أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - نصر...! وأما بعد...!















المزيد.....


نصر...! وأما بعد...!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1648 - 2006 / 8 / 20 - 10:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اجتاز لبنان مؤخرا امتحانا عسيرا جدا، ربما هو الأعسر في كل ما مر به منذ اربعة عقود الى الان؛
في هذا الامتحان تضافرت كل العوامل السلبية والمضادة لاسقاط لبنان:
ـ عوامل الفتنة الداخلية، التي تم وضعها على "نار حامية" منذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وحتى الحملة غير المسبوقة ضد "حزب الله"، وما سمي نزع سلاح "الميليشيات" اللبنانية (اي المقاومة الاسلامية) وغير اللبنانية (اي الفلسطينية)، وهي الحملة التي تم "تشريعها" ودعمها دوليا بالقرار 1559، الذي ـ لجهة نزع سلاح المقاومة "اللبنانية!" ـ يعتبر تدخلا فظا في الشؤون الداخلية اللبنانية لصالح اسرائيل. وكانت الادارة الاميركية تأمل ان "تطور" ما سمي "ثورة الارز"، التي اخرجت لبنان من تحت الوصاية السورية، وهي الوصاية التي كانت مدعومة اميركيا، نحو تحويل لبنان الى محمية اسرائيلية. وقد تألفت جوقة عالمية ـ عربية ـ محلية للمطالبة بنزع سلاح المقاومة، ترأسها طبعا السفير الاميركي، وشاركت فيها قوى اليمين المسيحي والاسلامي، وانضمت اليها للاسف بعض القوى التي كانت فيما مضى ذات دور على الساحة الوطنية، مثل بعض اوساط "اليسار الدمقراطي" وشخصيات "ماركسية" مثل كريم مروة، الحائز على جائزة "الرفيق اميل لحود"، ومثل معالي النائب "الشيوعي" الحريري الياس عطالله، وبالاخص مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي اصبح شغله الشاغل دفن الرصيد الوطني ـ العروبي لكمال جنبلاط، والذي يبتعد اكثر فأكثر عن مواقعه الوطنية السابقة مطاردا دورا سرابيا في لبنان "لبناني" موهوم تريده غونداليزا رايس بيدقا رئيسيا في "الشرق الاوسط الجديد" الاميركي.
ـ عوامل خط الاستسلام العربي، الذي اخذ يتحد فيه اكثر فأكثر "معسكر الصلح مع اسرائيل"، الذي يقوده النظام المصري، مع "المعسكر العربي التقليدي" الموالي لاميركا، الذي يقوده النظام السعودي.
ـ الضغط الاميركي خصوصا، والغربي عموما، على لبنان، لفرض الاذعان عليه، تحت جميع اشكال التهديد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والامني والعسكري.
ـ واخيرا لا آخرا: المطرقة الاسرائيلية، التي لم يكن من المخطط ان تعمل لوحدها، بل بالتنسيق مع جميع اشكال الضغط والتفجير الاخرى.
وقد بدأت المعلومات الصحفية تكشف بوضوح ان مخطط العدوان على لبنان كان معدا للتنفيذ منذ اشهر بعيدة، ويبدو ان السيناريو المعد سلفا كان يقتضي:
1 ـ توجيه ضربة خاطفة لقواعد المقاومة ولجميع القرى والبلدات الجنوبية، واحتلال اسرائيل لشريط حدودي يمتد على الاقل حتى نهر الليطاني.
2 ـ توجيه ضربة شديدة موازية للبنية التحتية وللمرافئ والمطارات والمرافق الحيوية، لشل الحياة الاقتصادية تماما في لبنان.
3 ـ فرض حصار اقتصادي وانساني تام على لبنان، برا وبحرا وجوا.
4 ـ خلق موجة عارمة من النازحين، داخل وخارج لبنان، للضغط المعنوي والانساني واخيرا السياسي على المقاومة.
