أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - المجتمع القبطي ...كيف كنا وماذا أصبحنا وكيف؟















المزيد.....


المجتمع القبطي ...كيف كنا وماذا أصبحنا وكيف؟


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 09:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في حديث سابق قلت، أن في هذا الجيل من الأقباط من هم مقطوعين تماما عن شجرة ثقافتهم القبطية والمصرية العريقة. إن الذين عاشوا في مصر في منتصف القرن العشرين لاحظوا التدهور الثقافي والمعرفي والأدبي والفني الشنيع الذي حدث في شكل موجات متلاحقة من الجهالة المتنامية يمر بها المجتمع المصري عامة والمجتمع القبطي بشكل خاص، تسير بعجلة متزايدة نحو هوة ليس معروف لها قرار. كيف ومتي ولماذا حدثت هذه القطيعة المفاجئة بين هذا الجيل وتاريخه الثقافي الذي يمثل واحد من أغني ثروات التراث الحضاري على الأرض؟ قلت في حديثي السابق إن خطورة الأمر تحتاج لدراسة علمية اجتماعية عن أسباب المشكلة وأبعادها. ولهذا رأيت أن أبحث عن دراسة إحصائية بقدر ما هو متوفر حتى يكون للحديث أساس ملموس يمكن مناقشته.

تذكرت الكتاب القديم الشهير الذي كتبه المستشرق الأمريكي Edward Wakins عن الأقباط بعنوان "Lonely Minority". هذا الكتاب الذي كتِب قي عام 1963 ينقل لنا صورة لأقباط منتصف القرن العشرين بكل دقة، إذ أن به إحصائيات نادرة يمكن الاعتماد عليها لتقديم صورة حقيقية عن أقباط مصر في ذلك الوقت. نشر الكتاب نتائج إحصاء حكومي (قام به عبد الناصر) لدراسة الجريمة في مصر. هذا الإحصاء أجري على المجرمين الذين أدينوا وحكم عليهم بالسجن خلال عامي 1958 و 1959 وشمل أعداد ونسب الأقباط في كل نوع من الجرائم مما أوضح أن الجريمة في المجتمع القبطي كانت شبه معدومة في ذلك الوقت. فبينما الجريمة في مصر بصفة عامة تقل عن المعدلات العالمية فإن نسب الجريمة في المجتمع القبطي بالنسبة للمجتمع المصري كانت ضئيلة جدا. ويعرض الكاتب نتائجها كنادرة اجتماعية على المستوي العالمي.

هذا التقرير ليس غريبا عن الواقع القبطي الذي عرفناه وعايشناه بأنفسنا في ذلك الزمان. فالبيت القبطي كان متميزا بالاستقرار، حيث كان الطلاق شبه معدوم. فبالرغم من أن التدين كان قليلا ومعتدلا، والكنائس على قلة عددها لم تكن تمتلئ بالمصلين إلا في الأعياد، فكان البيت القبطي مصدرا لراحة كل عضو فيه فصار مصدرا لعطاء وطني نادر. كان التفوق القبطي ظاهرا في كل المجالات وعلى جميع المستويات مع احتفاظ الأقباط بعلاقات اجتماعية رائعة مع الكل وعلاقات أسرية حميمة مع العائلات المسلمة. في ذلك الزمان لم يكن ممكن أن تسمع شتيمة داخل البيت القبطي بأي شكل من الأشكال، كان الطفل القبطي عندما يسمع شتيمة أو كلام العيب ينتابه شعور بالاشمئزاز. وكان من الشائع في المدارس أن الطفل القبطي لا يستطيع أن يشتم ورغم ذلك لم يكن حتى الطفل منفصلا عن المجتمع. أقول ذلك وكلي مرارة بسب الشباب المسيحي المتدين الذين يجيدون اليوم أقذع الشتائم وأقذرها، يرسلونها لكل من يتجاسر ليقول الحق عن محنة الواقع الكنسي الذي نعيشه، وبذلك صاروا شهودا على ما أصاب المجتمع القبطي من تدهور خطير. فهؤلاء الذين يعوزهم القدرة على الحوار الموضوعي المحترم من الكنسيين المدَّعين للتدين يجيدون الشتم المتدني.

