أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - قدرك ياعزوز














المزيد.....

قدرك ياعزوز


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 1663 - 2006 / 9 / 4 - 06:55
المحور: الادب والفن
    



تردد صوت مبحوح خلف باب القسم،و أطل عبر نافذة القسم شبح "خديجة" العش زوجة العزاب عبد الله،وهي امرأة من عيار رجل , مشمرة الأكمام, محزومة البطن ، صاحت قائلة:
أين هو ذلك الكلب الأجرب؟
دخلت القسم من بابه الواسع، ومسحت فضاء القسم بعينها الواسعتين, مجرجرة فستانها المتهدل بين الصفوف.ثم صرخت ملء صدرها: مخاطبة ابنها عمر
:قم ،واذهب الى الولجة،وأحضر الكلأ للعجل،
وواصلت بنبرة قاسية:
بسرعة ،وإلا نزلت على قفاك, إن شاء الله تأخذك مصيبة.
غامت الدنيا أمامي ،وصرت كثور هائج لا أقوى على السير دون أن أرتطم بشيء ,
يا الهي ماذا يحدث هنا و الآن ؟
مسحت الفضاء بعينين كابيتين, وخاطبت نفسي بصوت مسموع
لا باس..يحدث هذا وأكثر..إنها البداية..

أما خديجة ، فقد نبهت عمر في ثقة زائدة
: لا تنس إحضار حزمة نعناع للأستاذ ..من البحيرة الجانبية.
قلت محدثا نفسي
:لم ....؟ فالشاي المنعنع الأخضر هنا و الآن , يرتق الخاطر, ويشد الروح.
كان الخميس يوما مشمسا تماما،و نهر سبو العظيم , يعزف خريره الأبدي ,عندما أحضر إدريس فتى " لغريفة" المدلل, سمكا مقليا ,و قليلا من اللبن الطري كوجبة غداء
"أمي أرسلت إليك الغداء ياأستاذ..
هذه عادة هذه العائلة الطيبة , عائلة ميلود الفراعي , منذ أن وطأت قدماي عزبتهم كأول مدرس في المنطقة منذ فجر الاستقلال , كرم ولا شيء غير الكرم .
كانت الساعة الخامسة إلا دقيقتين من زوال خميس ديسمبري طويل , حين أشرت الى تلاميذ الفوج بالانصراف , شعرت بلسعة خفيفة بين السبابة و الإبهام، دعكتها بلذة, و أنا أقول
:لا بأس حبيبات عرق ضالة تتلاشى مع عدم الاهتمام .. و يزول الأثر.
لكن, و عكس توقعاتي، فقد ظلت الحبيبات مع مرور الوقت، تتكاثر، تنتفخ, و تتورم.وباتت الحبيبات الشبيهة بفاكهة كرز لم تنضج بعد ،تتعانق واحدة بالأخرى, في فوضى عارمة ,مخلفة بثورا و تجلطات صديدية تبعت القرف.
و كان علي أن أطلق عنان سذاجتي زمنا طويلا ,قبل أن أقتنع بحلول ضيف ثقيل , مقرف يدعى "الجرب " او الجربة" أو الحكة كما يدعوها العامة هنا . و الأدهى من ذلك أن المدعو مصطفى اخو عمر, هو صاحب هذه الدعوة غير اللطيفة .والملعونة بصدق.
لم تعبئ الفقاعات الدموية بأمواج السائل الأصفر "اسكابيول" المضاد لها أول وهلة , بل ظلت تتابع انتشارها الهادئ في أماكن لم تكن تحت سيطرتها من قبل , بدء من الذراع , الى التفاف الساعد ,مرورا بنقرة القفا, ثم ما بين, وبين أماكن حساسة في الجسد.
والحقيقة أن خجلي كان يتعاظم كلما صافحت صديقا, ليس لآن وباء"الجرب" رديف للجهل والأمية وشروط تنشئة سليمة فحسب, بل لأنه أيضا ,سوء الحظ ,الذي طوح بي كمعلم بئيس في فضاء موغل في العزلة, وبعيدا عن كل ما هو حضري.
كنت امشي بين حقول القمح الناضج وحيدا , وأقول بصوت مسموع
"انه قدرك ياعزوز...وعليك أن تتعامل مع الظرف بواقعية"
لكن, أي واقعية؟..هل اطرد القسم الجربان الكحيان كله , واقعد وحيدا هنا في هذا الفراغ الذي لا عمق له؟
أم انتظر نهاية الشهر, حتى اقتني حاجزا زجاجيا يفصل بيني وبين هؤلاء الشياطين الجرب الصفر ؟
وبدا لي في النهاية أن السلاح الوحيد هو السذاجة,
لدي إحساس بأنني استطيع أن أكون ساذجا, وذو نية, ...وماذا بعد اللي ليها ليها..

