أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعاد لومي - خانجية ببدلات افرنجية..السياسي والثقافي من يقود الآخر؟















المزيد.....


خانجية ببدلات افرنجية..السياسي والثقافي من يقود الآخر؟


سعاد لومي

الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(إلى المثقفين العراقيين الذين ما زالوا احياء ولم يغادروا الوطن)

توطئة من خانتنا
بعد الانحطاط الحضاري للامة الإسلامية، وظهور القوى الهمجية القادمة من اواسط أسيا متمثلة ب(الخانات) المغول والتتار، تداعى البناء الحضاري الهش للأمة، وانهارت معظم معالم العطاء الإنساني فيها على مستوى الفكر وتنظيم الري وانشاء المدن والمدارس ودور العبادة. لتدخل الامة في خانق طويل ومظلم تداعت فيه الثقافة والحضارة إلى أقصى حدّ ممكن وتقوضت فيه عوامل الدولة نهائيا. وشاع ما يعرف بادب المرحلة المظلمة الذي بقي في حدود وصف الأشياء اليومية بلغة سمجة خشيبة تقليدية دون ان يدرك هول الفاجعة التي حلت بالامة من جميع الجوانب منذ سقوط بغداد الاول عام 1258م.
وكثرت بعد ذلك (الخانات) حيث انقلبت الدلالة في عقل الامة المنهارة من اللقب العسكري إلى مجرد مكان يقع على طرق القوافل يمكن الركون إليه من الهجير اللاهب وريح الشتاء القارصة. ولذلك فقد ظهر لدينا اصحاب الخانات من مختلف الملل والنحل لأستقبال القادمين. ونسي الخانات الجبابرة من المغول والتتار فكل ما تبقى منهم محض أبنية متهالكة على طريق القوافل. ثمّ انتقلت حياة الخانات إلى المدن حيث يمكننا ان نجد ثمة (خانات) لتجار هنا وهناك من العراق لتخزين بضاعاتهم. واصبح لقب(الخانجي) هو من يستوفي النقود لقاء المبيت لليلة او ليلتين من المسافرين غالبا. والخانجية الآن لما تزل قائمة على الرغم من زوال معظم الخانات القديمة تقريبا.
خانجية جديدة على نمط قديم
ولعل من نافل القول السائد، أن نحدد الوضع الثقافي في العراق بمستوى التطورات السياسية المتلاحقة المبنية على مفهوم (الخانجية) القديمة التي تتخذ في شقها العملي طابعا سلبيا غالبا. لذلك فإن المشكلة الاساسية للثقافة في العراق الآن لا تكمن في وزارة الثقافة وحدها، ولا في طبيعة المؤسسات التابعة لها، ولا حتى في نوعية (الوزير الخانجي) الذي يتولى هذا المنصب تحديدا سواء كان ينتسب إلى سلك الشرطة، او إمام جامع، أوحتى بائع خردوات أيضا؟ فأزمة الثقافة العراقية في واقعها اوسع من ذلك بكثير.. إنها أزمة طبقية واخلاقية وتاريخية بالدرجة الاساس قبل ان تكون ازمة وطنية في مخرجاتها النهائية والعملية.
كان جلد الفاشية السابقة قد تهرأ بفعل عسكرة الدولة والمجتمع، فقد مثلت في ادق صورها حالة الاصطفاف الواحد، والحروب الخاسرة التي خيضت هنا وهناك دون ان نجني من وراء ذلك غير مزيد من الفضح اليومي للمأساة الإنسانية. وكذلك الانهيارات الاقتصادية المتواصلة للطبقة الوسطى، وسحق الطبقات الشعبية الفقيرة حدّ العظم حتى بات من الصعب على عرّابي الفاشيات العراقية المتلاحقة تغطية العورات المتقيحة والمدماة للحياة الثقافية العراقية على الرغم من جميع محاولات التزويق التهريجي.
