أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية















المزيد.....



الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1641 - 2006 / 8 / 13 - 10:18
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


من الواضح لكل ذي عينين ان الخطة الاميركية ـ الاسرائيلية لتطويع لبنان قد فشلت فشلا ذريعا، بل انها آتت نتائج عكسية تماما. والتضحيات الجسيمة التي تحملها المدنيون اللبنانيون، وبالاخص الاطفال، تؤكد تماما هذه الحقيقة ولا تنفيها. فهذا الانتقام الهتلري الجبان والرخيص من الاطفال الابرياء والنساء والمسنين والمرضى خصوصا، ومن المدنيين عموما، لم يقرب اسرائيل قيد انملة من تحقيق اهدافها العسكرية والسياسية، وعلى رأسها هدف عزل المقاومة، والقضاء عليها، بل ابعدها اكثر عن تحقيق تلك الاهداف، وحوّل المقاومة الى ضرورة وطنية لبنانية شاملة، وطرح بشدة ضرورة تحويلها الى مقاومة شعبية عربية شاملة.
ويكاد جميع المراقبين والمحللين، بما في ذلك في الجانب الاسرائيلي، يجمعون ان "هذه الحرب" تختلف عن كل ما سبقها من الحروب العربية ـ الاسرائيلية. فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي، يفشل الجيش الاسرائيلي في تحقيق اهدافه الستراتيجية، ويفقد زمام المبادرة الستراتيجية، العسكرية والسياسية، وتصاب قيادته بالارباك، حتى على مستوى تقرير التاكتيك العسكري الانجح، الذي عليها اتباعه. مثلا: كانت الخطة العسكرية لاسرائيل، في الايام الاولى للمواجهة، كما اعلنتها القيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية ذاتها، تعتمد على تاكتيك توجيه ضربات جوية شديدة لما تظنه مواقع لحزب الله، وللاهداف المدنية والبنية التحتية، وفي الوقت ذاته شن هجمة سياسية شديدة، من قبل اميركا وحلفائها العرب واللبنانيين لتفكيك الجبهة الداخلية اللبنانية. والهدف العام: تركيع المقاومة، وعزلها محليا واقليميا ودوليا، وفرض الشروط الاميركية ـ الاسرائيلية على لبنان. ولكن هذا التاكتيك فشل فشلا ذريعا، وانقلب رأسا على عقب. وقد تحقق هذا الفشل، بفضل احتواء المقاومة للضربة وانتقالها الى الهجوم التاكتيكي بالصواريخ ونقل المعركة، بشكل شبه متوازن، الى اراضي العدو ذاتها. وهذا ما ادى، سياسيا، الى تعزيز روح الصمود الوطني، وفضح وحشية العدو، وحماية الجبهة الداخلية من التفكك، كما ادى، عسكريا، الى اظهار عجز العدو عن تحقيق اهدافه الستراتيجية. وحينذاك اضطر العدو، بعد بضعة ايام فقط، لتغيير تاكتيكه، واللجوء الى استخدام سلاح المدرعات، وسلاح المشاة، المدعومين بالقوة النارية للمدفعية والطيران والبحرية، وذلك بشكل متردد غير واضح الاهداف تماما:
ـ تحقيق توسع افقي بشريط ضيق على طول الحدود،
ـ او تحقيق اختراقات عمودية بعيدة ومن ثم الالتفاف على مناطق واسعة واحتلالها وتطهيرها،
ـ او استدراج قوات المقاومة الى الشريط الحدودي واستنزافها والهائها والقيام في الوقت نفسه بعمليات انزال في نقاط مختلفة في العمق اللبناني،
ومن خلال اي من هذه التاكتيكات: خلق امر واقع عسكري ـ سياسي يستطيع من خلاله العدو الاميركي ـ الاسرائيلي فرض الشروط على المقاومة والشعب والدولة في لبنان.
ولكن استمرار المقاومة الصلبة والمرنة في مواجهة كل هذه التاكتيكات، واستمرار الهجمات المضادة من قبل المقاومة ضد اي نقطة استطاع العدو الوصول اليها، واستمرار رشقات الصواريخ ضد القواعد العسكرية وتجمعات الجنود والمستوطنات والمدن الاسرائيلية (الامر الذي لا مثيل له في اي حرب عربية ـ اسرائيلية سابقة) أفشل هذه التاكتيكات، وجعل العدو يتخبط اكثر فأكثر في اي تاكتيك يعتمده.
وفي حين كان العدو يتوقع ان يحقق اهدافه في بضعة ايام، فلم تعد الاسابيع تكفيه لتحقيق تلك الاهداف، بل وبدأ الميزان العسكري يميل نحو توجيه ضربات اكبر للعمق الاسرائيلي، بما في ذلك تهديد مدينة تل ابيب ـ عاصمة الكيان الصهيوني ذاتها، مما يضع العدو على حافة الافلاس التام لجيشه العرعرم، الذي سبق له وهزم اكبر الجيوش العربية، واحتمال لجوئه لاستخدام اسلحة الدمار الشامل، بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك من تجاوز لكل الخطوط الحمر وقلب تام لقواعد "اللعبة" والتهديد بانفجار حريق عالمي واسع النطاق.
وبعد ان كان العدو يتحدث عن ايجاد شريط عازل داخل الاراضي اللبنانية، بدأ الحديث عن توسيع غير محدد لنطاق العمليات العسكرية.
وبعد ان كان العدو الاسرائيلي ـ الاميركي يتحدث عن ايام لتحقيق اهداف العملية العدوانية، وهو ما كانت تتوقعه الست غونداليزا رايس ومعها بعض الاوساط "العربية" الصديقة لاميركا مما يريحهم من الاحراج الذي اخذ يشكله بالنسبة لهم ظهور المقاومة اللبنانية، بدأ مجرم الحرب عمير بيرتس، وزير الدفاع الصهيوني، يتحدث انه لا سقف زمنيا للعملية العدوانية الاسرائيلية.
XXX
انه من المؤكد ان العدو الاسرائيلي، ومعه العدو الاكبر اميركا، لم يتغير، وخصوصا انه لم يضعف، بل انه اصبح اكثر قوة واكثر صلفا واكثر وحشية. فما الذي تغير اذن، حتى تقع كل هذه البلبلة السياسية والعسكرية في صفوف الاعداء!؟
ان هذه البلبلة، لوحدها، في الستراتيجية الاسرائيلية ـ الاميركية، تجعل من الضروري القاء نظرة على الجانب الاخر، اي الجانب العربي (هنا ـ في هذه الحرب ـ المقاومة اللبنانية)، واجراء مقارنة بين هذه الحرب، من الجانب العربي، وبين ما سبقها من حروب عربية ـ اسرائيلية. والنظر بالتحديد في الاختلاف بين الاستراتيجية العربية في هذه الحرب، والاستراتيجية العربية في الحروب السابقة.
