أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود العزامي - إرتباك سرّي















المزيد.....


إرتباك سرّي


محمود العزامي

الحوار المتمدن-العدد: 1646 - 2006 / 8 / 18 - 04:37
المحور: الادب والفن
    


كل ما في الأمر أنني مشغول .
أنظف غرفة البيت الواحدة وأجلي الصحون وأضغط بيد من حديد على سيفون الحمام .
وفوجئت أثناء تصفيف شعر سريري ، أن أقدامه التي كان يمشي عليها طوال العمر الفائت : هي من الطوب . ووجدت تحت الفراش ريش حمام قديم ومغبر ، ودهشت كيف جاءت حمامة إلى الفراش دون علمي ، ووجدت ..
رسائل حب كتبتها في زمان ما ، وفي الصباح داهمني الجبن ، ولم أوصلها لامرأة ما .
وعثرت على أشرطة تسجيل ( ليست من النسخ الأصلية ) مقطعة ومهمشة جدا .
وجدت ( صندلا ) بفردة واحدة ، وحين قسته على قدمي اكتشفت أنها انتشرت دون علمي .
وألفيت ورقا كثيرا كتبت على بعضه ، وتركت بعضه الآخر فارغا . إنها مأساة أن تكتشف بعد مضي معظم العمر أن لا أمل في الكف عن عادة ما : مثل أن تكتشف أنك كنت تستخدم ورق الدفاتر : لنكش الأذن .
شيء ليس بديعا ، أن تواصل توظيب نفسك ، مع العلم أن الفوضى لا يمكن تربيطها من قدميها .
كل ما في الأمر ، أنني كنت خلال السنوات الكثيرة التي عبرت أشعر بالفقر حية تلدغني كل ساعة مرتين ، كل ما في الأمر أنها لم تزل مستمتعة بفعلتها ، وأنا أتمتع بجهوزية عالية ..
واستعددت لفصل الشتاء القادم ، وفحصت بابور ( الكاز ) وفتحت عينه بالإبرة ذائعة الصيت ..
وبعد أن تعبت من إصلاح ذات البين في غرفتي ، تمددت على حصيرة كانت ملقاة .. ويبدو أنني أطلت في التمدد لدرجة أنني عندما صحوت لم أجرؤ على ملامسة يدي ، وكأنني أصبحت غريبا عنه ، بالأحرى لم أعرفه !
كل ما في الأمر أنني مشغول ..
آه يا سادتي ، أنا متعب وحزين وناقم .
غبت عامين تقريبا ، كنت خلالهما مشغولا بفرك أحزاني بليفة أمل !
يا للحمق ! هل قلت أمل ؟
لا أمل بعدكِ في العبور على جسد الحياة .
أمس مساء :
جئت ، وطرقت الباب ، ابتسمت ، وعندما حدقت في وجهي ، أحسست ارتباكك يسري في شرايين عيني !
كان في جعبتك ( قارورة ويسكي ) أعلم ، وأعلم أنك تعدينني رجلا وحيدا ، لا بد بحاجة أن يلتصق بجانب جسد !
لكنني فقدت الرغبة في أن أضمك بقوة كما كنت أضمك ، فقدت الرغبة في أن نشرب معا : تبكين بين ذراعي ، وتلثغين بالكلمات التي تحدث حفيفا في قلبي ، فقدت الرغبة في أن أحملك على السرير وأنت ضاحكة ، باكية ، مبتسمة ، غاضبة ، مبهمة ..
أنا تعبت مني ومنك ومن العالم ، جميع أصدقائي تقريبا يعانون من أمراض فتاكة ، وينتظرون الموت بسلام ( سرطان غدد ، جلطات ، تشمع كبد ، سل ...
سواي لم يدحرني المرض بعد ، سواي أنتظر الموت ، لكن لا مقدمات تلوح في الأفق !
أعلم أنني قلت لك : إن ضيوفا عندي ، وكنت أكذب ، ولا بد قرأت في عيني كذبتي ، مضيت مبتسمة ، وأدري أن روحك لم تكن مبتسمة ، أوقن أنك رحلت تماما وتغطيت بإحكام ونسيت !
لكنني لم أنس !
أتدرين ماذا فعلت ؟
عندما صفقت الباب خلفك ، جلست على الأرض وبكيت ، بكيت كما لو أنني لم أبك من قبل ،
بكيت على كائن فقد الرغبة في الحياة !
لا الخمرة تخفف اشتداد وتري ، وقوسي يشتد ليرميني !
ولا أنت !
أنت تملأينني حزنا عليك !
فقدت الرغبة في العيش ، وهذا ليس شيئا غريبا !!!

