أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - صعود اخر














المزيد.....

صعود اخر


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1657 - 2006 / 8 / 29 - 09:49
المحور: الادب والفن
    


الكلب ينبح في الطابق الأول, ينبح بعنف منذ ساعات, أناس تجمعوا في الطابق الثالث, رجالا ونساء وأطفالا, ثرثرتهم كادت تدمرني, أردت الخروج لكن ثمة دخان كاد يعمي بصري, على ما أذكر كان بالنسبة لي اختناقا, فرائحة بول الأطفال ما زالت في أنفي.
الى اين اهرب من ذلك الضجيج ؟, فنباح الكلب يخيفني, أخاف المرور من جانب الكلاب أخاف عضاتها, وأكره الصعود إلى الضجيج الذي يحدث في الأعلى, لكن لا مناص من ذلك الصعود والابتعاد عن ذلك الكلب الجائع الذي خلته احد الوحوش البرية. قاومت الدخان وصعدت للطابق الثالث. كان المكان غريبا جدا فالطابق الثالث كان بدون سقف وصوت أولئك الناس لم يكن غريبا علي, إنها أصوات أصدقائي وصديقاتي, وأهلي وأقربائي وأولياء الامور, ميزت أصواتهم لكن ماذا حدث لوجوههم, لم استطع تمييز وجوههم بدت لي غريبة تتبدل بين الحين والآخر. فجأة سمعت صوت صديقة طفولة, انه صوتها وجسدها, لكنه ليس وجهها. المكان أصبح مرعبا ،الكلب ما زال ينبح , ربما نباحه كان مبررا للذي يحصل في الأعلى.
نباحه يزداد والوجوه تتبدل. الأجساد ما زالت تتحرك فقد أصابني ارتباك شديد عجزت عن تفسيره. نبرات الأصوات ولغة الأجساد كنت أعرفها, لكن الوجوه تقمصت أشياء أخرى. غربة وقعت بها, تمنيت ساعتها لو بقيت في الأسفل أو اني نزلت للطابق السفلي حيث الكلب يرقد هناك, فأنا لا أعرف ماهية خوفي من الكلاب.
عبرت الوجوه لئلا أتعرف وجه أحدهم, في نفسي أيقنت اني وصلت إلى اللاواعي ، لهؤلاء الأشخاص. من أين أنا أتيت؟هل هذه الوجوه هي الحقيقة بينما أتيت انا من حلم بعيد؟ هل هذه الوجوه هي الحقيقة وأنا أتيت من حلم آخر؟ ماذا فعل لي الدخان وماذا فعل لي نباح الكلب ؟. لأية حقيقة سأعود وأنا أتخبط ما بين الحلم والواقع,؟ لا أميز بينهما.اهو الم عيون؟ اهو ضرب أفكار؟ كل شيء تشابك أمامي لم يبق إلا وجه الله ابحث عنه بين تلك الوجوه. فهو لا يتغير. هو الحقيقة, هو القريب وهو البعيد.
سألني الأطفال عن وجه الله, سألوني عن مكان الله, عن وطن الله وعن سبب اختفائه. هربت كالسمكة من بين أمواجهم, فالاقتراب ممنوع والسؤال ممنوع. خفت أن أقول لهم أن الله هو الحب, هو الجمال وهو الصدق. خفت أن أقول لهم أن الله سكن عيونهم التي تسأل. لم أستطع أن أقول لهم انه القريب وانه البعيد. سألوني كثيرا فقلت لهم "هص" يا أطفال سيسمعوننا نتكلم عنه, والكفر احد الممنوعات. تركتهم ورحت ابحث وحدي عن القريب والبعيد .
حملّت ذاتي شيئا كبيرا, فوق طاقتي. لما لم أبق في مكاني على شاطئ بحيرتي مع أوراقي ودفاتر مسوداتي العتيقة. هناك لا يوجد سوى لمسة امي تلك اللمسة الحقيقية ، بسمة والدي الماكرة رمز العقاب عندما كنت اقترف الخطأ. ما الذي سحبني إلى الأعلى وأنا على يقين أن روحي هشة وضعيفة. كيف سأعود إلى مكاني والدخان يلف جسدي. فأنا أدرك أن قلم المرأة في هذا الزمن هو العهر وأن نصها هو الجسد بدون حروف الكلمات. كيف سأبرر انفصامي خارج حدود وطني؟ كيف سأبرر انفصامي خارج حدود الحلم أو الحقيقة؟ ربما لا اعرف.أين سيذهب هذا الجسد ؟ أين ستبقى هذه الروح.
الأطفال يبولون في زوايا الأمكنة يتحسسون أعضاءهم خلسة, يتساءلون ما المرغوب وما الممنوع ؟ ثم يمارسون الاثنين معا.
هند الطفلة المتخلفة جسديا بكت أمس عندما لعبنا لعبة التمييز البصري, فقد حملتها فوق طاقتها, الآن استوعبت أكثر ماهية عالم هند ويزن , الآن فهمت أكثر سر الوجوه وسر الطابق العلوي. فهمت نباح الكلب والمخيف والخائف. استوعبت ما معنى أن نتحرر من اللاواعي الذي يسكن دواخلنا, فدموع هند هي هند, وتساؤلات الأطفال هي الأطفال, والوجوه المتحركة في الطابق العلوي لها إله آخر, كانوا قد رسموه في عتمة كوانين.
الكلب ما زال ينبح وأنا تائهة بين الحلم والحقيقة, بين الوجوه ووجه الله البعيد, بين العهر والطهر. وجه امي وبكاء هند.
الدخان يتصاعد للأعلى, جسدي مكانه وروحي صعدت مع الدخان, بكت أمي بكى والدي, صمت الكلب. فتش الأطفال عني, لكني كنت قد صعدت ومعي الكلب الخائف والمخيف إلى عالم آخر ليس فيه وجوه إلى حقيقة أخرى أو إلى حلم آخر.



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلقات الضوء
- لغز اليد الممدودة
- نساء من نبيذ ونار
- مزامير ثقافية
- حفر في التعري,قبل قدوم البحر
- -جوانب أخرى للمرأة في أدب -زياد خداش
- عري القناديل: امرأة, قصيده ووطن
- النرجس لا ينبت في نيسان
- ضرورة انتقاد المسئولين
- العسر التعليمي الاكاديمي
- العسر التعليمي التطوري
- مذكرات متعسر


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - صعود اخر