أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبداللطيف هسوف - الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم المسلمين بالأندلس قرونا إضافية.















المزيد.....

الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم المسلمين بالأندلس قرونا إضافية.


عبداللطيف هسوف

الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 02:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فتحت الأندلس سنة 92 هـ على يد طارق بن زياد وبقيت تابعة للخلافة الأموية مدة حكمها وخلافة العباسي الملقب بالسفاح، ولما تولى المنصور وأراد استئصال بني أمية هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك إلى المغرب ونزل بمليلية المغربية وأرسل مدبراً مولاه إلى جماعة من موالي المروانيين فدعوا له بالأندلس وأنشأ له حزباً مؤيدا فسافر عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وبويع له سنة 138 هـ، فلما علم بذلك والي الأندلس من قبل العباسيين حاربه وانتصر عليه عبد الرحمن، الملقب بالداخل، وتم له الأمر سنة 140 هـ فأقام بقرطبة. ولما جاء ثامنهم وهو عبد الرحمن الناصر الذي حكم الأندلس من سنة 300 هـ إلى سنة 350 هـ لقب نفسه بأمير المؤمنين. وقد بلغت دولة الأندلس في أيام عبد الرحمن الناصر قمة المجد والعزة. ومن بعد عبد الرحمن الناصر بدأ الانحلال في الدولة تدريجيا وتفككت عراها شيئا فشيئا وصارت فيها حروب داخلية فطمع فيها الأسبان وجرت بينهم حروب كانت نتيجتها أن سلمت غرناطة للأسبان سنة 1491م. وقد أحصى بعض المؤرخين المطرودين من سنة 1492م إلى سنة 1609م بنحو ثلاثة ملايين عربي وأمازيغي، وأجبر الكثير منهم على الدخول في دين النصارى.
يعرض لنا تاريخ الأندلس منذ قيام الدولة الأموية أربع مراحل تمتاز كل منها بميزات خاصة. فالأولى مرحلة الفتح وتفوق الدولة الإسلامية على أسبانيا النصرانية، والثانية مرحلة الكفاح خلال عصر الطوائف، والثالثة عصر المرابطين والموحدين الذين هبوا لنجدة الأندلس انطلاقا من المغرب، والرابعة مرحلة الانحلال أيام مملكة بني الأحمر بغرناطة. سنكتفي هنا بعرض مرحلة تواجد المرابطين والموحدين بالأندلس، على أن نتعرض في فرص لاحقة لباقي المراحل.
يقول الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله: انصهرت مؤشرات أموية عربية عريقة خاصة خلال القرن الرابع الهجري في مؤشرات صنهاجية مصمودية تحت تأثير المرابطين والموحدين، ومن هناك انطبع تراث الأندلس بعطاءات مغربية إفريقية عربية انبثقت عنها حضارة فذة خلقت عالما ثالثا بين الشرق والغرب كاد يرتكز بين المحيط والمتوسط في المغرب وصحرائه كصلة وصل بين ثلاث قارات وثلاث حضارات، وكان السبق في كل ذلك منذ الانطلاقة الأولى للفوج الإفريقي المغربي الذي غزا الأندلس... وقد ظلت الأندلس خلال قرون متأرجحة بين التبعية والانفصال عن المغرب، واستوثق هذا الرباط طوال ثلاثة قرون من عهد المرابطين إلى عهد المرينيين . ( الأندلس والمغرب وحدة أم تكامل؟ ، بحث، الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله، عضو أكاديمية المملكة المغربية)

1- معركة الزلاقة ( 479 هـ/1086 م )