5 ـ شن حملة كبرى، داخلية، عربية ودولية، ضد المقاومة لعزلها وتحميلها المسؤولية عما يجري.
6 ـ تحريك "الطابور الخامس" وكل اعداء المقاومة في لبنان، للضغط من اجل نزع سلاحها والرضوخ لـ"متطلبات" التسوية الداخلية والتسوية مع اسرائيل.
7 ـ عقد مؤتمر قمة عربي جديد، لاستصدار "قرار طائف" جديد، يلزم المقاومة بالرضوخ لنزع سلاحها، ويلزم الحكومة اللبنانية (التي يشارك فيها ممثلون عن "حزب الله") بـ"فك الاشتباك" مع اسرائيل وايجاد صيغة لصفقة "سلام" لبنانية ـ اسرائيلية.
8 ـ عقد مؤتمر دولي جديد، حول لبنان، لتجديد "القرار 1559" وفرض ارسال "قوات ردع دولية" الى لبنان، لتنفيذ مثل هذا القرار.
بالاستناد الى هذا الاستقراء، يجب القاء نظرة جديدة على عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من اغتيالات ومحاولات اغتيال وتفجيرات اخرى؛ والى الانسحاب السريع للقوات السورية من لبنان؛ اذ يبدو ان الغاية من كل هذا السيناريو الجهنمي انما كانت: تفجير الساحة اللبنانية داخليا من جديد، بالترافق مع ضربة اسرائيلية لحزب الله، ومن ثم ايجاد صفقة محلية ـ اقيليمية ـ دولية جديدة حول لبنان، يكون للنظام الدكتاتوري السوري دور بارز فيها.
ولكن بالرغم من الاستقطاب السياسي الشديد بعد اغتيال الحريري والخروج السوري، فإن مختلف القوى السياسية الفاعلة، وبالاخص حزب الله، كانت على درجة كافية من الوعي الوطني انها لم تقع في الفخ المميت للفتنة الداخلية وتجديد الحرب الاهلية.
وبدلا من اندلاع النار من جديد، وبالرغم من الاحتقان السياسي الشديد، فقد جرت الانتخابات النيابية في ايار 2005، وتشكلت حكومة "ائتلافية" للاكثرية المعارضة للنظام السوري، شارك فيها ايضا حزب الله المؤيد لسوريا.
XXX
ولكن الدوائر الخارجية التي تتربص بلبنان شرا، لم تفتر تعمل لتفجير الاوضاع الداخلية، تمهيدا للضربة الاسرائيلية القادمة. ومما سجل على هذا الصعيد:
1 ــ في اوائل شباط قامت مظاهرة ضد الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية المسيئة للنبي محمد، وقد استغلت المظاهرة لمهاجمة احد الاحياء المسيحية حيث تقع مكاتب السفارة الدانماركية، وقام بعض "المتظاهرين" باحراق وتدمير مركز تجاري في المنطقة وبالتعدي غير المبرر على المواطنين المسيحيين واملاكهم. ولكن الفتنة اخمدت في المهد.
2 ـ وفي اوائل حزيران من السنة الجارية بثت قناة L B C "القواتية" ـ السعودية حلقة من البرنامج التلفزيوني السياسي ـ الساخر (ب س م ات وطن) تهزأ بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وعلى الاثر قام بعض انصار الحزب بالتظاهر وحرق الدواليب وقطع الشوارع والتعدي على مواطنين مسيحيين ومحلاتهم وسياراتهم. وقد تدارك الحزب، والسيد حسن نصرالله شخصيا، الامر فورا، ووقف بوجه الفتنة ودعا الى التهدئة.
