أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدونيس - انظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ للضّرب















المزيد.....

انظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ للضّرب


أدونيس

الحوار المتمدن-العدد: 489 - 2003 / 5 / 16 - 07:28
المحور: الادب والفن
    



     الحياة     2003/05/15
(تحيّة الى سهيل إدريس، شاهداً)
في السنة 1969، ذهبت الى بغداد عضواً في وفدٍ لاتحاد الكتّاب اللبنانيين يرْئِسه سهيل إدريس لحضور مؤتمر لاتحاد الكتّاب العرب.
كان نزار قباني بين اعضاء الوفد. بقيت فيها بضعة ايام، دون ان اشاركَ في نشاط الوفد او في اعمال المؤتمر، لأسباب اود ان احتفظ بها لنفسي.
وتلك هي زيارتي الوحيدة.
الخواطر التي انشرها اليوم كتبت في اثناء هذه الزيارة، وهي تنشر مع بعض التعديلات، للمرة الأولى.
ودفعاً لتأويلات يتعشقها بعضهم، ويترصّدّون كلّ ما يتيحها لهم، أشـير الى ان هذه الخواطر ليست "حكماً" علـى الشـعب العراقي بوصفه كُلاًّ، وإنما هي انطباعات عن السلطة وأهلها وعن "المناخ" الثّقافي والسياسيّ الذي كان يؤسّس له الدّائرون في فلكها وأفلاكهم، في تلك المرحلة، تحديداً.
-1-
- الضّوء اليوم في بغداد اقلّ سطوعاً منه امس، في يوم وصولي إليها. هل يترحّل الضوء هو كذلك؟
- تحدّثْ همساً. كلّ نَجْم هنا يخطّط لقتل جاره.
- همساً؟ تعْني كما لو أنّني اتحدثُ مع الموت؟
رِجالٌ يديرون وجوههم الى الصّور. صورٌ لا وجوه لها. وجوهٌ كمثل ثقوبٍ في صفحة الفضاء.
رجالٌ يسيرون في الشوارع، كأنهم يحفرونها.
يُخيّـل إلـيّ كـأنّ لخـطواتهـم اشكـالَ القبور.
للسّياسة سوقٌ ضخمةٌ تغارُ منها جميع الأسواق.
اصواتٌ آتية من مسارح المطلق:
الجدرانُ - حتى الجدرانُ تتثاءب.
-2-
المطرقة السياسيّة تدقُّ سندان الحيّ الذي اقيم فيه. حَفْل أصواتٍ - يدخل الحيُّ في طقوسها فاتراً، لا مبالياً، ضائعاً في هباء الصّراخ.
أقول في نفسي: متى نعرفُ الصّمتَ؟ وأتساءل: هل تصمتُ الجنّة؟ هل تصمت النّار؟ أهناكَ من يجرؤ على الفتوى؟
أظنّ انّ الوقت حان لكي نقول لجلجـامش. أوهمتَ بعضَنـا، وأقنعـتَ بعضـنا الآخر انّ للحياة في بغداد سرّاً لا نزال ننتظر أن تكشفه لنا. خصوصاً انّ كلّ شيءٍ يكاد ان يؤكّد انّ هذه الحياة ليست إلاّ موتاً متواصلاً. وانظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ، وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ للضّرب.
تلك الجلسة:
- المسألة عميلٌ صغيرٌ قُتِل كالكلب.
- وكيف يُقتل العميل إذا كان كبيراً؟
أفهم الآن كيف يمكن ان ينتحرَ عصفورٌ، مذعوراً من بندقيةٍ تطير وراءه حيثما طار.
- هل تعمل؟ كيف تعيش؟
- أتنقّل من شارع الى شارع، لا تخلو بغداد من المحسنين.
رأسُ هذا الشّارع مليءٌ بالحكمة.
حمامةٌ - ترسم بجناحيها الأسودين دائرةً حول ضفّتي دجلة.