ان المعطيات السياسية الاساسية للترابط الستراتيجي العضوي الاميركي ـ الاسرائيلي، وللقضية الفلسطينية، ولتخاذل وخيانية الانظمة العربية، وللصراع العربي ـ الاسرائيلي عامة، بما في ذلك معطيات التناقض التناحري اللبناني ـ الاسرائيلي، لا تزال هي نفسها، قبل وبعد 12 تموز 2006، اي قبل وبعد اندلاع الحرب السادسة الراهنة. ونظن انه لا حاجة الى تكرار هذه المعطيات. وإن ما ظهر من وحشية اضافية للكيان الصهيوني وما يسمى "المجتمع الاسرائيلي" العنصري و"جيش الدفاع" النازي الاسرائيلي، لا يغير اي شيء جوهري في عنصرية وفاشية هذا الكيان، بل يؤكدها اكثر ويسلط الاضواء عليها اكثر.
والشيء الجديد البارز والمميز في هذه الحرب هو انها، ولاول مرة في تاريخ الحروب العربية ـ الاسرائيلية، جرى خوضها على قاعدة ستراتيجية الحرب الشعبية، التي طبقتها المقاومة اللبنانية، بقيادة "حزب الله"، بنجاح، على المستوى العسكري اساسا، ومن ثم على المستوى السياسي والاعلامي التعبوي.
وكان دور الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني، والانظمة العربية الاخرى، دورا تابعا، خاضعا وهامشيا، وفي حالات معينة، سياسية واعلامية، دورا معرقلا ومحبطا. ولكن اصرار القيادة الحكيمة للمقاومة على التمسك بستراتيجية وتاكتيكات الحرب الشعبية قلـّص الى الحد الاقصى سلبيات المواقف اللبنانية والعربية الرسمية المعرقلة، واعاد تأطيرها في خدمة ستراتيجية الحرب الشعبية، كرديف احتياطي للمقاومة الشعبية، عسكريا وسياسيا وتعبويا، ولو في الحدود الدنيا.
في حين ان الطابع الغالب للحروب السابقة، من الجانب العربي، كان طابع استراتيجية الحرب النظامية، التي اعتمدتها وقادتها و"خاضتها" الانظمة العربية التي شاركت في تلك الحروب، ومنها بالاخص ما كان يسمى "الانظمة الوطنية والتقدمية"، الناصري والبعثي، المصري والسوري، الخ.
وهنا نجدنا بحاجة الى اضافة الملاحظة الضرورية التالية وهي: ان هذا التقييم العام يشمل ايضا الحرب الخامسة التي قامت فيها اسرائيل باجتياح لبنان في 1982، حيث ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اخذت تضطلع بدور "وكيل فلسطيني" و"رديف فلسطيني" لنظام الانظمة العربية، وبنتيجة ذلك فإن قوات منظمة التحرير الفلسطينية، عماد القوة المواجهة للجيش الاسرائيلي حينذاك، كانت قد ابتعدت كثيرا عن استراتيجية وسلوكيات الحرب الشعبية، وانحرفت تماما نحو الوقوع في مرض "الاستنظام" (الذي هو طبعا غير "التنظيم") و"العسكرة"، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تسطـّح سياسي وعسكري وتجوّف نضالي، ومن غرق في المستنقع القطري، ومن احتقار للجماهير الشعبية وفساد وارتزاق وتراتبية فئوية وتموضع مكشوف واستعراضية فارغة وخوض قتال مواقع، عسكري تقليدي، كان دائما مقتل جميع الجيوش العربية من اصغرها الى اكبرها واقواها. وإن ننسى لا ننسى ان غالبية قيادات وقوات منظمة التحرير المكشوفة، التي كانت منتشرة بكثافة من جنوب بيروت حتى الحدود، على شاكلة الحاج اسماعيل واضرابه، قد فرت حينذاك امام جحافل الجيش الاسرائيلي، الذي وصل الى مشارف بيروت، كما في نزهة، في 48 ساعة. وفي بيروت فقط، حينما وصلت السكين الى عنق قيادة منظمة التحرير، اضطرت الى تسليم قيادة العمليات العسكرية الى قادة ميدانيين شرفاء معارضين لها ويؤمنون باستراتيجية الحرب الشعبية، مثل ابو موسى وخالد العملة وابو داود وناجي علوش وامثالهم، مما اتاح تجليس البوصلة نسبيا وتنظيم المقاومة الشعبية للاجتياح وتسطير ملحمة بيروت في 1982، ورفع معنويات الجماهير الشعبية، وهو ما مهد السبيل لاطلاق المقاومة الوطنية اللبنانية، والمقاومة الاسلامية، التي ادت في النهاية الى هزيمة الاحتلال في سنة 2000.
XXX
ولإلقاء نظرة على فشل استراتيجية الحرب النظامية التي اعتمدت في الحروب العربية ـ الاسرائيلية السابقة، لا بد من اجراء مقارنة عامة بين مواصفات الحرب النظامية والحرب الشعبية:
الحرب النظامية
تمتاز هذه الحرب بالمواصفات الرئيسية التالية:
1 ـ انها في كل عناصرها (التجنيدية، التسليحية، اللوجستية، الاعلامية الخ.) تقوم على القدرة المالية خاصة والاقتصادية عامة. طبعا ان كل حرب تحتاج الى التمويل، حتى للحصول على طلقة واحدة. ولكن هناك فرقا جوهريا بين ان يكون اساس ومرتكز الحرب المعينة هو التمويل المسبق، او ان يكون اي عامل آخر يدخل التمويل كعامل خاضع له. فالحرب النظامية تنطلق من التمويل، وتستمر به، ولا يمكنها الاستمرار والانتصار الا به. وفي اوضاعنا العربية كان ولا يزال هذا يعني ان الحرب النظامية هي حرب جزء ضئيل من الشعب، هو الطبقة او الفئة الحاكمة؛ اي انها، بصرف النظر عن الجعجعة القومية والدينية الفارغة، هي حرب طبقية ـ فئوية، تقتصر على القدرات المالية والاقتصادية ـ الاستغلالية للطبقة الحاكمة التي تتحكم بالقدرات الشعبية العامة وتقننها وتحتجزها، وعلى الارتباطات الخارجية للطبقة الحاكمة، التي هي ارتباطات تبعية ـ عَمَالية في جانب منها، ومساعداتية محدودة بقرار الطرف الخارجي الذي يقدم المساعدات، في جانب آخر.
