراته تسابقه إلى حيث النار والجحيم ومنظر الجثث المتفحمة المستخرجة من أتون النار يحزنه ويعيد إلى نفسه ألماً طفولياً غائراً في أعماقه منذ سنين لا يفارقه..ذلك الألم الذي استفزته النار الهائجة أمامه..
الساعة الثامنة صباحاً.. وسط ضجيج الناس وهسيس احتراق الأجساد المحاصرة داخل البيت الملتهب، اخترق الحشد صوت مدو لمنبّه سيارة الإطفاء الكبيرة التي ترجل منها أربعة رجال، وسحبوا أنبوباً مطاطياً وأطلقوا عنان الماء الحبيس صوب النار الصاعدة، ابتعد الناس، ورجع هو إلى الخلف وهمس في أذن رجل واقف..
-كم جثة أخرجت؟
-ثلاث!

كان في نفسه طفل يتأوه من شدة الخوف والجوع يتضرع ويتوسل نافضاً غبار سنين متعبة داخل جسد واه، فز من صمته عندما حدثه الرجل الواقف بقربه..
-الحريق بدأ بالانتشار وقد ينال من البيوت القريبة.. صرخات قديمة لطفل تطنطن في رأسه امتزجت مع عويل نسوة يقفن جانباً.. روح الطفل تلبس جسده منذ موت أمه محترقة بعد ولاته بأيام..
الساعة الثامنة وخمس دقائق.. الدخان يتصاعد والنار تتلاحق مسرعة ويستمر أوارها دون انقطاع.. هاجمته فكرة اقتحام المبنى وتحركت في أعماقه ، تحرك بخطوات قصيرة إلى أمام.. الناس يتجمعون والجثث الثلاث تفترش الرصيف وقد غُطيت بالبطانيات.. الرجل القريب همس بأن جهود رجال الإطفاء قد تفشل حيث بدت سرعة الريح تنذر بخطر وشيك.. النار تلتهم الأشياء كوحش، وبدا البيت كأنه ينصهر في فرن كبير وهو يحاول الإفلات من بقايا صرخات طفولية تهاجمه كل لحظة.. تنتصب صورة أمه المحترقة التي لم يرها أبداً..
الساعة الثامنة وعشر دقائق.. غرق المكان في مستنقع أسود سبحت فيه بقايا أشياء تقاذفتها أمواج مياه رجال الإطفاء ووصلت إلى الناس، فيما راحت الريح المسرعة تحوم فوق النار فتزيدها ضراوة وقسوة.. ظل وحده يتخطى حواجز اللهب بخطوات مرتعشة..
الساعة الثامنة والربع.. كانت ألسنة اللهب تصارع الريح والمياه القوية تتدفق عبر الأنبوب وسط المجهود الخارق الذي يبذله الرجال الأربعة.. تقدم مسرعاً إلى الأمام.. لامست قدماه مياه المستنقع السوداء، وسط صرخات الناس وجنون النساء الباكيات، خرج مترنحاً حاملاً جسداً صغيراً متفحماً تلقفه أحد الرجال الباكين تمدد هو على الرصيف قرب الجثث الصامتة وغطى نفسه ببطانية متهرئة تحت خيوط الدخان الساقطة في جوف المكان..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوجاع بلا هوادة
- يوم من ليلة / قصة قصيرة
- حافة الزمن / قصة قصيرة
- قصة قصيرة / قراءة في لوح التراب
- محنة الرقم 4 .. الى كمال سبتي
- فلنعش ولنرجم الغراب بحجر
- كان اسمها ورقة التوت / قصة قصيرة
- ليلة الرمل / قصة قصيرة
- قصة قصيرة - ما قاله الرقيم
- المُدَوّنة / قصة قصيرة
- الكثرة تغلب القراءة
- المواطن الناصري الابدي
- ايقاع الالم وسحر الكتابة
- الحرية والدموع في رواية ممر الى الضفة الاخرى
- الطائر / قصة قصيرة
- جنون النار/ قصة قصيرة
- اعترافات تاجر اللحوم : رواية المنافي والانكسارات المتلاحقة
- ليل راكض / قصة قصيرة
- برج النعام / قصة قصيرة
- كمال سبتي يؤرخ لاربعينيته


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - متاهة / قصة قصيرة