تلك الجلسة:
أفرادٌ يناضِل كلٌّ منهم لكي يكون ببّغاء السُّلطة، الأكثر فصاحةً.
بغداد كلّها دخانٌ
لكن، اين هي النّار؟
كلما ازددتُ إيغالاً في طفولات بغـداد، ازددتُ معرفــةً بنـفسـي وبالآخـرين، وبالكون،
وازددتُ نفوراً من حاضرها.
- "لا قرابة لي، خارجَ سلالة الرّيح":
قال لي عراقيّ جاء الى الفندق ليتعرّف عليّ.
للمرة الأولى، عرفتُ ان الضفّة اليُسرى من دجلة،
ذئبةٌ على اختها اليُمنى،
وأنّ هذه ذئبةٌ على تلك.
الآن، في هذه اللحظة، يخيّل إليّ انني لا أرى في بغداد إلا شخصين:
الحلاّج مصلوباً،
والتّوحيدي يطرحُ كتبه الى ماء دجلة.
تبتكر بغداد رجلاً خاصّاً بها: رجلاً - مَقهى.
عشتارُ مريضةٌ تُرهِقُها حمّى المتنبّي.
يكاد ماءُ دجلةَ ان يَفرَّ من ضفّتيه.
جلجامش! أيّها الإبنُ الأوّل - بكرُ الأسطورة.
هل سيظلّ شعرك ارضاً للهجرة؟
هل اللاّرجوعُ هو الوطن؟
والصّداقةُ - من يُغنّيها بَعدك؟
هنا، تُضيّع الحياة وقتَها في ترصّد الموت.
هندسة رجالٍ ونساءٍ
تُروِّج لطواحين الهواء.
مَا للشمس في بغداد، تطلعُ كلَّ يومٍ،
حاملةً بين يديها طفلاً أعمى؟
ليس للحرية إلاّ تمثالٌ واحد: الحرّية.
أكاد أشكّ ان ابا نواسٍ، وأبا تمّامٍ، والنّفري عاشوا في بغداد.
الجنُّ في بغداد هم، وحدهم، الجائعون، المتسوّلون، العاطلون عن العمل، المسجونون... الخ.
هنا، أتأكد ان للحاكم عقلاً منذوراً لتأليف الموسوعات الخاصة باصطياد البشر وترْويضهم.
دجلة! أعرف لو أنّ الثورة مركبٌ لكنتَ أولَ من يحطّم اشرعته.
ماضياً، كان يسكن على ضفّتيك بشرٌ لا يؤمنون بالوحدانيّة، وكانوا مع ذلك اكثر إبداعاً وإنسانيّة من احفادهم الموحّدين الذين يُحاصرونك اليوم.
استيقظتُ من نومي اليوم كأنّي شهقةٌ طالعةٌ من جسد الشّمس:
اكيدٌ - كانت هي التي وضعت وردةً في نافذة غرفتي، وسَبقتِ الشّمسَ عائدةً الى بيتها.
تلك الجلسة:
كلّ متكلّم يزعم انّه ينطق بالحقّ. انّه يقول الكلمة الأخيرة الفاصلة.
كلّ شاعرٍ يريد ان يقالَ له: أنت الأول والآخر.
زبَدٌ يتلاطمُ ويأكلُ بعضه بعضاً.
صديقي جيم يسكن في ما يشبه قصْراً. قال لي: اكثر سُهولةً ان يتهدّم هذا البيت من ان أفتح فيه نافذةً واحدةً من النّوافذ التي تُشير إليها.
ما أثقلَ النّهارَ في بغداد. لولا ليلها لكانت سجناً.
- مع نزار قبّاني. معك؟ نعم، نأتي. أينما شئتما. متى شئتما.
كانت تتمشى بشجاعة وثقة. وكانت رفيقتها تُصغي إليها، وفي عينيها يسبحُ غَزَالان حائران.
- ولماذا هذا الحجاب؟
- حجاب العودة الى البيت. خصوصاً في اللّيل. التّقاليد سجنٌ داخلَ السّجن.
