سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 1652 - 2006 / 8 / 24 - 06:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعيش إسرائيل أزمة حادة, بعد وقف القتال في لبنان بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية. وسبب الأزمة ليس مادياً. فقد قام شمعون بيرس بجمع أكثر من ثلاثة مليارات دولار في الولايات المتحدة, قبل أن تنتهي الحرب للصرف على ما يُسمى "إعادة إعمار الجليل".
ولكن إسرائيل في أزمة حادة من ناحيتين, أولاً لم تتمكن أن تحقق أحلامها الوحشية من الحرب بتدمير قوة المقاومة اللبنانية وهيكليتها التنظيمية, رغم الدمار الرهيب الذي حلَّ بلبنان والذي هو بكل المقاييس, بمثابة جريمة حرب.
إنّ فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الكاملة فتح حالاً النقاش حول إداء إهود أولمرت, وهو رئيس حكومة جديد وغير مجرب وحول عمير بيرتس وهو مدني ليست له أية تجربة أو ثقافة عسكرية الذي عُيِّن وزيراً للدفاع في حكومة أولمرت.
كذلك ناقش كثيرون من الجنرالات السابقين "أبطال الحروب السابقة" الخطة العسكرية للحرب مؤكدين أن الاعتماد على سلاح الطيران كان مبالغاً فيه بشكل عنيف جداً, وقد ثبت أن هذا خطأ عسكري, فلا تُحسم أية معركة بسلاح الطيران فقط, مع أن سلاح الطيران دمّر تدميراً واسعاً ورهيباً في لبنان, ولكن الحقد البهيمي ليس بالضرورة خطّة عسكرية.
هل فشلت إسرائيل أم ربحت في الحرب؟ نحن الذين نعيش داخل إسرائيل لسنا بحاجة إلى الثقافة العسكرية حتّى نحكم على الأُمور. إذا خرجت جماهير اليهود ترقص في الشوارع محتفلة فهي إذن تشعر بالنصر, إذا بدأت تطبع ألبومات الجيش وصور القادة وتوزع في المكتبات مجاناً, فهذا دليل الانتصار. إذا انطفأ كل نقاش وتوحد الشعب في وحدة قطيعية وراء الحكومة والجيش, فهذا دليل الشعور العام بالانتصار في الحرب.
كل هذا لم يحصل ولم يحصل حتى بعض منه لقد انفجر نقاش حاد حول كل شيىء, وحتّى الجنود العائدون يتكلمون أنهم لم يكونوا يملكون طعاماً كافياً أو ماء كافياً.
ولذلك يدور النقاش الآن: هل يجب أن تُقام لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ في المحكمة العليا, لفحص كل شيىء, أم الاكتفاء بلجنة تحقيق تفحص إداء الجيش وخطته فقط.
لقد سارع عمير برتس إلى تشكيل لجنة فحص برئاسة قائد الأركان السابق أمنون ليبكين شاحاك, ولكن رد فعل الشعب ورد فعل البرلمان ورد فعل الصحافة كان سلبياً, وأطلقوا على اللجنة اسم لجنة إخفاء فضائح وقصورات عمير بيرتس.
إن كل الدلائل تشير إلى أن النقاش سوف يستمر ويتصاعد إلى أن يفرض الرأي العام على الحكومة تشكيل لجنة تحقيق برئاسة قاضٍ في العليا لفحص "كل شيىء".
وشاءت الصدف إنكشاف فضيحة تتعلق بقائد الأركان الجنرال دان حالوتس. فقد نشرت جريدة معاريب أنه في يوم انفجار الحرب وجد وقتاً للاتصال بموظف البنك لإعطاء أمر ببيع حقيبة أسهمه لأنه يتوقع هبوط أثمان الأسهم. مع انفجار الحرب.
هذه الفضيحة أيضاً لا تزال مثار جدل حاد في الصحف, وهناك مطالبة واسعة بأن يستقيل من منصب قائد الأركان.