يقول صديق :

( كلماتك تنخر الجرانيت

وفعلها أقوى من حمض الكبريت

لقد تركت كلماتك اليوم أثراً كبيراً في أعماقي

بورك قلمك


أناشد كل من يفقد الرغبة بالحياة

أن يتراجع عن قراره

ويتذكر بأنه من خلال الحب

سيتغير كل شئ. )



فقدت الرغبة ، أجل هذا ما أنا متأكد منه يا صديق .
فقدت الرغبة في أن أكون صاحب قضية أنافح عن تلابيبها ، وأقصي ، وأبقي ، وألغي وألعن !
يا إلهي !
حتى الرغبة في اللعن لم تعد تزورني !
فقدت الرغبة في أن أعلم أن وطني بين الروم والفرس ، سيقتسمونه صباح غد !
يا إلهي : إني سمعت عمرو موسى في القمة العربية الأخيرة يقول : العرب يتفهمون مصالح الفرس في العراق !
يا إلهي إلى أين أهرب ؟
أنا بين عدو وعدو !
لا تلوميني ، إن لم أوقد شمعة حين تغيبين !
لا تلوميني إن بكيت وسط جمع من الأعداء ، أنا متيم بالموت ، آه لو يأت !!!!


أعلم أنه سيتأخر ، جدي عمّر كثيرا حتى مللته جدتي ، وجدتي عمرت حتى مللتُها !
أعمر !
يا له من مأزق !
يا إلهي أنا متعب ، كنت طوال السنين درجا ، ( سلم ) أوصل الأخلاء ببعضهم وأنهد ، وحين يا رب هرمت : دقوا مساميرهم في جسدي ، وداسوا ، كم داست أقدامهم ضلوعي ، وما أضللتهم ،
أنا الذي ضللت !
درجا دون عينين يمشي !!



وداهمني إحساس غريب وأنا منخرط في أعمال التنظيف ، لماذا أصبحت لبنان لا تهمني ، ومثلها العراق وفلسطين ، لماذا لو عرض عليّ التطوع في جيش ما برتبة ( عريف ) لذهبت من أجل مرتب آخر الشهر الميلادي به ( أشعر أنني سأغير وجه العالم و أرجل سريري سالف الذكر ؟
وسأكون جاهزا لاستقبل طلقة ، حيث سيلف جسدي بعلم على الأقل في تلك النهايات ..
ولازلت منهمكا في أعمال التنظيف .. وتزورني أفكار غريبة بين دقيقة وأخرى ..



وابتسمت في ذهول ما ، وقد جاءني حفيف كلمات صديق بدين ووسيم :
- أنت ( مثقف ) وعلى المثقف أن لا ينظر إلى موازين القوى ، عليه أن يقف في صف المقاومة .. وأضاف : لأنها ستنتصر في النهايات ..
ولازلت أبتسم ، ويتردد ذلك الحفيف في أذني ..
إني أبرأ أمام نفسي على الأقل من أن أكون مثقفا ، أنا ميت تماما ، وهذا السخف الذي أخطه ( تعلمته في الجامعة فقط ) ..
أنا ( مش ) مثقف ولن أكون ، ولم أسع يوما لذلك المنصب الرقيع ..
حتى أنني مازلت مبتسما ، وأسمع أثناء ابتسامتي حفيفا آخر تماما :
( لوطي أفضل من مثقف )
لازلت أنظف .. والأوساخ كثيرة ( علب سردين مغربية أكلت نصفها ونسيت النصف الآخر ) أبصال ينهشها دود ملون ..
ترى متى أستطيع ترتيب منزلي ؟

