أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد السيد علي - نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار - 2 / 2















المزيد.....



نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار - 2 / 2


أحمد السيد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1659 - 2006 / 8 / 31 - 09:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في تساؤلي حول مفهوم العقل الواعي لم يفهم كامل النجار الغرض من السؤال وربما لم أصغه بشكل واضح فعلاً ، إن التساؤل لم يكن عن توقيت ظهور هذا المفهوم وإنما عن حقيقته وحدوده ، بمعنى ما هي الممارسة التي يمكن أن نخضعها بشكل واضح ومتفق عليه بين البشر تحت مسمى العقل الواعي ، إن وعي الإنسان يمثل تراكم خبراته وتجاربه في استخدام الغريزة ، وهي مختلفة ما بين الشعوب والمناطق الجغرافية وهنا لا يمكننا أن نضع – بكل اطمئنان – فعل تحت مسمى العقل الواعي وننفي فعلاً آخر عنه ، وما يتصوره كامل النجار فعلاً ناتجاً عن العقل الواعي ، فيما يخص رأيه في القضية الفلسطينية على سبيل المثال ، سوف يعتبره الفلسطيني نوع من الخضوع لمالك القوة أي الهرب من المواجهة وهو أحد أجزاء العقل الغريزي كما ذكر كامل النجار في مقاله الأول :
" فعندما عاش الإنسان في الغابة مع الحيوانات كان يتحكم فيه عقله الغريزي The subconscious الذي يجعل الحيوان يهرب أو يحارب " .
فيما يخص ظهور طوائف كالمورمون والداوديين فقد لاحظ كامل النجار وقوعي في خطأ عندما ذكرت أن معلوماته حول نشأة المورمون خاطئة دون أن ألتفت إلى أنه ذكر ذات المعلومات في مقاله ، وأنا اعتذر له عن هذا السهو بلا أي مكابرة ، وإن كانت المشكلة الأساسية كانت في افتراضه عن قابلية المجتمعات الجنوبية في أمريكا لتقبل عقائد غريبة كعقائد المورمون عن نظيرتها الشمالية ، وكان ردي يعتمد على أن نشأة هذه الطائفة كانت شمالية وأول المؤمنين بها كانوا شماليين .
إن خطأ كامل النجار في هذه الرؤية يرتبط مرة أخرى بتجاوزه على التجربة التاريخية ، فبغض النظر عن وضع الجنوب الأمريكي في تلك الفترة فإنه من المعروف عدم قدرة المجتمعات الإقطاعية ، كمجتمعات مزارعي القطن ، على تقبل أي معتقدات جديدة بسهولة بسبب ارتباط الإقطاع بوضع ديني يحقق له مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وهو معني أكثر بترسيخ هذا الوضع وليس بتحريكه بما قد يسمح بوجود طوائف أخرى لا تخدم مصالحه ، في حين تستطيع المجتمعات المفتوحة أن تتقبل بلا مشاكل أي رؤى جديدة ، وهنا فإن من الغريب أن يفشل جوزيف سميث في تحقيق نجاحات في الشمال الرأسمالي القابل لهضم أي آراء ، ويتمكن من تحقيق نجاحات هشة في الجنوب الإقطاعي ، وهي نجاحات بالتأكيد لم تكن بين السود الذين تبغضهم هذه الطائفة كما ذكر كامل النجار وإنما انحصرت في إطار الإقطاعيين وأتباعهم من البيض مما يعني أنها لم تشكل خطورة على أوضاعهم ، في حين لا يمكن أن نعزي فشلها في الشمال لمجرد عدم معقولية أفكارها بالنسبة للسكان وإنما بالأساس لخروجها على العقائد الإنجيلية التقليدية التي تتجاوب مع الفكر الرأسمالي ، وإذن فإن عقلية مزارع القطن ليس لها تأثير كبير في هذا الصراع حيث يخضع الإيمان أو الرفض للأديان في أوساط الطبقات المسيطرة إلى مدى ما تحققه هذه الأديان من مصالح مع عدم تجاهل عنصر الإيمان لدى البعض .
ومن الممكن استخدام ظهور الديانة البهائية كمثال معاكس حيث لم تشهد انتشارا كبيرا في العالم الإسلامي الذي كان خاضعاً للإقطاع ، في حين انتشرت بشكل موسع في أوروبا وأمريكا الرأسماليتان في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، فما هو القانون الذي قبل الأمريكيون الشماليون بمقتضاه الطائفة البهائية في أوساطهم في حين رفضوا طائفة المورمون ؟ إن الأفكار البهائية (بغض النظر عن سماويتها من عدمه) تعبر بشكل واضح عن طموح البورجوازية الناشئة في العالم الإسلامي وبالتالي فلم تجد الكثير من التصادم أو الاختلاف مع ما هو سائد في الغرب في هذه المرحلة(1) .