2 ـ انها حرب شيئية او حرب مشيـّأة، محورها الاساسي ليس الانسان المحارب بما قد يمتلكه من اسلحة وقدرات لوجستية وميزات قتالية، بل ان محورها الاساسي هو الاسلحة والتكنولوجيا القتالية والتجسسية والهندسية ـ القتالية الخ، التي يقوم الانسان المقاتل ـ المجند على تشغيلها والاستفادة منها، والتي يتميز فيها "هذا الانسان" بقدرته على تشغيل تلك التكنولوجيا ليس الا. وفي اوضاعنا العربية، حيث لم ولن توجد في الافق المنظور صناعة حربية تضاهي ترسانة الدول الغربية الاستعمارية وحاليا الدولة الاميركية ـ مصدر السلاح الاول لاسرائيل والعدو الرئيسي للامة العربية والشعوب الاسلامية، فهذا كان ولا يزال يعني خوض الحرب، من موقع الطرف الاضعف، الخاسر سلفا، والفاقد ـ او الاصح: المتخلي سلفا عن قدرتين ستراتيجيتين استثنائيتين يمتلكهما الجانب العربي ـ الاسلامي هما: التفوق الديموغرافي الهائل، والتفوق الجغرافي الهائل؛ وهو ما يشكل "غابة" بشرية ـ جغرافية مذهلة تضيع فيها، كعصابة لصوص، كل جيوش اسرائيل واميركا واوروبا الغربية مجتمعة، فيما لو اجتمعت.
3 ـ انها حرب عبيد مأجورين، او مرتزقة، في خدمة الطبقة الحاكمة، بمعناها العام: الداخلي والخارجي. وبدون اي انتقاص من الصفات "الوطنية" و"القومية" و"الدينية" (الاسلامية خصوصا) لجماهير الجنود والضباط الصغار والعاديين العرب، فلا يسعنا الا الاعتراف بأن الانظمة العربية، بما فيها ما كان يسمى الانظمة الوطنية والقومية والتقدمية، قد نجحت تماما في مسخ شخصية المواطن العربي، وتحويل الجندية او التعبئة العسكرية الى "مهنة" او "حرفة" ارتزاقية، كأي مهنة اخرى، مفصولة تماما عن القضايا الوطنية والقومية والانسانية لشعوبنا، بصرف النظر عن الجعجعة الديماغوجية كما اسلفنا. وبذلك تحولت الجيوش العربية الى قطعان من المرتزقة ـ عديمي الرأي والارادة والعزيمة والمبادرة، المنتظرين للاوامر التي تأتي او لا تأتي من القيادات العسكرية والسياسية المترهلة والعاجزة والمتآمرة. ونذكر هنا، من باب التنكيت (وشر البلية ما يضحك) نكتة "ماكو اوامر!" التي شاعت في صفوف القوات العراقية في حرب 1948. وطرفة "كنا نحارب في الفلوجة (في فلسطين)، والعدو في القاهرة!" التي ذكرها عبدالناصر في كتابه "فلسفة الثورة". وامر الانسحاب الكيفي الذي اعطي للقوات السورية في الجولان، والاعلان المسبق عن سقوط مدينة القنيطرة قبل ان تطأها قدم جندي اسرائيلي في حرب 1967، حيث قام عشرات الوف الجنود والضباط السوريين بالتنفيذ الاعمى لتلك الاوامر الجبانة والعاجزة في احسن الاحوال، والتآمرية والخيانية في الواقع، و"تبرئة ذمتهم" و"القيام بواجبهم" برمي سلاحهم والذهاب الى بيوتهم بدون ان يطلقوا طلقة واحدة، لمجرد ان تلقوا امرا مشبوها بالانسحاب الكيفي. واخيرا لا آخرا نذكر النكتتين التاريخيتين اللتين اطلقهما المرحوم جمال عبدالناصر حسين في نهاية الحرب ذاتها، للتخفيف والترفيه عن الشعب المصري والامة العربية والشعوب الاسلامية وهما: نكتة "انتظرناهم من الشرق، فأتونا من الغرب" (يا لطيف! كم هم عديمو الذوق هؤلاء الاسرائيليون والاميركيون، الذين يسمحون لانفسهم بألا يطرقوا البيوت من ابوابها!)؛ ونكتة تبرير الموافقة على وقف اطلاق النار بعد احتلال سيناء بحجة "ان الطريق الى القاهرة كانت مفتوحة!" (الطريق الى بيروت، او بنت جبيل، او حتى مارون الراس هي "افضل" لهؤلاء "العربان" الاقحاح(!)، و"اصعب" على العدو الاسرائيلي "المخيف"!).
وفي وضعنا العربي، وحتى لو افترضنا جدلا المستحيل، بأن تكون القيادات العربية السياسية والعسكرية في احسن حالاتها، وفي مستوى القيادات الاسرائيلية ذاتها، فإن بناء جيوش مأجورة ومرتزقة، ولو كانت اجور عناصرها في مستوى اجور السعودية والدول العربية النفطية الاخرى، فإن النصر سيجانبها حتما، لانه لا مجال للمقارنة بينها وبين الجيوش المأجورة لاسرائيل واميركا، تماما كما لا يمكن المقارنة بين المداخيل والحوافز المادية للعناصر العاملة في اي مهنة بحد ذاتها في اي بلد عربي، وامثالهم في اسرائيل واميركا. ومثلما ان اي عامل محترف ومهندس الخ عربي، يحسد زميله الاسرائيلي والاميركي، فإن حال الجندي والضابط المرتزق العربي هو في مرتبة اكثر وضاعة، بالمقارنة مع حال الجندي والضابط الاسرائيلي والاميركي. وبطبيعة الحال ان مستوى اداء الجندي المرتزق العربي هو ـ في المدى المهني وحسب ـ في مستوى ارتزاقه، اي ادنى بكثير من مستوى اداء الجندي المرتزق الاسرائيلي والاميركي. وهذا يعني، ايضا وايضا، ان ستراتيجية الحرب النظامية وضعتنا دائما، سلفا ومسبقا، في وضعية الخسارة والهزيمة المضمونة.