3 ـ وعلى اثر اغتيال القيادي في حركة الجهاد الاسلامي (الفلسطينية) محمد مجذوب وشقيقه نضال في صيدا في 26 ايار 2006، اعلن عن اكتشاف شبكة للموساد في لبنان، بقيادة المدعو محمد رافع، الذي اعترف بتنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات شملت مسؤولين في حزب الله ومسؤولين فلسطينيين. وتبين ان هذه الشبكة وغيرها كانت تعد لاغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
وجاء اكتشاف هذه الشبكة ليوجه ضربة قوية الى مساعي التفجير الداخلي. ولكن هذا لم يمنع القوى المتآمرة من مواصلة مساعيها الشريرة. وقد لوحظ، بعد اكتشاف شبكة الموساد، تفاقم نشاط السفير الاميركي بشكل حثيث، لشق الصفوف الداخلية ودفعها في اتجاه تصادمي. والملفت ان اوساط النظام السوري كانت، من الجهة المقابلة، تدفع ايضا باتجاه التفجير الداخلي. وقد سجل وقوع بعض الاحتكاكات ومنها اشتباك بين انصار جنبلاط وانصار حليف سوريا وئام وهاب، سقط فيه قتيل وعدة جرحى. ولكن هذا الحادث وغيره طوق، وخنقت الفتنة في المهد.
الا ان المساعي الشريرة كانت تتواصل، بانتظار تحقيق سيناريو تدمير لبنان "في الوقت المناسب"، الذي تحدده المؤامرة الاميركية ـ الاسرائيلية.
XXX
وسواء كان حزب الله يتقصد ام لا هذا التوقيت، الا ان عملية 12 تموز التي تم فيها القضاء على 8 جنود اسرائيليين (باعتراف العدو) وأسر اثنين منهم، لاجل تحرير اسرانا، قد انتزعت زمام المبادرة من يد اميركا واسرائيل وطابورهما الخامس في لبنان. واضطرت اسرائيل الى "التعجيل" في توجيه الضربة المهيأة سلفا ضد لبنان. واتهام حزب الله بأنه هو الذي تسبب بهذه الحرب لا يخرج، في احسن الاحوال، عن اتهامات هوائية لا تستند الى اي اساس واقعي. فإن أسر الجنديين الاسرائيليين لم يكن سوى حجة سطحية لشن الهجمة الوحشية الاسرائيلية، تماما كما كانت حجة محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن في 4 حزيران 1982 حجة سطحية لاجتياح لبنان واحتلال بيروت وتنصيب بشير الجميل رئيسا للجمهورية في صيف 1982. ومثلما فضحت اسرائيل نفسها، فيما بعد، حجة محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي؛ فإنه سيأتي اليوم الذي تفضح فيه هي نفسها حجة اسر الجنديين. اما الان فلا بد من ملاحظة ما يلي:
اولا ـ ان اسرائيل، وبعد كل ما جرى، لم تعد الان تتحدث عن هذين الجنديين، كما كانت تتحدث في بداية العدوان.
ثانيا ـ لقد اثبتت تطورات العدوان ان اسرائيل، بحكومتها وجيشها، ليست دولة "شرعية" كما يحاول ان "يقنعنا" انصار "السلام الشامل والعادل" العرب، وليست سوى اداة اجرامية لتنفيذ السياسة الامبريالية الاميركية، "برضاها" او "رغما عنها". ولو شاءت الادارة الاميركية وقف الهجمة الاسرائيلية، لأوقفتها منذ الساعات الاولى. ولكن الذي جرى هو العكس تماما: فإن اسرائيل، التي تفاجأت بعملية أسر الجنديين، كانت مترددة في كيفية رد فعلها. وظهر هذا التردد بوضوح في الايام الاولى للعدوان. ولكن يبدو ان الادارة الاميركية، التي سارعت وزيرة خارجيتها للحضور الى المنطقة، اوعزت لاسرائيل بتنفيذ المخطط المرسوم سلفا لضرب لبنان. وقد استخدمت الادارة الاميركية كل نفوذها لاجل اعطاء الوقت الكافي لاسرائيل وجيشها النازي لتحقيق المخطط، فمنعت وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاول غداة بدء العدوان، والاجتماع الدولي في روما، ومجلس الامن الدولي، من اتخاذ اي قرار يتعلق بوقف اطلاق النار طيلة شهر كامل.
