أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - Meanwhile.. In Baghdad?















المزيد.....

Meanwhile.. In Baghdad?


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


MEANWHILE…
*IN BAGHDAD…?

كثيرة هي الأشياء التي لا تفكر فيها وأنت تقود سيارتك في صباح لوس أنجلوسي لذيذ، حتى بعد أن تؤرث سيكارة أخرى، وأنت تحاول أن تضيء الجوانب المعتمة في دماغك بأنوار حمراء وأخرى وردية تجنح لهدوء لم تألفه منذ زمان.
تضغط دواسة البنزين لتخترق الطريق السريع لينقلك من مدينة إلى أخرى بسرعة أكبر. "بيفرلي هيلز"، التي غادرتها تواً، تبدو أشبه بشجرة عيد ميلاد مضاءة، ناعمة ومشذبة وكتومة على أسرارها التي بت منذ الليلة، تمتلك أحدها. " سانتا مونيكا " تمتد أمامك وقد غادرت بهجة ضجيجها، طردت سائحيها إلى غرفهم وراحت تنام مع مشرديها الدائمين، وهم يحتضنون أرصفتها وكأنهم يرضعون ما تبقى لهم من حرية وفرار متواصل.
كثيره هي الأشياء التي لا تعبأ بها وأنت تقود سيارتك في صباح أحد لوس أنجلوسي عذب. البار المنطفئ إلى يسارك شهد ليالٍ أخرى، قد تكون أكثر عذوبة، ولكنها ربما كانت أقل عصفا من ليلتك التي لم تنم فيها هذه، فرحت تذرع الشوارع بسيارتك وكأنك تتنشق عذوبتها لأول مرة. هل كانت "آشلي"؟ أم هو "رايان" "اليهودي الطيب" كما تسميه مع نفسك، و"اللعين" كما يلذ لك أن تناديه؟
لا مفر.. اتصل بي الليلة، بعد غياب بلا بسبب، هكذا وكأنه فارقني قبل ساعات لا أكثر. وقبل أن أطلق منبه سيارتي خرج لي راكضا يحمل قدحيه البلاستيكيين. "لونغ آيلند" قلت لنفسي، مشروبه المفضل. وضع الأول في حضني واستل سيكارة من علبتي بيسراه بينما رفع القدح إلى فمه:" هوليوود وفاين!"
"لست مستعداً للسهر الليلة!"
"وهل سآخذك للإعدام؟ هيا فلنسكر.. أريد أن اسكر الليلة مثل حيوان جريح"
انطلقت سيارتي.
"أنت حيوان لا يستحق غير القتل" قلت مشاكساً.
"نعم. وكأنك من ملائكة صدام أو بن لادن!"
قلت:" نصف خلاياك خلقت للبذاءة.. والنصف الآخر للسكر والخراء الذي يسيل من بين فكيك"
"هذي المجنونة.. تريد مني البقاء في البيت ليلة السبت!"
"مَن؟"
"آشلي"
"عدت إليها؟"
"هي من عاد.."
"ظننت بأن انفصالكما الأخير كان حاسماً"
"لم يكن ولن يكون.. نهداها المتوثبان يستحقان المغفرة.."
"نعم.. وستحطم أنت تعاليم موسى وتدير لها خدك الأيسر!"
"بل سأدير لها مدافع شارون وأسحق ما تبقى منها"
"وما الذي تبقى؟"
تفاحة اللهب ما بين فخذيها.. شيئا لا تعرفه، كلما قظمته يعود ليتكوّر"
"تطلق الآيات الليلة وكأنك محمد!"
"اعطني أربعين امرأة أعطيك سبعين محمد"
"أي وحي هذا الذي سيأتيك من فروج النساء؟"
"ماذا تتصور.. هل يأتي الوحي من الكهوف أم على ظهور الجمال؟"
"أيها اليهودي اللعين!"