وحول شعائر كربلاء يرد كامل النجار على مقولتي حول رفض العديد من علماء الشيعة للتطبير بقوله :
" وغريب أن يقول (كما يوافقه العديد من علماء الدين الشيعة كالسيد محمد حسين فضل الله). فالمعروف أن التطبير أكثر ما يمارس في العراق، وعندما يعوز السيد أحمد صبري أيجاد مثال من العراق يعطينا اسم السيد محمد حسين فضل الله من لبنان. وحسب علمي فليس هناك زعيم شيعي عراقي رفض التطبير غير (السيد محسن الأمين لعاملي (1371-1284هـ) الذي أبدى رأيه الاجتهادي بخلاف الرأي السائد في مسائلة عاطفية وهي مسألة التطيير (شق الرؤوس في يوم عاشوراء) حيث أفتى بحرمتها وقد تعرض اثر ذلك لأشرس حملة عدائية من الحوزة ومراجعها إلى حد اتهامه (بالزندقة) " .
أولاً لابد من الإشارة مرة أخرى إلى ما يعانيه كامل النجار من عدم معرفة بواقع الطوائف والمذاهب الدينية في الشرق ، فالتطبير يمارس بشكل أكثر تطرفاً في مناطق أخرى غير العراق كالهند وباكستان على وجه الخصوص ، كما يمارس في الخليج ولبنان وإيران وحتى آسيا الوسطى بنفس الحجم .
على أن كامل النجار في مقاله الأول تحدث عن الشيعة بصفة عامة ولم يشر من قريب أو بعيد بأن حديثه منحصر بما يحدث في العراق :
" وهذا ما يحدث في المذهب الشيعي مثلاً . فلو أن مسلماًً سار في شوارع إنكلترا وصار يضرب نفسه بسلاسل من الحديد حتى يدمي جسمه، فسوف يقول عنه الناس إنه "ماسوشي" Masochist أو مجنون، ولكن عندما يسير مئات الأشخاص في كربلاء وعلى وجوههم وملابسهم تسيل الدماء من أثر ضربهم أنفسهم بالسلاسل، يقول الناس إنها شعائر الدين " .
هذا بالإضافة إلى أنه ليس من الضروري أن يرتبط الشيعي العراقي بفتوى عالم مقيم في العراق ، والكثير من الشيعة العراقيين يرجعون في فتاواهم لعلماء دين غير عراقيين ، وعندما استشهدت بموقف السيد فضل الله ، والسيد الخامنئي ، فذلك يرجع لكونهما من المرجعيات الدينية التي تحظى بعدد ضخم من المقلدين في العراق وبالتالي فإن تأثيرهما لا يمكن تجاهله .
أما موقف السيد محسن الأمين العاملي ، فالواقع أنه حظى بتأييد السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني وكان يمثل المرجعية الكبرى لدى الشيعة في تلك الفترة ، كما أيد موقفه علماء آخرون كالشيخ عبد الكريم الجزائري ، والشيخ علي القمي ، والشيخ جعفر البديري في النجف، وفي البصرة أيده السيد مهدي القزويني ، وفي بغداد السيد هبة الدين الشهرستاني(2) ، ولاحقاً أيد نفس هذا الموقف مجتهدون آخرون لعل أهمهم الشهيد محمد باقر الصدر .
إنني لم أدع في أي لحظة أن الغالبية من علماء الدين الشيعة يرفضون التطبير وإنما ذكرت أن العديد منهم يرفض هذه الممارسة ، وهذا حقيقي ولو أراد كامل النجار لائحة بأسماء الرافضين للتطبير من علماء الشيعة فمن السهل أن أفيده بها ، والكلام هنا ليس ملقى على عواهنه وإنما يعتمد على دراية بواقع طائفة كبيرة من المسلمين تعيش في الشرق الأوسط بالقرب من كامل النجار دون أن يدري عنها أي شيء .
أما استيراد هذه الشعائر من أوروبا أثناء الحكم الصفوي ، فيمكن لكامل النجار أن يرجع لكتاب الشهيد علي شريعتي " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "(3) ، وعموما يبدو أنه غير مهتم أساساً بالاطلاع على المسألة أو البحث فيها ولا يعدو مطالبته لي بالمصادر سوى محاولة لتسجيل نقاط في المواجهة التي يتخيلها ، فهو في مقدمة رده على هذه النقطة اتهمني بعدم الرجوع لأي مصدر وفي نهايتها يقول :
" أما الممارسات نفسها سواء اقتبسها الصفويون من أوربا أم اخترعها الشيعة أنفسهم، فهي لم تنتشر إلا في بيئات دينية متشددة مما يدل على أن الدين يغسل الأدمغة " .
فهو رغم احتماله كون هذه الممارسات طارئة على المجتمعات الشيعية في مرحلة متأخرة يصر بشكل متعسف على ربطها بالمعتقد الديني الذي يسعى لتحميله كل السلبيات الاجتماعية حتى تلك التي تصطدم به بوضوح ، وهنا فإن سلبيات هذه الممارسة لا تعزى للدين بقدر ما تعزى للأوضاع الاجتماعية المتدنية التي عاشتها إيران في المرحلة الصفوية والتي سمحت بانتشار مثل هذه الممارسات ، وعلى كامل النجار أن يوضح نظريته عن غسيل الدين للأدمغة بشكل أكثر تفصيلاً ، فإن من المفهوم أن يغسل الدين الأدمغة بما ينشره من معتقداته ، لكن كيف يغسل الأدمغة بما يرفضه من معتقدات طارئة ومدخولة عليه ؟ .