وهذا صرصور يزحف مبتسما في تحد واضح لأعمالي .
ونملة سوداء مدججة بأحمال تذرع بيتي ، وهذا نباح لكلب يذكرني بأنني لم أعد أستطيع إرغامه على صيام أشهر أخرى .. وهذا صديد أصفر في إصبع قدم جريحة تشبه قدمي ..
ثمة أعداء يجوبون مناطقي بخفة عالية ، ويتحدون أن أفعل شيئا له قيمة كالتنظيف وأعمال الغسيل والشطف ..
أما إبريق الشاي ، فقد تغير لونه !


كل المثقفين الأكثر وسامة يشربون ( لتورا ) من القهوة صباح مساء ، أما أنا فأعشق الشاي على ندرته هنا ، ولا أحب القهوة لأنني أحس بخبث في طعمها ..
ثمن كيلو السّكر يساوي الكثير من العمل كي تجلبه ، ويفرغ سريعا ، يتحدى المكوث طويلا في تلك الغرفة .. والشاي ، يستورده القطر الحبيب الذي ( أتبهدل ) في شوارعه ، من دول صديقة ، ولاغرو أن يكون غاليا كأمنية فذة ..
نسيت آلام أمتي ، والتفتّ إلى آلامي ، وهذا ما يطلقون عليه ( خيانة )
( أمتك يا أيها الولد القبيح تتلظى من القصف .. وأنت تتحدث عن الشاي والصراصير )
سحقا لك ..

ردّ صديق على خزعبلاتي :
لماذا اصبحت لبنان لا تهمني؟

هناك تفسير في علم الاجتماع لهذا الشعور يا محمود،
يقول ان المجتمعات المهزومة تتفتت فيها "روح الجماعة" ويصبح الفرد فيها لا مباليا.
هذه الهزيمة "مفروضة" علينا فرضا..
لا تصدق ابدا اننا مهزومون.


لجيمس بولدين (كاتب امريكي اسود) قصة رائعة حول هذا الموضوع،
هي عبارة عن رسالة يوجهها الى ابن اخيه.
كم تمنيت لو اجدها وساقوم بترجمتها ونشرها هنا (وينك يا ثورة الرزوق؟)
يقول في آخرها:
انت لست مهزوما يا بني.. اياك ان تصدق ذلك.. انهم يريدونك ان تصدق ذلك..
عندما تصدق ما يقولونه عنك سوف تكون قد انهزمت حقا.

لا تخف يا محمود العزامي.. لا تخف..
ثق أننا بألف خير ) انتهى كلام الصديق ..


سأبيح لنفسي التمركز في مكان آمن .
القصف من كل حدب وصوب ، وهو قادر على إخراج الماء من العين .
وتعلمين أنني للتو بدّلت ثيابي من الهزيمة ، لا تلومي أحدا : كل الرفاق حذو نحو بيوتهم ، الهزيمة أكبر من الجميع ..
وكنت آمل أنك فعلت مثلي ، استحممت بذات ( الليفة ) التي قطعتها لك من شجرة ( ليف ) خلف معسكرنا القديم وبالتحديد ( كلما كنت أنظر إليها : أتخيلكِ عارية تبتسمين ، وتفتحين ذراعيك ببطء كي أدخل الحديقة ..
القصف من جميع الجهات ، قتل دجاجات جارتنا أم علي ، وقطع رجل ساعي البريد ( أبو محمود ) وتسبب في حركة من العبوس بين العمارات المحاذية ..
والعدو كما تعلمين : لا يرحم !