بعد انهيار ملك بني أمية في الأندلس عمد رؤساء الطوائف فيها من عرب وبربر وموال إلى اقتسام النفوذ فيها، حتى كاد يكون على كل مدينة أمير مستقل، فعرفوا بملوك الطوائف... وراح ألفونسو السادس ملك قشتالة يضيق على المعتمد بن عباد ملك إشبيلية، فقرر هذا الأخير الاستنجاد بأمير المرابطين في المغرب يوسف بن تاشفين. ولما حذر الرشيد والده المعتمد من خطر المرابطين، أجابه المعتمد: "رعي الجمال عند ابن تاشفين خير من رعي الخنازير عند الألفونس"، أي أنه يفضل أن يرعى جمال ابن تاشفين في الصحراء المغربية على أن يكون أسيراً عند ألفونسو يرعى خنازيره في قشتاله. وتقول بعض الروايات أن ألفونسو قد وصل في بعض حملاته إلى الضفة الأخرى من الوادي الكبير لأشبيلية، وأرسل رسالة سخرية إلى المعتمد بن عباد يقول فيها: »لقد ألمّ بي ذبابكم بعد أن طال مقامي قبالتكم، واشتد الحر، فهلا أتحفتني من قصرك بمروحة أروح بها عن نفسي وأبعد الذباب عن وجهي؟« وردّ ابن عباد على الرسالة بقوله: »قرأتُ كتابك، وأدركت خيلاءك وإعجابك، وسأبعث إليك بمراوح من الجلود المطلية، تريح منك لا تروح عليك«. ويقال إنه كان يقصد بذلك الجيوش المرابطية، ودعوتها إلى الأندلس.
+ عبور المرابطين الأول إلى الأندلس:
شهد القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، قمة التقدم الحضاري والسياسي في بلاد الأندلس، وأضحت قرطبة عروس الغرب، وحكامها خلفاء بني أمية يتمتعون بمكانة عالية، سياسياً وعسكرياً وحضارياً، ولم يدر بخلد أحد أن الصراع الذي اشتد على عهد المنصور بن أبي عامر، وزير الأمويين بالأندلس، كان يحمل في طياته عوامل هدمه وفنائه. ما أن مات المنصور، ومن بعده ابنه عبد الملك، حتى ثار القرطبيون على عبد الرحمن بن المنصور، وبدأت سلسلة من الأحداث الدامية أدَّت في النهاية إلى تمزق هذه الدولة، وقامت في جوانبها مماليك لا حول لها ولا قوة.
قام أبو الوليد الباجي وغيره من فقهاء الأندلس بالدعوة إلى التوحد، وضرورة الاستعانة بإخوة الإسلام المغاربة من المرابطين، ولقيت الدعوة صدى عند أمراء الأندلس بسبب ازدياد عنف ألفونسو. تلقى إذن ابن تاشفين دعوة ابن عباد، فحشد جيشه في مدينة سبتة، ثم اجتاز المضيق إلى الجزيرة الخضراء في شهر أغسطس 1086م، فوجد أمير إشبيلية بانتظاره، واتفقا على خطة مواجهة الخطر القشتالي النصراني... ثم سار فرسان المرابطين في الطليعة وعدتهم عشرة آلاف فارس يقودهم داود بن عائشة، ثم الجيش الأندلسي يقوده الشاعر والأمير ابن عباد، ثم الجيش اللمتوني بإمرة الملك الهمام يوسف بن تاشفين، ونزلت الجيوش خارج مدينة بطليوس، فخرج أميرها المتوكل بن الأفطس وقدم لهم الأقوات. ولما علم ألفونسو بالزحف المغربي، ارتد عن مواقعه يحشد العساكر، كما جاءه المدد بالعدة والعدد من ولايات فرنسا الجنوبية. وما أن أخذت العساكر الإسبانية أمكنتها، أرسل ابن تاشفين إلى ألفونسو كتاباً يدعوه فيه إلى الاستسلام والدخول في طاعته، ومما جاء فيه: بلغنا يا أدفنش (ألفونس) أنك رغبت في لقائنا وتمنيت أن يكون لك سفن تعبر فيها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . فلما اطلع ألفونسو على مضمون الكتاب، رماه أرضاً غاضباً وقال للرسول: "قل لمولاك أننا سنلتقي في ساحة الحرب".
