أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب بداعي الهوس الديني















المزيد.....

كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب بداعي الهوس الديني


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


لا ينتمي فيلم " كتابة على الأرض " للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إلى تيّار الواقعية الإجتماعية التي غالباً ما تقترن بعباس كياروستمي ومحسن مخلمباف. فهذا الفيلم أقل ما يقال عنه أنه تعبيري بإمتياز، ليس في أداء البطل " حسين موسلمي " الذي جسّد الدور بإتقانٍ عالٍ، وإنما تعبيري في صوره الفنية، وموسيقاه، وتوجهاته الفكرية والروحية على رغم الخطورة التي تنطوي عليها هذه الأطاريح الدينية التي يصعب تبريرها، وإقناع الآخرين بها. فلم تشهد السينما الإيرانية في العقود الثلاثة الأخيرة في الأقل كسراً للمألوف، وكشفاً للمحجوب، وهتكاً للامُفكَّر فيه، بل أن موضوعة التعصب الديني، والعنف المنبثق عن أسباب مثيولوجية وروحية لم يُكشف عنهما النقاب بعد، ولم يتورط بها أحد في المجتمع الذي يحكمه نظام ثيوقراطي لا ينتمي إلى روح العصر في أقل تقدير. وغالباً ما يُتهم المخرجون الليبراليون بممالأة الغرب، أو تقديم صورة مشوّهة عن الحياة النمطية الساكنة في إيران أو في غيرها من البلدان الإسلامية المحافظة. ولهذا فقد قارن النقاد علي قاسمي بالمخرج الأرميني الأصل سيرجي براجانوف الذي تعاطى مع العتّه، والجنون، والهستيريا، والخوف، والألم، والمثلية الجنسية، والتطرّف عبر فيض من الصور المندفعة التي لا تدع المشاهد أن يلتقط أنفاسه. ولبراجانوف أفلام عديدة تؤكد صحة ما نذهب إليه من بينها " لون الرمان " و " أسطورة قلعة سورام " و " عاشق غريب " و " ظلال الأسلاف المنسيين " وغيرها من الروائع السينمائية التي دفعت النظام السوفييتي السابق لزجه في السجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة بحجة إثارة المشاعر الوطنية ضد نظامهم الشمولي طبعاً، ولم يُطلَق سراحه إلا بعد أربع سنوات من الإلتماس الذي تقدّم به لويس أراغون. وما يجمع هذا المخرج الشاب ببراجانوف أن كلاهما تجريبي، وكلاهما لا يميل إلى الواقعية، بينما ينقطع كل منها إلى اللون، وإلى جمالية الصورة الفنية. كما يفيد كلاهما من المخزون الأسطوري للبلد الذي يعيش فيه. لم يتوقف هذا الفيلم عند حدود التعبيرية، بل تجاوزها إلى الهذيان التعبيري لكي يرتفع الأداء إلى مستوى الموضوع الخطير، والمثير للجدل الذي تعاطى معه المخرج بشجاعة نادرة، مُسلّطاً الضوء على هذا الكم الكبير من الشخصوص الملتاثين الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الناس، وأولياء لهم، مدّعين زوراً وبهتاناً بأن الله " جلّ في علاه " قد فوّضهم لأداء هذه المهة الصعبة التي لا يقوى على تحملها إلا القلة النادرة من الصفوة البشرية.