4 ـ ان الحرب النظامية هي على العموم حرب قواعد ومواقع عسكرية معروفة ومكشوفة، كليا او نسبيا (الثكنات، المطارات، المرافئ والقواعد العسكرية عموما). وفي العادة ان الذي "يغطي" هذه الجيوش والقواعد هو: التمويه، البعد عن مدى نيران العدو، الطيران، الرادارات، شبكات الصواريخ الدفاعية الخ). فاذا كان العدو متفوقا في الاستخبارات، وفي مدى النيران والصواريخ والطيران، وفي قدرة التخفي (الطيران المنخفض بعيد المدى، الطائرة الشبح، التشويش الالكتروني، الخ)، وفي القدرة على الاستكشاف الفضائي عبر الاقمار الاصطناعية والرادارات الطائرة (كـ"الاواكس" الاميركية) وما اشبه، فإن القواعد والجيوش العربية، تصبح فريسة سهلة للضربات الانتقامية الوحشية، بدون القدرة على ان تقوم بالدفاع عن نفسها. وعلى العموم، فإن طبيعة الحرب النظامية كحرب مواقع وقواعد وقدرات عسكرية، كان يجعل الجيوش العربية خاسرة سلفا للحروب التي تخوضها مع اسرائيل، التي تعتمد اعتمادا كليا على الترسانة العسكرية الغربية عموما والاميركية خصوصا. ومن اكبر المهازل التي جعلت المجتمع العربي ضحية لها هو شعارات مثل "التوازن الستراتيجي مع العدو" التي رفعها النظام الدكتاتوري السوري وغيره. فهذا الشعار لم يكن سوى كذبة كبيرة لا اكثر. اما في الواقع فإن تحقيق "التوازن الستراتيجي" مع اسرائيل كان يعني تحقيق "التوازن الستراتيجي" بين سوريا واميركا، مثلا، او حتى بين كل الدول العربية واميركا. وهذا ممكن فقط اذا حدث انقلاب تام في الاوضاع الدولية برمتها، مما هو في غياهب التاريخ. والامكانية الواقعية الوحيدة لتحقيق "التوازن الستراتيجي" بين سوريا واسرائيل، كانت تتمثل في فتح الترسانة السوفياتية بأسرها امام سوريا. وكان هذا غير ممكن لسببين جوهريين: الاول ان القيادة السوفياتية لم تكن في اي وقت من الاوقات في وارد شن حرب عالمية ثالثة لاجل العرب. وهذا في المدى الاقصى. والثاني، ان النظام السوري لم يكن في اي وقت من الاوقات في وارد مجرد القطيعة، وليس الحرب الشاملة، مع اميركا. وهذا في المدى الادنى.
ومما كان يزيد في "مكشوفية" الجيوش العربية هو نزعة الاستعراض وعرض العضلات والجعجعة الفارغة من قبل الانظمة والقيادات السياسية العربية، التي لم يكن همها الاساسي تحرير الارض المحتلة والقضاء على العدوان الصهيوني والامبريالي، بل المساومة مع الدول الامبريالية وعلى رأسها اميركا، ومع اسرائيل ذاتها، بهدف احتفاظ تلك القيادات بتسلطها على الشعوب العربية المظلومة. ومن الامثلة المضحكة ـ المبكية على هذه النزعة الاستعراضية:
أ ـ بعد حرب السويس في 1956، استقدم النظام المصري عددا من الخبراء الالمان، الذين اشرفوا على صناعة بعض الصواريخ المصرية. وبدلا من التستر على هذا الانجاز، بدأ استعراض تلك الصواريخ (التي سميت: القاهر، والظافر والناصر، وطبعا اخيرا: الخاسر!) في شوراع القاهرة، ونقلها في اخبار "الجريدة السينمائية" (قبل التلفزيون) التي كانت تعرض مع فيلم "غرام وانتقام" وغيره في جميع دور السينما العربية. وكانت الجماهير العربية المضللة والمتشوقة للمعركة، تقف وتصفق وتهلل حينما رؤية صورة هذه الصواريخ على الشاشة. اما العدو فكان يفرك يديه فرحا، حيث قامت الموساد لاحقا بتصفية جميع هؤلاء الخبراء الالمان المساكين، كما استعدت اسرائيل لزيادة ترسانتها العسكرية بما مكنها من تحطيم القوات المصرية في حزيران 1967 في بضع ساعات فقط.
ب ـ عشية هزيمة حزيران 1967 جرى تكديس الجيش المصري في سيناء بدون ان يتخذ له مواقع عسكرية لا دفاعية ولا هجومية، وفرض عليه الانتظار طويلا الى درجة ان علب المأكولات المعلبة بدأت تفسد وتنتفخ بفعل حرارة الشمس اللاهبة. وحينما اندلع القتال، وقعت هذه القوات صيدا سهلا للطيران الاسرائيلي، بحيث اخذ طياروه المجرمون يطاردون الجنود المصريين المساكين، التائهين في الصحراء، ويتسلون باصطيادهم بدون رحمة بالرشاشات.
ج ـ عشية الحرب ذاتها، قامت القوات المصرية بالمرور بشكل استعراضي امام القنصلية الاميركية في الاسكندرية قبل الانتقال الى سيناء. وحينما احتج احد القادة العسكريين على ذلك امام وزير الدفاع، على اعتبار ان هذا الاستعراض يكشف القوة المصرية امام الاميركيين، وبالتالي امام الاسرائيليين، اتاه الجواب المشهور "دنت فاكر حنحارب؟ دي كلها مظاهرة سياسية!"
د ـ في كتابه "كلام في السياسة"، وبالتحديد في الفصل الخاص بالملك الهاشمي حسين، رحمه الله وعوضنا بخلفه الصالح، يلمح محمد حسنين هيكل، حافظ "اسرار الآلهة"، الى ان مشاركة النظام الاردني في حرب حزيران 1967 لم تكن اكثر من مسرحية لتبرير تسليم القدس والضفة الغربية الى اسرائيل. ويعرض بعض الوقائع منها ان طائرات "اف 104" التي كان يمتلكها الاردن (وكان عددها 25)، قد اختفت من الاردن قبل ايام من بدء المعركة.