حاول ألفونسو خديعة المسلمين، فكتب إليهم يوم الخميس يخبرهم أن تكون المعركة يوم الاثنين، لأن الجمعة هو يوم المسلمين، والسبت هو يوم اليهود، والأحد يوم النصارى. أدرك ابن عباد أن ذلك خدعة، وبات الناس ليلتهم على أهبة واحتراس بجميع المحلات، خائفين من كيد العدو. فلما كان صباح الجمعة الثاني عشر من رجب سنة (479 هـ)، حمل ألفونسو بسائر الجيش... وكانت الحملة عنيفة لم يصبر لها العرب فتراجعوا مغلولين وطاردهم الإسبان إلى أسوار بطليوس. وظن ألفونسو واهماً أن النصر أصبح حليفه، فبينما يطارد المنهزمين إذا بصرخة تتعالى وراء معسكره وقرع الطبول يهتز في الفضاء، وكان ابن تاشفين قد خرج بعساكره من وراء أكمة مجاورة، وسارع قائده أبو بكر بن سير بقوة البربر لمعونة المعتمد بن عباد، وسار هو بفيالقه الضخمة إلى معسكر الإسبان. دارت معركة ضارية كثر فيها الكر والفر، وما أن حل الغروب حتى اضطر الملك القشتالي، وقد أصيب في المعركة، إلى الانسحاب حفاظاً على حياته وحياة من بقي من جنده.
وتجمِع المصادر الإسبانية على أن الملك القشتالي ألفونسو السادس قد نجا بأعجوبة في حوالي خمسمائة فارس فحسب، من مجموع جيوشه الجرارة. كما يعلق المؤرخون أن يوسف بن تاشفين لو أراد استغلال انتصاره في موقعة الزلاقة، لربما كانت أوروبا كلها الآن تدين بالإسلام. والحقيقة أن المؤرخين جميعاً يقفون حيارى أمام توقف الجيوش الإسلامية عن استرداد طليطلة من أيدي النصاري. إن ما حدث فعلاً هو عودة المرابطين إلى إفريقية، وعودة أمراء الأندلس إلى الصراع فيما بينهم. ومع ذلك فإن معركة الزلاقة سنة 1086م قد دونت حدثاً عظيماً في تاريخ الإسلام، فهي وإن تكن فتحت أبواب الأندلس لمرابطي أفريقيا البربر، فقد ثبتت فيها أقدام المسلمين مدة أربعة قرون.
دونت معركة الزلاقة سنة 1086م حدثاً عظيماً في تاريخ الإسلام حيث ثبتت في الأندلس أقدام المسلمين مدة أربعة قرون أخرى. لكن ما أن عاد المرابطون إلى المغرب بعد انتصار الزلاقة، حتى عاد أمراء الأندلس إلى الصراع فيما بينهم مجددا ليطمعوا فيهم النصارى أكثر من السابق.
+ عبور المرابطين الثاني إلى الأندلس:
لم يكد يستقر يوسف بن تاشفين في المغرب حتى عادت كتب الأندلسيين ووفودهم تتقاطر عليه؛ طلبًا لنجدتهم من القشتاليين الذين عاودوا التدخل في شؤون شرقي الأندلس في بلنسية ومرسية ولورقة، فأجابهم إلى ذلك، وعبر بقواته إلى الأندلس ثانية في يوليو 1088م، واتجهت مع القوات الأندلسية إلى حصن ليبط، وهو حصن أقامه القشتاليون بين مرسية ولورقة، ليكون قاعدة للإغارة على أراضي المسلمين في هذه المنطقة.