وفي نهاية كلمته يتساءل كامل النجار :
" ولا أدري أينا هو الدجال : الشخص الذي يكتب الحقيقة كما يراها جميع الناس، أم الشخص الذي يحاول نفي المُشاهد بدون أي دليل أو مصدر يقدمه لنا ؟ " .
هنا ألفت نظر كامل النجار إلى أنني لم أكن في مجال كتابة بحث ، وعموماً فأنا أعده مستقبلاً بتحويل مقالاتي النقدية لأبحاث تاريخية ، على أن يراعي هو كتابة مصادره كذلك وخاصة فيما يتعلق بأرقامه الإحصائية .
وحول ممارسة شعيرة التطبير في القاهرة ، وهذه المرة كان المصدر موجوداً ، لم يجد كامل النجار بداً من إبداء استغرابه على تواجد هذه الممارسة في مصر التي تركت التشيع عقب سقوط الدولة الفاطمية ، والواقع أنني أؤكد مرة أخرى أن شعيرة التطبير لم تتواجد في الأوساط الشيعية إلا في العصر الصفوي ولم تعرفها الدول الشيعية في التاريخ الإسلامي بما فيها الدولة الفاطمية ، وكانت مسيرات عاشوراء تقتصر على الندب ونعي الحسين(رض) ، وبديهي أن سقوط الدولة الفاطمية لم يؤد لسقوط التشيع كمذهب فقد ظل للشيعة تواجدا ملموساً في مصر طوال العصر المملوكي وكانوا يمثلون الغالبية في بعض المدن كأسوان وإسنا ، أما التطبير فقد انتشر في مصر على يد التجار الإيرانيين الذين تواجدوا في القاهرة وخاصة في حي الحسين ، وكانت شعائرهم في يوم عاشوراء تسمى في الأوساط المصرية بـ " زفة العجم " ، وقد أدى تواجدهم في مصر بكثافة لاعتناق بعض المصريين وخاصة من التجار للمذهب الشيعي .
وحول المقارنة التي عقدتها بين فتوى الإمام الخميني وقيام الرئيس الأمريكي باتخاذ قرار ضرب اليابان بالقنابل الذرية ، يقول كامل النجار :
" وليس هناك أي تساءل حول إلقاء أمريكا القنبلة الذرية على اليابان، فالكل متفقون أنه عمل غير عقلاني وغير إنساني، لكنه يظل قراراً سياسياً أتخذه رئيس أمريكي يخضع لمحاسبة شعبه له. وهذا بخلاف القرار الإلهي الذي يتخذه بالإنابة عنه الإمام الخميني أو السياستاني. وأنا شخصياً لا أعلم متى حرّم الإمام الخميني الأسلحة النووية، وأشك أنه حرّمها وإلا لما سعت إيران حثيثاً إلى حيازتها وما زالت تناكف المجتمع الدولي على حقها في تخصيب اليورانيم. فهل اتخذ حكام إيران قراراً يعارض فتوى الإمام الخميني؟ والأغرب من هذا أن الكاتب يدعي أن الإمام الخميني اعتمد على القرآن في تحريم الأسلحة النووية. فأي نص في القرآن اعتمد عليه الخميني؟ هل اعتمد على الآية التي تقول (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوكم وعدو الله) " .
ومن الغريب أن يتحدث كامل النجار عن محاسبة الشعب الأمريكي لرئيسه الذي اتخذ هذا القرار في حين يعرف هو أن الشعب الأمريكي كان مؤيداً لهذا الأسلوب في إنهاء الحرب ، وأتساءل بالنسبة لكامل النجار إن كان رضا الشعب الأمريكي – الخاضع تماماً لسيطرة ما تمليه وسائل الإعلام - عن هذا التصرف يمثل تشريعاً له من وجهة نظره ؟
ومن المجافي للعدل أن يدعي كامل النجار أن كل من الخميني والسيستاني يتخذان القرارت نيابة عن الله ، في حين يدرك أن كل منهما مجتهدان في وسط حوزة علمية تحوي العديد من المخالفين لهما ، ورغم سيطرة الإمام الخميني على الدولة فهو لم يستطع ولم تستطع الدولة الإيرانية إقناع كل المجتهدين بنظرية ولاية الفقيه والتي مازال الكثير منهم يرفضها .
أما فتوى الإمام الخميني ، فقد احتجت بها إيران في إثبات عدم سعيها لامتلاك السلاح النووي ونقلت وسائل الإعلام فحوى الفتوى عن المسئولين الإيرانيين ، وإيران – حسب تصريحات مسئوليها - لا تكافح في سبيل امتلاك السلاح النووي وإنما في سبيل الاحتفاظ بتكنولوجيتها النووية ، والتساؤل الحقيقي هو عن سر رفض الغرب امتلاك العالم الثالث لهذه التكنولوجيا وسعيه لاحتكارها ؟
إن كامل النجار وبطريقته الجدلية المغرقة في السطحية يرد على مقولتي بأن الإمام الخميني استدل بالقرآن على حرمة السلاح النووي بطرح تساؤل عن الآيات التي استدل بها ؟ وهل هي آية : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوكم وعدو الله " ؟
وقبل الإجابة على تساؤله لابد من لفت نظر كامل النجار أنه دون الآية بشكل غير صحيح وناقص : " وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ* وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(الأنفال / 60 – 61) .
