أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسري حسين - الرهان على المستقبل














المزيد.....

الرهان على المستقبل


يسري حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1654 - 2006 / 8 / 26 - 07:50
المحور: الادب والفن
    


كان شاعر الإنسانية الكبير يردد بإستمرار قصائد وأشعار متفائلة , تتغنى بالحياة وبالبهجة والنماء والخير . وكانت بلاده تركيا آنذاك تحت حكم قانون الطوارئ , وقبضة رجال الشرطة الذين يسحلون المتظاهرين في الشوارع . ورفضت حكومة أنقرة الخضوع لمطالب الرأي العام في ديمقراطية غير ملوثة بتدخل أجهزة الأمن في حياة المواطنين . كان يرى في مظاهر القمع أنها زائلة , ولن تتمكن من حجب شمس الحرية , لأن الثوابت هي حقوق الشعوب وقدرتها على الشعور بالأمن والأمان في ظل القانون وليس إنتهاك سلامة المواطنين من صحفيين وقضاة ومثقفين .
كان الشاعر التركي العظيم مكبلا بقيود السجن , لكنه كان يشعر بالحرية وأنه أقوى من جلاده . وعندما ذهبت إلى إسطنبول وجدت أن نبؤة ناظم حكمت تحققت فقد إنتهى حكم العسكر وأصبح دخول تركيا إلى الإتحاد الأوروبي يتطلب الحصول على تأشيرة الديمقراطية . ومعنى ذلك أن على الدول عندما تريد الإلتحاق بركب الحضارة أن تتخلى عن قمع الناس وترويعهم , لأن ذلك ضعف وهمجية تنتمي للعصور الوسطى . والنظام الذي يقمع شعبه زائل , مهما إمتد به الأجل لأن القانون الإنساني هو أصل الأنواع مع تطور البشرية إلى الأمام وليس إلى الخلف .
وكانت روح ناظم حكمت متوثبة خفاقة بحب الحياة والجمال ولاترى في الكون إلا عناصر الحب والحرية في أعلى مراتبها . والمثقف الحقيقي هو الذي يراهن على الغد ويرى النهار حتى لو كان يعيش في ظلام القمع والتخلف والبطش التتري .
وعندما سمعت عن صحفيات تعرضن للضرب والإهانة في مصر , عدت لفتح ديوان ناظم حكمت , لقراءة أشعار الثقة فأن الغد آت , وأن نور الحرية قادم لينهي البطش والإعتداء على كرامة الإنسان المصري , الذي خرج يطالب بالقانون والعدل وحماية قضاء الوطن ورجاله من عسف الحكومة وتدخل قبضة الأمن بهذا الشكل المروع . وقد عاشت تركيا الظروف نفسها , لكنها وجدت أن الحل للإنضمام لمسيرة البشرية هو حماية مواطنيها وإعطاء الأمان للمثقفين والشعراء والكتاب .
والدولة التي تقمع أبنائها ليست قوية ولا متحضرة . وقد إنزعجت كافة الأنظمة الديمقراطية من مشهد العدوان السافر على مواطنين عزل , لا يحملون السلاح ولا يهددون قوات الحكومة , وكل ما يملكونه هو شعارات تطالب بالحرية والديمقراطية وإنهاء الإذلال .
وكان الشاعر التركي يعرف أن القمع إلى نهاية ولن يستمر مهما توحش وإعتدى على حريات الأفراد . وهذه الرؤيا جاءت من رجل مقيد بسلاسل العسكر وحديدهم . وكانت < تركيا > تعيش في ظلام الديكتاتورية وإستبداد الحاكم وعائلته . لكن ناظم حكمت بشّر بالمستقبل والشمس والحرية , وأدرك بأن الغناء للغد يعطي الأمل والعزم , وينتشل الأمم من الإحساس بالعجز والإحباط لقوة عنف السلطة وبلطجة رجال الأمن .