هناك جانب آخر للأزمة الإسرائيلية التي انفجرت وتدحرجت, بعد وقف القتال فالصحف تكتب أن الولايات المتحدة قلقة جداً ومصدومة من فشل إسرائيل عسكرياً ويقال أن الأوساط العالية في الإدارة الأمريكية تسأل القيادة الإسرائيلية: إذا كنتم في الحرب مع جيش عصابات صغير هو حزب الله لم تقوموا في الواجب, فكيف تلحون طول الوقت لتوجبه ضربة ماحقة لايران نيابة عن "العالم الحر" الذي تقوده الولايات المتحدة؟
ومع أن الأنظمة العربية وقفت موقفاً متفرجاً وإلى حد كبير موقفاً مؤيداً لحرب إسرائيل على لبنان, فإن هناك خوفاً في أمريكا وفي إسرائيل, من هياج وربما ثورات في العالم العربي ضد هذه الأنظمة. هناك رأي سائد الآن في أمريكا وفي إسرائيل بأن قدرة إسرائيل على الرعب تجاه العام لعربي (وتجاه ايران) قد مُنِيَت بضربة شديدة, نتيجة الفشل في الحرب.
هناك صُدَف ليست صدفاً في حقيقة الأمر. وقد نشرت "يديعوت أحرونوت" (18/8) تقريراً حول تحقيقات بوليسية جارية مع خمسة من أقطاب دولة إسرائيل: رئيس الدولة موشيه كتساب (حول ابتزاز جنسي من سيدة كانت تعمل في مكتبه) وإهود أولمرت رئيس الحكومة (حول رشوة أخذها بقيمة نصف مليون دولار عندما اشترى داره في القدس, قبل أشهر من تسلمه منصب رئاسة الحكومة) ورئيس لجنة الخارجية والأمن وزير الشرطة السابق تساحي هنغبي (حول تعيينات بالجملة لأعوانه في الوزارة في الدورة السابقة ليدعموه في الانتخابات الداخلية للحزب), وشمعون بيرس (حول أخذ تبرعات غير قانونية عشية الانتخابات السابقة) ووزير المالية الحالي أبراهام هيرشزون حول صفقات غير قانونية, وحاييم رامون وزير القضاء بتهمة العنف الجنسي مع موظفة في وزارته.
كل هذا يقود إلى التساؤل إذا كانت الحكومة الحالية قادرة أن تواصل العمل بشكل طبيعي, حتّى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة. وهذا مشكوك فيه. فهناك صراع حاد داخل حزب العمل للإطاحة بعمير بيرتس كرئيس للحزب وطبعاً للإطاحة به كوزير للدفاع. وهناك رأي يزداد اتساعاً بأن أولمرت ليس قادراً أن يكون رئيساً للحكومة خصوصاً في زمن العواصف. وهناك بالطبع انتقادات حادة لقائد الجيش والمطالبة بإقالته.
الحقيقة أن الأزمة أعمق, فحزب "قديما" الحاكم, هو حزب على الورق. أسسه شارون من أنصاره في الليكود عندما قام بالانشقاق. حزب بلا فروع, بلا سِجِّل للأعضاء, بلا أيديولوجيا, بلا كوادر, ربما كان يُمكن أن يعمل تحت رئيس قوي مثل شارون أمّا مع أولمرت, فإن الحزب يبدو كرتونياً. شكلياً, بلا جذور, وبلا قاعدة شعبية.
عندما يكون رئيس الدولة في ورطة ورئيس الحكومة في أزمة ووزير الدفاع في محنة والشعب في شعور عام بالهزيمة, فإن إسرائيل كمجتمع وكنظام تبدو في أزمة.
هناك من يقول إن بنيامين نتنياهو رئيس الليكود ليس معنياً بقيادة الحملة. وتصعيدها ضد حكومة أولمرت, لأن الشعب لا يثق به أيضاً زعيماً. ولكن إذا قررت الكنيست تشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة قاضٍ فأن هذه اللجنة سوف تقود إلى نقاش عام واسع, إلى نزع ثقة عام من الحكومة وربما إسقاط أولمرت وعمير بيرتس عن منصة الحياة السياسية, وإعادة تشكيل للخارطة السياسية مع زعماء جدد (وربما جدد قدامى مثل إهود براك)
إن الأزمة العامة في إسرائيل ليست أزمة فشل الأشخاص في القيادة, ولكن يُسْأل السؤال المصيري, هل بإمكان إسرائيل أن تظل تلعب دور البلطجي في حارة الشرق الأوسط, وكيلة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
الشهور القادمة سوف تُعطي أجوبة على الأسئلة الكثيرة والهامة المطروحة, بعد الفشل في حرب لبنان.
#سالم_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