وفي حين كان السيناريو الاولي يقتضي قيام فتنة داخلية، تعقبها او ترفدها ضربة اسرائيلية، فبعد عملية اسر الجنديين، تبدلت الادوار في السيناريو، بحيث اعطيت الاولوية لتوجيه الضربة الاسرائيلية، كي تمهد لرفدها بفتنة داخلية.
ولهذه الغاية انقسمت الهجمة الوحشية الاسرائيلية الى شقين متوازيين:
الاول ـ كشف واستهداف مواقع حزب الله، العسكرية وغير العسكرية، وتدميرها تماما، ولا سيما في الشريط الحدودي، وتحقيق انتشار اسرائيلي في الشريط.
والثاني ـ حملة شاملة لتدمير البنى التحتية وقصف الاماكن الآهلة وارتكاب المجازر بحق المدنيين وتهجير مئات الالوف، وقد طالت الحملة مواقع الجيش وقوى الامن اللبنانية وكذلك بعض مواقع القوات الدولية المعروفة باسم اليونيفيل. وجرت هذه الحملة تحت حجة "إخلاء الساحة" للتخلص من تواجد حزب الله، الذي شنت حملة اعلامية شعواء لتحميله مسؤولية المأساة الوطنية التي حلت بلبنان كنتيجة لـ"استفزاز" اسرائيل والتفرد بجر لبنان الى الحرب.
وكان الهدف من هذا التاكتيك الحربي الاجرامي المزدوج: ايقاع الشرخ بين المقاومة بقيادة حزب الله، وبين الجماهير الشعبية اللبنانية، التي يتأطر قسم كبير منها في التيارات المعارضة لسوريا، التي يتحالف معها حزب الله.
XXX
ولكن هذا المخطط الجهنمي تعرض للفشل الذريع على ارض الواقع. وتبدى ذلك فيما يلي:
1 ـ كان القادة الاسرائيليون على ثقة بأن المقاومة تستعد للمواجهة، وتتهيأ لأي عدوان اسرائيلي جديد، منذ الانسحاب في ايار 2000. ومع ذلك فقد فوجئت القوات الغازية الاسرائيلية بدرجة استعداد المقاومة، إن لجهة التموضع والانتشار، وإن لجهة نوعية التسليح، وإن لجهة مستوى التدريب والروحية القتالية العالية جدا، بحيث ان اسطورة الجيش الاسرائيلي، كـ"قوة ردع" لا تقاوم، انهارت كبناء من كرتون منذ الساعات الاولى للاصطدام، وبدا للقاصي والداني انه لا مجال للمقارنة، من حيث الاداء القتالي، بين الجندي الاسرائيلي وبين المقاومين اللبنانيين. وبالرغم من كل ما كانت تتمتع به القوات الغازية الاسرائيلية من دعم وغطاء جوي وبحري ومدفعي وصاروخي ودروع وآليات، فهي لم تستطع التقدم الى اي موقع الا شبرا شبرا، كما انها لم تستطع الصمود في اي موقع وصلت اليه. الامر الذي كان يعني ان اي شبر تحتله سيتحول الى قبر حقيقي للقوات الاسرائيلية الغازية. واصبح هم تلك القوات ميدانيا لا تحقيق الاهداف المرسومة لها من قبل قياداتها الفوقية، بل تجنب الخسائر والخلاص بجلودها. وخلال اكثر من شهر من القتال تكبدت القوات الاسرائيلية حوالى 200 آلية، بما فيها دبابات الميركافا من الجيل الرابع التي كانت تعتبر مفخرة الجيش الاسرائيلي، وبارجتين وزورقا حربيا، و4 طائرات هلكوبتر وطائرة اف 16، و120 قتيلا ومئات الجرحى من الجنود من نخبة الجيش الاسرائيلي كلواء غولاني. وكان ذلك بمثابة صدمة سياسية وعسكرية حقيقية لاسرائيل، جيشا وحكومة ومؤسسات و"مجتمعا"، وهو ما لم تعتد عليه في اي من الحروب السابقة التي خاضتها ضد اي دولة عربية اخرى.