هـ ـ ان اقل المام بالعلم العسكري، وبالجغرافيا، يبين ان مرتفعات الجولان السورية كانت تشكل اكبر خطر ستراتيجي ليس على وسط اسرائيل وشمالها فقط، بل على كل وجود اسرائيل من اساسه. وكانت المنشآت العسكرية السورية في الجولان مهيأة من قبل السوفيات بجميع انواع الاسلحة، كي تواجه، دفاعيا، لا حربا بالاسلحة التقليدية فقط بل وحربا بالاسلحة النووية وغيرها من الاسلحة غير التقليدية، وكي تواجه ترسانة الجيش الاميركي نفسه الموضوعة في تصرف تابعه الاسرائيلي. كما كانت مهيأة، هجوميا، كي تكتسح اكتساحا وسط وشمال اسرائيل وتقصم ظهرها. وبصرف النظر عن الجعجعة الفارغة، فربما ان هذا الواقع الملموس لما كانت عليه الوضعية العسكرية السورية في مرتفعات الجولان، هو الذي جعل الرئيس السوري الاسبق الفريق امين الحافظ، خلال انعقاد مؤتمر القمة العربي في 1964 الذي كان يبحث في موضوع اتفاق الدفاع العربي المشترك، يتبجح بأنه قادر على تدمير اسرائيل في 24 ساعة؛ مما دفع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لأن يقترح حينذاك تعليق المؤتمر مدة 24 ساعة لاعطاء الفرصة للفريق الحافظ لتنفيذ وعده و"حل مشكلة" اسرائيل. وطبعا ان الفريق الحافظ لم يكن ينوي الايفاء بوعده، بل المزايدة من اجل الاحتفاظ بالكرسي. ولكن نتيجة هذه المزايدة كانت انه جرى الانقلاب على الحافظ في 1966، واضطر للهرب من سوريا. ومن ثم تم تسليم مرتفعات الجولان الستراتيجية لاسرائيل بدون قتال في حرب حزيران 1967. واصبح وزير الدفاع السوري حينذاك (حافظ الاسد) رئيسا مدى الحياة للجمهورية السورية. واصبح محافظ القنيطرة حينذاك (عبدالحليم خدام) نائبا للرئيس. واصبحت عائلتا الاسد والخدام (بالاصول والفروع والبطون والافخاذ) من رموز الفساد والإثراء غير المشروع ومن اغنى العائلات "المجاهدة" "غير النفطية" السورية والعربية.
واذا راجعنا كل الحروب النظامية العربية السابقة، نجد انها كانت حروب تحريك و"تمثيل" واستعراض وتضليل للجماهير العربية، وتتميز بميزتين:
الاولى ـ تسليم الارض لاسرائيل، ورفع الايدي وفركها بأنه "لا حول ولا قوة..." وانه "ليس بالامكان افضل مما كان...". وان العدو قد فشل في تحقيق الهدف الرئيسي للعدوان، وهو القضاء على انظمتنا "البطلة".
والثانية ـ تبرير الاستسلام للعدو ولارادة اميركا والقبول بما يسمى "السلام" والاعتراف باسرائيل. وهذا لا ينطبق فقط على النظام "الرجعي" الاردني وما اشبه، بل وعلى الانظمة الوطنية والتقدمية والقومية والثورية مثل النظام المصري والنظام السوري، الذي ابتدع اخيرا شعار "السلام العادل والشامل" بدلا من شعار "التوازن الستراتيجي". كما ينطبق على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية البورجوازية الانتهازية، التي كانت تفتش عن مخارج، عبر الهزائم وحمامات الدم (كصبرا وشاتيلا) وعزل المقاومة الفلسطينية عن الجماهير العربية، للتوصل الى الاعتراف باسرائيل وإحلال ما سماه الرئيس الراحل ياسر عرفات "سلام الشجعان" (كم هو غني قاموس العار والعهر العربي!).
الحرب الشعبية
ان الميزة الاولى والاساسية للحرب الشعبية، التي تنطلق منها وتتفرع عنها جميع الميزات التفصيلية الاخرى، هي انها تتمحور حول: الانسان المظلوم صاحب القضية العادلة، المصمم على القتال من اجل قضيته، مهما كانت امكانياته متواضعة او كبيرة، ومهما كانت ظروفه صعبة او مؤاتية، ومهما كان عدوه غنيا وقويا. ومثل هذا الانسان هو قادر على تطويع الظروف لصالح حربه العادلة ضد الاعداء، خصوصا متى كانوا مفضوحين على المستوى المعنوي، الاخلاقي والسياسي، كما هو العدو الاسرائيلي ـ الاميركي، الذي اثبتت الحرب الراهنة انه فعلا نمر من ورق، وان كل "الهالة" المرعبة التي احيط بها هي من اختراع الانظمة العربية العاجزة والمتآمرة والخائنة، ومن صنعها بامتياز. ومن المميزات التي تعطيها ستراتيجية الحرب الشعبية لهذا الانسان ـ المقاوم:
أ ـ العقيدة القتالية الصلبة، والتفاني، والتدريب العالي والقاسي. وهذه العوامل مجتمعة تجعل المقاوم قوة مخيفة بكل المقاييس القتالية.
ج ـ القتال بما يتوفر من الاسلحة، التي هي دائما اقل من مستوى تسلح العدو. والاستفادة القصوى من امكانيات تلك الاسلحة، لان المقاوم يعلم محدودية الامكانيات اللوجستية وغيرها لتنظيم المقاومة الشعبية، كما يعلم ان تحقيق اهدافه انما يتعلق بالاستخدام الافضل والاقصى لهذه الاسلحة مهما كانت بسيطة، بالقياس مع قدرات العدو.
د ـ التماهي مع الارض التي يدافع عنها المقاوم، والغوص فيها، وتحويلها الى السلاح الاقوى لمواجهة العدو، بالاستفادة من كل خصائصها الجغرافية والطوبوغرافية.
هـ ـ التخفي والسرية التامة، كأساس للمباغتة والكر والفر.
و ـ التواضع والتقشف والتماهي بين القيادة والمقاومة والشعب.
