أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات















المزيد.....

محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات


ناظم ختاري

الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 11:02
المحور: حقوق الانسان
    


بيننا وبين عام 1988 ما يقارب عقدين من الزمن مليئان بآلام مرة وحسرات تعتصر القلوب وأحيانا ببعض الأمل الذي لم يتحقق لذوي العوائل المفقودة في تلك الفترة عندما أرتكب نظام البعث جريمته القذرة تحت أسم عمليات الأنفال.

أن الكتابة عن هذه العمليات التي نفذتها قوات النظام البائد في كوردستان وفضحها تعتبر مهمة نضالية تكميلية وضرورية لكل من عاصرها أو شاهدها أو سمع عنها وخصوصا أبطال قوات البيشمه ركه والأنصار الذين حملوا السلاح لمقارعة الدكتاتورية البغيضة والتي سيمثل بعض رموزها أمام محكمة الجنايات الخاصة المشكلة وفق القانون في الأيام المقبلة وسيوجه الادعاء العام في هذه المحكمة تهم قتل الآلاف من المواطنين الأكراد في أحداث وعمليات الأنفال في مناطق مختلفة من كوردستان إلى هؤلاء رموز الدولة العراقية البوليسية البائدة ، وبذلك فإنها تعد أيضا أي الكتابة عن هذه العمليات مساهمة فاعلة في تقديم أدلة دامغة ضد هذا النظام وقادته لإدانتهم ونيل جزاءهم جراء ما أرتكوبوه من جرائم بشعة خلال هذه الفترة . راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد الأبرياء والعديد من المناضلين الشجعان في سبيل الحرية من الأنصار والبيشمه ركه وعوائلهم ، عشنا معا حاملين السلاح ضمن قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي نعاني قسوة الحياة وخطورة الأوضاع في وديان وجبال منطقة (به هدينان) التي كانت آخر محطات أنفال السلطة الهمجية .

تجولت وعانيت في قرى هذه المنطقة وخصوصا في منطقة جبل (كارة) لسنوات عديدة مع عدد كبير من رفاق دربي الذين لازالوا على قيد الحياة يواصلون مسيرتهم ويعون تماما أن هذا الوطن المستباح لما يزل بحاجة إلى صلابة مواقفهم الوطنية الصائبة ، ويعيش العديد منهم في الشتات والآخرون في زوايا مختلفة من الوطن الجريح يتقاسمون معه ويلات المفخخات والقتل على الهوية والحرب الطائفية والتدمير الهمجي لكل شرايين الحياة فيه .

وما سأضعه بين أيدي القراء هنا ليست مذكرات بقدر ما هي مشاهداتي الشخصية لازالت الكثير من أحداثها المهمة تتراءى أمام عيني رغم طول الفترة التي تفصلني عنها والتي استطاعت أن تحجب بعض هذه المشاهدات عنها . التي تتحدث عن حصار وقتل ودمار ومعانات الجماهير والأنصار من جوع وعطش وخوف إلى جانب الإصرار والعزيمة واقتحام الأخطار المحيطة بنا وما إلى ذلك .

وفي الواقع هناك أسباب عديدة دفعتني لرواية هذه المشاهدات للقراء الأعزاء رغم بساطة تناولها ، لعل أبرزها هو حجم الماسات التي تتضمنها هذه المحطات من الأنفال من قتل ودمار وضرورة تقديمها كأدلة و شهادة عيانية ضد قادة نظام البعث على تلك الجرائم هذا أولا ، وتذكير القيادات العراقية والكوردستانية بالعديد من ضحاياها وأبطالها اجترحو المآثر في التصدي لهذه الهمجية وضرورة تعويضهم و تكريمهم على اعتبارهم رموز التضحية والفداء والبسالة ومفخرة للعراق ولكوردستان وهذا ثانيا .

