أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ميثم الجنابي - المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3















المزيد.....

المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1642 - 2006 / 8 / 14 - 10:35
المحور: المجتمع المدني
    


ظاهرة الارتزاق الثقافي
عندما نتأمل الصحف المطبوعة والمواقع الالكترونية العراقية العديدة، فإننا نعثر إلى جانب المستوى الركيك في المعنى والعبارة، وشبه انعدام للفكر والتفكر، وتشوش في المنهج أو خلط لا يعقل بمعايير المنطق، على ظاهرة الارتزاق الجلية التي صنّعت ظاهرة ما يمكن دعوته بالمثقفين المؤقتين. وهي ظاهرة نعثر فيها على تناسخ الأرواح الخربة للنخبة السياسية المؤقتة في ظروف العراق الحالية.
فالمثقف هو جزء من النخبة العامة. وما يميزه بينها هو احترافه للإبداع الروحي المتنوع. فهو المعيار الوحيد لتحديد هويته الذاتية. وهي حقيقة يمكن تلمسها وإدراكها على مثال ونماذج المثقفين المبدعين في كل تاريخ الأمم والحضارات. وهي حقيقة يمكن رؤيتها بوضوح في تاريخ العراق، بوصفه احد اعرق وأعمق واجمع تواريخ الإبداع الروحي الإنساني. وهو تاريخ الفضيلة. لكنه شأن كل تاريخ عريق، عريق في كل شيء بما في ذلك في الرذيلة. وهي ظاهرة تحتوي بحد ذاتها على خط فاصل بين تاريخين- دائم ومؤقت، ثابت ومتغير، مستديم وعابر، ومطلق وعرضي، أي الحد الفاصل بين الأرواح والأشباح.
فالتاريخ الإنساني هو إنساني بالضرورة. بمعنى انه يحتوي ويعيد إنتاج وتراكم الأبعاد الإنسانية بوصفها خيرا عاما، ونموذجا معقولا ومقبولا، وقيمة مؤثرة في العقل والوجدان والحس والحدس. وهو السر القائم وراء قيمة المثقف وأثره في تاريخ الأمم والحضارات. فإذا كانت الحضارة هي الثقافة الأصيلة في كيفية مواجهتها وحلها للإشكاليات الكبرى التي تواجهها الأمة والدولة والأفراد والجماعات، فان صانعها الروحي هو المثقف الأصيل، أي المثقف الذي يفكر ويعمل ويفعل ويعيش ويواجه الوجود في كل إشكالاته ومشاكله بمعايير الحق والحقيقة.
وليس اعتباطا أن تتوصل الثقافة العربية الإسلامية إلى الفكرة القائلة، بان الفضيلة الوحيدة القائمة بذاتها ولذاتها هي العلم. فكل ما عداها عرضي وقائم بغيره كالقوة والمال والجاه. والناس جميعا تتقبل وصفها بمختلف الأوصاف لكنها تشعر بالمهانة والغضب حالما توصف بالبلادة والغباء، كما أن الخالي من العلم يشعر بالغبطة والسعادة حالما يجري وصفه بالعالم الشهير والمفكر الكبير وما شابه ذلك. وهي ظاهرة يمكن رؤيتها فيما يقدم عبر شاشات التلفيزيون من أوصاف تطرب الأغبياء وأنصاف المتعلمين حالما يجري لصق كلمة "المفكر" به. مع أنها كلمة لم تطلقها الثقافة العربية الإسلامية في كل تاريخها إلا على أشخاص قلة، أي على أولئك الذين بلغوا درجة "الأئمة" في العلوم والإبداع.
إلا أن لكل مرحلة بلادتها الخاصة. وليس تحول أنصاف المثقفين وأشباه المتعلمين إلى "مفكرين" سوى الوجه الآخر لتحول الأقزام إلى أزلام. فالمثقف هو الوجه الآخر لحالة الوجود التاريخي للدولة والأمة. ويعكس مزاجها الصاعد وانحطاطها الساقط. وفيما بينهما تظهر حقيقة الصفة الجوهرية للمثقف عند البعض، كما يظهر أيضا الزيف والدعوى عند الآخر. وهي حالة لا تخلو منها مرحلة تاريخية ومستوى من مستويات تطور الأمم والدول والمعرفة، لكنها تستفحل زمن الانحطاط. فالانحطاط لا ينتج في الأغلب غير ارتزاق متعدد الأوجه والوسائل. وهي الحالة التي تنتج بكميات كبيرة أنصاف المثقفين وأشباه المتعلمين والأدعياء من كل شاكلة وطراز. وهو مؤشر في نفس الوقت على بلوغ الانحطاط المادي والمعنوي احد درجاته الدنيا (أو القصوى). ولا فرق! فالغباء كالحفرة تتساوى تجاهها الألقاب "الواسعة" و"العميقة" وغيرها، لأنها جميعا تدل على أن الانهماك في توسيعها وتعميقها هو عين السقوط في الحضيض.
ولا حضيض أتعس بالنسبة للدولة والمجتمع والثقافة من حالة مؤقتة ومتغيرة وعابرة وعرضية، أي كل ما ينتج ويعيد إنتاج الأشباح الفارغة من معاناة البحث عن الحقيقة والدفاع عن الحق بوصفه جوهر الإبداع الروحي، أي لروح المثقف.
فالمثقف روح! وحالما يتحول إلى وعاء الرشوة السياسية والحزبية ولسانها الناطق، فان ذلك دليل على فقدانه لما يدعيه. وهو عقابه الأبدي. بمعنى تحوله إلى لسان بلا قلب شأن النائحة المأجورة تبكي في كل عزاء وتستجيب لكل رجاء مقابل المال والجاه. وكلاهما من صنف واحد.
إن المثقف المرتزق من حيث الجوهر هو لسان بلا قلب. وهي حالة تجعل من الارتزاق أسلوب وجوده. وهو فعل متعدد الأوجه والأشكال لكنه يصب في اتجاه تعميق وتوسيع حفرة الانحطاط المادي والمعنوي. وهي الحالة التي يمكن رؤيتها بوضوح في أوضاع العراق الحالية. وهي أوضاع لا تخلو من تأثير أربعة عقود من التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية التي أحالت الثقافة إلى هشيم محروق في بطون فارغة، همّها التهام كل ما يمكن التهامه وإخراج أصوات ينفر منها الذوق. بحيث جعلت مهمة المثقف على قدر همته، وسحقت همته بحيث حولتها إلى هموم صغيرة. وجعلت من حالة المثقف تجسيدا للحكم القائل، بان من كان همّه ما يدخل فيه فقدره على ما يخرج منه!!
وضمن هذا السياق يمكن فهم مقدمات "الارتزاق الثقافي" في ظروف العراق الحالية (بالقدر نفسه في العالم العربي ككل). لكنه لا يبرر مسئولية المثقف. فالمثقف مسئولية، أي التزام معرفي وموقف أخلاقي. وهي مسئولية تجعل من نقد ومواجهة "الارتزاق الثقافي" إحدى المهمات الكبرى والضرورية للإبداع الثقافي الأصيل. لاسيما وإننا نقف أمام جمع غريب على اللغة والمعنى لا نحت فيه ولا اشتقاق!
"ارتزاق ثقافي"! أنه "إبداع" جديد لانحطاط "أصيل"!! فمن الممكن توقع ثقافة ارتزاق ومرتزقة، أما وجود "ارتزاق ثقافي" فهو الجمع المشوه بين مكونين متعارضين ومتضادين من حيث المهمة والغاية الذاتية لكل منهما. لكن الحياة أكثر تعقيدا وخرابا أحيانا من صرامة اللغة ومنطقها حدودها الخاصة! و"الارتزاق الثقافي" هو الصورة الأكثر تشوها وتخريبا للثقافة المرتزقة، وذلك لأنه يخلط بين ثقافة عقائدية شرسة وارتزاق مغلف يقيم مزيفة.
إن "الارتزاق الثقافي" ظاهرة عراقية (ولحد ما عربية عامة) جديدة لها تقاليدها المبطنة. فمن الناحية التاريخية هي وثيقة الارتباط بالطابع المؤقت والمتغير والعابر والعرضي للسلطة والنخب السياسية. وهي ظاهرة كانت ملازمة لصعود الراديكالية السياسية ما بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 وتناسخها اللاحق في نفسية وذهنية وتقاليد الاستبداد السياسي (السلطة "الثورية") والانحطاط المعرفي (ثقافة الجهل والتجهيل الإيديولوجية) والسقوط الأخلاقي (النزعة الكلبية والتأقلم السقيم)، التي بلغت ذروتها في الدكتاتورية الصدامية. أما محدداتها الشخصية فهي كل من الجهل العلمي، والتشوه المعرفي، والابتذال الإيديولوجي، وانحطاط القيم الفردية للمثقف. وهي ظاهرة مؤلمة للغاية بالنسبة للأفراد والتاريخ والثقافة. لكنها الحالة الأكثر ظهورا وبروزا وانتشارا للثقافة والمثقفين في ظروف العراق الحالية. وذلك لان وجود "مثقف مرتزق" ظاهرة مأساوية بحد ذاتها، وثقافة مرتزقة اشد مأساة، أما "الارتزاق الثقافي" فهي الصيغة الأكثر شراسة للانحطاط الثقافي والسياسي. وذلك لأنها تجمع بين الاثنين على شكل دعوى وتحد وبهرجة هي عين الفقدان الشامل للبصر والبصيرة والعقل والوجدان والقلب والروح.
وهي الحالة التي يمكن رؤيتها على مثال أولئك " المثقفين العرب العراقيين" الذين جعلوا من مهمة مهاجمة القومية العربية والدفاع عن القومية الكردية مهمتهم الشخصية، أو من وظفوا بوعي "نقد" حزب الله والمقاومة اللبنانية من اجل إحباط العزيمة، أي من كانت آراؤهم وحججهم لا تنبع من رؤية خاصة أو "عقلانية باردة" لا معنى لها وقت الشدائد، بل من حسابات ضيقة مدفوعة الأجر بالغالب. وإذا كانت الأخيرة ظاهرة "معقولة" ضمن مسار الانعطافات الحادة والمواجهات العنيفة التي تميز بعض أحداث التاريخ كما هو الحال بالنسبة لمواجهة (حزب الله) والمقاومة اللبنانية، فان الأمر يختلف تماما فيما يتعلق بالظاهرة الأولى. وذلك لأنها تخلط بين مهمتين لا يمكن التوفيق بينهما إلا بنوازع "الارتزاق الثقافي". وذلك لأنها مهمة لا يمكن الإخلاص فيها لا بمعايير القومية ولا بمعايير الأممية.




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل
- الميليشيا والدولة في عراق -الديمقراطية- والاحتلال
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 6
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية 5
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى


المزيد.....




- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ميثم الجنابي - المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3