XXX
هناك خطأ شائع لتعريف الحرب النظامية والحرب الشعبية، ينشأ عن تفسير ميكانيكي مبتسر لكل منهما. ويقوم هذا الخطأ على اعتبار حرب الجيوش النظامية الكبيرة هي الحرب النظامية. وحرب العصابات الصغيرة، او فرق المغاوير، هي الحرب الشعبية. ولكن الواقع ان جميع الجيوش النظامية تمتلك فرق مغاوير، او ما يسمى احيانا "الوحدات الخاصة" او "الكوماندوس" الخ، التي تعمل خلف خطوط العدو. كما ان تنظيمات المقاومة الشعبية، حينما تصبح كبيرة العدد جدا تعمل على تشكيل "قواتها النظامية" او "جيوشها النظامية"، المركزية الوطنية او المحلية المناطقية، التي تخوض بواسطتها معاركها الكبرى التي تشمل مقاطعات كبرى او مدنا كبرى الخ. فالمهم في تحديد طبيعة الحرب اهي حرب نظامية او حرب شعبية ليس فقط شكل القتال، بل المنطلقات الاساسية، السياسية: الوطنية والطبقية، للقتال. ويخضع الاسلوب الستراتيجي للحرب لهذه المنطلقات. فالحرب النظامية، حتى حينما تستخدم اشكال حرب العصابات، هي حرب منفصلة عن الشعب، اي غير شعبية. وحتى حينما تكون حربا وطنية عادلة، في مواجهة عدو محتل وغاصب، فإنها تبقى حربا غير شعبية، حيث يوضع فيها الشعب في حالة متفرج سلبي معزول، عليه فقط ان يصفق للنظام الذي يخوض تلك الحرب، في حال تحقيق بعض النجاحات الصحيحة او الوهمية، وان يتحمل اوزار الفشل في حال الهزيمة. وهذا هو واقع العرب في كل الحروب النظامية السابقة التي خاضتها انظمتهم الفاشلة والمهزومة والمتآمرة. اما الحرب الشعبية، فهي حرب كل الشعب، وبكل امكانياته، حتى وان كان الذي يخوض تلك الحرب فئة صغيرة من ابنائه: حزب او بضعة احزاب، او حتى حزب طائفي كما هو الامر اليوم بالنسبة لـ"حزب الله". وجماهير الشعب اللبناني اليوم، بالرغم من كل الانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية العميقة في لبنان، تشعر بعمق ان معركة "حزب الله" هي معركتها كلها. وان انتصار "حزب الله" سيكون انتصارا للشعب اللبناني باسره. وأن هزيمته، لا سمح الله، ستكون هزيمة لكل لبنان، وبكل الابعاد العسكرية والامنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومع التمييز الدقيق بين نمطي الحرب، النظامية والشعبية، فإنه ينبغي ايضا الملاحظة ان العلاقة بين هذين النمطين هي علاقة مفتوحة. اي انه من الممكن ان يتحول جيش نظامي الى جيش شعبي، او الاصح الى جزء اساسي من الجيش الشعبي. وهذا ما كان عليه الجيش الاحمر (السوفياتي) في الحرب العالمية الثانية الذي تحول الى جزء اساسي من الجيش الشعبي السوفياتي الاكبر، الذي كان يشمل ايضا مئات ألوف وحدات "الانصار" التي كانت تقاتل ببسالة فائقة خلف خطوط العدو، بالتنسيق التام مع الجيش "النظامي". وفي هذه الحالة فإن الجيش الاحمر "النظامي" نفسه كان يقاتل على طريقة "الجيش الشعبي" او "المقاومة الشعبية" بالمعنى الحرفي للكلمة. فحينما كان الالمان يكتسحون احدى المناطق، وتضطر فرق الجيش الاحمر للتراجع، لم تكن تتفرق و"تذهب الى البيت"، بل كانت تتوزع الى فرق اصغر وتتابع القتال بكل ما تيسر. وبالعكس حينما كانت "القوات النظامية" المركزية تتقدم لتحرير احدى المناطق المحتلة، كانت الوحدات الصغيرة في المنطقة تنسق معها تماما على طريقة المطرقة والسندان لتشكل قوة ضاغطة ساحقة ضد العدو.
كما انه من الممكن ان تتحول قوة مقاومة شعبية الى "جيش نظامي" مترهل، بالمعنى السياسي والعسكري. وهذا هو للاسف وضع منظمة التحرير الفلسطينية التي، سعيا وراء اقامة السلطة الفلسطينية السرابية، عملت على "عسكرة" المقاومة الشعبية الفلسطينية، وتحويلها الى "جيش نظامي عربي" آخر، بكل ما نتج عن ذلك من استرخاء وتراجع وتمزق وضعف للثورة الفلسطينية ومصائب اضافية لجماهير الشعب الفلسطيني.
XXX
ان المعركة الحالية في لبنان التي يقف على رأسها "حزب الله" ذي العقيدة الاسلامية ـ الشيعية، والحملة الاميركية على ما يسمى "الارهاب الاسلامي"، الذي استبدلوا به العدو السابق "الشيوعية الهدامة"، وكذلك الحملة الاميركية ـ الاسرائيلية الخاصة على "حزب الله"، بالاضافة الى الانتقادات التي يوجهها الان الى "حزب الله" بعض المفتونين بـ"الدمقراطية الاميركية"، امثال الماركسي المزيف كريم مروة، ـ كل هذا يخلق انطباعا سطحيا وكأن "الحرب الشعبية" الحالية في لبنان هي حرب خاصة بـ"حزب الله".
ولكن الواقع ان ستراتيجية "الحرب الشعبية" هي نتيجة لتجارب مختلف الشعوب التي هبت لتناضل من اجل حريتها الانسانية، الاجتماعية، الوطنية والقومية. ولذلك فإن "الحرب الشعبية" ترتبط اساسا ودائما بالثورة الشعبية على الظلم الاجتماعي وعلى الاحتلال والاستعمار.
وفي العصر الحديث، فإن الشكل الاول للحرب الشعبية انطلق مع ثورة اكتوبر الاشتراكية الروسية في 1917، التي يعود لها الفضل الاكبر في تغيير مجرى التاريخ العالمي برمته. فبعد قيام السلطة السوفياتية الجديدة، قامت الطبقة الرأسمالية، بالاشتراك مع بقايا القيصرية البائدة، بتشكيل وحدات مسلحة من المرتزقة سميت "الحرس الابيض" كانت تشن الهجمات على التجمعات العمالية ومراكز السلطة الثورية، بقصد اعادة السلطة للقيصرية او للبورجوازية العميلة للاحتكارات الاجنبية. فعمد الحزب الشيوعي السوفياتي الى تشكيل وحدات "الحرس الاحمر"، التي كانت تتشكل من العمال المنظمين انفسهم، ومن الفلاحين والكادحين والمثقفين الثوريين. وكان هؤلاء يضعون ربطة حمراء على اذرعهم، ويتسلحون بما تيسر للدفاع عن انفسهم وعن سلطتهم الشعبية الوليدة. وحينما بدأت حرب التدخل الاجنبية ضد السلطة السوفياتية، والتي شاركت فيها قوات 18 دولة استعمارية، تضخمت صفوف "الحرس الاحمر" وتحولت وحداتها الى "الجيش الاحمر"، الذي احتفظ بطابعه الشعبي تماما، واستطاع، بواسطة ستراتيجية الحرب الشعبية ـ الثورية، هزيمة قوات الثورة المضادة: "الحرس الابيض" والقوات الاجنبية معا. وفي الحرب العالمية الثانية يعود الفضل اولا للجيش الاحمر، الذي قاتل على طريقة الحرب الشعبية، في القضاء على الفاشية والنازية.