ليس المهم فيما يقال ، من الضروري النظر إلى الهدف بتقنية عالية .
وأصدقكِ القول إنني لم أرد لك ( البهدلة ) في الحافلات ، وزعيق هنا وهناك ، وأعفيتك من مشاهدة لحم شوارع لونه أسود !
ذهبت إلى المعركة وحدي ، وكان بانتظاري خوذة ، وقنابل ، وحزام ناسف !
قلت لا آخذكِ معي : الأثقال .
وقال لي مدير المطعم : من هنا الطريق إلى أعدائنا ، ومشيت :
( تعرقلت ) ووقعت ، قمت ، مشيت ، هذا ليس من شأنك ! هي تفاصيل تافهة على أي حال .
ورآني كثير من الزبائن أصعد مع الأودية ، وأهبط مع الجبال ، لكنهم ، لم يبدوا دهشة ، وواصلوا طعامهم !
ووقعت خوذتي ، وبحثت عن كلام لأقوله ، ثم كففت عن الكتابة إليكِ ..
طريق طويل ينتظرني !!
وشرح لي صديق يكبرني بعامين :
حول الخيانات التي قد يتعرض لها المقاتلون في الجبهة !
قال : توقع أن تأتيك النار من الخلف ، ولم أصدقه طبعا .
وصرح لي بأسرار غامضة :
حبيبته ( فرح ) أصبحت تنام في عزلة عن عشيقها حسان !
وباح :
أحوال المناضلين صعبة ! لماذا اخترت هذا الدرب ؟
وتخيلت الرجل البدين ( صاحب المطعم ) سلحفاة تصعد عبر جسدي إلى مبتغى ما .
لكنني كففت عن الانخراط في التفكير . العدو ما يزال أمامنا ، وهذا بحد ذاته شيء يدعو إلى الغناء !!
العدو يقترب من مرامي سيوفنا ، زغردي ، لكن بحذر !!


حيث أن نهاري أصبح مرتعا للنوم الذي يصحبه تعرق وشخير ، وليلي إلى مسلسل كآبة طويل ورتيب .
ماذا يمكن أن يقال في مثل هذه الظروف المأساوية ؟
لدي أعمال كان علي البدء في إنجازها . وأشياء من قبيل امتحانات يجب الإعداد لأسئلتها .
لكنني ، وبمساعدة قوى صديقة :
منحت نفسي إجازة ، وامتنعت عن الانجرار خلف كل ما ينفعني !
ابتعدت عن القراءة والكتابة وشراء الأقلام ، وهاتفي : لا يمكن الاتصال به ( الرقم المطلوب غير مستعمل )
وحيث أن الكآبة مسيطرة ، ولا يقي من شرورها حمام بارد ، أو كأس كونياك ، أو حتى امرأة بجسد غوغائي !
كنت قبل سنتين على وجه التحديد أحب الأجساد الغوغائية ، وأعدها ضربا من حبوب مكافحة الاكتئاب !
- إن ماتقوله خطير ، إنك تجعل من الإنسان قيمة دوائية !
الإنسان !
الإنسان !
تعبت من شيء ربما خلق بطريق الخطأ !
عالم طويل وعريض ويبتسم إذا ما تعرض لمناغاة ! وهذا لا علاقة لي به ، على الأقل لم أتعرض له في مرة ، هذا ما أذكره !
العالم الذي يغني دون انقطاع ، العالم الذي يزيل روائح العرق بطرق مبتكرة !
العالم الذي يذهب إلى الحمام بوسائل جديدة .
العالم الذي يمشي نحو الأمام ولا يظن فيه ظن السوء :
جوارب نظيفة ،
سيقان مستقيمة ،
ألوان تسلم أجسادها لعيون ،
ليس لي علاقة بكل ما يجري ،
أؤكد لكم !!
وأنني فشلت في إيقاف ما يجري !