ومن الواضح أن الغرض الأساسي من الآيات دفاعي ولا يهدف لإبادة المخالفين بقدر ما يهدف إلى ردعهم عن محاولة التخطيط للهجوم على المدينة ، وذلك بعكس ما تهدف إليه أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها الدول الغربية وهي لا تهدف فقط لمجرد الانتصار في معركة وإنما تهدف للإبادة الشاملة ، وعلى الرغم من أنني لا أعرف بالتحديد دلائل الإمام الخميني في تحريم الأسلحة النووية ، فمن المنطقي وهو رجل دين مسلم أن تكون فتاواه مقتبسة من القرآن ومن السنة النبوية أو ما ورد عن الأئمة العلويين .
في رده على مناقشتي لما ذكر أنها عناصر مشتركة بين الأديان تحدث كامل النجار عن دفاعي عن الأديان ، والواقع أن دوافع مقالي لم تكن الدفاع عن الأديان ، رغم أنني أؤمن فعلا بأحدها ، وإنما نقد الأسلوب الذي استخدمه كامل النجار في مقاله عن طبيعة الأديان .
تناول كامل النجار الموقف من والد النبي موسى(ع) حيث نقل من سفر الخروج الآية الأولى والثانية من الإصحاح الثاني : " وذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي . فحبلت وولدت أبناً . ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر " ، ورغم أن كلا من والدي موسى يعدا مجهولين سواء في التوراة أو القرآن كما ذكر كامل النجار ، وبالفعل لا يمكن لأي إنسان الجزم بمقدار ما عاشه والد موسى ، لكن حتى مع الافتراض بتواصل حياته لفترات طويلة فإنها لم تكن ستمثل تأثير ذا قيمة في حياة ابنه ، إن تطور حياة موسى كما تخبرنا به التوراة والقرآن الكريم يبرر سر ثانوية دورهما في حياته ، فقد ربي موسى في قصر الفرعون كأحد الأمراء ، وهو بالتالي لم يكن يتيماً من الوجهة الرسمية في الفترة الطويلة التي قضاها كأمير فرعوني .
أما جوزيف سميث مؤسس المورمون فقد اعترف كامل النجار بكونه ليس يتيماً أو مجهول الأب لكنه تحدث عن عدم اهتمامه بالأفكار الدينية وليس له تأثير في تربية ابنه حيث يصل إلى أنه لا فرق بينه وبين اليتم ، ولا أعتقد أن كامل النجار يعني فعلا هذه التسوية بين اليتم وبين عدم التأثير في حياة الابن بقدر ما كان يحاول التخلص من الموقف ، خاصة أن والد جوزيف سميث كان أحد الشهود الثمانية بصحة تلقيه الصفائح الذهبية عن الملاك موروني بما ينفي فكرة عدم اهتمامه بالمشروع الديني لابنه :
" لِيَكُنْ مَعْلُوماً لِجَمِيعِ الأُمَمِ وَالأَقْوَامِ وَالأَلْسِنَةِ وَالشُّعُوبِ الَّذِينَ سَيَتَسَلَّمُونَ هذَا السِّجِلَّ أَنَّ يوسف سمِيث الْمُتَرْجِمَ لِهذَا الْعَمَلِ قَدْ أَرَانَا الصَّفَائِحَ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا وَالَّتِي لَهَا مَظْهَرُ الذَّهَبِ؛ وَإِنَّنَا تَصَرَّفْنَا بِأيْدِينَا فِي كُلِّ الصَفَائِحِ الَّتِي تَرْجَمَهَا سمِيث الْمَذْكُورُ؛ كَمَا رَأَيْنَا النُّقُوشَ الْمَحْفُورَةَ وَكُلُّهَا لَهَا مَظْهَرُ عَمَلٍ قَدِيمٍ وَصِنَاعَةٍ عَجِيبَةٍ. وَنَشْهَدُ بِثِقَةٍ أَنَّ سمِيث الْمَذْكُورَ قَدْ أَرَانَا إِيَّاهَا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَاهَا وَرَفَعْنَاهَا، كَمَا نَعْلَمُ بالتَّأْكِيدِ أَنَّ سمِيث الْمَذْكُورَ قَدْ حَصَلَ عَلَى الصَّفَائِحِ الَّتِي تَحَدَّثْنَا عَنْهَا. وَنَحْنُ نُعْطِي أَسْمَاءَنَا لِلْعَالَمِ لِنَشْهَدَ لِلْعَالَمِ بِمَا رَأَيْنَاهُ وَإِنَّنَا لاَ نَكْذِبُ وَاللهُ شُهِيدٌ بِذلِكَ.
