أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - أثرياء العرب، وآيات طهران















المزيد.....

أثرياء العرب، وآيات طهران


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 09:38
المحور: كتابات ساخرة
    


لن أنسى البتة تلك الفترة من ثمانينات القرن "الفارط"، وفي منطقة "البحصة" بقلب العاصمة السورية دمشق، تلك المواكب الجرارة من الحجاج الإيرانيين، حيث كانت تشكل بالنسبة لهم نقطة تجمع، وفنادق، واستراحة، وهم في طريقهم، لزيارة ضريح السيدة زينب، في المنطقة المسماة باسمها في ضواحي الواحة الشامية الفيحاء. وليس بعيدا كثيراً عن "البحصة"، كان يشمخ كباريه "الجوهرة"، بأبهى حلله، وأنواره، و"نـَوَرِيّاتِه" الجميلات، وكان مقصداً للأعراب، الذي كانوا يدخلونه بسلام، واطمئنان، أفواجاً، وزرافات، ووحدانا. وكان يعج دوماً بالعشرات منهم، وهم يتمايلون طرباً، وفسقاً مع بطون، وجدائل "النوريات" المتراقصات، اللواتي كن يتهادين كالبط البلدي، الممتاز، ويستقبلن وابلاً، وزخات متتابعة، من النقود من "أم الخمسمائة"، تعبيراً عن الهيجان، والرغبة الجامحة في الاقتحام، ورمزاً لاتحاد قوى الشعب الغافل النعسان. ذلك المبلغ، الذي كان يعتبر مبلغاً خرافياً، وحلماً أسطورياً، بالنسبة للمواطن السوري المشحّر، من أمثال حضرتنا، وبكل تواضع، من حملة، وأصحاب الملاليم، والقروش، وأرباع الليرات.

وعلى ضفاف أخرى، وبنفس المفارقات، والسياقات الجائرة، كنت ترى أعرابياً بلباسه البدوي الكامل، (أي الدشداشة، والغترة، والعقال، والنعال، أعزكم جميعاً العزيز الجبار)، في مضاربه بقلب الصحراء، وعليه مسحة التعبد، والزهد، والوقار، وهو يحضر، مثلاً، مراسم افتتاح مسجد في أحدى مدن الملح، محاطاً بمجموعة من الذكور المتجهمين، الملتحين، وعليهم مظاهر المشيخة، والتنسك، والورع، والإيمان، وكأنهم على وشك الدخول إلى جنات عدن، حيث تنتظرهم الحور العين، والغلمان المرد المخلدون، وهم يسبّحون بحمده بكرة وأصيلاً. ومن ثم ترى نفس الشخص، وبطاقمه البشري الفذ بالذات، ببزة من إيف سان لوران، وبحذاء فاخر من جلد "التمساح"، وهو خارج يترنح من أحد المواخير، والبارات، أو كازينوهات القمار في مدن النور والأحلام، ويتدلى من معصمه سلسال ذهبي، ويرطن بإبهام، وليس نتيجة لذكر الله بالطبع، محاطاً بكوكبة من الفاتنات الشقروات، اللواتي يَسِلـْن أشياءً كثيرة، غير اللعاب. لشديد الأسف، هذه هي الصورة النمطية، التي ارتسمت في أذهان الناس، عموماً، عن سلوك معظم الأعراب، من أصحاب الثروات، كرموز للنهب، ولتبذير الأموال العامة، وللشبق، والمجون، والانحلال. وكم هي الانتقادات اللاذعة التي تابعناها في مسلسلات منتجة، ومعروضة محلياً، عن الازدواجية الصارخة المتناقضة، في السلوك، التي يمارسها هؤلاء، ولاسيما بعد أن يركبوا الطائرات، فارين من ضغط القمع الفكري، ونمط الحياة الممل، والقاتل الذي يكابدونه في بلدانهم بالذات.