الجذر الأسطوري للقصة
يحيلنا مخرج الفيلم إلى مكان بدائي بكر، محاط بالغابات العذراء التي لم تمسسها يد الإنسان إلا لماما في إشارة إلى العلاقة البدئية بين الإنسان وخالقه، هذه العلاقة التي لم تنضج على نار هادئة، ولم تثمر أي نوع من أنواع التسامح، والمحبة، والدفء الإنساني الحميم. رجل أشبه ما يكون بالقزم، له عينان جاحظتان، معبّرتان، وامرأة عادية، يسكنان في بيت متواضع يقع عند حافة غابة مكتظة بالأشجار، يرعيان الأغنام، ويعيشان حياة بسيطة متواضعة لا يكدرها صفوها أي شيء. غير أن حياة هذا الرجل تنقلب رأساً على عقب، وتنمو في داخله، على حين فجأة، مخالب الوحش الكاسر، حينما تموت زوجته في أثناء الولادة، ويولد الطفل ميتاً، فيعتقد هذا الرجل أن هناك سبباً سرّياً ومقدسا يكمن في إستدعاء هذا الطفل البرئ إلى جوار خالقه كي لا تتدنس روحه النقية الطاهرة بخطايا العالم الأرضي الذي يعيشه الآباء والأجداد غارقين في آثامهم وذنوبهم ولا تنفع معهم الأدعية والضحايا والقرابين والإبتهالات والصلوات المتعالية من مختلف أرجاء القرية. لقد أيقن هذا الرجل المعتوه بأن الله قد خوّله بمهمة ذبح الأطفال بمنجله البدائي وتقطيعهم إرباً إرباً كي ينقذهم من فخ الخطايا الذي سوف يسقطون فيه تباعاً، لذلك كان ينقّض كل يوم على طفل صغير، ويذبحه من الوريد إلى
الوريد، ثم يقطّعه ويخفي أثره، الأمر الذي روّع القرية وأفزعها بحيث دفع الآباء لأن يسجنوا أطفالهم في البيوت آناء الليل وأطراف النهار. ويعتقد هذا المجنون أن مصائر الناس مكتوبة على جباههم، وأن الإنسان مسيّراً، وليس مخيّراً، بل أن الأرض والسماء مكتوبتان من قبل الله سبحانه وتعالى. من هنا إذاً تنبثق دلالة عنوان الفيلم لتأخذ بُعدها الأسطوري، غير أن هناك سوء فهم، من وجهة نظر هذا المجنون والمصاب بالرهاب الديني، ويعتقد أن الناس لم تفهم الرسالة جيداً، لذلك خوّل لنفسه حق التعاطي مع أطفال القرية بالطريقة التي يراها مناسبة مُعتقداً أنه ينفّذ مشيئة الله على الأرض، حيث يتصاعد جنونه إلى مستوى الهذيان المحموم، والهستيريا المنفلتة التي لا يدوزن إيقاعها سوى الرقص الإيحائي الدائري المعبّر الذي يقترب من شكل الرقص الصوفي لكنه لا يفضي إلى الحلول، بل يؤدي بصاحبه إلى العصاب والخبل اللامحدود. وإذا ما تمعّنا في هذا الفيلم جيداً فسنجد أن مُخرجه يدين الإرهاب الديني بصوت مسموع، ويمقت العنف، والتعصب، ويحذّر من نتائجه الوخيمة التي تفضي حتماً إلى كوارث جمة لا تُحمد عقباها. لا بد من التنويه إلى أن المخرج المبدع علي محمد قاسمي هو كاتب القصة، ومصور الفيلم، ومُمنْتِجه ومخرجه في آن معاً، ولهذا فإن كل جزء صغير من الفيلم يتطابق مع رؤية المخرج البصَرية الذي أكثرَ من حركة الكاميرا الدائرية التي ظلت تلّف بسرعة حتى تحتوي كل رقصاته، وأصواته، وتهاليله، وحركاته المجنونة أو المفتعلة، كما تحتوي نواح النسوة، وحزنهّن الأبدي، ونشيجهن الذي كان يتعالى على حافة البحر " بحر قزوين " الذي يذكرنا بالغمر الأول، والغابة العذراء التي تذكرنا ببدء التكوين. ولأن المجرم لا يستطيع أن يضمر جريمته إلى الأبد لأن تجليات هذه الجريمة تظهر في سلوكه، وتنعكس على صفحات وجهه، " ويكاد أن يقول المريب خذوني " فإن التماثيل الثلجية التي يصنعها على هيأة فزّاعات أو أشكال بشرية يجدع رؤوسها بذات المنجل البدائي المعقوف، الأمر الذي يلفت إنتباه أحد أفراد القرية الذي فقد طفلاً، فيعود هذا الرجل ليخبر القرية كلها بغرابة تصرفات هذا المحنون لتبدأ بعدها رحلة المطاردة حيث يهرب إلى الغابة البعيدة راكضاً، لاهثاً، محموماً، متعهداً لله أن يحرق الزرع والضرع والمنازل، ويبيد الأغنام، ويقتل الأطفال، ويهب نفسه لله سبحانه وتعالى إذا ما إستلزم الأمر، وفي لحظة