"يهودي لعين أفضل من مليون مسلم مطيع.. عليك أن توافقني على ذلك؟"
"إنما أوافقك على "آشلي".."
"أيها الملاك الذي ينكر إسلامه.. أعرف كيف تفكر.."
"كيف؟"
"هكذا.." يضع السيكارة في فمه ويقلدني في الحديث، القرد. يستفزني فأضحك:
"ابن القحبة، لولا بياضك المفجع لظننت بأنك أحد أبناء شارعنا في بغداد"
"يعني.. تقصد.. اصلح كمفجر انتحاري؟"
"أنت لا تصلح حتى ان تكون عنصراً في جيش المهدي!"
"لم يبق لأنبيائكم غير الجيوش؟"
"هؤلاء نحن.. وأنتم؟"
"نحن مازلنا نسمع أصداء الأسطورة"
"من كتب بخرائط متآكلة؟"
"بل دولة وكأنها شيدت كأستوديو لتصوير فيلم سينمائي.. وحوّلوها إلى واقع.."
"واقع دموي"
"ومخيف.." ثم استطرد:"كنت هناك يوما.. ونفذت بجلدي.. جنون أن تبني حياتك على أسطورة"
احتسى شيئاً من مشروبه وتلمظ وكأنه يستعيد مذاق الأسطورة:"إشرائيل" لفظها بعبرية لذيذة.
"مذاق طيب"
"لمن؟.. لأسطورتك؟"
"لا.. لمشروبي المفضل"
"أجمل ما فيك انك تخرج من الأشياء بهجتها.."
"وأنت تتجرع الخراء وكأنه درس في علم الجمال"
"تافه كما أنت دائما.."
"وحزين أنت كما أنجبك صدام بالضبط"
"تبدعون في الاختزال.. أولاد القحبة"
"ماذا تقصد؟"
"تختزلوننا إلى صدام وبن لادن.. وهي قمة العنصرية، ولا نختزلكم إلى بوش أو شارون مثلا!"
"مؤخراتكم غاطسه في وحل السياسة دائما.. أما أنا فبإمكانك أن تختزلني ب"آشلي" مثلاً.. "آشلي" وهي تمتصني من مداخلها الثلاثة.. لم لا تنظر إلى بهجة العالم من حولك؟"
"سحقاً.."
انتبهت إلى التماعة الوجوه بعافيتها وهي تتلألأ عاكسة أضواء النادي الليلي. صفق "رايان" الباب وهو يهلّل مثل هندي أحمر:
"سحقاً لكل شيء"
ألقينا الأقداح الفارغة ووقفنا في طابور الدخول الطويل، حيث بناطيل النساء تعيد لخصر المرأة هيبته، بينما ينتزع الوشم المرسوم صفاء جلدها الأول: أرنب في أعلى المؤخرة، وأسماء وعلامات هنا وهناك.. تذكرت "جي لينو" وهو يشير بمايكروفونه إلى ظهر حورية رسمت في أعلى مؤخرتها جزيرة ونخل وعصافير، فيلتفت إلى الكاميرا ويهمس بشبق: “It’s very nice place to visit!”
"مكان جميل يستحق الزيارة!"
“Meanwhile...
In Baghdad…?”
"إن ضاقت الصدور عليكم بزيارة القبور!"
أضحك والحارس يضع ختمه الفوسفوري على ظهر يدي "فيزا الدخول!"
رحماك يا أمي وانتِ ما زلتِ تتنفسين هناك..
رحماك أيها الهواء وأنت تستنشق لعنة تلاشيك في تلك البلاد..
هل أتذكر "ريلكه"؟
"وعندما نظن بأننا في زخم الحياة
يتجرأ على البكاء
في داخلنا"
ينقلب مزاجي وقد دهمني إحساس المشاهد/المتفرج، فكفّ صهيل الدم عن لذة المشاركة.. أهو "ريلكه" اللعين؟ أم نشرات الأخبار؟ أم هي اللافتة الملصقة على مؤخرة سيارة مرقت منذ أسبوعين وقد كتب عليها:
Meanwhile...