وهاهم اليوم: فاشيون جدد من طراز آخر يُفرّخون (خانجيين) على نمط جديد، وفصال بليد، لحزم الامر تجاه قضايا جديدة قديمة تتمسك بها معالم (ثقافة) أقل ما يقال عنها انها (خانية) وهي تجر اذيال ماضويات لم يعد لها مكانا إلا في ذهن السياسي فقط. في وقت تراجع المثقفون من جديد وعادت اقلامهم إلى جيوبهم الخاوية.
اما معالم الفاشية الجديدة (الخانجية) متمثلة بالتكفيريين والطائفيين والعرقيين فقد اصبحت هي القوة السائدة بدلا عن ثقافة إنسانية تعمل على بناء الحياة. ربما تسجل هزيمة اخرى للثقافي بوجه السياسي العنيف مرة اخرى، فتضاف إلى سلسلة الهزائم الكثيرة التي ورثها الثقافي منذ عصر النهضة الفكرية العربية عام 1850 وحتى يومنا هذا.
وتكمن الهزيمة من جديد في (كسل) ظهور تيار وطني أو إسلامي توحيدي يمكن أن يقلل من شأن هذه الجماعات التي لا تمتلك قاعدة أجتماعية مهمة، وهي تلجأ إلى العنف لتوكيد أهدافها التقسيمية غالبا. تماما كما كانت جماعات العسكرتاريا السابقة التي قادت الامة من هزيمة إلى اخرى على التوالي بفعل خانجية خاكية من طراز آخر أيضا.
وعلى الرغم من ان الفاشيات الجديدة (الخانجية) أقلّ شأنا من سابقتها، وأن عمرها هو الاقصر في أغلب الظن، وعرّابوها الجدد أقل أهمية في جميع الاحوال. لكننا نحتاج الى فضح عوراتها من جديد. ومن أجل التشخيص الأولي يمكننا أن نجد في الوقت نفسه إمكانية أن تتخذ تلك الفاشيات شكلا (شرعيا) يصعب إزالته بالمساحيق الكلامية وحدها.
لقد تراجع المجتمع العراقي اجتماعيا و ثقافيا وسياسيا وأقتصاديا إلى حدّ بعيد, في وقت كان يصنف في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي باعتباره من المجتمعات المتحضّرة نسبيا في الشرق الأوسط. لكن الحروب والحصارات والاحتقانات الحالية قد صنفته في خانة المجتمعات التي تعاني من (ازمة الهوية) اكثر من أي ازمة اخرى. وبعد ان حول الخانجيون المتعددون الجدد بوضع يافطات خاناتهم القديمة.. على مشروعات يراد لها ان تكون (حضارية) أيضا. فسؤال: من نحن؟ وماذا نريد؟ وإلى أين المسير؟؟ فيتوجب على العراقيين الاجابة عن كلّ تلك الأسئلة وغيرها في الوقت الحاضر قبل فوات الاوان في هذا العصر الخانجي الذي يلجون فيه.
ويعود ذلك التراجع للثقافي إلى الهجمات المتعاقبة للعسكرتاريا المنظمة (الخانات الخاكيون من ذوي أصحاب النجوم غير الزاهرة) على النظام السياسي، ومن ثمّ الاستيلاء على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بالرشاش والمدفع، وما رافق ذلك من انحطاط مستمر لقيمة الإنسان العراقي في نظر نفسه وفي نظر العسكرتاريا - ايضا- التي أعتبرته رقما قابلا للاحتراق في أي وقت من أجل شعارات عاطفية غير قابلة للتحقيق، ورغبة الخانجيين الجدد في تحقيق الهدف نفسه أيضا. فالاستيلاء الخاني والاستحواذ الوحشي هي الحالة السائدة لعموم الخانجيين القدماء والجدد على حدّ سواء.
ثقافات خانجية هجينة
ومن الغريب حقا ان يحاول (البعض) من المثقفين الخانجيين الجدد او المحسوبين على صفوف الثقافة الخانجية أن يعمل على تكريس الثقافات العرقية والطائفية والدينية باعتبارها مظاهر سياسية؟ وهو ألد الخصام..وهو يرتدي بدلات افرنجية هذه المرة.. دون ان يدري ان مجمل الثقافات المحلية الموروثة لا تكون في ادق حالاتها صورة حقيقية عن مستقبل المجتمع وتطلعاته الحضارية، وما هي في مضمونها النهائي غير رؤى ماضوية تصلح للتأمل والنقد الدائم اكثر من كونها تابو كبير لا يمكن المساس به. فالحالة الثقافية البناءة لا تنطلق إلا من حالة نقد للماضي والحاضر وهي لا تقدس إلا كرامة الإنسان وحرياته.
