أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي سايتو-















المزيد.....

درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي سايتو-


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:03
المحور: الادب والفن
    


يرصد قوّة الوجوه المبتسمة التي تعبّر عن الشجاعة والأمل، وتجعلنا متشابهين.
حضي فيلم " درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك " للمخرج الياباني كيسوكي سايتو بإهتمام خاص، فهو الفيلم الوحيد الذي وقع عليه الإختيار من بين " 145 " فيلماً متنافساً على نيل إحدى الجوائز الذهبية أو الفضية أو البرونزية للأفلام التسجيلية، ومن بين " 46 " جنسية مختلفة، لأن يكون فيلم الإفتتاح للدورة الثانية لمهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزيوني، بخلاف التقاليد المتبّعة التي تشترط ألا يشترك فيلم الإفتتاح أو الإختتام بمسابقات المهرجان. وربما كانت طرافة فكرة الفيلم، ورسالته الإخلاقية والنفسية والاجتماعية هي حرّضت القائمين على المهرجان على خرق التقاليد والسياقات المتبّعة في المهرجانات المحلية والدولية.
بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم التسجيلي القصير " 32 دقيقة " لم يخرج عن إطار التحقيق الصحفي إلاّ لُماما، فهو يسرد قصة أو تقريراً إخبارياً عن القوّة الكامنة في الإبتسامة البشرية، ولكن، والحق يقال، كان يتمرّد على شروط الريبورتاج الصارمة، ليجد نفسه في المساحة الحرة للفيلم التسجيلي الذي يريد أن يزوّد الأزمنة القادمة بوثيقة مهمة لا مندوحة من العودة إليها كلما باغتتنا الحروب أو دهمتنا النزاعات على حين فجأة. ولا أدري لماذا أصرّ المخرج كيسوكي سايتو على هذا الصوت المرافق للعديد من جوانب الفيلم، بحيث كان يؤثث الفراغات التي كان يُفترض بالمشاهد أن يملأها، أو يسلّط الضوء على المساحات المختفية أو المتوارية التي يُفترض بالمتلقي أن يكتشفها أو يمسك ببعض تفاصيلها في الأقل. فالمُشاهد العضوي يجب أن يغوص في الأمكنة العصية، ويلامس الأفكار المتملصة التي لا تقدّم نفسها دفعة واحدة. فالشرح والتأويل وملئ الفراغات يذهب بالفيلم صوب التحقيق الإخباري الذي تدور رحاه على الأرض، ولا تترك للمتلقي فرصة التحليق إلى عالم الشطحات والتخيلات الذهنية التي ينشدها الفيلم التسجيلي في أحد جوانبه الفنية.
البنية الزمكانية
تتجلى البنية الزمكانية للفيلم عبر تقنية الصورة الفوتوغرافية. فمن خلال قصة هذا الفيلم نكتشف أن الزمان الحقيقي للفيلم يمتد إلى أكثر من الأيام الثلاثة التي خرج فيها تلاميذ المدرسة الإبتدائية إلى الحياة اليومية للناس بعيداً عن أطر الدروس ومناهجها المحددة ليصوروا أناساً مبتسمين. أما الأمكنة التي كشفتها لنا الصور الفوتوغرافية التي إلتقطها المصور الفوتوغرافي الياباني هيرومي ناغاكورا فهي تمتد إلى ثلاث قارات تشتعل فيها النزاعات والحروب وهي آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويمكننا كشف أبعاد البنية الزمكانية عبر قصة الفيلم التي تحمل قدراً كبيراً من الطرافة والتشويق، وصولاً إلى النهاية غير المتوقعة في فيلم يراهن على ثيمة مثيرة تنطوي على بعد فلسفي شفاف. يبدأ الفيلم بداية عفوية، سلسة حينما يُطل المصور الفوتوغرافي هيرومي ناغاكورا وهو يشرح للتلاميذ الصغار عن الأنواع المختلفة لآلات التصوير، وكيفية إستعمالها، وطبيعة الاصوات التي تُحدثِها في اثناء التصوير. فبعض الكاميرات الفوتوغرافية تُحدِث أصوات هامسة، خافتة لا تلفت الإنتباه، بينما هناك كاميرات أخر يجفل منها الناس الذين تُلتَقط لهم الصور نتيجة الصوت العالي الذي تُحدثه. لقد كرّس هيرومي ناغاكورا حياته للمناطق الملتهبة التي تشتعل فيها الحروب في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وإلتقط هناك آلاف الصور للضحايا، والموتى، والمعذبين، والمشردين، والذين يقفون على حافة الموت. بعض الصور التي إلتقطها في السلفادور كانت فظيعة، ومروّعة، ولا يمكن للأطفال أن يتطلعوا إليها " مثل صورة المواطن السلفادوري الذي نهشت نصفه الأعلى حيوانات البرية المفترسة، وتركت نصفة الاسفل سليماً مغطىً ببنطال مهترئ! " كما إلتقط صوراً عديدة للموت الجماعي وبأوضاع مخيفة لا يستطيع الاطفال مواجهتها أو تأملها. وعلى الصعيد الزمني يغطي الفيلم مساحة أيام ثلاثة. فقبل الخروج إلى الحياة اليومية للتصوير المارة والناس العاديين في الشوارع والطرقات وفي أماكن عملهم، أخذ هيرومي التلاميذ إلى ورشة عمل خاصة به حيث إلتقط مئات الصور المؤثرة وعلقها على جدران ورشته، وكانت كلها صوراً مشوهة لجثث فارقت الحياة قتلاً بالرصاص أو جراء القصف المدفعي أو الجوي الذي تخلّفه الحروب. وقد أبدى التلاميذ خوفهم من هذه الصور، لكنهم أعربوا عن دهشتهم حينما عرض عليهم صوراً أخرى لأناس مبتسمين، وقد تضاعفت دهشتهم حينما إكتشفوا من خلال حديث المصور الفوتوغرافي أن هذه الصور ذات الوجوه المبتسمة هي من نفس المناطق التي تشتعل فيها الحروب وتخلّف مئات، وربما آلاف الموتى يومياً. ثم يطرح عليهم سؤالاً شديد الأهمية وهو: أي من هذه الصور هي المؤثرة بالنسبة لهم؟ وأيهما الأهم بالنسبة للكائن البشري الذي يعيش على وجه المعمورة، هل هي صور الناس الموتى، والجثامين الممزقة، أم صور الناس المبتسمين الذين تشع إبتساماتهم حتى تمتد إلى المناطق المحيطة بوجوههم؟ ومن دون شك فإن الإجابة تأتي واضحة لا لبس فيها بأن الوجوه المبتسمة هي الأفضل، والأجمل، والأهم. ومن هنا يطوّر مخرج الفيلم فكرته الرئيسة، ويفلسّفها إن صح التعبير.
الوجوه المبتسمة
يقترح المصور الفوتوغرافي هيرومي ناغاكورا على تلاميذه بأن يشاركوا في برنامج " الوجوه المبتسمة "، حيث يعطي كل تلميذ كاميرا رقمية، ويطلب منه أن يخرج إلى الشارع، ويصور الناس العابرين بعد إستئذانهم لكي يقتنصوا أجمل إبتسامة معبّرة. وقد سبق له أن إقتنص هذه الإبتسامة المعبرة في مناطق بائسة تشتعل فيها الحروب، ويجتاحها الموت من كل جانب، فكيف بالتلاميذ الذين يعيشون في شرقي اليابان حيث لا حرب تشتعل، ولا مجازر تحدث، ولا كوارث تجتاج هذا البلد الآمن المطمئن الآن؟ أي بمعنى أن إقتناص الإبتسامة في بلد آمن هو أسهل بكثير إصطيادها في البلدان التي تفوح منها رائحة الموت والدمار. وهنا يكمن العمق الفلسفي للثيمة التي طرحها المخرج بشكل تبسيطي يلائم عقلية التلاميذ الصغار الذين أعربوا عن تعلقهم بالصور المبتسمة، وإندفعوا لإلتقاطها من الحياة اليومية العامة. ولا بد من الأخذ بعين الإعتبار أن اليابانيين يحتفظون في ذاكرتهم الجمعية بصور مؤسية عن الحروب التي تورطت بها اليابان، ولعل آخرها الحرب الكونية الثانية التي راح ضحيتها آلاف اليابانيين عندما تعرضوا للقصف بالأسلحة النووية في مدينتي هيروشيما وناكازاكي، لذلك عمد المخرج إلى المقارنة ما بين الوجوه المبتسمة، وبين الوجوه المكفهرة، التي ترتسم على ملامحها المشاعر الممضة، وعلامات الأسى العميق، والذعر، والذهول الذي تخلّفة لحظة مواجهة الموت المرعب. ولكي يؤكد المخرج لتلاميذه بأن الإبتسامة هي الخطوة الأولى الواثقة التي تفضي بنا إلى السلام والطمأنينة، فقد طلب منهم أن يتخلوا مؤقتاً عن المنهج الرسمي المقرر لهم، ويخرجوا إلى الحياة اليومية، ويصورا أناساً عاديين مزوداً إياهم بحجة التصوير لبرنامج " الوجوه المبتسمة ". وفي اليوم الأول يفلح كل التلاميذ بإلتقاط عدد من الصور الفوتوغرافية، غير أن هذه الصور كانت عفوية، وخجولة، ومشوبة ببعض القلق، ولم ينجحوا في إلتقاط الإبتسامة الحقيقية التي يطمح إليها المصور الفوتوغرافي المحترف الذي يعرف أسرار صنعته. لذلك حرضهم في اليوم الثاني على أن يدخلوا بحوارات بسيطة مع الأشخاص الذين يصورونهم، فالألفة، والحميمية، والمناخ المشترك يُخرج هذه العلاقة العابرة من إطارها الرسمي، ويكسر جمودها، ويتيح في النهاية سانحة الحظ لهذا الطفل المصور أن يمسك بإبتسامة عريضة قد لا يجود بها الآخرون في ظل العلاقات الرسمية العابرة، لذلك كانت صور اليوم الثاني أكثر إقناعاً من صور اليوم الأول. أما صور اليوم الثالث فقد كانت ناجحة، وموفقة، لأن المصورين الصغار قد دخلوا في حوارات أعمق وأوسع من حوارات اليوم الثاني، وهذا هو سر نجاح الصورة التي لا تلد، ولا تتحقق على أرض الواقع ما لم تكن هناك علاقة حميمة بين المُصوِّر والشخص المُصَّور. لقد أفلح التلاميذ في الإمساك بالإبتسامة الكامنة في أعماق الكائن البشري، وإستطاعوا أن يستدرجوها إلى السطح لكي تضيء بالنتيجة ملامح الوجه برمته. لقد إستمتع التلاميذ بهذ التجربة الإنسانية العميقة، وما تنطوي عليه من أبعاد فنية جميلة ومؤثرة. وفي النهاية قرر المصور أن يجمع كل الصور الناجحة التي إلتقطوها، ويلصقها على جدارية خشبية كبيرة، ثم يرفعها بمساعدة تلاميذه، ويثبتها في متنّزه عام، ثم يأخذ هذه الجدارية التي تحتشد بالوجوه المبتسمة، ويثبتها ثانية على قارعة الطريق حيث يكتظ المارة الذين يتطلعون بدهشة كبيرة إلى مئات من صور الوجوه المبتسمة التي إلتقطها التلاميذ لمختلف الوجوه البشرية، ليقول لنا في النهاية " أن الإبتسامة هي أول خطوة نحو السلام. كما أنها تعبّر عن الشجاعة التي تنطوي عليها نفوسنا حتى عندما نواجه أصعب الظروف. ". إن الإختلاف أو التمايز الذي ينطوي عليه هذا الفيلم هو في طرحه المغاير للموضوعات النمطية السائدة التي لا تخرج عن أطرها المألوفة، فهذا المخرج يؤمن إيماناً قاطعاً بقوة الإبتسامة وقدرتها السحرية في مواجهة الحروب والكوارث والمواقف المؤسية، كما أنها وسيلة عظيمة للتقارب بين الشعوب. ولعلنا في النهاية نستطيع أن نتلّمس اللمسة الفلسفية البسيطة التي تقول بأننا نبدو متشابهين، نحن البشر، حينما نبتسم! فالإبتسامة هي السر الكبير الذي يعوّل عليه صنّاع الفرح في العالم.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غونتر غراس يعترف. . ولكن بعد ستين عاماً
- كاسترو يتنحى عن السلطة مؤقتاً، وراؤول يدير الدكتاتورية بالوك ...
- رحيل القاص والكاتب المسرحي جليل القيسي . . . أحد أعمدة - جما ...
- برئ - ريهام إبراهيم يضئ المناطق المعتمة في حياة الراحل أحمد ...
- الروائية التركية بريهان ماكدن: المحكمة حرب أعصاب، وعذاب نفسي ...
- تبرئة الروائية التركية بريهان ماكدن من تهمة التأليب على رفض ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النها ...
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي: لا أؤمن كثيراً بالحدود التي ت ...
- بيان قمة الدول الثماني الكبرى يُنحي باللائمة على القوى المتط ...
- المخرج الإيراني محمد شيرواني للحوار المتمدن: السينما هي الذا ...
- كولم تويبن يفوز بجائزة إمباك الأدبية عن رواية المعلّم
- العدد الثالث من مجلة - سومر - والإحتفاء برائد التنوير التركم ...
- الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغ ...
- باسم العزاوي الفائز بالجائزة الذهبية يتحدث عن صناعة الصورة ا ...
- اليميني المحافظ فيليبي كالديرون، زعيم حزب الحركة الوطنية
- الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات ف ...
- عازف العود المنفرد أحمد مختار: الموسيقى من وجهة نظري عنصر أس ...
- أسبوع الموسيقى العراقية في لندن


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - درس خارج المنهاج: أخبرنا عن حياتك - للمخرج الياباني كيسوكي سايتو-