وفي 1927 اندلعت الثورة الصينية، ضد الحكم الدكتاتوري، الرأسمالي ـ شبه الاقطاعي العميل، واستمرت حتى 1949. وقد استفادت الثورة الصينية استفادة كبرى من تجربة الثورة الروسية والحرب الشعبية الروسية ضد الاعداء الداخليين والخارجيين. وفي 1931 قام الاستعمار الفاشي الياباني بمهاجمة الصين واحتلال قسم كبير منها. واصبحت الثورة الصينية بمواجهة عدوين في وقت واحد: العدو الخارجي، المتمثل في الاستعمار الياباني المحتل، والعدو الداخلي، المتمثل في الحكم الدكتاتوري العميل لاميركا. وطرحت قيادة الثورة الصينية موضوعة "الجبهة الموحدة" ضد الاستعمار الياباني، بدون ان تتخلى عن مبادئ الثورة ومتابعة النضال السياسي والاجتماعي والثقافي، وعند الضرورة العسكري، ضد العدو الداخلي وزعيمته اميركا. وبعد الهزيمة النهائية لدول المحور والفاشية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية، تحول الجيش الشعبي الثوري الصيني لاكتساح العدو الداخلي وتطهير البر الصيني منه كليا. ان ضخامة عدد سكان الصين، وكبر مساحتها، وطول مدة الثورة الصينية، وتعقيداتها الشديدة السياسية والعسكرية، جعلت من الثورة الشعبية والحرب الشعبية في الصين، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني العظيم، مدرسة كبرى لجميع الحركات الثورية وحركات التحرير لجميع شعوب العالم.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وفي اعقابها قدمت الفيتنام دروسا كبرى، سياسية وعسكرية، في الثورة والحرب الشعبية ضد اعتى القوى الاستعمارية في العالم. فقد كانت فيتنام تخضع للاستعمار الفرنسي، الذي كان يلعب على المسألة الدينية ويستميل البورجوازية الفيتنامية الكاثوليكية الى جانبه. ومع ان الكاثوليك كانوا يمثلون اقلية في فيتنام، فإن السلطة المحلية العميلة كانت في يد البورجوازية الكاثوليكية. وحينما هاجم المستعمرون الفاشست اليابانيون الفيتنام، لعبوا ايضا على المسألة الدينية واستمالوا قسما من "القوميين الفيتناميين" ذوي المعتقد البوذي، الذين قاتلوا الى جانب اليابانيين ضد الفرنسيين والسلطة العميلة الكاثوليكية. وقد قامت الثورة الفيتنامية، بقيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي، بالقتال ضد العدو الاخطر، الفاشية اليابانية، دون ان تلتحق بالاستعمار الفرنسي، ودون ان تقطع الجسور مع "القوميين الفيتناميين" البوذيين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والهزيمة التامة لدول المحور والفاشية اليابانية، رفضت قيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي الاذعان لـ"نصيحة" ستالين بالتفاهم مع الاستعمار الفرنسي على طريقة حكم فيتنام (كما فعل الشيوعيون العرب الذيليون، البكداشيون وامثالهم، الذين وافقوا على الموقف السوفياتي المؤيد لتقسيم فلسطين وانشاء دولة اسرائيل)، وسارت في خط الثورة الشعبية وخوض الحرب الشعبية لتحرير فيتنام من الاستعمار الفرنسي. وقد استطاعت الثورة استمالة الجماهير الشعبية الفيتنامية، الكاثوليكية والبوذية، و"القوميين" والدمقراطيين والشيوعيين، جنبا الى جنب ضد الاحتلال والاستعمار. وبالرغم من المساعدات المالية والعسكرية الهائلة التي تلقاها الفرنسيون من الامبريالية الاميركية، فقد عجز الجيش الفرنسي من الوقوف بوجه القوات الشعبية للثورة الفيتنامية. وفي 7 ايار 1954، كان السقوط المدوي لقعلة ديان بيان فو الحصينة واستسلام القوات الفرنسية فيها. وكان لهذا الشقوط صداه المدوي في العالم اجمع، وقد رفع المواطنون في ساحة رياض الصلح ببيروت يافطة تقول "سينهارون كما انهارت ديان بيان فو". وكان لهذه الهزيمة الفرنسية تأثير كبير في اندلاع الثورة الجزائرية البطلة في السنة نفسها، وكان عدد كبير من الثوار الجزائريين الاوائل من الجنود الجزائريين مع الجيش الفرنسي في فيتنام. وبسقوط قلعة ديان بيان فو الكبرى الحصينة، قصم ظهر الجيش الفرنسي تماما في فيتنام، فأخلى الساحة للدركي الاستعماري العالمي الجديد، اي لقوات الامبريالية الاميركية، التي حلت محله في استعمار فيتنام ومحاربة الشعب الفيتنامي. ولكن القوى الوطنية والشعبية الفيتنامية، بقيادة الحزب الشيوعي، خاضت حرب التحرير الشعبية البطولية ضد المستعمرين، ومرغت أنف الامبريالية الاميركية في الرغام، بالرغم من التفاوت الكبير جدا في نسبة القوى. واستطاع الثوار الشعبيون اقتحام سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية السابقة) نفسها، والدخول الى عقر السفارة الاميركية بالذات. واخيرا اضطر الفاشست الاميركيون للتسليم بالهزيمة والانسحاب. واصبحت تجربة ودروس الحرب الشعبية الفيتنامية، ضد المستعمرين اليابانيين والفرنسيين والاميركيين بالتتالي، مدرسة لجميع شعوب الارض الطامحة الى الحرية والاستقلال. ومن هذه الدروس ان الفيتناميين، في مواجهة الالة الحربية الاميركية الجهنمية، لم يتمسكوا بأرضهم فقط، بل انهم "غاصوا فيها" و"ذابوا فيها" بالمعنى الحرفي للكلمة. ففي شمال فيتنام الذي كان يتعرض للقصف الكاسح على مدار الساعة، كان كل فيتنامي يحفر الخندق الذي يحميه من الموت المحقق. وفي الجنوب، حيث كانت جيوش الاحتلال تطلق النار بكثافة على كل ما يتحرك فوق الارض، أنشأ الشعب الفيتنامي المجاهد فيتناما ثانية تحت الارض: الملاجئ للعائلات، المستشفيات، المشاغل، الافران، المكتبات وحتى المدارس. ففي حين كانت الطائرات "الدمقراطية" الاميركية تراقب على مدار الساعة وتفتك بكل ما يتحرك فوق سطح الارض، كان الفيتناميون يتابعون الكفاح وفي الوقت ذاته يتابعون تعليم اولادهم تحت الارض، حتى لا يتخلفوا عن ركب التاريخ. اما عن الفنون العسكرية الشعبية الفيتنامية فحدث ولا حرج. وقد قام الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية بتقديم اسلحة متطورة للثوار الفيتناميين، لمواجهة الدروع والطائرات الاميركية. وباساليب الحرب الشعبية، استخدم الفيتناميون تلك الاسلحة بشكل مذهل أودى بالاميركيين الى الجنون. وقد تفاخر يوما القائد الاسطوري هو شي منه قائلا "نحن نملك اعظم سلاح طيران في العالم، لاننا اسقطنا 4000 طائرة اميركية دون ان تسقط لنا ولا طائرة واحدة!!". ولعله من المفيد ان نذكر بهذا الصدد ان الجنرال الاسرائيلي موشي دايان كان قد زار فيتنام ايام حربها، وقال للاميركيين "انكم تخوضون حربا اصبحت خاسرة، لان العدو قد نزل تحت الارض، وانتم ترتفعون 35 الف قدم فوق سطح الارض. ومن هذا العلو لن تستطيعوا ان تفعلوا شيئا". ولعل ملاحظة موشي دايان للاميركيين يجب تقديمها الان للجنرالات الاسرائيليين، ومعهم الستراتيجيون الاميركيون الذين يوجهونهم.