ومن هنا فالقضية الأساسية المتعلقة بالثقافة كمنت في طبيعة البناء الثقافي والاجتماعي والسياسي النامي للمجتمع نفسه، وتحوله إلى حالة العسكرة الكاملة مما يتيح الفرصة من جديد إلى ممارسة عسكرات جديدة أيضا. فإن تكوينات معينة لما تزل فاعلة من النظام القديم وهي تشغل مساحة من الوعي الفردي واللاوعي الجمعي، كما انها لا تنفك تؤتي قدرتها على التماثل والاصطفاف والأصطباغ وضرورة السير معا للجماعات المختلفة. هاهي ثقافة الواحد تطل برأسها ثانية على هيئة (واحدات صلبة وعنيفة خانجية) هذه المرة. فهل من تشخيص علمي لها؟
فضلا عن ذلك، فإن سياسات القمع المتواصلة التي مورست ضدّ النخب المثقفة والمتنورة بروح الخانات المغول في المجتمع العراقي في ظل النظام السابق قد وضعت (الحالة الثقافية) في محل التابع الدائم للأحداث السياسية خاصة، وما يرافقها من تحولات من النقيض إلى النقيض احيانا مما اوقع هذه النخب غير النامية تماما في فخّ (الموالاة الخانجية) مرة اخرى. في وقت نرى ان الحالة الثقافية يمكن ان تنتج وتسهم في بناء الحالة السياسية إلى حدّ بعيد بعيدا عما يعرف بحالة الأدلجة الفارعة لمصادر القوة السياسية.
كما مورس في الوقت نفسه مدّ عاطفي آخر من الشعاراتية والتطبيلية تجاه القضايا الساخنة (القومية) وقضية فلسطين ولبنان خاصة للعمل مرة اخرى أيضا لتعويق مجمل محاولات التطوير والعمل نحو مناهج تتيح نوعا من الحريات الفردية والعامة. فكان ان ظهر ثانية أسلوب (التخوين) وهو العملة الرائجة وقتذاك، وفي هذا الوقت أيضا، وكما هو سائد الآن من أساليب (التكفير) و (الردة) و ( الخروج عن الاجماع) فليس ثمة فروقات كبيرة بما يتعلق بسياسة (الحضيرة الواحدة) عما سبق القيام به من قبل.
كانت الأنظمة الفاشية السابقة في العراق قد عملت على وضع الثقافة في خانة خدمة المشروع السياسي دائما. وهي لم تتورع عن استمرار النظرة الدونية للثقافة عموما باعتبارها نوعا من التهريج العام او جعجعة الكلام الفارغ. هذه التوجهات لما تزل قائمة حية وفاعلة حتى بعد تغيير النظام الفاشي أيضا من قوى خارجية. فتقاليد النظام السابق مازالت تلقي بظلالها هنا و هناك. ومازال عدد من السياسيين العراقيين الجدد ينظرون إلى الثقافة على أنها مجرد مجموعة من فنون الكلاميات: الصوتيات والصوريات والخزعبلات غالبا غير المؤثرة إلا في أوساطها، وأن وزارة الثقافة هي وزارة تافة..
ومن الغريب ان هذه النظرة قد صاحبت (هؤلاء) بعد ان عاش قسم منهم في الغرب، وتعلم كيف يكون المجتمع ليبراليا، ونظر بعمق إلى أهمية الثقافة في البنائين الاجتماعي والسياسي. لكن تفسير ذلك بطبيعة الحال لا يعود إلى جهل (أولئك) بتلك المجتمعات المتقدمة بمقدار أهتمامهم بتحويل وجودهم في العراق إلى مشروع (ربحي) مؤقت من اجل المنافع الشخصية البحتة. ولذلك ف(هم) غير معنيين بما يمكن أن يعود بالنفع العام على المجتمع العراقي المعرض للتقسيم والتمزق اكثر من أي وقت مضى بفعل الأعمال المشينة التي يقترفها قطاع مهم من السياسيين العنيفين، وشبه غياب دائم لفاعلية السياسي السلمي، أو عدم قدرة القطاعات السياسية الاخر المناوئة إعلاميا للتقسيم على انتاج مشروع حضاري مضاد في الأقل لأفتقارها إلى الثقافة عموما وإرادة التغيير الحقيقية أيضا.
ومن هنا تتأتى اهمية ماهو ثقافي في تصويب النظرة والكشف عن الطروحات المعيبة. فإن ما هو ثقافي قد تحول بطبيعة العمل إلى ما هو (دعائي) غالبا، مما حال دون التوصل إلى تطور مهم يتعلق بتنوير ما هو سياسي بعد ان وقع السياسي في فخاخ الفاشية الخانجية من جديد. ولذلك فإن عملا يوميا ودؤوبا قد يكمل مشوار العزل الآني بين ما هو ثقافي وما هو سياسي من اجل توضيح الأطر القادمة في الأقل. إنه عزل فني بطبيعة الحال ولا يمكن ان يكون طلاقا في النهاية. فالسياسي والثقافي متلازمان ولكنهما غير متحدين دائما.
كانت التربية الاشتراكية - من خلال احزابها وجماعاتها الثقافية في العراق - قد عملت في الجانب الآخر على تحويل ما هو ثقافي إلى خدمة ما هو سياسي أيضا في مشروع تعبئة الجماهير نحو القضية الطبقية، وما عرف وقتئذ بالتحرر الوطني من الأستعمار. وعلى الرغم من ان الطبقات الاجتماعية لم تكن متبلورة على نحو واضح آنذاك حتى يكاد العراقيون ان ينقسموا إلى طبقتين رئيستين: المستبدّون والمستعّبدون، لكن تلك التوجهات بقيت تمارس الضغوط على ما هو ثقافي لأدلجته ووضعه في حضيرة الدجاج الحزبي المريض بالخناق.
وكذلك يتعلق الامر نفسه بالتربية القومية العربية والكردية أيضا، حيث جرى تهميش دائم لما هو ثقافي ووضع احيانا في خانة العدو الرابض.. فأصبح المثقفون العراقيون بموضع المتذمرين الدائمين من مختلف الأوضاع دونما وجود بديل واضح. مما اوقعهم في خانة الرافضين الدائمين لكلّ أشكال محاولات التغيير السياسية. ويبدو ان الحالة لما تزل تمارس على الطريقة السابقة نفسها أيضا.
أجل، ان المثقفين العراقيين غير راضين عن مختلف الأنظمة والنظم السياسية القديمة والحالية، ولا يعود هذا الوضع إلى الطريقة التي يتعامل بها السسياسيون مع المثقفين او العكس، بمقدار غياب الحريات العامة والفردية لعموم المجتمع العراقي التي لا يعمل اولئك السياسيون على الترويج لها من خلال تصرفاتهم العملية، ووضعت كديكور لازم في بعض البرامج الهشة لبعضهم. ومن ثم الحؤول دون ظهور رأي مغاير لعموم ما هو قائم، ناهيك عن طريقة تحويل قطاعات من أنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين الخانجيين إلى طبالين أيديولوجيين جدد. إن هذه الحال تثير حنق العاملين في ميدان الثقافة دائما باعتبارها الهوية (الوحيدة) التي تمثلهم اجتماعيا وإنسانيا.
ففي الوقت الحاضر تعدّ المعادلة بين ماهو ثقافي وما هو سياسي معدومة وهي لم تتغير كثيرا بمقدار تغير الأقنعة الحاكمة والمستحكمة. وهكذا فقد غيب ما هو ثقافي عن ساحته إلى حدّ خطير، وخاصة في العقود الاخيرة من حكم النظام السابق، وما تبع ذلك من مرحلة لما نزل نعيشها بعد سقوط النظام الدكتاتوري أيضا. ولم يلق المثقفون غير فسحة صغيرة للعمل الذي كان جلّه يقع في مخططات النظام نفسه حيث يتمّ توجيه كلّ شيء نحو ترسيخ حالة واحدة دائما : تقديس السياسي حتى يرقى إلى مستوى الديني.