فاسر كاملة أبيدت لم يبقى منها إلا أفرادا قليلون وعوائل كثيرة انخرطت في العمل لإنقاذ أرواح المناضلين وتنظيمات حزبية تحدت جبروت السلطة ووحشيتها وخوفها الشديد ، تحركت كخلايا النحل لتقدم أي شيء في سبيل إنقاذ هؤلاء المناضلين وحققوا الكثير في هذا المجال ، ورغم هذا فأنهم لازالوا جنودا مجهولين بعيدين عن كل عناية أو رعاية أو تعويض بل يتعرضون في الغالب للضغوطات والكثير من التجريح والشماتة من لدن جبناء انتهازيون يتربعون على عرش الانتصار المصنوع بدمائهم وشجاعتهم النادرة .

وثمة حاجة إلى القول أن كتابة المذكرات في الواقع تحتاج إلى جهد لا أستطيع القيام به لأسباب عديدة ضمنها تلف الأوراق التي كنت أدون عليها بعض ما كان يمكنه أن يساعدني في نقل الصورة الأقرب للحقيقية عن الجوانب التي أود التحدث عنها والتي عشت وسط أحداثها في نفس تلك الأيام عندما كنا محاصرين من كل الجهات بوحدات الجيش العراقي المدجج بالأسلحة الكيماوية الرهيبة والتي عرفنا معناها بالملموس في حلبجة و(باليسان وشيخ وه سان وزى شين وآفوكى وكانيا باسكا )* ومناطق عديدة من (به هدينان ) ، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان أن أتذكر العديد من المواقف بجوانبها المهمة وتقديمها إلى القارئ الكريم كمذكرات، فمهما كانت ذاكرة المرء خصبة فإنها لن تكون قادرة على تسجيل تفاصيل أحداث عاشها هو وآخرون كثيرين وخصوصا في الحالة التي سأتحدث عنها وهي مأساة الآلاف كانوا يجابهون حدثا واحدا ومصيرا مشتركا وفي مكان وزمان محددان يعتري الجميع شعورا وخوفا متشابهان ولكنه ربما لم يكن متساويان بالنسبة إليهم بحكم تجربة البعض في مواجهة الموت وعدم وجود هذه التجربة لدى البعض الأخر وبحكم وجود النساء والأطفال والشيوخ تمنعهم أوضاعهم الخاصة على القدرة ومناورة هذا الخوف الجديد والغير مألوف والقادم من بغداد دائما وأبدا . ولكنهم كانوا يواجهونه بأجسادهم على نفس القدر الذي يواجه به البيشمه ركه المسلح كون ذلك السلاح الذي كان يحمله هذا البيشمه ركه لم يكن قادرا على التصدي لمواد كيماوية تنطلق من فوهة مدفع يطلقها جندي عراقي بأمر قادة فقدوا كل ذرة من الإنسانية ، ثم تهب مع الريح نحو صدور الجميع إن كان نصيرا يحمل السلاح أو رضيعا في عمر (رفين)* ، فالكل واجه هذا الاحتمال بمعرفة تامة حتى الأطفال عدا الرضع منهم الذين كانوا لا يعرفون غير صدور أمهاتهم وطنا كبيرا يقيهم من أي غدر كما كان يقيهم من الجوع أو البرد في ليالي جبل كارة العارية ، و لم يشعروا أبدا بحجم القلق الذي تحبسه هذه الصدور التي حمتهم إلى النفس الأخير .

هذا من جانب وأما من الجانب الآخر فإن وضعي الصحي لا يساعدني على الخوض مطولا في قضية كهذه علاوة على عدم وجود أية كتابات تتحدث عن القضية نفسها تحت يدي أو وسائل أخرى وثقت تلك الأيام العصيبة لأسباب معروفة تأتي في مقدمتها الحصار الذي مفروضا على القضية العراقية بصورة عامة والقضية الكوردية بصورة خاصة إلى جانب العزلة الشديدة التي أوقعتنا بها قوات الجيش و(الجحوش) *، كي تساعد المرء للخوض في مغامرة عظيمة كالتي أتحدث عنها ، ولذلك ليس غريبا إن لم يسمع أحدا بأنه كان هنالك هذا العدد الهائل من المواطنين وأبناءهم الأنصار والبيشمه ركه محاصرون في منطقة ما ، ولم نسمع نحن أنفسنا حينها سوى مرة واحدة من إحدى الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية أن هنالك الآلاف من الأكراد تحاصرهم القوات العسكرية العراقية في أحد جبال منطقة العمادية وهذا الخبر لوحده رغم إنه لم يفعل أي شي بالمرة أعطى الكثير من الأمل للمحاصرين بأن تناقل أخبارهم عبر الإعلام ربما يتلقفها المجتمع الدولي وبالتالي يسرع لنجدتهم ولكن هذا لم يحصل أبدا للأسف الشديد كما في أغلب المحن التي عاشها ويعيشها العراقيون وخصوصا الأكراد قبل أن يحققوا هذا النصر الذي يعيشون في ظله بفضل تلك التضحيات والتي كانت امتدادا لتضحيات سنين طويلة من الكفاح المرير .