كريسْتيان وِيتْمَر ، جيكوب وِيتْمَر ، بيطر وِيتْمَر، الابن ، جون وِيتْمَر ، هَايْرَم بِيج ، يوسف سميث الأب ، هَايْرَم سميث ، صَمُوئِيل سميث "(4) .
إلا أنني ألفت نظر كامل النجار أن الفقرة الأهم من حياة النبي في الكتب المقدسة هي التي تتعلق بمرحلة الدعوة ، وبالتالي فإن الأسرة ومرحلة الطفولة تبدو ثانوية تماماً فيما تنقله الكتب المقدسة من حياة النبي .
فيما يخص ثراء علماء الدين ، فقد تحدث كامل النجار عن الفقراء الكاثوليك في المكسيك والبرازيل في حين تمتلك الكنيسة الكاثوليكية بلايين الدولارات ، ورغم أنني بالفعل لم أذهب إلى البرازيل أو المكسيك فأنا أصدقه لكن المشكلة هنا لا تتعلق بالكنيسة الكاثوليكية وحدها ، بالتأكيد هناك تحفظات على طريقة الكنيسة في إنفاق ما يتوفر لها من أموال ، لكن المشكلة تتجاوز الكنيسة إلى وضع اجتماعي غير عادل بالأساس في مناطق متعددة من العالم ، ففي كلا البلدين هناك سعي من قبل الرأسمال المدعوم من أمريكا لاحتكار الثروة الأمر الذي يحدث تفاوتاً هائلاً بين الطبقات الاجتماعية ، وليست الكنيسة فقط هي المطالبة بتحسين أوضاع الفقراء في أمريكا اللاتينية خاصة أنها ملتزمة تجاه بلايين من الكاثوليك في العالم ، وإنما تقع هذه المهمة على عاتق الدولة بالأساس في حين يعد دور الكنيسة تالياً له .
وعلى الجانب الإسلامي وجه كامل النجار اتهامات للأغنياء المسلمين :
" رجال المال يتبرعون للمرجعيات كنوع من التأمين على الحياة في الآخرة وربما لمكاسب دنيوية كذلك. الملياردير الأمريكي بل غيتس وضع بلايينه في مؤسسة خيرية تتبنى الصرف على الفقراء في جميع أنحاء العالم ومن كل المذاهب والأديان. لماذا لا يفعل الأغنياء المسلمون ذلك بدل الدفع للحسينيات التي لا تصرف، إذا صرفت، إلا على أتباع مذهبهم " .
الواقع أن رجال المال في كل الديانات لا يهتمون كثيراً بأمر الآخرة وأؤيده فيما يخص المكاسب الدنيوية ، أما الأغنياء المسلمون – ويبدو أنه يقصد الشيعة على وجه الخصوص – فهم يدفعون الخمس من أرباح أموالهم عموما للمراجع ، حسب التقليد المتبع ، ولا علاقة للحسينيات بالموضوع ، وتقوم مكاتب المراجع بتوزيع الأخماس على الفقراء وبناء مؤسسات علاجية مجانية ومكتبات ورحلات للحج ... الخ ، وبديهي أن هذه الأموال تصرف على الفقراء الشيعة بالأساس ، رغم أنه لا مانع من إنفاقها على الفقراء من المذاهب والديانات الأخرى ، لكن لابد من توضيح أمرين ، أولاً أن الأغنياء ليسوا هم الأكثر حماسة في الالتزام بدفع ضريبة الخمس فيما يتبقى من الأرباح ، فالواقع أن هذه الضريبة تلقى حماساً أكبر لدى أبناء الطبقة الوسطى ، ثانياً أن المؤمنين الشيعة ليسوا مضطرين لدفع أموالهم إلى المراجع ولا يوجد نص ديني يفرض عليهم هذا الأسلوب في قضاء الفروض المالية .
إن ما قصدته بالأساس ليس الدفاع عن الكنيسة الكاثوليكية ، ولا المرجعيات الدينية السنية أو الشيعية ، فهناك الكثير من الانتقادات الموجهة للطريقة التي تنفق بها الأموال الموجهة لهذه المرجعيات عموماً ، وإنما قصدت الإشارة إلى أن المرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية لا تمارس عمليات النهب بالإكراه على المؤمنين كما تفعل القوى الكبرى العلمانية – كالولايات المتحدة على سبيل المثال – في سعيها لاحتكار الثروات ، وإذاً فما هو البديل الذي تقدمه العلمانية أو غيرها من الرؤى الرافضة للأديان ؟ .
إن الثراء إذن ليس مشتركاً بين الأديان ، وإنما هو مشترك بين المؤسسات ، وأي مؤسسة تقام في أي مجتمع مهما كان توجهها إنما تهدف لدعم سيطرة طبقة حاكمة .