ولو انتقلنا من الخاص إلى العام ، ومن السلوك العادي، إلى السلوك الرسمي والسياسات، فإنه لمن المعلوم تماماً، أن السياسات الإيرانية اتسمت بالوضوح، والشفافية، والتزمت خطاً سياسياً واحداً، عملت عليه منذ نجاح ثورتها الإسلامية، بقيادة الإمام الخميني في فبراير / شباط، من العام 1979، ولم تـَحِد عنه، مطلقاً، ولاسيما تجاه القضايا العربية والإسلامية، وتكللت ذروة مواقفها التي لا تغيب عن الذاكرة، حين يتم تحري هذا التاريخ، ألا وهو إغلاق السفارة الإسرائيلية، وإحلال سفارة فلسطين، في نفس المكان، بكل ما لذلك من مضامين، ودلالات رمزية بالغة الإفحام. فيما كانت سياسات الأعراب العامة، تعمل على محورين متناقضين، واحد بالعلن، وآخر بالخفاء، وتطلق خطابين متنافرين، واحد في الجلسات السرية الخاصة، والخلوات، وآخر للعامة، والرعاع، والدهماء.

والجانب الأهم، والفيصل، في كل هذه المماحكة، والسجال، كان في التعامل مع، واستثمار الثروات الوطنية الهائلة، لدى كل من الجانبين. فلقد عمدت إيران على بناء قوتها الوطنية الذاتية، وعدم الاعتماد على قوى خارجية لخلق ذاك الشعور الزائف، والمؤقت، بالأمن والأمان. وضربة المعلم الإيرانية الكبرى، كانت في الاستثمار الضخم، في المشروع النووي الإيراني، ثمرة، ودرة، تلك الرؤية الإستراتيجية الثاقبة، بعيدة المدى التي انتهجتها الثورة الإيرانية، مما جعل فرائض المنطقة، بأسرها، بما فيها إسرائيل، ترتعد، خوفاً، من نجاح عملية تخصيب اليورانيوم الإيرانية، ناهيك عن الكابوس الذي تركه هذا المشروع، في الأوساط الغربية، وبدأ يقض مضاجعه، وهو الذي آل على نفسه مهمة حماية، وبقاء، إسرائيل.

غير أن ثروة العربان السائبة، والمستباحة، قد ذهبت في الاتجاهات الخاطئة عند قبائل الأعراب المتصارعة، والمشغولة بالثروة، والنساء، وتصفية الخصوم والتربع على العروش والبلاطات، واتسمت بالشخصنة، والفردية، والاستحواذ. وكانت أبهى روائعهم، وقمة إبداعاتهم، ومن المال العام والمنهوب، هي قنوات الرذيلة، والخلاعة، والفجور، والرقص، والشخلعة، بمناسبة وبدون مناسبة، والاستثمار فندقياً، وشراء المشاريع التجارية، والأبنية البرجية، والاستثمارات السياحية والخدمية هنا وهناك، ومما يترفع هذا المقام عن ذكره. والأهم، محاولاتهم الحثيثة لإفراغ الإنسان من أية مبادئ معنوية وأخلاقية، ومحتوى قيمي ما، تمهيداً لتصفيته كلياً على الصعيد الشخصي، وتسليمه، كلقمة سائغة، لقوى الشر، والعدوان.

لم نسمع عن "مليارديرية"، وحرامية، وسماسرة سلاح، ولصوص كبار إيرانيين رسميين فاسدين، ومفسدين، راكموا الثروات، أو آيات لله سطوا على ثروات عامة، وخرجوا من قلب السلطة والنظام بالمليارات، وإن كنا لا نستثني بالمطلق حالات فساد، لا تشكل ظواهر سياسية واجتماعية هنا، وهناك. كما تعاقب على حكم إيران منذ الثورة وحتى الآن، ما لا يقل عن الستة رؤساء، هكذا على استعجال وبدون أن أكلف نفسي وأجهدها بأية عملية إحصاء. وإذا علمنا أن محمود أحمدي نجاد، لا يملك في رصيده الشخصي، أكثر من مئات من الدولارات، ويكره البذخ، والمظاهر الفارغة، ويميل للبساطة، وحين أتى للحكم "ركن" سيارته البيجو 504 موديل 1973، والتي يأنف من ركبها أدنى تابع، من تابعي بوابي قصور الأعراب. هذه حقائق دامغة، ووقائع صارخة لا مجال للتلاعب، والمتاجرة بها، أو المقارنة بمضامينها مع أية دولة يتولى مقاليدها عجائز الأعراب.

