عطية مسوح
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 10:57
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أكبرت كغيري من أبناء شعبنا موقف فنزويلا، الدولة البعيدة عنا ألوف الكيلومترات، حين سحبت سفيرها من تل أبيب احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، وأثّر في نفسي تأثيراً عميقاً اللقب الذي أطلقه خالد حدادة، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، حزب المقاومة والشهداء، على شافيز، رئيس فنزويلا المنتخب من الشعب خلافاً لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية. قال الرفيق حدادة: القائد العربي شافيز!
أيّ مجاز معبّر رائع هذا؟
نعم قائد عربي، لا تربطه بنا ـ نحن العرب دماً ووجهاً ولساناً ـ رابطة لغة أو نسب أو قرابة، وقد لا يكون وطئ أرضاً عربية أو صادق شخصاً ينطبق بالضاد، لكنه، حسب مجاز خالد حدادة، عربي يداً وفعلاً، وسبق لشاعرنا العظيم أن جمع ثلاثة عناصر تجعل العربي عربياً، في قوله الشهير عن بلاد فارس:
ولكن الفتى العربيَّ فيها
غريبُ الوجهِ واليدِ واللسانِ
الوجه واليد واللسان! فالعربي دماً ولغة ينبغي أن يكون عربياً يداً، أي موقفاً وفعلاً. ويد شافيز هذه، اليد التي فعلت، ولم تكتف بما ينطق به اللسان، هي التي جعلته يمتلك أهم عنصر من عناصر قول المتنبي، العنصر الذي يفتقر إليه الحكام العرب المتخاذلون.
تستطيع أن تستخرج من مجاز خالد حدادة طرفين مترابطين، أولهما هو أن ما قام به شافيز وحكومته، لا يقوم به إلا من يشعر بآلام أبناء شعبنا، ولا سيما آلام أطفاله الذين تتمزق أجسادهم تحت القذائف والرّكام، فيقف موقفاً مضاداً للعدوان ومناصراً للعدل.
والثاني هو أن (القادة) العرب، الحكام الضعفاء المتخاذلين، المشاركين ـ في النتيجة ـ بكل ما يجري، امتنعوا عن القيام بما قام به شافيز، هذا الغريب عنا وجهاً ولساناً، والذي هو منّا، أو هو معنا يداً وفعلاً.
الحكام العرب الذين يسبحون في بحر من التخاذل أمام إسرائيل، والملتصقون بالولايات المتحدة التصاق الرضيع بأمه، يحرصون على ألا تؤثر (الأحداث) على علاقاتهم مع إسرائيل، فلا يسحبون سفيراً ولا يستنفرون جيشاً، ولا يدعمون مقاومة، ولكنهم يتشاورون بعد قرابة الشهر من العدوان، ليتفقوا على فعل واقعيّ معتدل، وعلى كلام يقولونه، نعم كلام، أمّا أيديهم فتظل مغلولة إلى أعناقهم.
فأي وجه عربي هذا؟ وأي لسان عربي هذا؟
ألن يبقى أمثال هؤلاء الحكام غرباء عن شعوبهم وجهاً ويداً ولساناً؟ وإلى متى لا يحسبون لهذه الشعوب حساباً؟
أما لماذا يجرؤ رئيس دولة محاطة بالمؤامرات الأمريكية، مثل شافيز، على اتخاذ موقف عادل قوي، فلهذا أسبابه التي يفيدنا أن نتلمسها.
لعل أولها، هو السبب الأخلاقي، ودعوني أقدم الأخلاق على السياسة والمصالح في مثل هذه الحال، فهل يمكن لحامل قيم أخلاقية إنسانية، تواضع عليها البشر منذ ألوف السنين أن يشاهد ما يجري على أرض لبنان وشعبه، وأرض فلسطين وشعبها، ولا تثور ثائرته على هذه الهمجية الفريدة في نوعها؟ هل يمكن له أن يبقى دون فعل ما؟ قد يكون الفعل صرخة ألم وتعاطف، وقد يكون غلالة دمع رقيقة تنتشر غبشاً بين شاشة التلفاز وشاشة العين، وقد يكون اندفاعاً إلى دعم المقاومة، وقد يكون عملاً سياسياً فعالاً كعمل شافيز الذي لم يقم به (القادة) العرب، وقد يكون مشاركة عسكرية، وهذا سقف ليت العرب يعدّون له ويصلون إليه قبل أن ينفرد العدو بهم قطراً قطراً ويفرض عليهم ما يشاء.
لكن، متى كانت (ليت) تنفع شخصاً أو شعباً؟
أما ثاني الأسباب، فهو سبب سياسي، لقد أدرك شافيز، بالتجربة الملموسة كما أدرك الكثير الكثير من سياسيي العالم ومفكريه، وكما أدرك شعبنا عبر الأحداث المتلاحقة، أن جوهر سياسة الولايات المتحدة ومواقفها، وخاصة في السنوات الأخيرة، هو جوهر عدواني، مضاد لمصالح الشعوب، لذلك لا بد لكل شريف وتقدمي ووطني في كل مكان، من أن يواجهها بما يستطيع، حتى إن الكثيرين صاروا يقولون: اتخذ موقفاً معاكساً لموقف الإدارة الأمريكية تكن على صواب!
المسؤول عن ذلك هو الولايات المتحدة ذاتها، إذ قدمت لشعوب العالم نماذج واضحة للانحياز غير الشريف لإسرائيل، وللقوى العدوانية في كل مكان.
أما السبب الثالث فهو سبب واقعي، فحكومة شافيز تتمتع بحصانة شعبية داخلية، تجعلها قادرة على اتخاذ المواقف الصحيحة القوية، ومعارضة السياسة الأمريكية، والقيام بدور فعال على النطاقين الإقليمي والدولي.
لقد وصل هذا الرئيس إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة نزيهة. وحسب ما يترامى إلينا، فإن سياسته الداخلية تقوّي صلته بالشعب، وهذا ما يجعله مؤهلاً لخوض تجربة الانتخابات دون خوف من النتائج، كما يجعله مؤهلاً أيضاً لاتخاذ مواقف قوية وعادلة.
شافيز، الذي أطلق عليه خالد حدادة لقب: قائد عربي، يذكرني بكل الشجعان الذين ينطلقون من نزعة إنسانية ووعي سياسي، ونبل أخلاقي، فيفعلون ما ينبغي فعله في الوقت المناسب.
أول صورة برزت إلى ذاكرتي، حين اتخذ شافيز موقفه، هي صورة راشيل، الشابة اليهودية الأمريكية، التي جاءت إلى فلسطين لتخفف آلام أطفالها، ووقفت بجسدها الشامخ وروحها الإنسانية أمام جرافة إسرائيلية تريد أن تهدم بيتاً فلسطينياً على رؤوس ساكنيه، علّ الوحش يرتدع، لكن الوحش ظل وحشاً فنهش راشيل، التي أطلق عليها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لقب: شهيدة شعب فلسطين!
المجاز نفسه، بكلمات أخرى، وفي ظرف آخر، المجاز الذي يعبر عن مباركة كل فعل إنساني شريف عادل، في كل مكان، وعن لعنة شعبنا على حكام متخاذلين، أو متواطئين، أو لا يهتمون إلا بالكراسي.
#عطية_مسوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