ولذا فأن أمام حدث كهذا تكون كتابة مذكرات ترسم الصورة الحقيقية الكاملة لحجم وحشية النظام وهذا الخوف الرهيب والمخترع في مختبرات كيماوية من قبل نظام صدام حسين لوحده أشبه بمعجزة وخصوصا إنها مسؤولية أخلاقية تصيب الحدث ومكانه وزمانه وشخوصه، ولذا فإن ما أكتبه لا يتعدى كونه مشاهدات تعتمد على ذاكرة مليئة بآلام تلك الفترة وما بعدها إلى الآن والتي أصبحت تعاني الضعف في بعض جوانبها . ومن هنا قد أخطأ في أيراد بعض الأسماء أو بعض التواريخ أو أشياء أخرى ولكنني لم أخطأ في أن ما حصل كان حقيقة وقعت بالفعل وما أدونه هنا ليس إلا القليل جدا لأن التفاصيل تظهر عندما يكتبها عدد أكبر كونهم سيتذكرون ويتناولون جوانب لم استطع مشاهدتها أنا أو غيري ، فرغم أن بعض الرفاق الذين عاشوا هذه العمليات كتبوا عنها كالنصير أبو الفوز والنصير سلام فواز والنصير أبو ناتاشا الذي تحدث في حلقات ثلاث عن أحداث الأنفال ببعض جوانبها في منطقة كارة والتي سأتحدث عن بعض جوانبها الأخرى ، فإنها لازالت بحاجة إلى المزيد من الكتابات .

أرجو أن تكون هذه الكتابات مع محطاتي المتواضعة تحفيزا للمزيد من رفاقي الآخرين وأصحاب الذاكرة الحية من أبناء تلك القرى وشبيبتهم على تدوين هذه الصفحات المأساوية من تاريخ منطقتهم التي روت أرضها دماء أبناء العراق من أنصار ومناضلي الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الكوردستانية من مختلف الأعراق والأطياف دون أن يكون هنالك أي شعور بين هؤلاء جميعهم بأنهم ينتمون إلى هذه الطائفة أو تلك أو هذا العرق أو ذاك، كلنا كنا نتحمل نفس القدر من المسؤولية الأخلاقية في داخله تجاه هذه البشاعة في جانب التصدي لها وعدم الرضوخ لقوانينها رغم المعرفة التامة بأن أخف عواقب هذا الموقف هو الموت لو لم تكن هنالك معجزة تحرر المرء منه ومن رياحه الصفراء التي أصبحت تهب في أكثر من منطقة بكوردستان.

- (باليسان وشيخ وه سان وزى شين وآفوكى وكانيا باسكا )*قرى ومناطق تتواجد في به هدينان وسوران تعرضت إلى ضربات بالأسلحة الكيماوية .

- (رفين)* ابنة النصير الشيوعي صبحي خضر حجو (ابو سربست ) كان عمرها 45 يوما فقط عندما فقدت مع أفراد عائلتها في هذه العمليات .

- (الجحوش)* وحدات عسكرية غير نظامية تتشكل عادة من العشائر الكوردية الموالية للحكومات الشوفينية في كل من العراق وإيران وتركيا وكانت تسمى في العراق بالأفواج الخفيفة وبسبب ارتزاقهم للحكومات وخيانتهم لقضية الشعب الكوردي أطلقت الجماهير الكوردية هذه التسمية عليهم .



#ناظم_ختاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناظم ختاري - محطات من أنفال به هدينان - ما قبل المحطات