In Baghdad..?”
إن هي إلا تراجيديا قذرة لا تحتملها الروح، بينما تختصرها لافتة صغيرة حملت جملة قصيرة غائمة، تخبئ الكثير في فراغاتها التي لا تندمل.. هل أعانق الرصيف مثل مشردي "سانتا مونيكا"؟
فلأركن سيارتي. صباح أحدي هذا لن يكتمل من دون قهوة "ستار بوكس" برائحتها المدخنة، وجدران محالها المظللة بالأخضر. الأخضر الذي لم تذقه لوحات "مراد" المدججة بالأصفر. الأصفر الذي لا يحيل لغير فراغات أيامنا المحتشدة بالصديد، وكأننا ، حقاً، أنجبنا "هذا" وصيّرنا "ذاك" وهو يفسح له مجالات خرافية ليوسع دور الفرد في التاريخ، ودور القمع في تقليم مساحات الخضرة على جدران أرواحنا.
البخار المتصاعد من قدح قهوتي يظلل وجه مشرّد بسيماء تقليدية، لحية كثة، وشعر طويل غير مهذب، وهو يقف أمامي. أرفع له رأسي بهدوء من يحاول طرد أشباح ليالٍ بعيدة. يشير إلى قهوتي بكبرياء، فأدس بيده دولارين:
"تذكر بأني أخرق قانون المدينة بذلك؟"
يرفع لي وجها مبتسماً: "خرق القانون هو الخطوة الأولى إلى الجنة الحقيقيّة" يفتح باب المقهى ويغيب.
"رايان آخر" أقول لنفسي.
كان "رايان" قد "علّق" شابتين عندما رنّ هاتفه أول مرة.
"هاتفك" قالت الفارعة الطول.
"أنتِ المكالمة الوحيدة التي تستحق الرد عليها هذه الليلة!"
"صاحبكَ مجنون" قالت لي المكسيكية المدللة وهي تشير إليه.
"لا تقلقي" قلت "أعرف سر جنونه"
نظرت لي بلا مبالاة، وكأنها لم تكن معنية حتى بسؤالها:"هل أنتما من هنا؟"
"لا.. وصلنا توا من القمر!"
"هذا ما ظننته!"
"انتظري المرة القادمة.. وسترين وشم على هيئة "آرنولد شفارزنيغر" على جبهتي.. فقط لكي تصدقي بأننا من هنا"
أخرجت لسانها متهكمة. ضحكت بغباء وأنا أفكر باللاشيء. بينما لحقتهم هي إلى حلبة الرقص. خطوت نحو البار لكي ألقم جوفي كأساً من "التكيلا" التي أحب، ربما لأنك تقضي عليها بدفعة واحدة. ماذا لو كانت حياتنا كذلك؟ بدلاً من أن تتقلب هنا وهناك، وعوضاً عن التنقل من أجواء العمل الصارمة إلى علب الليل المفتوحة، تتجرعها دفعة واحدة، مثل كأس تكيلا، حادة، مرّة ولذيذة ولاشيء بعد ذلك غير طنين تنبض فيه أجراس الوحدة. الوحدة التي نتحسسها حتى قبل أن تكتمل عناصر تجسدها. ربما نحن فقط من يعاقر وحدته في صمت، حتى لو امتلأ العالم بضجيجنا.
كان الهذيان قاصراً عن زحزحة رقبتي عن تلك المرأة "الجذع"، وهي تغتال الموسيقى بإيقاع جسدها المتقد:
"أية طاقة!"
لوّح ذو السمار الهندي بكأسه نحوها وهو ينظر ألي. أجبته بابتسامة وقلت لنفسي " هي طاقة الجسد الذي يود لو يفرغ من روحه. الجسد الذي يروم الانتصار على نفسه.. ما أحوجني لذلك! ها هو ذا استثناء زوربا يتحوّل إلى قاعدة!"
