أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3















المزيد.....

المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 09:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الارتزاق الثقافي وإشكالية المقاومة (اللبنانية) وحزب الله

ففيما يتعلق بالأحداث اللبنانية والمواجهة العنيفة والتاريخية بين قوة المقاومة (في شخصية حزب الله) وبين قوى التدخل الأجنبية والغريبة (الأمريكية – الإسرائيلية)، فإننا نرى انقساما واضح المعالم من حيث الأسلوب والغاية في مواقف المثقفين منها. وهو انقسام له مقدماته التاريخية ومعناه التاريخي أيضا.
والسؤال حول أسباب وكيفية انقسام المثقفين العرب حول قضية جوهرية في الوعي القومي التاريخي يبدو طفيفا مقارنة بالسؤال الواقعي والمستقبلي عن الأسباب القائمة وراء ظهور تيار بين المثقفين يقف إلى جانب العدو والمحتل. ومن الممكن الخوض في جدل واسع ومتشعب عن المقدمات التاريخية والعلل الأيديولوجية وإشكالية الشرعية في النظام السياسي ومستوى التحديث والعصرنة وكثير غيرها. لكنها جميعا تبقى مجرد مظاهر من "منظومة الانحطاط" الفاعلة في الدولة والمجتمع والثقافة. غير أن المثقف خلافا للسلطة والمجتمع (كطبقات وفئات وجماعات وأفراد) يتميز أو ينبغي أن يتميز بقدر من الاستقلال والحصانة في مواقفه عما يجري بسبب ماهية الثقافة نفسها. ولكن حالما يتحول المثقف إلى أجير مباشر وغير مباشر لأرذل الأنظمة السياسية وأكثرها تخلفا، أو الاتفاق معها في اللحظات "المصيرية" الحرجة في مواجهة قوى المواجهة الفعلية للاحتلال والغزو والابتزاز، بمعنى الوقوف إلى جانب القوى التي شكلت من الناحية التاريخية احد مصادر الخلل والتخريب الفعلي للمصالح القومية العليا، فان ذلك دليل على منظومة الانحطاط الروحي والأخلاقي. وهو الأمر الواضح في هذا الكم الكبير من "المقالات" التي تجتمع على فكرة محددة وهي: ضرورة تدمير حزب الله باعتبارها ضرورة لإنقاذ العالم العربي من الدمار!!
وتختلف "البراهين" و"الأدلة" من رؤية "واقعية" إلى "عقلانية" إلى "علمانية" إلى "إستراتيجية" لكنها جميعا تصب في مد روافد الخذلان ونفسية الهزيمة. وفيما لو حورنا هذه الأدلة إلى "لغة العامة"، فإنها تبدو بسيطة للغاية أيضا. إنها تريد القول "ابقوا جبناء وعبيدا!! عندها سوف تبقون أحياء ترزقون! وأحياءكم كما هي لا يمسها خراب ولا خوف ولا هم يحزنون!". وهي رؤية ونفسية وذهنية لا علاقة لها بالثقافة الحقيقية. لان الثقافة الحقيقة هي تعميد للصراع من اجل الحق بالشكل الذي يعطي الأولوية لإعلاء روح الحرية وليس الخنوع. وبعدها يمكن للقيم الأخرى أن تأخذ سبيلها من واقعية وعقلانية ومساومات وما شابه ذلك. لكن بشرط ألا تثلم روح العزيمة والاستعداد للتضحية من اجلها.