أعود لممارسة الهذيان القبيح !
كان علي أن أتوقف منذ اللحظة التي سبقت أول كلمة في هذا المقال .
الكتاب كثيرون كالنمل ، والكل يدعي أنه ( سعدون جابر ) !
ما دخل السيد الآنف ذكره ؟
لا شيء .
ألم أقل أنا مجرد كائن يهذي ؟
الكتاب كثيرون ، كثيرون ، ولا مجال لأشتهر مثلا على مستوى قريتي !
فما بالي بالعالم ؟
اللعنة : هل كنت أتوق لأشتهر على مستوى العالم ؟
يا لرداءة الحظ ..
الكتابة !
الشهرة !
الحظ !
هذه مواويل لن تصلح لي بعد اليومين القادمين ، إذ أنني سأحرق جميع ما كتبت ، سأحرق مكتبتي البائسة ( 30 ) كتابا فقط !
سأحرق ملابسي التي كانت ترديني يوم كنت أكتب .
سأحرق الدماء التي كانت تثور يوم كنت أقرأ .
سأحرق صوررة لامرأة ما ، قالت : إن الكتابة تهدينا إلى الأمان !!
وسأتوارى عن الأشياء التي تذكر بالكتابة :
- قلم ، مسطرة ، مبراة ، ممحاة ، جوارب ، مقص ، كيبورد ، فارة ، هرة ، سيجاة ، خروف بحري ، رسائل ، وجوه غير تعبيرية ...
والمزيد من أيقونات معينة ..
وسأذهب إلى زيارة صديق يقطن في البرية ( الصحراء ) وسيرحب بي في بيت واسع ممتد هو الفراغ .
وسنوقد في الليل نارا ، وستلمع أعيننا حين ننظر إلى اللاشيء ..
وننام طويلا ، لن يكون ثمة ساعة ، أو مرحاض أو وباء اسمه : وظيفة !
سنختلف على قضايا غامضة مثل :
- الطيور هل تتزوج مثلما كنا نفعل أيام انخراطنا في الحياة ؟
- المطر هل يبادر إلى الانحباس ، كما كان يفعلها أثناء نومنا في المدن ؟
أعراف كثيرة بدأنا نراجعها عن كثب !


نهاري كان مغبرا كجندي عائد من عدة هزائم أو انتصارات لا قيمة لها .
وتعلمين أنني كففت منذ زمن عن المشي في الزحام بسبب التهاب مفاصل قلبي .
ومتأكدة أنني لا أتذكرك إلا بمقدار :
- يعزمني صديق على طعام ما ، أتذكر ، لو أنك هنا لأخذتك معي كي تأكلين وتتسلين وتضحكين عندما يتأخر الليل !
- أدخل ( المطبخ ) أضع إبريق القهوة على فوهة النار : أتذكر - في تلك اللحظة - أنني كنت النار وأنت قهوتي !
- لحظة ( أفك ) زجاجة ويسكي محلية الصنع فيها ( سبيرتو ) على هيئة خروف يخور ، أتذكر لحظتها : يوم فككت حزنك : بقبلة اللقاء ، وفككت أبوابي بعد رحيلك المفاجيء : للفراغ .
- مساء : والطيور تهم في الرواح !
أتدرين ؟
أتعبني الرواح إلى غرفة ، في العادة أرى للمارة أنني ممدد فيها ، وألاحظ قريبا من سطحها : غيمة سوداء تمطرني بوجهك الغائب !
آه ، يا قطتي !!


وإذ التفت صباحا ولم أجدك : حسبتك رحلت .
ظننته رحيلا سيبتز أشواقنا كي تعودي ، خلتك نجمة هربت من أقاص الليل ، لتعود في الليلة التالية .
لكن يطول الرحيل بيننا ، يتحول إلى سكة قطار لا تنتهي ، يتحول إلى صداح مخنوق لعصافير جائعة .
وإذ ( لم تقولي ) وداعا ، ولم تتركي حرفا أو ابتسامة أو حركة كف ، ثمة إحساس عميق اجتاحني لحظتها : إن الوداع الصامت ، عادة ما يباعد بين اللقاءات ، لكنني حاولت إزاحته ، ذلك الشعور الذي لا يبدد المسافة بيننا !
قطتي ، لقد نسيت اسمك ، لأنك الجوهر ، وسواك : عرض !!