هذا التفاؤل , والثقة في المستقبل وحب الحياة , أشياء كانت تجعل الشاعر التركي وهو حبيس زنزانة ضيقة قذرة في سجون تركيا لا يشعر بقبح الواقع على نفسه ودمامة الظروف المحيطة حوله . لأنه كان يرى أن مظاهر القمع والسجن عارضة وغير ثابتة ومن المفروض ألا نجعلها تشوه رؤيتنا الحياتية والمستقبلية للكون .
وقد ظل ناظم حكمت الذي إستضافته السجون لأكثر من عشرين عاما يتحدث عن الشمس الساطعة والأيام القادمة التي تنبض بالحب والجمال .
والحقيقة أن هذا الموقف يعبر عن عظمة الشعراء الإنسانيين الكبار , الذين يلمسون بأياديهم جوهر الأشياء ويعرفون أن القبح العارض لن يتمكن إطلاقا من طمس ثوابت الحياة ,
وقد يرى البعض في هذا الموقف سذاجة بالغة وتخطيا لتضاريس الواقع وتجاهله من أجل التغني بالجمال المستقبلي ونسيان مجموعة الأشياء الواقعية التي نقابلها في حياتنا كل يوم والتي تترجم بطريقة بليغة , الأمور في وضعها المقلوب حيث الخير مهزوم والجمال مقبور والحق ضائع ومهدور والديمقراطية غائبة والإستبداد مستمر دون تغيير والفساد في كل مكان بجانب الفقر والحرمان .
أصحاب النظرة الواقعية المهزومة يقعون في التشاؤم لأنهم لا يرون إلا العدم والإحباط والموت والطغيان في كل ما يحيط بهم . ولعل هذه المسألة هي التي إنطلق منها الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور في بداية حياته الشعرية فدواوينه الأولى تطفح بالحزن والبكاء والمرارة , فالكون قد خلا من الوسامة والناس جارحون كالصقور وكل إنسان يحمل صليبه كظله .
إنطلق أيضا من هذه الرؤيا الشاعر السوري الراحل < محمد الماغوط > الذي تطرف في نظرته التشاؤمية , فكل شئ في نظره تعبير عن العدم والإحباط والهزيمة .
هذه النظرة المحبطة تجعلنا نقبل الطغيان على أنه قدر لا مفر منه . وتدفعنا أيضا نحو الإستسلام وعدم مقاومة الظلم . وأصحاب الطريقة التشاؤمية لا يعبرون إلا عن المحسوس الذي يلمسونه بشكل يومي , فلا يرون سوى الناس الجوف , التي ترتدي رؤوسا حيوانية , تماما مثل أبطال مسرحية الكاتب العبسي يونسكو < الخراتيت > .
وكانت أشعار < ناظم حكمت > وقصائده تراهن على المستقبل لأنه كان يعرف بشكل يقيني وثابت أن نهر الحياة كما قال الفيلسوف الإغريقي القديم < هيراقليطس > متجددة دائما وكل صباح تصب في النهر مياه جديدة .
وموقف يحمل هذه الرؤيا لا تصدمه فواجع الحاضر . وإذا كان القمع إرتفع في الأيام الأخيرة إلى درجة خطيرة , فليس معنى ذلك أنه قادر على إسكات الأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية لأن الغد لها , كما بشرنا بذلك ناظم حكمت وتوقع وهو في السجن أن تنهار الديكتاتورية التركية .
والذين يقرأون العبارات التي ينحتها المسجونون على جدران زنازينهم يرون أنها تصف الشمس والحرية وترسم الزهور وتنقش قصائد مفعمة بالأمل والثقة في المستقبل .
وهؤلاء الذين قمعهم < الأمن المركزي > وبلطجية الشرطة دائما يكتبون أشعار < ناظم حكمت > لأنها ببساطة تقول أن الغد قادم وأن الإستبداد لن يستمر والطغيان مصيره الزوال لأن الشمس تشرق بإستمرار كل صباح .



#يسري_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً حزب التطبيع مع إسرائيل


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يسري حسين - الرهان على المستقبل