فالتاريخ العالمي يبرهن على أن الأمم الكبرى في بنائها والحفاظ على ما تبنيه مرهون بتراكم رؤيتها الواقعية والعقلانية والدنيوية (العلمانية) ضمن إستراتيجية الحرية ونظامها المتكامل. وليس مصادفة أن تجد هذه التيارات "الواقعية" و"العقلانية" و"العلمانية" و"الإستراتيجية" المتخاذلة نفسها خارج المعركة الحقيقة. لقد تحولت كل بيارقهم ودعواتهم ودعاءهم وصراخهم إلى شيء لا قيمة له. وتحسسوا للمرة الأولى "خطر القوة القادمة"، أي خطر زوالهم السياسي. فالسياسة بالنسبة لهم تجارة وربح. والدعاية والإعلام أسلوبها الوحيد. بينما حقيقة السياسية أوسع من ذلك بكثير. أنها أولا وقبل كل شيء منظومة البناء والحرية، أي بناء الفرد والمجتمع والذهنية وحريتها في الدفاع عن المصالح الجوهرية العامة وليس الخاصة.
وفي هذا يكمن الخلاف والفرق الشديدين بين نظرتين متناقضتين بين المثقفين في الواقع العربي المعاصر، والذي يمكن فرزه بمفهوم المثقف الحقيقي والمثقف المؤقت، أو بذل الروح الثقافي وابتذال الثقافة (الارتزاق الثقافي). وهو تناقض كشف عن أعماقه الدفينة ومظاهره الجلية في الموقف من المقاومة اللبنانية عموما و(حزب الله) خوصا.
فالاتجاه المؤيد هو اتجاه الرؤية العقلانية الفعلية، والقومية الإنسانية، والسياسية الأخلاقية. وذلك لإدراكه الحقيقة القائلة، بان البدائل الكبرى أثناء الصراع الحاد بين قوى الاحتلال وقوى التحرر هو صراع تاريخي لا هوادة فيه ما لم يحسم لصالح الحق. وهي المهمة التي تمثلها ومثلها على الدوام تيار الثقافة الحقيقة في كل تواريخ الأمم. وهي مهمة تنطلق من إدراكها للحقيقة القائلة، بأنه عند الشدائد تذهب الأحقاد.
أما الاتجاه المعارض للمقاومة الفعلية كما نراها حاليا في الموقف المضاد لحركة المقاومة اللبنانية كما يمثلها (حزب الله) فإنه يسير في الاتجاه المعاكس تماما. بمعنى انه الممثل النموذجي لإثارة الأحقاد زمن الشدائد. فعندما نسمع "بفتوى" الوهابية في قتال (حزب الله) "الرافضي" (أي الذي يرفض الاحتلال، كما كان الحال بالنسبة لمضمون فكرة الرفض التي تمثلها التشيع في اغلب تاريخه السياسي) وآراء "الأدلة العقلانية" لبقايا "الشيوعية" المتهرئة و"العلمانية" المزيفة و"الليبرالية" المسروقة في دعمها غير المباشر للهمجية اليهودية الصهيونية، فإننا نقف أمام "حلف مقدس" نادرا ما يمكن العثور عليه في تاريخ الأمم، باستثناء مراحل الانحطاط الكبرى. وهو واقع فعلي! إذ نقف أمام واقع تلتقي فيه العبارة والغاية الواقعية بين قوى "الشيوعية" و"العلمانية" و"الليبرالية" والقوى الأكثر تخلفا وخيانة في الدول العربية الحالية. وفي كلاهما يقترب الخطاب بصورة واعية وغير واعية من تمثيل النعرة الطائفية السياسية رغم تباين النوايا أحيانا. بينما في مراحل الصراع الكبرى لا قيمة "للنوايا الحسنة" حالما تصبح جزء من النوايا السيئة. ولا مجال للشك في أن القوى المتخلفة والعميلة لا يمكن أن يكون خطابها وسلوكها غير الوقيعة بمن تراهم مصدر الخطر الأكبر لوجودها. ولا خطر اكبر لها غير روح المقاومة والتحرر.
إضافة لذلك أن مهمة العقلانية زمن الصراع الحاد والدموي لا تفترض المساهمة في التشكيك والتشهير وإحباط العزيمة أمام عدو غادر مجرم سفاح استيطاني غريب مغترب. عدو كل "تاريخه" هو مجرد زمن الخراب والتخريب والسرقة والقتل، أي مجزرة دائمة. بعبارة أخرى إننا نقف أمام "عقلانية" لا ضمير فيها. وهي أتعس أنواع العقلانية، لأنها لا تصنع في الواقع غير عقلية السفسطة الماكرة، وسفسطة النفس الأمارة بالسوء. بينما تفترض حقيقة العقلانية رؤية البدائل الواقعية الأسمى. وأخيرا لا عقلانية على الإطلاق في الانجرار وراء قوى هي مصدر الهزيمة والتخلف. وهي "عقلانية" جعلت من الممكن تحول بعض المثقفين إلى دعاة الدفاع عن "إسرائيل" لمواجهة "الإرهاب"! وهو عين السقوط السياسي والأخلاقي والقومي والإنساني.
فقد قال احد الفلاسفة الإغريق في قومه (أهل إفسس) عندما لاحظ معالم الانحطاط فيهم: "اللهم اكشف عوراتهم في وضح النهار"!! بينما نقف الآن أمام عورة بدون دعاء إليها وعليها كما هو الحال في التقاء بقايا السلفيات "الشيوعية" والوهابية، ومراهقة "العلمانية" و"الليبرالية"!! وهي ظاهرة ينبغي البحث فيها عن الوحدة الخفية بين الأنظمة السياسية المتخلفة ونفسية الأقلية. وهي وحدة لها تاريخها الخاص في حالة الانكماش المميزة للأنظمة التقليدية. أما بقاء الأقليات ضمن نفسية وذهنية الأقوام الصغيرة، فإنها عادة ما تستفحل زمن الانحطاط والصراعات العنيفة. وهي ظاهرة يمكن رؤيتها في تجارب اغلب الأمم، إن لم يكن جميعها. وفي حالة العالم العربي الحالية لم يعد تخفى حقيقة الانكماش السياسي الهائل للأنظمة السياسية التقليدية التي أدركت بان السبيل الوحيد للحفاظ على "وحدتها الداخلية" أو انكماشها الذاتي من تأثير العوامل الخارجية هو شراء الخارج. من هنا الاهتمام الهائل و"الفعال" في توسيع شبكة الفضائيات والجرائد والمجلات "العربية" العامة من اجل شراء الأقلام ومن خلالها العقول والضمائر. بمعنى تخريبها عبر الإسهام في مشاركتها السياسية التي تبرز بوضوح زمن الشدائد.
أما الأقليات غير المندمجة فإنها تنتعش في غمار الغيتو باعتباره عالمها الكبير. من هنا فعاليتها المتحمسة في اقتناص كل ما يمكنه أن يسهم في تعميق التجزئة والعيش بمعاييرها. ولا حالة أفضل لها بهذا الصدد أكثر من حالة الانحطاط والهزيمة. وذلك لان نفسية وذهنية الأقلية غير المندمجة ثقافيا وسياسيا هي من بقايا لم تكتمل. من هنا البحث عن اكتمالها في الانغلاق على النفس. وفي هذا يكمن سر الالتقاء بين "يسار" منغلق و"شيوعية" أقليات و"ليبرالية" جرائد و"علمانية" فضائيات ومواقع الكترونية مملوكة لأنظمة تقليدية سلفية استبدادية. وهي حالة أكثر من أبرزها تعمق الصراع العنيف في الآونة الأخيرة. حيث نقف للمرة الأولى أمام ظاهرة تبدو فيها المقاومة اللبنانية و(حزب الله) اشد خطرا وتخريبا وإرهابا مما في الصحافة الصهيونية. وهي الأصوات نفسها التي حاولت على امتداد عقود من الزمن صنع رصيدها الدعائي من خلال جعل نموذج المقاومة الفلسطينية مثالا للمحاكاة.
فقد كشف نموذج المقاومة اللبنانية في شخصية (حزب الله) عن سر "الدفاع" الإعلامي للمقاومة الفلسطينية. فقد كانت هذه الأخيرة محكومة بسجن الإرهاب اليهودي. وبالتالي محدودية طاقتها. فالوجود الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني هو "مجمّع كبير" خاضع للسيطرة التامة والمراقبة الكلية من الداخل والخارج. ومن ثم فان حركته مرصودة والحرية فيه مهما بدت كبيرة بمعايير غزة، فإنها تبقى مقيدة تماما بإمكانية وطاقة الاحتلال. من هنا ظل صراعها وكفاحها البطولي جزء من "صراع داخلي" يمكن التلاعب بمآثره وتضحياته الدائمة عبر الصحافة والإعلام دون دفع ثمنه السياسي المحتمل. بينما يختلف الأمر اختلافا جوهريا فيما يتعلق بالمقاومة اللبنانية وتجربة (حزب الله). إنها خارج الطوق اليهودي الصهيوني، وخارج تأثير الأنظمة التقليدية. ومن ثم فهي تتمتع بقدر من التجربة الذاتية المستقلة والقدرة على التأثير الخارجي. وليس مصادفة أن تصدح جوقة "العلمانية" المزيفة و"الشيوعية" الكاذبة و"الليبرالية" المأجورة في رسم "معالم الخطر القادم من الحركة الدينية"!! كما لو أن العالم العربي يعيش في بحبوحة الاشتراكية الديمقراطية أو البرجوازية الليبرالية أو العلمانية الراقية. وهو تخوف يعكس أولا وقبل كل شيء اندفاع "الارتزاق الثقافي" والدعم الذي حصل عليه من قبل الأنظمة المتهرئة في "حلف" الانحطاط "المقدس". وإلا فان أحداث الصراع الدامية والقوى القائمة والداعمة وراء الغزو الصهيوني لجنوب لبنان ومحاولة تدمير البنية التحتية للبنان و(حزب الله) تكشفت بجلاء من خلال الخطاب السياسي الرسمي وتسريب المعلومات والدلائل المادية الهائلة، على أنها كانت جزء من "قرار إستراتيجي" لتدمير روح المقاومة أولا وقبل كل شيء.
بعبارة أخرى، إن كل ما جرى ويجري هو أمر مبيت. بل انه علني في آراء وموقف السياسة الأمريكية وأداتها الإسرائيلية. إنها ليست مهمة تحرير مرتزقة اثنين ممن أسرتهم لقوات العسكرية للمقاومة اللبنانية (لو كان الأمر كذلك لكانت مهمة سياسية أو دبلوماسية ولكن حالما تتحول إلى حرب شاملة فان ذلك يعني أنها كانت شاملة قبل ذلك). لقد كانت تحتاج إلى ذريعة. والذريعة في السياسة الدولية موجود دائمة عندما تختل موازين القوى، وذلك لأنها تنبع من حالة الخلل نفسها. وتجربة العراق الحالية هي دليل صارخ. أسلحة دمار شامل، ثم تحرير ثم ديمقراطية ثم محاربة إرهاب ثم فرق موت ثم طائفية شيعية. وهو دولاب لا يتوقف ما لم توقفه قوة وطنية حقيقية تدرك بان مهمة التحرير الفعلية هي مهمتها الخاصة وان الديمقراطية والدولة الشرعية هي نتاج معاناة ذاتية وتاريخ خاص ورؤية واقعية تستمد مقوماتها وأصولها من إدراكها الخاص للمستقبل. وما عدا ذلك هي مجرد صور وأشكال متنوعة لسلوك الإمبراطورية والنزعة النفعية التي تجعل من كل ما هو عائم على السطح شعارا يمكن توظيفه. والعالم مليء بالعوامات، بما في ذلك أنصاف المثقفين وأشباه المتعلمين ومرتزقة الثقافة وألسنتها الجديدة في الارتزاق الثقافي.
وضمن هذا السياق يمكن فهم شعار الدعاية المتطابق بين السلطات العربية العميلة والطائفيات السياسية المتخاذلة و"العقلانيات" العربية المزيفة والدعاوي الأمريكية في إرساء الديمقراطية ومحاربة الإرهاب التي تشاركها به "إسرائيل" في الموقف من "اليد الإيرانية"!! انه التقاء "استراتيجي" في محاربة روح المقاومة الحرة. وإذا كان شكلها ونموذجها الحي الحالي في (حزب الله)، فلا بأس من تحويله إلى (حزب الشيطان)، أي الخطر الكامن في الروح والجسد!! فهو الخطر الذي ينبغي أن يوحد الجميع، أي السلطات الخربة والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في خطاب "عقلاني" لمواجهة السلفية الدينية (الإيرانية) ونموذجها العربي في (حزب الله). كما لو أن جدول الأنظمة العربية يتسم بقدر من الرؤية القومية الحقيقة والعقلانية السياسية. بعبارة أخرى، أنها لم تتوان عن دعمه لو أنها نفذ جدول أعمالها الخربة. وإذا كان جدول أعمال الدولة العربية يتسم تاريخيا بالعمالة أو الهزيمة أو الخذلان، من هنا تخوفها وهلعها من "المصالح الإيرانية" في المنطقة، كما لو أن إيران من مكان خارجه أو معزولة عنه جغرافيا وتاريخيا وثقافيا وروحيا ودينيا وحتى مذهبيا!!
ولنفترض ذلك ثم ماذا؟ إن التحالفات في ميدان السياسة أمر واقعي وضروري بل وحتمي. ومضمون السياسة هو إيجاد علاقة. والعلاقة هي تجسيد لرؤية ومصالح. والمصالح متغيرة متبدلة لكنها تحتوي على قدر من الثبات. ومن بين أهم مقومات هذا الثبات الأبعاد الجغرافية والتاريخية والثقافية والاقتصادية. فمن الناحية الجغرافية تشكل إيران مكونا جوهريا من المنطقة. أنها تمثل من الناحية التاريخية وحدة واحدة مع الهلال الخصيب والجزيرة العربية. ومن الناحية الثقافية هي مكون ومصدر مشترك لتاريخ ما قبل الإسلام والإسلام والآن. أما المصالح الاقتصادية فإنها محكومة بالرؤية السياسية. وهي رؤية لا تعمل الصيغة الخربة والسائدة منها في العالم العربي تجاه إيران إلا على معارضة المصالح القومية العربية الفعلية. وسببها الرئيسي يقوم في ضعف التكامل الذاتي للدولة العربية الحديثة. على عكس ما في إيران، فإنها تتمتع، رغم تخلف الكثير من جوانب وجودها الحالي، بقدر اكبر مما هو عليه الأمر في الدول العربية الحديثة، من التكامل الذاتي. وهو الأمر الذي يجعلها في حال تطبيق رؤية إستراتيجية بعيدة المدى للتكامل الذاتي في كل دولة عربية وعلى النطاق العربي في وقت لاحق، قوة إضافية للمنطقة.