في رده على موضوع تعدد زوجات الأنبياء ، خاصة النبي سليمان ، تساءل كامل النجار :
" والنبي سليمان الذي عاش في مرحلة تاريخية سابقة لم يكن الرجل الوحيد الذي عاش في تلك الحقبة. لماذا لم يتزوج غيره ثلاثمائة زوجة كما تزوج هو. أما القول أنه تزوج كل هذا العدد من النساء لأن نفوذه قد أمتد في كل الشرق، قول لا يسنده أي منطق أو مصدر تاريخي. فملك فارس أمتد نفوذه أكثر مما امتد حكم سليمان لكنه لم يتزوج ثلاثمائة زوجة. وإمبراطور الروم كانت دولته أوسع من مملكة سليمان، ولم يتخذ ثلاثمائة زوجة رغم أنه اتخذ عدداً من المحظيات. وإذا كان اتساع رقعة النفوذ هو السبب، فما هو السبب في اتخاذ محمد أكثر من عشرين زوجة ونفوذه لم يتعدَ مكة والمدينة " .
إنني بالتأكيد لا اعترف بمصداقية التوراة كنص تاريخي ، فعدد الـ 300 زوجة مبالغ فيه ، ككل ما ذكرته التوراة عموما عن سليمان سواء اتساع رقعة نفوذه أو عدد جيشه ، لكن هذا العدد من الزوجات يرتبط بنفوذ الملك ، وعندما قارن كامل النجار بين سليمان وغيره من الملوك تحدث عن الروم والفرس الذين كانوا غير متواجدين على الساحة في تلك الفترة ، لقد تزوج الملوك المعاصرين في آشور وبابل وميتاني بعدد هائل من الزوجات ، كما تزوج الفرعون رعمسيس الثاني بعدد ضخم من الزوجات بدليل عدد أبناؤه الذي تجاوز المائة وتزوج غيره من الفراعنة بأعداد أكبر أو أقل إذا ما تجاوزنا عن المحظيات ، إلا أنه لابد من توضيح أنه من بين كل زوجات الملك – في مصر – فإن الزوجة الملكية هي الوحيدة التي كان لابنها حق الجلوس على العرش كما أنها هي فقط التي يذكر اسمها مع اسم الملك ، وبالتالي فمعظم الزوجات الأخريات يكن في الغالب مجهولات ، أما محمد(ص)، فإن عدد زوجاته هو 11 زوجة وعندما توفي كان نفوذه السياسي يشمل كل شبه الجزيرة العربية بما فيها المناطق ذات الخلفية الحضارية كاليمن وعُمان والبحرين ، ولابد من ملاحظة أن القبلية كانت الوضع السائد في شبه الجزيرة ، وكانت كل قبيلة بمثابة دولة مستقلة .
في موضوع اغتصاب الأطفال داخل الكنائس ، أبرز كامل النجار عدد هائل من حوادث وكلها في الغرب وبالتأكيد فإن هناك حوادث مماثلة بدرجة أكبر أو أقل في الشرق سواء في المؤسسات الدينية المسيحية أو الإسلامية ، ورغم ذلك فإن كامل النجار يؤكد على أن رجال الدين يخالفون ما يدعون إليه ، فكلا الديانتين المسيحية والإسلامية ترفض تعاليمهما الاغتصاب عموماً ، فما هي دوافع رجال الدين لمثل هذه الممارسات ؟ الإجابة ليست متعلقة بالدين في كل الأحوال وإنما تتعلق بكون المؤسسة الدينية هي في واقعها مجرد محاولة لإيجاد تفسيرات للدين تتفق مع مصالح السلطة ، وبالتالي فلا يتوقع كامل النجار أن يكون كل القائمون على هذه المؤسسة متدينين بالفعل أو حتى مؤمنين بدرجة أكبر من غيرهم ، ولا يمثل الدين بالنسبة لهم سوى كونه شكل من الوظائف له رونقه الخاص ، ووسيلة لكسب المال .
أخيراً حول دور الإلهات الإناث ، تورط كامل النجار في عدة أقوال أطلقها بكل ثقة تشير إلى افتقاد واضح لأبسط المعلومات التاريخية .
أولاً : أنكر كون الألهتين فينوس وأفروديت من آلهة الإغراء الجسدي ، وهنا لابد من توضيح أن فكرة الجمال والحب والإغراء الجسدي لم تكن منفصلة في هذه العهود ، وعلى سبيل المثال كانت الإلهة عشترت في بلاد الرافدين وكنعان هي آلهة الحب والخصب وبالتالي فقد كانت تنظم في معبدها طقوس الدعارة الدينية(5) ، وهناك آراء تاريخية لها وجاهتها تؤكد أن اليونان والرومان صاغوا تصورهم للإلهتين أفروديت وفينوس من نموذج عشترت ، وهي تشبه بدورها لحد كبير الإلهة المصرية إيزيس(6) ، وقد كانت فينوس بالفعل آلهة الشهوة والزواج والإخصاب عند الرومان أما أفردوديت فقد اعتبرها اليونانيون موجدة الدعارة(7) .
ثانياً : تحدث كامل النجار عن أن الكهانة في السابق كانت في محصورة في نطاق النساء ، وهو ادعاء لا يمكن الجزم به ناهيك عن أنه لا علاقة له بحقيقة أن الآلهة التي أشار إليها هي من صناعة مؤسسة دينية يسيطر عليها الكهنة من الرجال ، والطقوس الدينية والأساطير التي وصلتنا عن هذه الآلهة مرتبطة بما يرغب المسيطرون على هذه المؤسسة في ترويجه ، أما ما كان يحدث في العصور الأسبق فهو في كل الأحوال بعيد عن الأدبيات التي وصلتنا بالفعل .
ثالثاً : ادعى كامل النجار أن الآلهة في الجزيرة العربية كانت من الإناث حتى ظهور الإسلام، وهو ادعاء خاطئ تماماً ، إلا لو كان قصد كامل النجار هو الإشارة للغالبية من الآلهة ، وحتى على هذا الأساس فإنه لا يمكن له التحدث بمثل هذا الاطمئنان ، وعلى سبيل المثال في كتاب الأصنام لهشام بن محمد بن السائب ، عدد المؤلف عدد الأصنام التي كانت متداولة في الجزيرة العربية قبل الإسلام وكان منها 20 من الآلهة الذكور ، و 7 من الآلهة الإناث(8) .
رابعاً : حول كون معظم إلهات الحرب من الإناث ، اتهمني كامل النجار بالكذب ، لكنه وبكل غرابة عدد إلهات الحرب في عدة حضارات وكن كلهن من الإناث ، ولا أملك سوى الشعور بالغرابة فعلاً من قيام كامل النجار بإثبات قولي واتهامي بالكذب في آن .
أما ما ذكرته عن اكتشاف الإنسان أن اللبؤة أكثر شراسة من الأسد فقد كنت أشير إلى كون اللبؤة هي التي تتولى القيام بالصيد وهذا معروف بكل تأكيد ، وهو ما دفع المصري القديم على سبيل المثال لتصوير الإلهة " سخمت " بشكل لبؤة ، كما صورت الإلهة عشترت كذلك بهذا الشكل(9) .
على أن المشكلة لم تكن في علاقة حيوان اللبؤة بالشراسة وإنما في العلاقة بين الإلهات الإناث والحرب ، وهو ما لم يكن ليحدث لو لم يلاحظ الإنسان القديم فيما حوله من الطبيعة المحيطة ما يفيد وجود مثل هذه العلاقة ، فهذه الإلهات كسخمت وعنات وعشترت لا يتصفن بالشجاعة في الميثولوجيا القديمة وإنما بالتوحش والتعطش لدماء الرجال(10) .

حول المشاجرات والألفاظ النابية

في نقدي السابق اتهمت كامل النجار بالعجرفة والتعالي ، وقد وصف كامل النجار هذه الاتهامات بكونها ألفاظ نابية ، ولذلك فقد رأيت أن أتناول هذا الموضوع عقب انتهاء مناقشتي لتعقيبه .
إن الملحوظة الأساسية في مقالات كامل النجار هي أسلوبه الذي يحرص على تجنب التواضع، ففي كلامه عن الإيمان بالأديان في هذا المقال يقول : " وليس هناك أي سبب منطقي يجعل أي شخص متعلم يؤمن بالأديان " ، وحول العلاقة بين الدين والجهل يقول : " وأما النقطة الثانية التي تقول إن الأديان لا تنتشر إلا في الأوساط الجاهلة، فهو الحقيقة بعينها " ، وحول ما ذكرته عن استعارة الصفويين لشعيرة التطبير من أوروبا يقول عن نفسه : " ولا أدري أينا هو الدجال: الشخص الذي يكتب الحقيقة كما يراها جميع الناس، أم الشخص الذي يحاول نفي المُشاهد بدون أي دليل أو مصدر يقدمه لنا ؟ " .
فمثل هذه الأقوال على سبيل المثال ماذا يمكنني أن أُطلق عليها من وجهة نظر كامل النجار ؟ وهي تتجاوز حتى على تقاليد التواضع العلمي في الكتابة ، فرؤيته هي الحقيقة بعينها ، وهو يكتب الحقيقة كما يراها جميع الناس ، بالإضافة إلى أنه لا يوجد سبب منطقي يجعل أي شخص متعلم يؤمن بالأديان ، والأمر هنا حتمي وليس مجرد وجهة نظر لدى كامل النجار ، فكلمات كالعجرفة والتعالي هي وصف للأسلوب الذي عرض به كامل النجار فكرته .
أما اتهامي له بالدجل فهو ينبع بالتأكيد من تحميله للدين ممارسات اجتماعية بالأصل ووافدة في مرحلة متأخرة شهدت انحطاط الحضارة الإسلامية ، وإطلاقه لمقولة أن الأديان تغسل الأدمغة بناء على ممارسات اجتماعية متأخرة ، ولا أدري ما هو المصطلح الذي يمكنني استخدامه لوصف مثل هذه الممارسة التي كررها في رده أثناء تناوله لآيتين قرآنيتين استخدمهما بشكل مفرط في السوء ، ففي الآية : " الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " ، فقد أوردها كامل النجار على أساس أنها تشير لكل العرب ، وإذا كان كامل النجار قد أخطأ في فهم المراد من مصطلح الأعراب ، رغم أن كتب التفسير والتاريخ العربي القديم متاحة للجميع ، فإن اقتطاعه للآية من سياقها القرآني بحيث تبدو كحكم نهائي على الأعراب أو العرب لا يمكن حمله على حسن النية : " الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَمِنَ الأعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "( التوبة / 97 – 99 ) .