حاصرت قوات ابن تاشفين هذا الحصن، وسلطت عليه آلات الحصار، وضربوه بشدة، لكنها لم تنجح في هدمه أو إحداث ثغرة ينفذ منها المسلمون؛ نظرًا لمناعته واستماتة المدافعين. ودام الحصار نحو أربعة أشهر دون جدوى، ففك يوسف بن تاشفين الحصار بعدما كبد حامية الحصن خسارة كبيرة، وأهلك معظم رجاله حتى إن ملك قشتالة حين قدم الحصن لنجدته لم يجد فيه سوى مائة فارس وألف من المشاة، بعد أن كان يضم عند محاصرته ثلاثة عشر ألف مقاتل، ثم عاد يوسف إلى بلاده بعد أن ترك بعض قواته تحت إمرة خير قواده البربر سير بن أبي بكر اللمتوني.
+ عبور المرابطين الثالث إلى الأندلس
شاهد أمير المرابطين عند عبوره إلى الأندلس ما عليه أمراؤها من فُرقة وتنابذ، وجنوح إلى الترف والبذخ، فاستقر في ذهنه ضرورة إزاحة هؤلاء الأمراء عن مواقعهم، وعزز من ذلك فتاوى كبار الفقهاء من المغرب والأندلس والشرق الإسلامي بوجوب خلع ملوك الطوائف، وانتزاع الأمر من أيديهم، وكان أبو حامد الغزالي وأبو بكر الطرطوشي على رأس القائلين بهذه الفتوى؛ وهو ما دعا أمير المرابطين إلى تنفيذ هذا الأمر.
عبر أمير المرابطين إلى الأندلس للمرة الثالثة بجيش ضخم في أوائل سنة 1090م لمقاتلة النصارى، فاتجه بقواته إلى طليطلة، واجتاح في طريقه أراضي قشتالة دون أن يتقدم أحد من ملوك الطوائف لمعاونته أو السير معه، وكان يرغب في استرداد طليطلة، لكنه لم ينجح نظرًا لمناعة أسوارها العالية، فرجع بجيشه إلى إشبيلية وفي عزمه أن يستخلصها هي وغيرها من إمارات ملوك الطوائف. وقامت عليه الأدلة إلى عودة ملوك الطوائف إلى عقد اتفاقات سرية مع ملك قشتالة، يتعهدون فيها بالامتناع عن معاونة المرابطين، والدخول في طاعة ألفونسو ملك قشتالة وحمايته.
قسم أمير المرابطين قواته في أنحاء الأندلس، وبدأ هو بالاستيلاء على غرناطة، ودخلها في سبتمبر 1090م، وأعلن على الناس أنه سوف يحكم بالعدل وفقًا لأحكام الشرع، وسيدافع عنهم، ويرفع عنهم سائر المغارم الجائرة، ولن يفرض عليهم من التكاليف إلا ما يجيزه الشرع. ثم بعث أمير المرابطين بقائده الكبير البربري سير بن أبي بكر اللمتوني على رأس جيش كبير إلى إشبيلية، فتمكن من الاستيلاء على كثير من مدنها، ودخل المرابطون قرطبة في 26 من مارس 1091م، ثم تتابع سقوط المدن الأخرى في أيدي المرابطين ليبدأ عصر الحكم المرابطي في الأندلس.‏
قضى يوسف بن تاشفين على دوَل الطوائف بعد أن تبيّنَ له أن بقاءَهم في أماكنهم خطرٌ على سلامَة البلاد. واقتاد عبدالله بن بلكين الصنهاجي (أمير غرناطة) وأنزله بأغمات، وكذلك فعل بأخيه تميم بن بلكين، ووضعهما تحت الإقامة الإجبارية قرب مراكش. كما اقتاد ابن تاشفين المعتمد بن عباد (أمير اشبيلية) وأهله وسجنه بأغمات هو الآخر، والمجال لا يتسع هنا للحديث عن هذا الأمير الشاعر.