2 ـ ولكن الصدمة الستراتيجية الاكبر التي تلقتها اسرائيل هي قدرة المقاومة اللبنانية، بعد احتوائها الهجمة الاسرائيلية، على الانتقال الى الهجوم ورجم الكيان الصهيوني بعشرات ومئات الصواريخ يوميا، التي اوقعت خسائر بشرية واقتصادية وسياسية وبسيكولوجية كبرى في "المجتمع" الاسرائيلي. وهو ما شكل اكبر تهديد لاسرائيل منذ وجودها الى الان، وكشف مرة والى الابد هشاشة الكيان الصهيوني في حالة اي مواجهة حقيقية مستقبلية مع اي قوة جدية، عربية ـ اسلامية.
3 ـ على الضد تماما مما كان يتوقعه الستراتيجيون الاميركان والاسرائيليين، فإن الهجمات الاسرائيلية بالطيران والبوارج والصواريخ الذكية، الاميركية، ضد المدنيين اللبنانيين، وارتكاب المجازر البشعة في صفوفهم، ولا سيما قتل الاطفال والنساء والمرضى والعجزة بدون اي وازع من ضمير انساني، والهجمات ضد الاهداف المدنية كالمطارات والمرافئ والجسور والطرقات وكميونات نقل الخضار والمواد التموينية وسيارات الاسعاف والسيارات المدنية العادية التي تقل الهاربين من جحيم العدوان الاسرائيلي، ـ كل هذه الوحشية المخططة والمدروسة في الدوائر المغلقة للقيادات الاميركية والاسرائيلية، والمنفذة باعصاب باردة من قبل القتلة المحترفين في ما يسمى "جيش الدفاع الاسرائيلي"، لم تؤت النتائج المرجوة منها في تأليب الجماهير الشعبية اللبنانية ضد المقاومة، بل ان العكس تماما هو الذي حدث: فإن اللبنانيين جميعا، حتى المختلفين مع حزب الله دينيا او سياسيا، وجدوا انفسهم، في خندق واحد مع المقاومة، مستهدفين من قبل العدو الاسرائيلي وقيادته الاميركية. وحتى شخص لا يمكن لاحد اتهامه بمعاداة اميركا، مثل رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وجد نفسه "مضطرا" لان يرفض استقبال مجرمة الحرب غونداليزا رايس، طالما لم يصدر قرار بوقف اطلاق النار وانقاذ لبنان من الدمار على ايدي اسرائيل ـ الحليف الستراتيجي لاميركا. وبدلا من ان تؤدي المجازر الى تأليب رأي عام لبناني موهوم ضد المقاومة، فإن صور المجازر التي ملأت وسائل الاعلام اللبنانية والعربية والعالمية ادت الى تأليب رأي عام عالمي ضد الهجمة الوحشية الاسرائيلية، المدعومة اميركيا، على لبنان. وبالرغم من ان غونداليزا رايس اعلنت بلهجة احتفالية، في بداية العدوان، بأن ما يجري في لبنان هو "بداية ولادة الشرق الاوسط الجديد" الاميركي، فإن استمرار العدوان وفشل الاهداف المرسومة له، بدأ يهدد بإفشال كل المخطط الاميركي ـ الاسرائيلي للشرق الاوسط. وقد بلغ الامر ان الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى اعلن، في المؤتمر الفاشل لوزراء الخارجية العرب، الذي عقد في القاهرة غداة العدوان، عن وفاة ما يسمى "عملية السلام" مع اسرائيل.