مجنونة يقتل عدداً من الأغنام، ويوقد النار في منزله، ويظل يدور، يدور حتى تحّل روحه في سَوْرة الهلوسة. وحينما ينجو من مطارديه يسقط مغمياً عليه، ويصادف أن تنقذه امرأة من موت محقق، وتعيد إليه الحياة عندما تجلبه إلى منزلها المتواضع حيث ينام وسط عشرات الكوابيس التي تجثم على صدره، والهلوسات التي تكشف عن الجزء العائم من جبل الجرائم التي ارتكبها في قريته. وحينما يلتقط أنفاسه تتشكل عرى علاقة طيبة بينه وبين هذه المرأة الوحيدة التي تبدو وكأنها مقطوعة من شجرة، وليس لديها ما يبدد وحدتها سوى طفلة صغيرة. وبالرغم من نشوء علاقة ودّية بينه وبين هذه الطفلة إلا أن نزوعه الداخلي، وما يحمله من تفويض إلهي بحسب إعتقاده الأخرق فإنه يسعى إلى قتلها حينما ينفرد بها، بعيداً عن عيني أمها، فلم تجد الأم بداً من وضع صغيرتها في الزورق الوحيد الذي تدفعه مع تيار النهر، وتظل تراقبها من الضفة، بينما يقف في الضفة الأخرى هذا المعتوه ملوّحاً بمنجله، ومنهمكاً برقصاته المحمومة. وحينما يعتريه اليأس من الوصول إلى الطفلة يخوض في ماء النهر لكنه لا يجيد السباحة فيغوص شيئاً فشيئاً حتى يتوارى في قاع النهر بينما يظل منجله المعقوف بارزاً فوق سطح الماء وكأنه يتهيأ لحز رقبة أي طفل صغير على مقربة منه تنفيذاً للمشيئة الإلهية التي فبركتها عقليته المريضة، المشلولة. يخلص قاسمي إلى القول بأن الفهم الخاطئ، والساذج للدين، أي دين كان، يمكن أن يفضي إلى هذا السلوك الإرهابي المروع الذي شلّ حياة قرية بكاملها قد تصلح لأن تكون أنموذجاً لبلد كبير. كما أن الفيلم ينتقد بقوة المغالاة في الحزن على الميت، وتثبيت هذا الحزن وكأنه قيّم حياتية متبّعة لا فكاك منها. فالنفس البشرية لا تتحمل جَلْد الذات بهذه الطريقة المرضية بداعي الوسوسة المثيولوجية، أو الهوس الديني المنبثق عن فهم سطحي لا يخترق لُباب الأمور، وربما لا يلامس قشورها بالكاد. بقي أن نقول إن المخرج علي محمد قاسمي من مواليد ملاير، إيران عام 1970. وقد أنجز عدداً من الأفلام الروائية والتسجيلية من بينها " فيلم من دون عنوان" و " السلالم "، " جزيرة السلام "، " مسافة بعيدة جداً "، " الريح الحمراء " و " موجة على الساحل ". كما نال العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية في روسيا ويوغسلافيا سابقاً.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي س ...
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...
- برئ - ريهام إبراهيم يضئ المناطق المعتمة في حياة الراحل أحمد ...
- الروائية التركية بريهان ماكدن: المحكمة حرب أعصاب، وعذاب نفسي ...
- تبرئة الروائية التركية بريهان ماكدن من تهمة التأليب على رفض ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النها ...
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي: لا أؤمن كثيراً بالحدود التي ت ...
- بيان قمة الدول الثماني الكبرى يُنحي باللائمة على القوى المتط ...
- المخرج الإيراني محمد شيرواني للحوار المتمدن: السينما هي الذا ...
- كولم تويبن يفوز بجائزة إمباك الأدبية عن رواية المعلّم
- العدد الثالث من مجلة - سومر - والإحتفاء برائد التنوير التركم ...
- الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغ ...
- باسم العزاوي الفائز بالجائزة الذهبية يتحدث عن صناعة الصورة ا ...
- اليميني المحافظ فيليبي كالديرون، زعيم حزب الحركة الوطنية
- الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات ف ...
- عازف العود المنفرد أحمد مختار: الموسيقى من وجهة نظري عنصر أس ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - كتابة على الأرض للمخرج الإيراني علي محمد قاسمي إدانة الإرهاب بداعي الهوس الديني