إن الخسارة الأخلاقية الفادحة، والسقوط المعنوي المريع، الذي مُني بهما الأعراب، وكتبتهم، وغلمانهم الصغار، في هذه المواجهة العسكرية الأخيرة، تعادل ربما تدمير بيروت، وبرلين وستالينغراد عشرات المرات، جراء انحيازهم وهم يؤازرون، ويبررون للقتلة، والغزاة، الذين لم يجدوا أحداً يتمرجلون عليه سوى الشيوخ، والنساء، والأطفال، بينما كانوا يفرّون كالفئران المذعورة، ويتساقطون كالذباب، أمام مقاتلي حزب الله الأشاوس الأفذاذ. بنما ظهرت إيران في موقع مشرف، وسط الشارع العربي والإسلامي وهي تتلقى "الاتهامات" بدعم حزب الله. وستنحني، إجلالاً، وإكباراً، حين تعلم أن الصواريخ، التي تدك معاقل الغزاة والقتلة الموتورين، هي من صنع إيراني، وهي ليست نقيصة بأية حال، وليست، أبداً، من مكرمات الأعراب المعروفة المصادر والاتجاهات، والتي ستذهب (مكرمات الأعراب) في النهاية، إلى المجارير، وبراميل الزبالة، والحاويات.

من الطبيعي جداً، وبسبب من تباين الاهتمامات، وإبراز، وإهمال للأولويات، وانضباط، وفلتان وتهتك بالسلوكيات، ودون تحديد، على هذا الجانب وذاك، أن تبرز إيران كقوة إقليمية عملاقة وسط غابة من الصغار، والتابعين، الأقزام، وتلوح، بالتالي، كمنارة أخلاقية باسقة وسط عالم من الديدان، والطحالب، والطفيليات، وجبال من الرياء، والتفسخ، والانحطاط. ولكن، في الآن ذاته، ليس من حق أحد أن يلومها على ذلك، ولا يعطي أحد مبرراً لإشهار مباضع البتر، والقص، والانتقاد. ولو فعل الأعراب الشيء نفسه، وتحلوا بنفس السلوكية، والقيم، والأخلاق، لكان بالتأكيد، حقاً مقدساً بالنسبة لهم، وموضع تقدير واحترام.

وإذا كان ما يؤخذ على إيران، بأنها تدعم حزب الله، فلم لا يدعمون هم حزب الله، وحماس، ويقدمون المساعدات العاجلة، لمكافحة الجوع، والفقر، والبطالة، وانتشار الأمية، والأمراض، وتحرير المقدسات؟ أم أن سياسات اللعب على الحبال المكشوفة، حتى لـ " المصاريع والهبلان"، ستستمر لآخر الزمان؟ إن الكف عن نقد إيران، ومحاولة مجاراتها، والتخلق بأخلاقها السياسية، قبل لومها، وإجراء أية مقارنات، هو من أضعف الإيمان، وفي هذا الوقت بالذات. وإنه مدعاة للاعتزاز، بالنسبة لإيران، أنها تقوم بدعم حزب الله، وتبني قضايا وطنية، وتحررية عادلة، ومناصرة الحق والضعفاء، بأموال نظيفة، طاهرة مطهرة لا تشوبها الموبقات. والأهم من هذا وذاك أنها ليست في نفس الصف الذي تصطف فيه أسرائيل وأمريكا وقوى الشر والعدوان، وأذناب الزمان. وأنه، وفي ذات الآن، إنه مدعاة للفخر، وتبرئة عظيمة للذات، بالنسبة لحزب الله، بأنه لا يتلقى أي دعم، أو أية أموال "وسخة" ونجسة متنجسة، لا من هؤلاء، ولا من والاهم، من أسيادهم الأمريكان.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنقذوا إسرائيل
- إسرائيل تصنع الرأي العام العربي
- حاخامات بغترة وعقال
- العَرَبُ الحَاقَِدة: آخِرُ سُلالاتِ العُرْبان
- حرب لبنان: سقوط الذرائع الواهية
- لَحْنُ الغَرام
- طبخة الشيف رايس
- من يضمن أمن إسرائيل؟
- إنّ حِزبَ الله هُم الغَالِبون
- حُبّاً بِعليّ، ونِكايَة بمُعاوية
- اللّهُمّ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهْ
- اغزوهم قبل أن يغزوكم
- متى سَتُرَفْرِفْ هذه الأَعْلام؟
- الدّمُ الحَرَام
- مُنتخب فرنسا:عندما يَصْنعُ المُهاجِرون الأمْجادَ
- عبيرالعراق:اغتصاب الأموات
- نساء العرب وخيبة الآمال
- نهاية التاريخ العربي
- المونديال وهزيمة الذات
- الديمقراطية العلمانية


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نضال نعيسة - أثرياء العرب، وآيات طهران