-....
غابتا، لكن كما يغيبُ كوكبان.
كانت الشمس تصعد على دَرَج دجلة.
كان النّهار يتهيأ لكي يلبس بزّته العسكريّة.
وكان اللّيل قد رمى سهمه، وأصابَ.
الكَرْخ - رأيت سومر وبابل كمثل جَناحين - خيطين بين مشرق الشّمس ومغربها. رأيتُ ما يشبه الموجةَ التي كانت تستقبل عشتار كلّما وضعت قدميها في ماء دجلة. رأيت عشتار نفسها كأنّها تتهيّأ لحبّ آخر. او هكذا شُبِّه لي.
-3-
سوق الصّفافير - فتياتٌ وشبّانٌ تبدو اجسادهم تاريخاً طويلاً من الليل، وفي النّهار صدأٌ يكــادُ ان يلتصـق بجـسد الوقت.
مجاريرُ تسيلُ في الهواء الطلق، امام المتاجر. روائح كريهةٌ تنْهَبُ الفضاء.
ماذا أسمع؟ أهي جدران بيوتٍ قديمةٍ توشوشني: لم يَبْقَ لي ما يحرسني غيرُ الذّكرى؟ ام تُراني أتوهّم؟
لماذا لا أرسم وجه بغدادَ على عتبةِ الشّك؟
ليس لماء دجلةَ ان يقول: لا.
ليس لأعناق النّخيل ان تُصبح اكثر انحناءً مما هي.
رسْمٌ لذاتهِ، لوجه الرّسْم.
أتَجادلُ مع ماءٍ لا يتذكّر إلاّ مصادرَ الدّماء التي سالت فيه. ماءٌ يعجن خميرةَ الدمع.
كأنني ارى الموتَ رابضاً يتصيّدُ البشر.
أحبّ، هذه اللّحظة، ان أقول: بغداد - نصفُها غابةٌ، ونصفها الآخرُ صحراء.
وأحبّ ان أسألكَ، يا صديقي - همْساً:
- ما الفرق بين بغداد 1258، وبغداد 1969؟
- الأولى فتكَ بها التّتار،
والثانية يفتك بها ابناؤها.
-4-
مَقْهى - نراجيلُ كمثل عقودٍ تتدلّى من اشجارٍ لا تنبتُ إلاّ في أرض المخيّلة.
شيخٌ يتنفّس برئة الطفولة. آخرُ يتأوّه ويتلعثم. كأنّه لا يقدر أن يصفَ النار التي تَتأجَّجُ في أحشائه. كأنّه لا يعرف كيف يطردُ العذاب الذي سَبَّبَه له أبوه آدم.
من المقهى يخرج دخانٌ أسود - أهو أنْفاس المتّكئينَ على نراجيلهم؟ أهو حلمٌ آخر بسقفٍ آخر؟ أهو بلادٌ ثانية؟
تتصاعد في الدّخان زفرات وتمتمات، كمثل جسورُ عائمةٍ بين الوقائع والذكريات: لا وضوحَ، لا غموض. شِبَاكٌ من الحروف تضطرب فيها أجنحة الظنّ.
في كلّ "نعم" تكمن "لا".
في كلّ "لا" تكمن جمرةٌ لا تعرف كيف تنطفئ.
تحت بَشَرةِ هذا المقهى، تتموّج محيطاتٌ من الرَّفض.
مكتبة - خَطُّ هذا الكاتبِ أعوجُ، لكنّ كلماته مستقيمة.
- هذا كاتبٌ يكرِّر.
- أحياناً يُقال الشّبيهُ لكي يُقالَ المختلف.
- شاعِرٌ كمثل الملاك.
- أمدحٌ أم ذَمّ؟ يقدر الملاكُ أن يفعل الخيرَ والشرّ. لا يقدر الشيطان أن يفعلَ إلاّ الشرّ. أيهما الأكثر نقاءً؟
- هذا شاعرٌ غامض.
- ما ينكشف سريعاً، يُبتذَلُ سريعاً.