وفي الآية : " وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " أعاد استخدام نفس أسلوب قطع الآيات عن سياقهما القرآني والتاريخي .
لقد أعلن في رده أنه يترفع عن اللجوء لنفس أسلوبي المتدني ، رغم أنه اتهمني بالمقابل بالخطرفة والدجل والإفلاس والكذب ، وإذا كانت الكلمات الثلاث الأولى تعد أوصاف في مقابل وصفي لأسلوبه بالعجرفة والتعالي والدجل، فإن الاتهام بالكذب هو سباب بلا شك .

أخيراً

إذن يبدو واضحاً أن كامل النجار لا يمتلك ثقافة حقيقية حول تاريخ وتراث الأديان أو الحضارات التي ظهرت في نطاقها ، كما لا يمتلك منهجاً محدداً في مشروعه لنقد الأديان ، بالإضافة إلى عدم موضوعيته وخاصة في التعامل مع الآيات القرآنية ومدلولاتها ، وعدم التواضع العلمي في لغته .
إن وصفي لما كتبه كامل النجار بكونه مجرد مشاجرة ناتج بالأساس عن حالة التشوش التي عانى منها مقاله ، حيث استغرق في الحديث عن أشياء ظاهرية ولا تهدف سوى إلى توجيه شتائم للأديان كحالة ثراء رجال الدين ، وتعدد زوجات مؤسسي الأديان ، والفتاوى المتشددة ...الخ في حين تجاوز عن تساؤلات حقيقية حول الأديان ، والتي كان يجب أن يكون له رؤية حولها : لماذا نختلف حول تفسير النص الديني ؟ لماذا يعتقد الإنسان أنه من الضروري أن يجيب النص الديني عن كل تساؤلاته في كل الأزمنة رغم أنه قد لا يفعل ؟ هل النص الديني هو إنزال إلهي فقط كما في التوراة أم أنه أيضاً تجربة بشرية مؤيدة من الله كما في المسيحية ، أو أنه مكون من العنصرين كما في الإسلام ؟ والأهم هو التساؤل عن سبب حاجة الإنسان للدين من الأساس إلى درجة أن تتحول الرؤى والفلسفات المعادية للأديان إلى أديان بحد ذاتها ، كالبوذية والجينية في الهند ؟
مرة أخرى أنصح كامل النجار إذا ما أراد بالفعل أن يكتب نقد عن الأديان سواء السماوية أو غير السماوية ، وليس محاكمة للأديان ، فإن عليه أن يمتلك عنها ثقافة حقيقية ، عن طريق دراسة الخلفيات الحضارية لها ثم تطوراتها الاجتماعية ، العقائدية ، والسياسية ، والابتعاد عن الاستسهال ولغة الأحكام المطلقة والحتمية ، فهي أيضاً تدل على إفلاس كاتبها .

---------------

1 – شوقي أفندي رباني . قرن بديع . طبعة دار النشر البهائية في البرازيل . البرازيل 2002 . الفصل السادس عشر ص 294 – 308 .
2 – جعفر الشاخوري البحراني . مرجعية المرحلة وغبار التغيير . طبعة دار الأمير . ط 2 . بيروت 1998 . مقدمة الطبعة الثانية صفحة ص – ف .
3 – علي شريعتي . التشيع العلوي والتشيع الصفوي . ترجمة / حيدر مجيد . طبعة دار الأمير 2002 . ص 207 – 212 .
4 – موقع الملاك الطائر . فقرة / الكتب المقدسة لدى كنيسة يسوع المسيح المستعادة . http://www.arablds.net .
5 – سيبتينو موسكاتي . الحضارات السامية . ترجمة / السيد يعقوب . ط الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 1997 . ص 51 .
6 – ول ديورانت . قصة الحضارة . ترجمة / زكي نجيب محمود ، محمد بدران . طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 2001 . المجلد الأول الجزء الثاني . ص 215 .
7 – ول ديورانت . قصة الحضارة . نسخة كومبيوترية . موقع المفكرين . http://www.mofakren.com . الجزء 3 . ص 2640 ، 2953 .
8 – هشام بن محمد بن السائب الكلبي . الأصنام . تحقيق / أحمد زكي باشا . طبعة دار الكتب والوثائق القومية . ط 5 . القاهرة 2003 .
9 – ياروسلاف تشرني . الديانة المصرية القديمة . ترجمة / أحمد قدري . دار الشروق . القاهرة 1996 . ص 232 ، 234 .
10 – سبتينو موسكاتي . ص 101 ، ياروسلاف تشرني . ص 234 .



#أحمد_السيد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النج ...
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة
- مشاهدات من كتاب حسن العلوي العراق الامريكي
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن (العراق الامريكي الشيعي بعد العرا ...
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن
- خليل المعاضيدي شاعر غادر قبل الاوان
- lمدينتي بعقوبة والارهاب
- أصول الكيسانية .. دراسة في النشأة
- ثقب
- النيرفانا الغربية التي لا يستحقها المسلمون
- المهمشون في التاريخ الإسلامي للدكتور محمود إسماعيل .. كتابة ...


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد السيد علي - نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النجار - 2 / 2