وربما يعاد السيناريو نفسه في تقديس ما هو سياسي مرة اخرى بطريقة اخراج أخرى حيث يتوزع المقدس على أقطاب السياسة هذه المرة. فتراث العراق الثقافي في مجمله هو تراث سياسي بالدرجة الأساس، وقليلا ما حظيت القضايا الاجتماعية والثقافية وحتى الاقتصادية الملحة باهمية تتوازى وضرورتها بسبب غياب الثقافي عن الساحة ومصادرة حريته الفردية والجماعية او مصادرة هامشها الذي منحه اياها المحتل كديكور إعلامي يبرر الاحتلال..
ثقافة من اجل السلم الأهلي
يعدّ مفهوم السلم الاهلي جانبا أساسيا ومهما في سلّم السلم الاجتماعي. فمن البدهي ان تكون حالة السلم الدائم الداخلي والخارجي من اهم معالم التحضر في البلدان النامية والمتقدمة. لا يقبل الخانجيون بالسلم لأنه يعمل ضد مصالحهم ويمهد لأفول نجمهم. لكن الاوضاع التاريخية تحدد ان حالة السلم عموما يتهددها القلق الدائم في المجتمعات المتخلفة التي لما تزل تعاني من غياب دولة المؤسسات والقانون وظهور النظم الديمقراطية.
يعمل الثقاقي دائما على ترسيخ قيم السلم الأهلي، ولذلك يجري تغييب الثقافي غالبا وبقسوة خانجية لكي لا يتصدر عملية التغيير، وحتى لا يقع السياسي في تهميش قبالته. تبدو الحالة وكأنها (صراعا) دائما يخسر فيها الثقافي ويمنح مواقعه بلا قتال.
ويقوم المجتمع المدني بمهام أساسية و خطيرة على مستوى حفظ السلم الاهلي، فليس ثمة بلاد يتهددها عدم الاستقرار مثل البلدان التي خضعت للانظمة الدكتاتورية، حيث يكون زوالها أخطر على الشعوب من بقائها لما تخلفه من مشكلات كامنة وصعوبات تحت الرماد لعموم السكان فضلا عن دعمها الدائم للقوى المستبدة التي تجد لها متنفسا في ظل الدكتاتوريات المختلفة البديلة. وهي على الدوام تحاول ان تجد لها طريقا للعيش من جديد في ظل متغيرات شتى. ومن هنا فإن تشخيص حالة القوى الرافضة للتقدم الاجتماعي يعد ضروريا كما أن عزلها عن تيار الانتقال مهم جدا حيث تتساقط اوراقها بمرور الأيام. فهل يستطيع الثقافي المهمش والمبعد القيام بذلك؟!
ولذلك فإن شيوع ظاهرة قيادة السياسي لعموم مفاصل الحياة تبقى قائمة حتى بعد أنهيار النظام الدكتاتوري أيضا، حيث تشيع الجماعات والقوى التي تعمل على استعادة روح الاستبداد من جديد. فإن من الطبيعي ان نجد ثمة مظاهر كثيرة تبقى عالقة في مرحلة الانتقال إلى المجتمع الحرّ تتمثل بهذا المقدار او ذاك في جماعات العنف التي لا تجد لها مكانا في حالة سلمية مستقرة حيث يقف سوقها عن العمل تماما وتفقد مصالحها.
وتتصدر ظاهرة العنف في العراق والشرق الاوسط عموما قائمة الامراض والمعاضل والمشكلات القديمة والجديدة. وإذا كانت ظاهرة العنف تحت الرماد في السابق فإن عصر الاتصالات وعالم مابعد الحداثة الكونية والعولمة لم يعد يسمح على العموم بتغطية مجمل أشكال العنف في الداخل. وبات من الممكن للبشرية أن تعرف أدقّ التفاصيل عن جريمة قتل طفل في مدينة اميركية، فما بالك بجرائم قتل الاطفال العمدي والجماعي في العالم العربي التي يجري تهميشها يوميا حيث يقف الثقافي حائرا حزينا إزائها تداعب شعره المشعث ريح سوداء؟
وبما ان السياسي يجيز العنف في الدفاع عن نفسه خاصة في منطقة الشرق الاوسط ، لذلك يجد الثقافي نفسه في تقاطع ساخن ضده دائما، غير ان وسائل التعبير للثقافي محدودة دائما وهي بيد السياسي دائما، لذلك يربح السياسي معركته، ويتقوقع الثقافي مهزوما على ذاته في عملية ماسوتشية بائسة.
يرغب السياسي العنيف حينما يجد في تواصل مصالحه مع حالة عدم الاستقرار إذ تتحلق حوله الجماعات الراغبة بالعنف من اجل الحث على هيمنتها الاجتماعية. ولذلك فإن الصعوبات التي تواجهها القيادات السياسية والدينية تقع غالبا في ضبط العنف الذي تمارسه الجماعات التابعة لها. ومن هنا نجد ان معظم عمل السياسي ينصبّ على تحويل مسار تلك الجماعات إلى حالة (الطاعة الخانجية) فيوصفون بالجهل تارة والمروق والتبرئة من أعمالهم أخرى.
بيد ان مثل تلك الحالة لا تبرر القيام بالاعمال المشينة على أية حال. ولذلك لا يجد السياسي الخانجي حرجا في نفسه من الإعلان عن مثل تلك التبرئات من حين لآخر؛ لأنه في الواقع غير محكوم على نطاق كبير بقواعد اخلاقية أو شرعية، وهو غالبا ما يبرر ذلك باعتبارها عوامل لعناصر مندسة او غير منضبطة، ويكفي إعلان التبرؤ منها للخروج من (الازمة الاخلاقية) التي تخلفها بفعل اعمالها اللاإنسانية. فالسياسي غير معني بطبيعة العناصر المنتمية اليه وتاريخها الشخصي بسبب الصراع على الكسب الآني دون النظر إلى النتائج الخطيرة من وجود ما يكفي من قوى عنيفة بين صفوفه. كما ان كثيرا من انواع السياسي قد تربى على العنف في عهد ما يعرف بالمعارضة ضد النظام السابق مما يوجب إعادة النظر في وسائله. وهذا ما لم يحدث على نطاق واضح في المدى المنظور.
وتكون جماعات العنف المرتبطة بالسياسي (طبقة طفيلية خانجية) تمتهن الموت والترهيب وتعلن عن استعدادها بالتضحية الدائمة ليس من اجل المباديء غالبا بل من أجل المكاسب المادية او الهيمنة الاجتماعية المحدودة. ويجد الثقافي نفسه مشغولا في تحديد الأهوال التي تواجهه أكثر من العمل على محاولة التخلص منها, لقلة الوسائل لديه, وعدم توفر الحماية اللازمة له من الدولة التي يتربع فيها السياسي العنيف بدرجة كبيرة.
ومن هنا فإن الثقافي يلجأ إلى الدفاع عن الطبقات الفقيرة التي يقع عليها العبء الاكبر دائما بسبب أخطاء السياسي الخانجي، ويترتب على الثقافي من المهام الأخلاقية ما لا يترتب على غيره في هذا المجال من اجل فضح الخروقات اليومية لحقوق الإنسان وطعن الشرعية في أبسط مفاهيمها من السياسي العنيف.



#سعاد_لومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجالات دولة العراق: اين أنتم؟؟
- ماذا تفعل يا حسن نصر الله؟
- منضدة رمل لرئيس البرلمان العراقي
- هاللو معارضو الميكرفون
- محاولة لقاء بابا سيستاني
- الحزب ( السيوعي) العراقي
- دعاء الجرذان
- بعد الزرقاوي حان الوقت لتلقين الشيعة درسا
- من ذبح العجوز ام بطيط؟
- الجنس: هذا التابو الكبير.. حوار مع الشيخ القرضاوي
- من يخدم الاحتلال الاميركي؟ ملامح تشكل القوى الدينية والدكتات ...
- الداعية الخطيرة
- حكومات مثل بول البعير
- البكاء في المرافق
- تحررنا من دبش


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعاد لومي - خانجية ببدلات افرنجية..السياسي والثقافي من يقود الآخر؟