لما ضعف نفوذ المرابطين في المغرب انتهز الأندلسيون ذلك فقامت ثورات هناك بزعامة القضاة والعلماء وبعضهم استعان بالنصارى مثل القاضي ابن حمدين وهو من القبائل العربية العريقة استعان بالملك القشتالي الفونسو السابع أثناء صراعه مع يحي ابن غانية المسوفي المرابطي سنة 540هـ ومكن النصارى من الدخول إلى شرق قرطبة وخربوا المساجد ومنها المسجد الجامع وحرقوا المصاحف ومزقوها. ولما سمعوا بتوعد الموحدين الذين خلقوا المرابطين بالمغرب اضطروا إلى عقد هدنة مع أهالي قرطبة وولوا عليهم يحى ابن غانية (أبناء غانية صنهاجيون ناصروا المرابطين). وفي مالقا استعان القاضي أبو الحكم بالصليبين أثناء صراعه مع المرابطين، لكن الأهالي ثاروا عليه وحاصروه في قصره فعرف أنه هالك فشرب السم ولكنه لم يمت فطعن نفسه برمح ولكنه لم يمت على الفور وظل هذا القاضي يتألم ثلاثة أيام إلى أن توفي فقطع الأهالي رأسه وصلبوا جثته. وفي عام 543هـ توفي يحي ابن غانية المسوفي ودفن بغرناطة لتبدأ فترة الحكم الموحدي بالأندلس.

2- معركة الأرك ( 591 هـ-1195 م )
قرر ألفونسو الثامن ملك قشتالة أن يحمل على عاتقه مهمة دحر الأمراء الموحدين من بلاد الأندلس، فراح يغزو مناطقهم، يعيث في بسطائها ويهاجم قواعدها متحديا خليفة الموحدين في المغرب بدعوته إلى الحرب ! غضب الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور من تجبر الملك الإسباني واستخفافه بقوته فراح يعبئ الجيوش ثم عبر مضيق جبل طارق فانضمت إليه العساكر الأندلسية، فتألف منها جميعاً جحفل جرار تقدره بعض الروايات بستمائة ألف مقاتل.
كان الخليفة المنصور يرمي في زحفه إلى مساورة طليطلة عاصمة مملكة قشتالة الإسبانية فبلغه أن ألفونسو الثامن حشد جيوشه بين قرطبه وقلعة رباح بالقرب من حصن الأرك فقصد إلى لقائه، ولما صار منه على مسافة يومين عقد مجلساً للشورى مع كبار القواد وأصحاب الرأي، فأشار عليه القائد الأندلسي أبو عبدالله بن صناديد بتوحيد القيادة وخطة القتال، وأن تقوم الجيوش النظامية بمجابهة الإسبان وأن تبقى القوات غير النظامية المجاهدة قريبة، فإذا تساجل القتال فاجأت العدو بهجوم مفاجئ.
ابتدأت معركة الأرك في 19 يونيو 1195م، واسم الأرك الذي سميت به المعركة اشتق تعريبا من كلمة ألاركوس الإسبانية التي تعني الأقواس وهو اسم تلة قامت عليها الحرب. أمام هجوم الموحدين المفاجئ تراجع الأسبان مكرهين وانهزموا إلى التلال يتحصنون وأبى الخليفة الموحدي أن ينتهي النهار قبل إحراز النصر كاملاً فجمع الجيش ومشى إلى التلال مع القوات الأندلسية فدافع الأسبان ما استطاعوا، حتى لم يبق منهم إلا فضلة يسيرة خشيت أن تخسر ملكها، فأكرهته على الانكفاء منقذه حياته. ثم اقتحم المسلمون حصن الأرك فاستولوا عليه، وهاجموا قلعة رباح فامتلكوها، وانتهت المعركة بانكسار ساحق للقشتاليين.