سحبتني كف من رسغي، التفتّ، هو "رايان" وقد اصطبغ وجهه بلون آخر، بينما ينصت إلى هاتفه النقال حيث صراخ يتسرّب منه إلى أذنه:
"أريد مساعدتك" قال لي " هذي المجنونة تهدد بالانتحار.. وربما تفعلها"
"مَن؟"
"آشلي"
"مرة أخرى!"
"نعم.. المجنونة، قد تؤذي نفسها"
تقافز بسرعة إلى داخل الحمامات وهو يسحبني من يدي. أخرج من جيبه كيساً من "الماريجوانا" ودسّه في يدي من دون أن يعبأ بالمَثَليين الذين كانا يقبلان بعضهما بحرقة:
"خذ هذا.. ضعه في جيبك والحق بها بسرعة.."
"لم لا تذهب أنت؟"
"ستقتلني لو ذهبت.. لقد عثرت على لباس "جاكلين" تحت الفراش.. القحبة، اعتقد بأنها تقصدت فعل ذلك لتوقع بيننا.. المهم الآن.. لن أضمن حياتي إذا لم تهدأ.. ولن أستطيع أن أتركها لوحدها وهي على هذا الحال.."
"وكيف تظن بأن بإمكاني تهدئتها؟"
"أوصل لها هذا الكيس وستهدأ.."
قلت غاضباً:"ابن القحبة.. أتريد أن.."
تنبه المثليان إلى صوتي الغاضب، ثم عادا الى قبلات أكثر التهاباً.
"لا أريد شيئاً.. هي التي تريد أن تسورني بمهبلها.."
"رايان.. لا تورطني ب.."
"لن أورطك.. المسالة أبسط من 1- 2- 3.. أطرق الباب.. أعطها الكيس.. وحاول أن تمتص غضبها.. غضبها فقط، وليس شيء آخر..!" ضحك بخبث "أفعل ذلك من أجلي.. شرط أن لا تضاجعها.."
ضحك بانطلاق:
"ابن القحبة!" قلت.
مسّد على خدي براحة كفه فبدت حركته متلائمة مع قبلات المثليين التي وصلت إلى الصدر. أزحت يده بقوة وأنا أضع الكيس الصغير بجيبي:"Fuck you" قلت. فردّ عليّ ضاحكاً "دعها تمصّ لك إن أردت.. ولكن لا تضاجعها من أجل خاطري"
"لا تصبح أبن قحبة لهذا الحد!"
"من أجلي رجاءً.. أفعل ذلك لي.."
وضع المشرّد قدح قهوته على الطاولة، ثم ألقى بالمجلات التي يتأبطها وهو يبتسم:"صباح جميل!" قال.
"نعم.. وأجمل ما فيه عندما تستقبله دون نوم"
سدّد لي نظرة خبير وهو يقول بخبث "أما إذا دعمته بنفسين فسيكون أجمل من "بيل غيتس" وهو ينظر إلى "ويندوه" لأول مرة!"
قلت مستلطفاً تشبيهه :"أوووه!"
قال هو:" عندي "لاب توب" موقّع من "سلفستر ستالوني".. أعطاني إياه بنفسه!"
نظرت له باندهاش فأستطرد وكأنه اعتاد قول ذلك "ربما تخلّص منه لأنه لا يحسن استخدامه!"
قلت وأنا ألامس جرح الليلة غير بعيد عن رقبتي "أين تشحنه؟"
"في مطعم مجاور لرصيفي.. صاحبه أرمني طيب القلب رغم إنه لا يكف عن تبشيري، وأن أسلّم نفسي للمسيح طوال الوقت!"
"ولم تسلّمها؟"
"عانيت أعواماً طويلة من أجل استردادها، وهو يريد مني أن أتخلّى عنها لآخر صُلب قبل ألفي سنة!"