وتساءلت:
أليس المعتوه وحده يصدق أن داء الجرب, أو لعنة القرع, ينتقلان عبر الأغلفة الخاصة بدفاتر التمارين الكتابية..؟
هههاها وتابعت في كسل:
"السيدا" ومرض فقدان المناعة المكتسبة اخطر مرض في العالم, لا ينتقل عبر اليد ,أو باستعمال الفوطة, أوتناول الكتاب ’ فلماذا الياس إذن..؟..سأصافح التلاميذ أثناء الدخول واحدا واحد...سأهمس لهم في أذانهم , إنني معلمهم ..عملي الذي يضمن لي حياة وخبزا وأملا..أحبهم رغم كل العاهات , والخواءات التي يمتلئ بها مدشرهم...في النهاية الذنب ليس ذنبهم...
استسلمت لقدري بكل ما أوتيت من نباهة وعدم اكتراث, وسارت الأمور على هذا النحو, الى أن لاحظت السيدة ذات زوال كئيب , منطقة صغيرة منزوعة الشعر في مؤخرة راسي..هتفت بسخريتها المعهودة
"أشرفتي ياعزوز"...
وبعد أن تفحصت الموقع بعين شوافة, تابعت قائلة: ما علينا ..شفرة حلاقة..مع قليل من حبيبات تبغ الطابا..تفليحات ..مسيلات دماء خفيفة..وينتهي الأمر..

ليس مشكلا..فعندما يتسخ المحيط لا بد أن نشرب نصيبنا من واقع تعفنه..
قلت لنفسي:
انه قدرك ياعزوز..تعايش معه..كل سنة تضاف نقطتين الى القائمة...وبعد 12 سنة سيأتي الفرج..وتنتقل الى مدرسة بالمدينة.بفاس العالمة...هذا سيحصل بالتأكيد , مادام الأمر يتعلق بالنقط...لكن..

اثبت الأسبوع الأول من العلاج,باستعمال وصفة "رشيدة" المضادة للتو نيا, تقدما ملحوظا حسب تقديرها.أما بالنسبة لي و تبعا لملاحظاتي فقد صار الجزء الصغير امس , رقعة منزوعة الشعر اليوم , تتسع بؤرها شيئا فشيئا..
والحقيقة أن جزءا كبيرا من اهتماماتي ومشاغلي, ظل حتى عهد قريب , منصبا على مراقبة دقيقة, ومزعجة لتطورات الوضع على الجبهتين, جبهة الجرب , والجبهة التونية..تنظيف وتطهيرمتواصلين , لعبت فيهما المرآة العاكسة, دور البطولة..
ومع كل ذلك الحرص وعدم الاكتراث, بات قطر الرقعة يتسع بنشاط مطرد .وحبيبات الجربة تنتشر دونما مقاومة..
ذات مساء كئيب سماؤه سوداء لا تسخو بقطرة ماء صرخت ملء صوتي وأنا امسك عمر من إذنيه:
" ماذا يجني المرء من وراء نسلكم..هيه..؟
ثم دمدمت مصعوقا موجها كلامي ناحية مصطفى:
"راسي علاه الشيب, وجسدي أحكمت فيالق الجرب السيطرة على كل معابره وتخومه؟؟؟؟؟....أما الانتقال ...فبعد عمر طوييييييييييل.



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماجدوى الكتابة عن التلفزيون1
- علاقة الجالية المغربية في الخارج بالاقتصاد الوطني تنمية ام ا ...
- تبقى كرامة لو تأمل العرب لحظة واحدة هذه المفارقة
- الدمية باربي تعلن اسلامها
- ايروتيكا/ايروتيكا
- عربي على عجل
- سحر الجوى
- رسالة الى الاخوين -نايل سات- و-عرب سات
- الجريدة الورقية والمقهى بين تحبيب القراءة المجانية وانتكاس ا ...
- الصحافة والامن اية علاقة؟
- الباكالوريا بفاس ارقام ومعطيات
- من ينقذ 5 ملايين من -الجيسيكات- في العراق؟
- تاريخ الحمام من التدجين الى السباق
- من اجل شراكة تربوية فاعلة ومنتجة
- حول القرصنة في مجال المعلوميات
- الدروس الخصوصية -تسونامي-جديد يجتاح المغرب
- حوار مع الاستاذة فائزة السباعي مفتشة مركزية بوزارة التربية ا ...
- الغش في الامتحانات المهنية بين التحليل والتبرير
- الغش في الامتحانات المهنية في التعليم بين جدلية التحليل والت ...
- الدكتور شكير فيلالة يصدر-الكتابة الموازية- ايضاءات في السرد ...


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - قدرك ياعزوز