XXX
ولمحاولة عزل المقاومة خلف البنية او الهوية الاسلامية، تحاول الدعاية المعادية التركيز على العمليات الاستشهادية ولصقها بالثقافة العنفية الاسلامية وما اشبه من الترهات. والحقيقة التاريخية ان العمليات الاستشهادية ذاتها ليست بالاساس ذات "ماركة اسلامية"، بل هي احد اساليب الحرب الشعبية، التي استفادت منها منظمات المقاومة الاسلامية. فقد طبق السوفيات هذا الاسلوب حينما كان الانصار يتزنرون بالقنابل ويلقون بأنفسهم تحت جنازير الدبابات المعادية. وحينما كانت بعض وحدات الجيش الاحمر تواجه حقلا للالغام، ولم تكن تملك كاسحات ألغام، كان المتطوعة من الخيالة او المشاة يمشطون حقل الالغام ويفجرونها بأجسادهم الحية، كي يفتحوا الطريق للاليات العسكرية كي تشق الطريق نحو انجاز مهماتها. وفي معركة ديان بيان فو التي سبق وذكرناها كان الثوار الفيتناميون يخرجون على دفعات من الانفاق التي حفروها تحت القلعة وهم مزنرون بالمتفجرات ويطلقون النار من رشاشاتهم على الجنود الفرنسيين، وحينما كان الاخيرون يطلقون النار على المهاجم الفيتنامي كان ينفجر ويقتل معه عددا من الفرنسيين، مما اصاب الاخيرين بالهلع واجبر الالوف منهم على الاستسلام. وفي لبنان ذاته فإن العمليات الاستشهادية للشهداء الابطال امثال سناء محيدلي وجمال ساطي قد سبقت العمليات الاستشهادية للمجاهدين الاسلاميين الابطال.
XXX
اننا لعلى ثقة ان "حزب الله"، حتى يستطيع ان يخوض بنجاح الحرب الشرسة التي يخوضها الان، على طريقة الحرب الشعبية، قد اخذ بالاعتبار التجارب الفاشلة للجيوش العربية النظامية المهزومة، وبالمقابل فهو قد استند تماما واستفاد من دروس الحروب الشعبية للشعوب الاخرى، ولا سيما الحرب الشعبية الفيتنامية، في كل جوانبها العسكرية والسياسية المترابطة.
ومثلما ان الشيوعيين الفيتناميين، ومن خلال "منطق" و"متطلبات" الحرب الشعبية، استطاعوا استقطاب الجماهير الكاثوليكية المترددة، والرهبان البوذيين، والعناصر "القومية" الى جانب "الامميين" الشيوعيين، فإن "حزب الله" مطالب الآن، من خلال "منطق" الحرب الشعبية، ان يستقطب جميع القوى الوطنية والتقدمية بوجه العدو الاسرائيلي ـ الاميركي، عدو كل لبناني وكل عربي وعدو الانسانية جمعاء.
ومن خلال "منطق" الحرب الشعبية ذاته، على "حزب الله" ان يواجه الان مشكلة حل "معضلة" الجمع بين:
ـ عدم التخلي عن الشعب الفلسطيني، والتقوقع ضمن الانعزالية "الوطنية" اللبنانية السايكس ـ بيكوية.
ـ الموافقة على نشر الجيش اللبناني في الجنوب، وعدم الاصطدام به، بكل ما يحمل ذلك من محاذير الانحراف المميت نحو تجديد الحرب الاهلية.
ـ وفي الوقت نفسه ايجاد الاشكال المرنة والمنسقة، المناسبة، "اللبنانية" و"الفلسطينية" و"العربية"، لمتابعة وتوسيع المعركة المظفرة ضد العدو الصهيوني ـ الامبريالي الاميركي.



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطة الاميركية الاسرائيلية لتطويع لبنان... امام المفاجآت!!
- لبنان ليس الجولان ولن يكون ارمينيا
- العدوان لا يستهدف فقط لبنان
- المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، ل ...
- ويبقى السؤال: من سلّم الجولان بدون قتال، وهادن الاحتلال، ولم ...
- المسيحية: الديانة القومية الاولى للعرب
- أول أيار والدور الاممي الخاص للطبقة العاملة العربية
- الارمن ضحية العنصرية التركية والتآمر الغربي على مسيحيي الشرق
- بكركي محاورا تاريخيا
- المأزق الوجودي لاسرائيل!
- بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطني ...
- الأكراد شعبنا الثاني
- الصفقة الاميركية السورية الجديدة: اعادة انتاج -سايكس بيكو- ...
- الانقلاب الكياني في التركيبة اللبنانية
- من هم المرتدون الذين سيحاكمون لينين؟ كريم مروة واصحابه نموذج ...
- النظام الدولي المختل والدور التاريخي العتيد للمثلث الشرقي ال ...
- رد الى صديق كردي
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله
- المخاطر الحقيقية للوصاية على لبنان والمسؤولية الوطنية الاساس ...
- حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جورج حداد - الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية