|
تأملات في * حارس الكآبة
أحمد محمد النهير
الحوار المتمدن-العدد: 1648 - 2006 / 8 / 20 - 10:46
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
/ كتب بخط يده في رأس الصفحة الأولى عبارة الإهداء : لنحرس الكآبة معاً من فرح مزيّف يعيشه العالم . ثم وقع في ذيل العبارة ، رسم مستقيماً كبيرا مع إنكسارين متضادين في نهايته على شكل مزلاج ، رمزية العبارة ، وشكل التوقيع ، عنصران أساسيان يشكلان ملامح بوابة السجن الكبير، و يرسمان أبعاد الواقع المقهور خلف قضبانه في جغرافية المكان ، وانعكاسات تشظي البيئة الفسيفسائية غير المتجانسة ، وخطر هشاشة التعايش المبطن بالكراهية ، وفقدان الشعور بالأمان ، وفقدان المساواة ، وفقدان العدل ، في زمن يسوده الاضطراب ، وتعمه الفوضى ، وترعبه قوة البطش والإذلال والتحريض ، ودعاة الفتنة ينشطون بين الأمم والأقوام والشعوب والطوائف، يصبون النار فوق الزيت . وكأن العالم أصبح على فوهة آتون تغلي حممه ، وتوشك أن تثور في كل لحظة ، ولا شك أن تأثيراتها بالغة
في تجسيد الأفكار ورسم سلوك المجتمعات المتشابكة في المكان ... أنها تراجيديا الواقع المفعم بالخوف ، والفوضى العمياء .....
قال لي لحظتها أرغب في أن أسمع منك رأياً مكتوبا فيها ... وها أنا ذا أُحاول تلبية المطلب ولو بعد حين ، مستخدماً أدواتي المحدودة ، والمتواضعة جداً في هذا المضمار، لعلني أوفق في تأملاتي المستكشفة لانعكاسات مأساة الواقع على النص ، وقدرة الإبداع على تصوير معاناة الإنسان وهواجسه ، وتحديد تضاريس الصراع الضمني / الذاتي ، الذي يعيشه المرء في داخله ، وفي محيطه الاجتماعي ، وصراعه مع الآخر ، والطقوس المستمدة من الدين والأخلاق والتربية والوعي واللغة ، ويتطلب هذا الأمر النظر في النقاط التي تشكل عناصر القصة : الحدث . الشخصية . الفكرة . النسيج القصصي .
المجموعة تضم ثمانية عشر عنواناً ، أربعة عشر منها على الأقل تقع ضمن دائرة الخوف والألم ، أو لها علاقة بهما ، القصة الأولى/ انكسار ، ترتدي حلة الألم والحرمان ، والمدخل إليها حزين وبائس ومؤلم ، حارسه جملة ملتبسة استعارها من دستويفيسكي : إنني أسجد أمام آلامك . لغتها توزعت بين السرد الإنشائي ، وصيغة المتكلم : فاحتضنك وفي قلبي تعوي ذئاب الحسرة والألم . تصوير يجسد واقع معاش تستأثر فيه ذاكرة طفولة الكاتب ، وأبعادها الاجتماعية المقيدة بأصفاد ثقيلة ،أبرزها التخلف الفكري والاقتصادي ، والانغلاق الفئوي لمجتمع تسوده أعراف وتقاليد بالية ، والسطوة فبه لقوة القبيلة والعشيرة والطائفة والدين ، القوي فيه قوياً إلى درجة الوحشية ، والضعيف فيه مغلوباً على أمره إلى درجة القهر... وفي ورود صفراء حزينة : لا تتغير الوقائع ، ويسود الأسلوب ذاته / استيقظت نوارس الحنين بداخلي صخبت ..حلقت .. وحملتني إليك حيث كنت على فراش الموت تنظر إلي بصمت وحنان / قراءة ألذات الراهنة واستحضار الذكريات الماضية وإقامة جدل بينهما في ضوء مستقبل مجهول . وفي غرباء : يستمر المشهد الحزين ، وتستمر معه المفردات ، وأدوات القص ، والاستطراد ، والإيغال في الرمزية المفرطة / ذات صباح بدأنا رحلة غريبة غامضة .. اجتثينا الدالية من جذورها .. وتساقطت الجدران الترابية على وقع ضربات قاسية لا ترحم / . وفي أول الغيث ... احتضار . يمتطي جواد أوجين غيوفيك الباكي ، ويدفعه من فوق أسوار الخيبة والقنوط ليكتشف المدينة البائسة وموتها المحتوم ،لا جدوى من محاولات الإنقاذ ، لقد تكرست هزيمة الواقع الاجتماعي ، وتداعياته الخطيرة/ لا أمل في ذلك ... المدينة تحتضر ... كأنها ترقد فوق فوهة البركان ... كل ما فيها يدعو إلى الترقب والانتظار... انتظار ممل متعب ... عيون معلقة في السماء . / وفي شجون .يهبُّ لوركا عتياً ليوزع الآلام إلى ستة مقاطع صغيرة ، يسودها جدل التحدي والاستجابة/ قلق ، وأرق ، وحنين , وموت ، وغربة ، وأمل / سداسية مخاضها الأمل : صغيراي .... أتفاءل بضحكتهما فيجتاحني الأمل من جديد .
في حارس الكآبة ، تسود اللغة الشعرية ، وتسيطر على مساحات الكلام ، وتوشك الرمزية المحببة أن ترسم ملامح القص المكثف ، لولا رياح الاستطراد المباشر التي تجتاح جمالية البناء الدرامي ، ومعمارية الإبداع المباشر في إنجاز هذا العمل الخلاق ، وتظل المحاولة رغم فوضى الترابط ، وهشاشة المعنى ، في بعض الأحيان . تجذب الاهتمام وتدفع القاريء إلى التأمل في هذا النمط الذي تخلى عن عباءة الشكل الكلاسيكي ، وتظل قصص المجموعة رغم سيطرة السحنة الرمادية على إيقاعات الحدث في مساراتها المتعددة ، ذات رؤية مؤكدة لعوامل النهوض والتغيير ....... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * حارس الكآبة ــ مجموعة قصص ــ ملكون ملكون . إصدار مركز الإنماء الحضاري ـ حلب
#أحمد_محمد_النهير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب في مجلس الأمن : استجداء خجول أم مطالبة قوية بالحقوق ..
...
-
البهلوان
-
عبودية العصر وأخلاق المتحضرين
المزيد.....
-
أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
-
ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
-
من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ
...
-
إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
-
-السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح
...
-
شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا
...
-
إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
-
جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
-
جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200
...
-
رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل
...
المزيد.....
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
-
دستور العراق
/ محمد سلمان حسن
المزيد.....
|