- الشعر؟ لا أعرف.
كريمٌ كمثل الفضاء. يَحتضن حتّى الطّيورَ التي تتمرّد عليه.
- يبدو كلّ شخصٍ هنا، كأنّه نخلةٌ تعيش على شَفَا جُرفٍ هارٍ من الكآبة. كمثل حسب الشيخ جعفر.
- هل رأيتَ شعباً يحتاج الى الظلم لكي يشعر أنه موجود؟
- شعب العراق؟
- لكن، ما يكون قائدٌ يتسلّق الخطط التي يرسمها على جبلٍ من رؤوسِ البشر؟
- الغد؟
- لا تنسَ. تَحدّثْ هَمْساً. الغدُ غُضْروفٌ قلِقٌ في جناح وطواط.
- اغفروا له هذيانه.
- لستُ رجلَ انضواءٍ أو التزام. أتعلّم كيف أكون رجلَ حرية. وأنتمي الى وَعيٍ شقيٍّ، غاضبٍ وخائب. مثلك.
- خيرٌ أن نتحدّث عن المرأة، عن الجمال. في بغدادَ نساءٌ لا يعرف الوقت أن ينتشي حقاً إلا بهِنّ.
- وبأمثالهنّ.
- أكرر: لنتحدَّثْ همساً.
- رجال يخنقون الهواء.
- 5 -
امرأةٌ تُعانِق شُبّاكاً في بيتٍ على ضفّة دجلة. امرأةٌ مضيئةٌ تخاف من الضوء.
دجلة كمثل جسدٍ تجرّه عربةٌ يجرّها الخوف.
دجلة نشيد لقاءٍ قَلّما يصغي إليه أحد.
- ماذا تعمل، ماذا تخترع؟
- أُذُنيْنِ لعتبة البيت.
ولم نعد في حاجةٍ الى التفكير. هناك من يُغْنينا عنه: يعرف كلّ شيءٍ، ويجيب عن كلّ شيء.
وكلّ شيءٍ يتحوّل في كيمياء السياسة:
أية امرأةٍ تريدين أن تكوني، أيتها اليمامة؟
أيّ رجلٍ تريد أن تكونَ أيّها الهدهد؟
ما الدورُ الذي تريد أن تلعبه، أنتَ أيّها الحجر، وأنتَ أيها القفل؟
مُناخٌ يُثلج ألفاظاً،
والسمّ يهدرُ في عروق اللغة.
لماذا ليس لبغداد إلا طريقٌ واحدة،
والطّرُق أكثرُ من أن تُحْصى؟
تبدو بغداد قَفصاً من ألفاظٍ، لا يكاد الإنسان يخرج منه، حتى تنفتح كمثل أشداقٍ وحشيةٍ تُطْبِقُ عليه.
كأنَّ العقلَ لم يعد إلا حَبْلاً حول العنق.
أيامٌ تنتشي لرؤية الألوان الحمراء،
دون أن نَسْتثنيَ لون الدم.
وقتٌ كمثل جسدٍ بأعضاءَ يلتهم بعضُها بعضاً.
إنها الشمس تتشحَّطُ في الشوارع.
أبو حنيفة، الشافعي، مالك، ابن حَنْبَل - أُعطيَ كلٌّ منهم شُقّةً في السماء، هرباً من هذا العالم. ويُقال: كلٌّ منهم نذَر خلوده في هذه الشقة الفردوسية لتأليف الكتب في ذَمّ الدنيا، وفي طاعة "أولي الأمر".
وما هذه العباءة اللازوردية التي تغمر الحضرة القادرية الكيلانية؟
- بغداد جنّة!
- الإنسان هو الجنة، لا المكان.
- هل تريد البقاء هنا؟
إذن، ضَعْ مكانَ سُرّتك سُرّةً أُخرى،
وغيّر رأسَك.
أَثيرُ آلاتٍ يملأ الفضاء.