آخر شيء أتذكره قبيل القصف :
عود كبريت بضفيرة سوداء كان في يدي ، لم أود أن أحرق شيئا ذا قيمة ، كنت أهم بإشعال (بابور الكاز ) نحن : في الدول الأقل حظا مازلنا نستخدم هذه الأواني البدائية ، ونحسب رائحة الكاز المنتشرة في بيوتنا : عطرا نسائيا ضد التقمل !
فقراء وأحس العوز بالإحراج تجاه روائحنا المقززة !
لكن لدينا فنادق ( خمس نجوم ) نساؤنا الفقيرات يستححممن في الصباح ، يتعطرن بأشياء غامضة ، ويذهبن هناك باتجاه فنادق ، يكون ثمة رجال يرتدون جلابيب بيضاء في العادة ، ويلتقون نساءنا هناك لقاءات حارة !
مقراء ومنكسرون !
حتى أن نساءنا يعدن منهكات ليلا ، ولا يقدرن على مجرد مرافقتنا في جولات جسدية تافهة !
فقراء ومعوزون !
لا نفط لدينا ، لا جلابيب بيض ، ولا نساء !
صديق ، حسبته من وجوه قومه ، طلب مني أن أؤمن له امرأة فقيرة ، لكنها تستحم في الصباح !
لم أقف حائرا أمام طلبه ، ولم أحس بأي رغبة في البصق في وجهه مثلا ، سارعت إلى المرحاض : وتقيأتني كاملا ، وخرجت دون أي شيء ، خرجت وكان ينقصني عود كبريت لأشعل لفافة !!
اللعنة : إنني فشلت في تصوير ما يجري !


ومازلنا نحب النوم على سطوح بالية !
وكثيرة هي الحوادث :
أبو سلمان قفز من السطح في ظروف غامضة ، أم سلمان لم تكن تملك ثمن كفن ، فكفنته بفستان قسمته نصفين !
أم محمد مللت من الصلاة إلى إله لا يستجيب الدعوات بحسب زعمها ، فهرعت إلى خمارة قريبة واشترت بثمن البض الذي تبيعه على الشارع الرئيس : ( ربعيتا ويسكي محلي ، ليتر كونياك ، وأربع زجاجات بيرة ) ويقال إنها دلفت نحو صيدلية مجاورة : وزعم صاحب الصيدلية أنها طلبت ست زجاجات ( سبيرتو )
لكن الزهر في الربيع لم يمتنع عن البزوغ فوق قبرها تماما ، وقال أحد المارة : شاهدت ثمة نخلة طلعت بمحاذاة رأسها !
فقراء وطيبون ،
لكنهم يموتون بمحض إرادتهم ، وأجزم أن أفواههم مبتسمة !!!


فقراء حتى ما بعد الكاحل !
ولم يوحدنا الفقر على محبة :
أم سليم ماتزال (تبعبص ) لجارتها ( أم توفيق ) من النافذة ، وأم توفيق تهيب بأولادها ( المسلولين ) بمهاجمة إصبع نافر لأم فتحي !
اللوز يطلع في ( حواكيرنا ) حزينا وفقيرا مثلنا ، لا يندهش أي منا حين يرى شجرتي لوز منخرطتين في ( مز ) شعر ، وعض أذرع وأثداء ، وبصاق يتدلى هنا وهناك !
ولن يذعر أحد :
لو شاهد الناس في الشوارع يمشون جميعا بمساعدة ( عكاكيز ) صناعة محلية !
نبيع حتى أعضاءنا لهم !
ومازالوا يموتون قبلنا !!