إن المصالح الجوهرية للعالم العربي تفترض البحث عن رؤية إستراتيجية تخدم تكامله الذاتي. وإيران هي مكون جغرافي وتاريخي وثقافي وروحي إضافي. من ها ضرورة تحويله، وكذلك الحال بالنسبة للموقف من تركيا، إلى مكون سياسي واقتصادي وعسكري. بعبارة أخرى، إن العالم العربي بحاجة إلى حلف عربي تركي إيراني وتكامل مستقبلي. وقد استطاع (حزب الله) أن يقدم نموذجا أوليا لا يخلو من شوائب بهذا الصدد، شأن كل محاولة أولية كبرى. لكنها محاولة الرجوع إلى المقدمات والجذور الفعلية والضرورية. وفي ممارسته ونموذجه يمكن تلمس الأبعاد الإستراتيجية الأولية بالنسبة لإعادة بناء الرؤية التاريخية السياسية للنفس، وليس بالقفز على مراحل التاريخ بحيث يتحول بدوي الجبل والصحراء من مرحلة ما قبل التاريخ إلى ما بعد التاريخ عبر "ديمقراطية" لا ذوق فيها ولا معاناة، و"علمانية" هي عين السلفية المتخلفة. كما استطاع أن يذلل الطائفية من داخلها وليس من خلال وعبر نفاق لا طائل تحته ورياء سياسي يلازمه. وهو عين الرجوع إلى النفس من خلال مكوناتها. وفي نمط مواجهته للمشاكل الداخلية والخارجية استطاع الاقتراب ضمن أوضاع لبنان وجذور تجزئته القديمة، من فكرة الوطنية العامة. وفي مختلف أشكال ومستويات عمله السياسي جعل (حزب الله) من نفسه حزبا سياسيا متميزا يتسم بقدر هائل من الشرعية والتأييد الفعلي والعميق والعام. كما استطاع أن يقدم قيادات نموذجية في العمل. وفي العمل استطاع الارتقاء إلى مصاف التجديد الوجداني الصادق للفكرة العربية والإسلامية. إذ أن مجرد تخيل دولة عربية واحدة تتمتع بروحية (حزب الله) في العمل والمواجهة والتحدي ولا نقل عشرة أو عشرون دولة، لكي يمكن للمرء في الظروف الحالية توقع هذا "الخطر" الهائل لمصالح الغزو والاحتلال. وفي هذا "التخيل" ينبغي البحث عن سر الخوف من المستقبل بالنسبة لأولئك الذين وجدوا فيه وفي نموذج مقاومته للاحتلال "مصدر الخطر الأكبر"، بحيث أصبح التحذير من إمكانية تكرار نموذجه في العراق أو في غيره الشغل الشاغل أو الهم المستتر والعلني للارتزاق الثقافي.
يكشف الارتزاق الثقافي في حصيلة مواقفه وأسلوبه وغايته من قضية المقاومة في نموذج (حزب الله) عن عمق الهوة التي تفصله عن المستقبل وعن حقيقة الثقافة ومهماتها. فالثقافة الحقيقية هي القادرة على صنع المثقف الحر. والمثقف الحر والحقيقي هو من يعمل من اجل المستقبل بمعايير الحرية وتحمل نتائجها، وليس في تحويل الجبن إلى فضيلة. إن الجبن لا يصنع فكرة عقلانية ولا فضيلة. بل يحرق كل الفضائل الممكنة في أتون تبرير هو عين السقوط المادي والمعنوي. ولا معنى للحفاظ على ما هو موجود كما لو انه وجود العقل المطلق. أما الدفاع عنه فهو عمل من اجل إدامة السقام والسقيم. وفي هذه الحالة ينبغي البحث عن طبيعة وحجم ونوعية الاشتراك الفعال في هذه الدعوة العنيفة لمهاجمة (حزب الله) والمقاومة اللبنانية من جانب جثث سياسية عفا عليها الزمن أو السنة بلا قلوب لا شيء فيها لغير لطع الرشوة التافهة والتلذذ بما فيها من مرارة.
إن "لقمة العيش" ليست أسلوبا لوجود المثقف، كما أنها ليست ضرورية لأي إنسان حر. أنها ثمرة العبودية المرّة. وهذه لا قيمة لها، بل عدمها خير من وجودها. لان أقصى ما تستطيع القيام به هو خذلان كل ما هو جوهري في الوجود الإنساني.




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل
- الميليشيا والدولة في عراق -الديمقراطية- والاحتلال
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 6
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية 5
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3