في علم الهيئة الـذي يبثّه هـذا الأثير، أن بغداد أُمٌّ تنعقد في حوضها الأجنّة، وأن الجنـين يخرجُ مصلياً للمُهيْـمن الغالب.
وفي علم الهيئة أنّ الثوب الذي يلامس جسد الجنين، للمرة الأولى، يُخاط بيدِ المهيمن الغالب.
وفي علم الهيئة أن بغداد بيتٌ لنَمْلِ الفجيعة، وأنني خالفْتُ وانتبذت.
هل كان عليَّ أن أرفض الواقع، وأمضيَ وقتي كله مع الممكن؟
هل كان عليّ أن أجهرَ: لكل صوتٍ في بغداد مهمازٌ؟
أثيرُ آلاتٍ يغمر الفضاء -
يتخلّل جميع أجزائه،
وأسمع من يُعلّل به الوقتَ والفراغَ والسلطة والجُثث، والمستقبل.
هكذا تتنضَّدُ الجهاتُ والآفاقُ، وفقاً لضوءٍ آخر:
البلاد من الآن فصاعداً،
سَهْمٌ قوسهُ كرسيّ السلطان.
طيورٌ - جِراحٌ في الشجر،
وتلك الوردة التي كانت وتراً من العطر
بين مشرق الشمس ومغربها،
عنقٌ ينحني، وأهدابٌ تنكسر.
ولا بَرْقَ إلاّ الخُلّب.
ثمّة عطَشٌ يطوي الجسدَ طيَّ الورق،
وتبدو كلُّ لحظةٍ،
كأنّها قمقمٌ تندلق منه أحشاء التاريخ.
- 6 -
مُتّكئاً على طرف السرير في الفندق (نسيت اسمه)،
أسمع دقّاتِ ساعة غامضة،
كأنها تتدلى من عنق نخلةٍ تكـاد أن تيبس.
الساعة الثانية عشرة، ليلاً.
ليلٌ يسهر بين يدي دجلة. أكادُ أن أسمعَ الماءَ يَسعلُ، والضفاف تبكي. أحذّركِ أيّتها الليلة من ظلماتي. وأنتِ، أيتها المدن الفراتية النائمة، سلاماً.
فوق طبق الأحداث، أرمي نَرْديَ الحائر. أنتظر، أتأمل، أكتشف أن للأحداث نَرْدها الغالب.
ماذا أفعل؟ هل أستسلم؟ هل أظلّ أدحرجُ السؤال كمثل صخرة تكاد أن ترتد عليّ، وأن ترتمي فوقي؟
وأنت يا رأسي - قل لي من أين لك هذا العَصْفُ الذي فيك، والذي لا يُريد أن يَهْدأ؟
- 7 -
يَضعُ الشعر شفتيه على ثدي بغداد...
خرجتُ منها وأنا أتخيّل أنّ المدنَ تأخذُ أحياناً حُلمَ التغيّر، وتُدخله الى بيوتاتها، خِفْيةً، كأنّه عشيقٌ سِرّي. وتذكّرتُ أنني لم أرَ الكلمات تجلس حول الموائد لتأكل هي كذلك، كما رأيتها في بغداد. تزدردُ كلّ شيء. اللحم والدهن والعظم. الذين ولدوا، والذين ماتوا، والذين لم يولدوا بعد.
وكنت رأيـت كيـف يحـدث أن تتحـول اللغة الى جيش هائل من الحيوانات المفترسة. وكنت حتى تـلـك اللحظـة مـن السنة 1969، أتعبُ كثيراً في التمييز بين البشر والشياطين والآلهة، عندما أنظر الى "أهل السلطة في العراق". ربّما لهذا لم أشعر في بغداد إلا بالبرد حتى وأنا في حضن الشمس.
لكن، لكن،
ضَع، أيها الشعر شفتيك على ثَدْي بغداد.
(بيروت، 1969)

 



#أدونيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدونيس - انظرْ الى سيف الطّاغية كيف يُشحذُ وإلى الأعناق كيف تُهيّأُ للضّرب