قلت وكأنني عثرت على ماركس آخر في مكانٍ لم أتوقعه:"أنتم تثيرون استغرابي دائماً.. وكأنكم تعيشون في جنّة وتغلقون أنوفكم بأصابعكم لكي لا تستنشقوا رحيقها؟"
"تقصد نحن المشرّدون؟"
"نعم"
"إننا فقط لا نريد ما يبحث عنه غيرنا"
"ربما تقدسون أشياء لها قيمة أقل عندنا.."
"أنتم من يحتاج أشياء أكثر من اللازم.. لذا تفقدون بوصلة البحث عن ما له قيمة أكبر"
قلت بصوت غائم "ربما" فحمل مجلاته وقدحه معلناً رغبته بالمغادرة. حنى رأسه وأبتسم:
"شكراً على القهوة وعلى الحديث" ثم استدار وكأنه يخاطب سماءٍ ما "العيش مكفول للجميع، بطريقة أو بأخرى.. وحدها الذات، إذا صادف وأن عثرت عليها، فلا تغامر بالتخلي عنها"
آه لو إنكَ رأيته.. بدا لي كبير الشبه بملصق مثقّب بالفراغات، عُلّق على دعّامية سيارة عابرة:
“Meanwhile...
In Baghdad..?”
حيث القتل مرشّح للجميع، بينما تتلطخ الذات بدموع الانفجارات..
أليس غريباً أن تهرول عدة روافد نحو مصب واحد في هذه الليلة؟ هذا الصباح؟ حيث المحيط الهادئ يرشق جدران "ماليبو" وكأنه نسر يداعب حمامة، مولداً فعلاً يبدو عذباً ومخلّفاً ردّ فعل يبدو أكثر عذوبة لولا تلك السيارة اللعينة وتلك البلاد التي تتلقى أكثر اللعنات صلافة؟
هكذا تصطفق الذات لتصفع الأخرى فتُفقِدُ الطبيعة ألوانها ولا يتبقى لها غير الأبيض والأسود، بينما ينسلّ "مراد حسين موسى" ليقتحمها بالأصفر الذي يبدو مثل قيح معتّق يصعد إلى الحلق مع كلّ شهقة مثل "حموضة" تصارع لذّة الجسد. نعم هو الجسد حيث "آشلي" بشعرها المنفوش تبدو مثل دمية راقصة تعطّل نابضها فراحت تصرخ:"أنا آسفة.. ولكن إبن القحبة "رايان" كان ينيك امرأة أخرى على سريري، بينما هو يلحس مهبلي ويهتف: لن أتذوق في حياتي مهبل تفاح من الجنة مثل هذا.. كان يخدعني إبن القحبة!"
"آشلي.."
"يقول لي بأنه لو موسى لعق مثل هذا، لأضاف للدنيا عشرة وصايا أخرى.."
"آشلي.."
روبها المفتوح يثقل على أعضائي. نهداها النافران، المتوثبان، كانا في أشد انطلاقتهما، غير بعيد عن أصابعي، بينما أقلّص ساقيّ لأقبض بهما على ساقها اليسرى التي كانت ترتجف مع كامل جسدها بهستيريا متوحشة.
"آشلي.. أنتِ من بدأ بذلك.. فكيف تطلبين منه أن.."
"إبن القحبة أنت الآخر.. تدافع عنه؟ هل قال لك بأني كنت أفتح فخذي لكل من يريد؟.. كان ذلك صديق طفولتي، زميل دراستي، وأول من لمس يدي.. كان منهاراً وقد أدمن على الكحول ووقفت إلى جانبه، قضيت نهار عنده.. إنه حتى لا يستطيع الانتصاب مثل رجل.. أتظن بأني أطارد كل عضو منتصب لكي أمصّه وأضعه بين فخذيّ!.. أنتم فقط، أنتم ذروق الدجاج من يستطيع فعل ذلك فقط"
وددتُ لو اضحك. كان الرذاذ يتطافر من فمها بصدق لم أتوقعه. كم بدت لي هادئة قبل ذلك. أما حين تسكر فإما تقطر حناناً أو تنفجر رغبة، رغبة في كل شيء. مازلت أذكر لحظة اقتادت "رايان" من باب البار إلى مقعد سيارتي الخلفي، وخشية من البوليس رحت أقود سيارتي على أنغام إرتجاجات صرخاتهما وأنا أضحك. كانت السماء ليلتها قد انقلبت على صفحة معبأة بالشهوة، أما الآن فقد امتلأت بصاعقات الغضب. الغضب الذي لم أتمكن من كبح جماحه وهي تتهدّد للانفلات من يديّ وساقيّ لتهرع إلى المطبخ، حتى إنها عندما هدأت قليلاً، وبدأت حرارة أصابعي ترتفع أكثر وهي تقبض على مرتفعات زنديها، حيث داخلني شعور بالخجل وأنا أصحو على وضع لم أعهده معها، فأرخيت ساقيّ وأنا أقول لها بمنطقيّة في غير محلّها:
"ما دمتِ تنوين الانتحار لماذا انتظرت حتى مجيئي؟"
حركت ذراعيها بقوة حاسمة وانفلتت من بين ذراعيّ وهي تصرخ باكية:"لأني أكره أن أموت وحيدة.. لا أطيق الفكرة"
وثبت وراءها، فلم أمسك منها غير الروب الذي أخذ مسافة حتى يوقف جسدها على بعد خطوة واحدة عن "الكاونتر" حيث لمحت سكيناً صغيرة بدت وكأنها هيئتها قبل مجيئي. مدت ذراعها إلى أقصاها، بينما قبضت عليها من خصرها وحاولت سحبها بكل قوتي. قبضت هي على السكين براحتها اليسرى، فلم أجد بداً من أن أقلبها على الأرض بيدي اليمنى. تهاوت على أرض المطبخ بعد أن ثنت ساقها اليسرى، وانهرت من ثقل جسدها وقوّة تشبثي به. شيء ما حزّ على كتفي. لم أعبأ، قبضت على يدها اليسرى بيمناي وفردتها، كانت السكين الصغيرة تلمع في يدها، وقد تلطخت حافتها بالدم. قلبتها على ظهرها لأعرف مصدر الدم، فسالت قطرة دم قانية الحمرة على صفحة صدرها الأبيض.
"أنت تنزف!" صرخت هي وذعر يملأ عينيها.
بدأ عظم ترقوتي يخربش إحساساً ما بالحرارة، الحرارة والألم.
"كم أنا غبيّة.. لقد جرحتكَ.."
كان خدشاً بسيطاً، هذا ما شعرت به وأنا أمسده، إلا إنها واصلت البكاء:
"حمقاء.. أنا حمقاء أقول لك.. تحاول أن تحافظ على حياتي بينما أجرحكَ أنا!"
استدارت والدموع تنهمر من عينيها. ضغطتُ على كتفها مشككاً:
"إلى أين؟"
"لا تخف.. سأجلب لك شاشاً ومعقماً لكي لا يلتهب جرحك."
هرعت إلى الحمام، بينما رحت أقلب رقبتي يمينا ويساراً وكأني أختبرها. ألقيت بالسكين الصغيرة على الأرض. عادت هي بالشاش والمعقم وقد بدت أكثر هدوءا وفتنة.
"لا أصدق بأني يمكن أن أفعل ذلك بشخصٍ آخر!"
"تخيلي إذن لو إنك فعلتِ ذلك بنفسكِ أمامي، فماذا سيحصل لي؟"
طبعت على خدي قبلة هادئة، وبدأت تعمل بالشاش والمعقم على رقبتي. كان لأنفاسها وقعاً أقوى من كل شيء.
"إنني حمقاء لا أكثر.. مائة مرة أتركه وأعود إليه.. لا أعتقد بأنني أحبه لذاك الحد، ولكنني متعلقة به بشكل مرضي ! أنت لا تستحق ما فعلته بكَ"
"لا تلومي نفسك.. هو مجرد حادث"
"أنا غبية.. كنت أظن.."
"أنتِ جميلة.." قلت مقاطعاً وقد اصطبغ صوتي بتعبير ما.
فرشت الشاش على الجرح وضغطت عليه بهدوء. توقفت عن الحركة للحظة. لحظة واحدة تبدد فيها ضجيج الليلة كله. ثم رفعت لي وجهاً يطرد دموعه.
"أنتَ أجمل بكثير مما تصورت" قالت ذلك وقربت شفتيها من مجال الجذب على خدي، ثم عادت لمداواة الجرح: "نزفت دماً كثيراً!"
قلت متجاوزاً تلك اللحظة الحرجة:"إنها التكيلا في دمي. لا يتخثر الدم بسرعة من تأثير الكحول. هذه هي خلاصة كل معلوماتي الطبية"
ابتسمت هي لأول مرة:"ادخر بعضاً منها للأجيال القادمة!"
ضحكت بصوت أردته عالياً، ربما لأخفي ضجيجا داخلياً من نوع آخر:"أنتِ أجمل ما في الكون الليلة!"
اخترقت شفتاي مجال جذبها بهدوء صاخب لتطبع على شفتها قبلة هادئة، قبلة بدت مثل علامة استفهام مفتوحة. أجابت عليها بنظرة خجلة ورموش تصطفق:"أنتَ كريم جداً"
"أنا فقط جنبت نفسي من حزنٍ آخر على امرأة لا حدود لعذوبتها"
عانقتني بدفء صاخب. أركت حنكها على كتفي الآخر وشعرت بها تكظم شيئاً من مشاعرها:"متى رأيتكَ آخر مرة؟"
"سنة ربما.. أو أربعة عشر شهراً"
"أشعر بأني الآن مشتاقة لك أكثر من أي شخصٍ آخر"
"كنت أتذكركِ دائماً، وأحسد وحشيّة الحياة المتوثبة فيكِ"
"وكأنكَ فديتني بروحك؟"
"لا تقولي ذلك.. أشعر بأني ساهمتُ بالمحافظة على طاقة أتضرّع لأن أمتلك ولو شيئاً منها في يومٍ ما.."


--------------------------------------------------

Meanwhile.. In Baghdad..?*
يمكن ترجمتها الى:
" وفي غضون ذلك..
في بغداد..؟"



8/15/06
لوس أنجلس



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Little Saddam!
- [email protected] الى
- الماموث
- بوكوفسكي .. في قصيدتين !!
- بوكوفسكي .. وثلاث قصائدعن الأسى ..
- بوكوفسكي وثلاث قصائد عن المرأة ..
- تيليسكوب .. قصيدة للشاعرة الاميركية -لويز غلوك- ..
- عندما تطير الأفيال .. ! فك آ هات عراقيّة !
- فئران قارضة للحياة !
- خطوة اولى في الرد عن سؤال الغربة!
- نجم والي في -صورة يوسف- سؤال بحجم كابوس .. وكابوس بروعة حكاي ...
- فحل ! قصة قصيرة للشاعر الأمريكي تشارلز بوكوفسكي
- إنتصارات مزدوجة !!!
- ترقّب صاخب
- قطارات
- خطيئة ..!- قصة قصيرة جدا
- -انتحالات عائلة - لعبدالهادي سعدون واسطورة الكائن العراقي ال ...
- قراءة أمريكية لرواية عراقيّة
- ألقفص ألزجاجي
- نداء الصباحات المُميتة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - Meanwhile.. In Baghdad?