4 ـ هذا الفشل المزدوج، العسكري ـ السياسي، للعدوان الاسرائيلي، كشف ضمنا فشلا من نوع آخر، هو الفشل الاستخباراتي، حيث كانت الاساطير تحاك حول قدرات الموساد الاسرائيلية والسي آي ايه الاميركية. ولكن هذه الحرب العربية ـ الاسرائيلية السادسة كشفت تماما، ولاول مرة بهذا المستوى، تخلف اجهزة المخابرات الاسرائيلية والاميركية وعجزها ليس فقط عن اختراق المقاومة، بل وكذلك عن الرصد المسبق للميول السياسية، الوطنية والقومية، الحقيقية لجماهير الشعب اللبناني.
XXX
لا شك ان ما تحقق يمثل نصرا كبيرا للمقاومة اللبنانية وللقضية الوطنية اللبنانية والقضية الفلسطينية ولحركة التحرر العربية في مواجهة المخطط العدواني الاميركي ـ الصهيوني.
ولكن من الخطأ الكبير ان يعتقدن احد ولو للحظة ان العدو، بالرغم من كل البلبلة التي تواجهها اسرائيل حاليا، سيستكين امام هذ الهزيمة. بل ان العكس هو الصحيح.
ان الادارة الاميركية والقيادة الصهيونية ومعهما كل "احتياطيهما" العربي واللبناني، هم الان كالوحش الجريح الذي سيندفع بكل ما لديه من قوة ومن امكانات لرد الضربة وللقضاء على مصدر الخطر الذي اخذ يحدق به.
ومثلما ان "معسكر" المقاومة وانصارها، اللبنانيين والعرب، سينكبون الان على دراسة مجريات ومعطيات ونتائج هذه المعركة، فإن الدوائر المعادية جميعا، بما فيها الانظمة العربية التي "كشفتها" هذه الحرب، ستنكب على دراستها ايضا، لاستخلاص العبر واكتشاف مكامن الضعف التي يمكنها منها استدراج المقاومة ولبنان الى الافخاخ القاتلة، ولتغيير اشكال القتال وليس ابدا لوقفه.
وفي رأينا ان جبهة الاعداء الدولية ـ العربية ـ اللبنانية ستلجأ من الان فصاعدا الى:
1 ـ تجنب خوض معركة مواجهة حاسمة مع المقاومة لتصفيتها بالضربة القاضية. والاستعاضة عن ذلك بالمحافظة على اجواء الحرب مع لبنان، لمنعه من العودة الى دورة حياتية اقتصادية واجتماعية "عادية"، وفي الوقت نفسه الاشتباك مع المقاومة ـ على امتداد الارض اللبنانية ـ في معارك جزئية صغيرة (على طريقة وخز الابر) لاستنزاف المقاومة، والمحافظة على اوضاع متوترة بشكل دائم في لبنان، وتحميل المقاومة مسؤولية هذا التوتر. وهذا التاكتيك يخدم العدو في دراسة ردود فعل المقاومة، والتحضير لتوجيه ضربات اشد لها، بالتدريج.
2 ـ السعي الحثيث لـ"لبننة" المقاومة، اي دفعها لأن تقصر اهتمامها على الشؤون "اللبنانية" الصرف في المواجهة مع اسرائيل، مثل مزارع شبعا المحتلة والاسرى اللبنانيين، ومحاولة حصرها ـ اي المقاومة ـ في اطر الدولة اللبنانية، والتوصل الى هدنة، ومن ثم اي شكل من اشكال اتفاقيات "السلام" بين المقاومة ولبنان وبين اسرائيل، والتخلي نهائيا عن الشعب الفلسطيني والبعد القومي للصراع اللبناني/العربي ـ الاسرائيلي.
3 ـ اغراق حزب الله في اللعبة الكيانية ـ الطائفية اللبنانية، التي بدأت بالمشاركة الخاطئة (بصفته كمقاومة) من قبل حزب الله في الوزارة الراهنة على قاعدة الكوتات الطائفية. فاللعبة الطائفية هي سيف ذو حدين، وفي الحساب الاخير هي حتما ضد المقاومة كممارسة وطنية، وترسيخ واغراق لها كجسم طائفي. انه من الضروري ان تبقى المقاومة بعيدة جدا عن اللعبة الكيانية ـ الطائفية، وان تنأى بنفسها بمسافة كافية عن اللعبة السياسية المبتذلة كموالاة ومعارضة الخ.
4 ـ جر لبنان الى الفتن الداخلية، السياسية وخاصة الطائفية، وهنا تنبغي الاشارة الى الدور المميز الخاص للنظام السوري على هذا الصعيد (وقد سمعنا مؤخرا الرئيس بشار الاسد كيف يتهم كل من عارض الوجود السوري في لبنان (تيار الحريري، وانصار البطريرك الماروني، وتيار ميشال عون) بالعمالة لاسرائيل، بهدف واحد هو: تحريض المقاومة على تغيير وجهة السلاح من مواجهة اسرائيل الى المواجهة الداخلية ضد اكثرية الشعب اللبناني). ولا شك ان انحراف المقاومة الى الصراعات الداخلية سيكون انتحارا حقيقيا لها خاصة وللبنان عامة.
5 ـ ان مسلسل الاغتيالات والتفجيرات الذي بدأ بإيلي حبيقة وجهاد جبريل ورفيق الحريري وجورج حاوي الخ الخ، من المرجح ان يتجدد الان، وان يتخذ وجهة اكثر تحديدا، خصوصا ضد رجالات المقاومة ومراكزها الاعلامية والاجتماعية الخ الخ. وهناك خطر حقيقي الان يحوم حول السيد حسن نصرالله، الذي اصبح رمزا وطنيا وجهاديا، لبنانيا وعربيا واسلاميا وعالميا. واحتمالات تصفيته الجسدية، لا سمح الله، تعني توجيه ضربة شديدة الى جبهة النضال ضد الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية. ومثلما تقاطعت، فيما مضى، الخطوط والمصالح الاميركية والاسرائيلية والسورية واللبنانية والليبية والايرانية لتصفية وتغييب كمال جنبلاط والامام موسى الصدر، فليس من المستبعد، بل من "طبيعة الاشياء" الان ان تتضافر جهود المخابرات الاميركية والاسرائيلية و"بعض" العربية والسورية واللبنانية لتصفية رموز المقاومة اللبنانية وعلى رأسها السيد حسن نصرالله.
XXX
ان مظاهر الاحتفال بالنصر، ولا سيما العودة المظفرة للنازحين الى بلداتهم وقراهم وحتى بيوتهم المدمرة، هي ضرورية لترسيخ ثقة الجماهير الشعبية بقواها الذاتية وبصمودها وبمقاومتها؛ الا ان هذه المظاهر وحدها لا تكفي للوقوف بوجه المؤامرات والمخاطر القادمة.
وسيكون من الخطأ الجسيم انتظار ردود فعل العدو من مواقع دفاعية سلبية فقط. والقاعدة الستراتيجية القائلة "الهجوم هو خير وسيلة للدفاع" هي افضل ما يصح الان على الوضع اللبناني الراهن.
فبعد ان تم، وبثمن مرتفع جدا، زرع البلبلة في صفوف الاعداء، لا يجب باية حال إعطاؤهم الفرصة لاعادة رص صفوفهم واعادة تركيز الهجوم المضاد من جديد، خصوصا وأن العدو لا يزال هو الاقوى، ويملك قدرات ستراتيجية، سياسية واقتصادية واعلامية، دولية وعربية ولبنانية، هائلة جدا.
فلحماية هذا النصر وتطويره يجب عدم انتظار الهجوم المعاكس للعدو، بل مباغتته من حيث لا يتوقع، ومتابعة المعركة ضده، في اضعف نقطة فيه.
وفي رأينا ان الخاصرة الرخوة الاضعف للعدو في الوقت الحاضر هي: الجولان المحتل.
ـ فالجولان هو ارض عربية محتلة، وبالتالي فإن فتح معركة المقاومة الشعبية لاستعادة الجولان، بعد ان فشلت "الدبلوماسية" الكاذبة في استعادته طوال عشرات السنين، ستحظى بالسند الدولي المطلوب، بما في ذلك قرارات الامم المتحدة.