إن موقعة الأرك قد أوقعت هيبة الموحدين في نفوس الملوك الأسبان، فأسرعت مملكتا "ليون" ونافرا إلى محالفة الخليفة المنصور، وهما في تأخرهما عن نجدة ألفونسو القتشتالي أسهما في إيصاله إلى هذه النتيجة الفاجعة. حاصر أبو يوسف يعقوب المنصور مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الإسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس. ثم إن ألفونسو نفسه التمس من المنصور الهدنة... وقد رضى المنصور بمهادنته بعدما بلغه خبر اندلاع ثورة قام بها بعض القبائل بالمغرب... فعاد إلى مراكش وقضى على الفتنة وانصرف إلى إصلاح شؤون البلاد بالمغرب الكبير.
ما أن عاد السلطان يعقوب المنصور إلى المغرب، حتى أعاد الإفرنج تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم، بينما زاد التناحر والتحارب مماليك الطوائف. كما تميزت هذه الفترة باستعانة المسلمين بالإسبان على إخوانهم المسلمين وبالتالي صار الإسبان يضربون بعض هذه المماليك ببعضها. سقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت اشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الإسبان بمعونة حلفائهم من أمراء المماليك. وكان ممن اشترك في الحصار ابن الأحمر مؤسس دولة بني الأحمر في غرناطة. وأخيراً فتحت اشبيلية أبوابها للإسبان فبدأت المجازر المؤلمة. وقد رثى الشعراء سقوط اشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الأبيات للشاعر موسى بن هارون:
فكم أسارى غدت في القيد موثقةً تشكو من الذل إقداماً لها حُطما
وكم صريع رضيع ظل مختطفاً عن أمه فهو بالأمواج قد فُطِما
يدعو الوليد أباه وهو في شغل عن الجوابِ بدمع سال وانسجما
فكم ترى والهاً فيهم ووالهةً لا يرجع الطرف إن حاولته الكلما
في كل حين ترى صرعى مجدّلةً وآخرين أسارى خطبهم عظما
حاول الموحدون أن يحافظوا جهد الإمكان على التواجد المغربي بالأندلس لصد هجمات المسيحيين إلا أنهم لم يحرزوا نفس نجاح المرابطين. لقد عبرت جيوشهم مرارا، لكن تحطمت حملة الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المومن ضد القشتاليين تحت أسوار وبذة (567 هـ – 1172 م.)، وتحطمت حملته ثانية ضد البرتغاليين تحت أسوار شنترين (580 هـ – 1184)، ولم تبرز الجيوش الموحدية بالأندلس إلا في معركة الأرك في عهد يعقوب المنصور (609 هـ – 1195 م). غير أن هذا النصر الذي أكسب الموحدين هيبة في بلاد النصارى بإسبانيا لم يلبث أن محت معالمه آثار هزيمة العقاب (609 هـ – 1212 م) بعد ذلك.
وقد جاء السقوط المتسارع لممالك الطوائف نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 1212م بين الإسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من أرض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين الأيوبي، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب أبي يوسف الذي عبر إلى الأندلس، إلاّ أن تعسفه وسوء إدارته أدت إلى انفضاض مسلمي الأندلس عنه عند أول هجوم للإسبان في تلك المعركة، فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الإسبان. وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين أنذرت بنهاية الحكم الإسلامي بالأندلس.
في عهد المرينيين سيتراجع المغرب تدريجيا عن الأندلس إلى أن سقطت كلها في يد الإسبان. وقد اجتاز يعقوب بن عبدالحق المريني في فترة ملكه الممتدة بين (656 هـ و685 هـ - 1258 م و1286 م) إلى الأندلس أربع مرات لكنه لم يحصل في الأخير على نتائج تذكر.



#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سكان المغرب الكبير الأولون - البربر أو الأمازيغ: تحديدهم بال ...
- سكان المغرب الكبير الاولون - البربر أو الأمازيغ: بالأصل الإث ...
- هل تصنع السلطة مثقفا حقيقيا؟
- مقاومة حفنة من الرجال وانتصار أمة بكاملها - لبنان يهزم العول ...


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبداللطيف هسوف - الزلاقة والأرك: معركتان يمدد بهما المرابطون والموحدون حكم المسلمين بالأندلس قرونا إضافية.