ماذا عساني أكتب ، هل أكتب عن محن معينة ؟
محن !
محن !
محن !
كل الناس ممحونون ، لسنا وحدنا ، هذا عالم نصفه ممحون ، والنصف الآخر تحت القصف !
من العيب أن أحيد عنهم ، أولئك الناس الذين يشاركونني طعامي : خبز ، قلاية بندورة ، فحل بصل )
وأحيانا ( علبتا سردين ) نتخيل أننا نحن اصدنا أسماكهما ، والأسماك الصغيرة تكبر في عيوننا !
مثل أي قوم آخرين ، نتعاون على الشكوى من : فساد ما ، وقوع سور ما ، عزاء ما ، حادث سير بالسلاح الأبيض ، كسر بيض حمام ، قبل ، وداع ، كذب ..
نعيش كما لو لم يتمنى أحد !!
كفاف يومنا هو زفرة باتجاه سماء لا بد أن ترحم !!
وعلى يقين أنها سترحم !!!


أنا مولع بالاشتباك معها !
تلك التي أيقظت في إحساسا غريبا :
أن الجرح حتى يبرأ يحتاج زمانا !
وأن شجرة الرمان فيها بالإضافة إلى الثمر ثمة أشواك مدببة !
وأن الحب نسبي ( يذهب ويجيء كحافلة بين دمشق وعمان )
وأن ( معنى كلمة على قيد الحياة ) مبهم وغير مستقر .
إنني مولع بها ، وهذا يكفيني الآن ،
تلك القطة التي حين منحتها بالأمس ( علبة سردين ) : خرمشت ساعدي وأدمت فؤادي !!
أنا فشلت في إيصال الفكرة !
لم تكن قطة ، كانت دجاجة ربيتها على السطوح : للزينة ..
لا أستطيع قفل هذا الموضوع ،
هل أقفل شيئا آخر ؟


أقصد بالضبط : فمي ، أقفله عن الكلام ، وهذا أفضل !
هذا موقع لا يروقني ، ومصطفى كبير في السن ولا يصلح أن يكون صديقا ، هو بدين جدا ، لو جازفت بدينارين وعزمته على مطعم سيأكلني بالإضافة للوجبة والمطعم وجموع المارة !
مصطفى سيء الطبع منفعل ، وأنا لا أتفهم هذا ، كونه شاعرا منخرطا في الكلام الغامض !
قرأت قصائده تقريبا كلها ، لم يرقني شيء ، هراء يركب فوق هراء ، وأمامه هباء ، وخلفه خواء !
يحلو لي أن أهجو مصطفى الفلسطيني وهو من الناصرة وهي مشهورة بتفشي آفة المخدرات !
لكنه ولا مرة عزمني على حفلة : شم !!
أقصد بالضبط فمي !
أنا عاجز عتى عن قفل فمي !
يا لسخرية الماعز مني !!
أضغط لأقفل فمي ، أضغط بقوة كي أقفله ، أفشل !
أذهب إلى الهاتف ، أتصل بصديق : أتلعثم ، ماذا أقول له في هذا الطقس البارد ؟
هل أقول له : نسيت فمي مفتوحا ونمت ، أرجو إقفاله لو تسمح !!
هراء !
لن يقتنع أحد من معارفي أنني وصلت إلى هذا الحد من العجز !
تعب وألم في مقدمة النخاع الشوقي !
تعب
تعب
تعب !


مولغ بغائبة !
قضينا معا نحبنا في ليلة هدباء العينين ، وحين أفقت في الصباح ، مددت شفاهي لأقبلها :
فقبلت الفراغ !
ماذا لو بقيت للصباح ؟ أنا أحبك في الصباح ، وعيناك مغمضتان ، أحصي عروق عينيك ، ثم ...
ماذا أفعل بالذي تبقى من صباحي ؟
قطتي الحنون !
تحية لك ..



#محمود_العزامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود العزامي - إرتباك سرّي