ـ وفتح معركة المقاومة الشعبية في الجولان سيضع النظام السوري، الذي يتباهى بدعم المقاومة اللبنانية، على المحك، ويفضح كل ادعاءاته واكاذيبه.
ـ ولا شك ان الجيش الوطني السوري سيدعم المقاومة الشعبية في الجولان، كما انها ستحظى بالدعم القوي من قبل جماهير الشعب السوري المتشوق لاستعادة ارضه المحتلة، ومن قبل جميع الشعوب العربية والاسلامية وقوى التحرر في العالم اجمع، وطبعا سترفع الى الحد الاقصى معنويات الشعب الفلسطيني البطل في مواجهته للاحتلال الاسرائيلي الوحشي.
ـ ومن اهم الميزات التي ستتوفر لفتح معركة المقاومة الشعبية في الجولان هي انها ستحظى باجماع كامل من قبل جميع التيارات والقوى السياسية اللبنانية، بما فيها تلك التي تتردد في تأييد المقاومة لاستعادة مزارع شبعا المحتلة، بحجة تقاعس النظام السوري عن فتح معركة استعادة الجولان لرمي ثقل المعركة على لبنان فقط.
ـ واخيرا لا آخرا فإن فتح معركة تحرير الجولان ستلقي البلبلة الكاملة ليس داخل اسرائيل فقط، بل ستهز اركان الامبريالية الاميركية وتضع على جدول الاعمال اليومي إفشال جميع مخططاتها "الشرق اوسطية" للهيمنة على المنطقة وعبرها على العالم.
XXX
اننا لعلى ثقة ان تعاون حزب الله مع سوريا كان على قاعدة الاستفادة من المدى الستراتيجي، ومحاولة كسب القوى الى جانب المقاومة (على طريقة: إلحق الكذاب لباب الدار)، وليس على قاعدة التبعية للنظام السوري والمخابرات السورية، على شاكلة بعض المناضلين السابقين كناصر قنديل وعاصم قانصو، الذين يعيشون على امجادهم النضالية السابقة الا انهم تحولوا الى ابواق واحجار شطرنج مخابراتية لا اكثر.
وحزب الله هو الان على المحك في ان يثبت ويجدد نفسه كقوة مقاومة لبنانية ـ عربية ـ اسلامية، تمتلك زمام المبادرة الرئيسية في الصراع المصيري العربي ـ الاسرائيلي/الاميركي، وان لا ينتظر في وضع دفاع سلبي، كي يتم تكسير اجنحته بالتدريج، تمهيدا لتحويله الى حجر شطرنج آخر في القبضة القذرة لرستم غزالي آخر!!



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية
- الخطة الاميركية الاسرائيلية لتطويع لبنان... امام المفاجآت!!
- لبنان ليس الجولان ولن يكون ارمينيا
- العدوان لا يستهدف فقط لبنان
- المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، ل ...
- ويبقى السؤال: من سلّم الجولان بدون قتال، وهادن الاحتلال، ولم ...
- المسيحية: الديانة القومية الاولى للعرب
- أول أيار والدور الاممي الخاص للطبقة العاملة العربية
- الارمن ضحية العنصرية التركية والتآمر الغربي على مسيحيي الشرق
- بكركي محاورا تاريخيا
- المأزق الوجودي لاسرائيل!
- بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطني ...
- الأكراد شعبنا الثاني
- الصفقة الاميركية السورية الجديدة: اعادة انتاج -سايكس بيكو- ...
- الانقلاب الكياني في التركيبة اللبنانية
- من هم المرتدون الذين سيحاكمون لينين؟ كريم مروة واصحابه نموذج ...
- النظام الدولي المختل والدور التاريخي العتيد للمثلث الشرقي ال ...
- رد الى صديق كردي
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله
- المخاطر الحقيقية للوصاية على لبنان والمسؤولية الوطنية الاساس ...


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - نصر...! وأما بعد...!