أضيف إلى مواصفات الإنسان القبطي ذلك الشعور بالانتماء والوطنية المتفانية التي كتب عنها كثير من الكتاب المصريون المسلمون قبل المسيحيون. وإن كنت أخص حديثي بجيل الخمسينات فإن عام 1956 شهد لوطنية الأقباط عندما حدث العدوان الثلاثي. كان الشباب القبطي هم من أكثر من سارع في التطوع بمنتهى الحماس لبذل النفس للذود عن الوطن. في معركة بور سعيد التحم الشباب القبطي والمسلم في ملحمة الفداء النادرة المتفانية في حب مصر. في الوقت الذي كانت هناك إذاعة سرية من خارج مصر للإخوان المسلمين تشجع العدوان الثلاثي على مصر وتدعو للاستسلام وخيانة مصر وتثبط الهمم لتطفئ شعلة الوطنية المتوهجة. أحداث حرب 1973 تشهد للوطنية القبطية التي لا يتسع المجال لذكر وقائعها المعروفة. في ذلك الزمان انتشرت قضايا الخيانة والتخابر مع إسرائيل ورغم كثرتها لم يشترك في أي قضية منها قبطي واحد. وقد كان ذلك موضعا لتقدير عبد الناصر.

ولكل سمات المجتمع القبطي الفريدة وجد المستشرقون الأجانب فيه مادة دسمة للكتابة عنه. فكتب الكثير منهم عن أقباط مصر كظاهرة مجتمعية نادرة، وظهرت عشرات الكتب في هذا الموضوع مكتوبة بيد كبار العلماء والكتاب تشهد ليس فقط لتاريخ مضي بل لعظمة جيل معاصر من الأقباط. من هؤلاء الكتاب Dr. Otto Meinardus , وهو عالم ألماني عمل كأستاذ بالجامعة الأمريكية في القاهرة حيث تعرف بالأقباط فعشق تاريخهم، وكرس حياته لتقديم دراسات عن واقع الأقباط وتاريخهم فكتب تسعة كتب عنهم باللغتين الإنجليزية والألمانية غير مقالات كثيرة في عديد من المجلات. وحتى بعد أن غادر مصر حيث عمل كأستاذ بجامعات أثينا وهامبورج بألمانيا لم يكف عن الكتابة عن الأقباط حتى وفاته. شخصية أخرى بريطانية هو "Dr. John H. Watson". عشق المجتمع القبطي وكنيستهم وكتب عنهم عدة كتب أهمها كتاب "Among The Copts". وآخرون كثيرون منهم Dr. Cornelis Hulsman وTim Vivian Dr..
*********
ماذا جرى اليوم لأقباط مصر، إنها صورة مختلفة تماما. السيدة مني الشاذلي في إحدى حواراتها في برنامج العاشرة مساءً قالت، "كنا زمان عندما نجد زواجا مستقرا نسميه زواج أبط (أقباط) لكن الأمر قد تغير، فالإحصائيات اليوم تقول أن نسبة الطلاق في العائلات القبطية تماثل الطلاق في العائلات المسلمة". لقد أصبحت مشاكل الأحوال الشخصية عند الأقباط مشكلة مستعصية تأرق المجتمع وتلوكها الألسن ويناقشها الإعلام. لم يعد غريبا عندما تقرأ أخبار الحوادث في الجرائد أن يشد التفاتك عدة أسماء قبطية مشتركة في كل أنواع الجرائم. تقول بعض الإحصائيات الغير رسمية أن عدد الذين يتركون المسيحية يبلغ حوالي عشرة آلاف كل سنة هذا غير من يتركون الكنيسة القبطية للمذاهب المسيحية الأخرى الأمر الذي كان نادرا جدا فيما سبق. وليس أدل على مدى التدهور الذي وصل إليه المجتمع القبطي بل المجتمع الكنسي من أن ثلاثة زوجات لكهنة أقباط في نفس الوقت قررن إشهار إسلامهن هربا من عذاب الزوج الفاضل ذلك الكاهن المسئول عن رعاية الشعب وتعليم الفضيلة الأمر الذي لم نسمع عنه أو نتصور إمكانية حدوثه من قبل!

كل ذلك التغير إلى الأسوء حدث في زمن قياسي واقترن بزيادة ارتباط الأقباط بصورة غير مسبوقة بكنيستهم، بل للدقة اقترن بزحف الكنيسة وسيطرتها على البيت القبطي. فتغيرت بنية هذا البيت حتى صار الكاهن عنصرا أساسيا يفرض وجوده ويوجه كل نشاط داخل البيت القبطي ويستخدم سلطانه الكنسي المغالى فيه ليلغي سلطة الأب ودوره في رعاية بيته. وهذه واحدة من أهم مسببات الزيادة المهولة في نسبة الطلاق وخراب البيوت. امتلأت الكنائس بالمصلين بصورة كبيرة جدا حتى أن معظم الكنائس مفتوحة سبعة أيام في الأسبوع صباحا ومساءا. هذا النشاط الرائع في ظاهره اقترن بهبوط حاد ومفاجئ وسريع في المستوي المجتمعي القبطي. لماذا؟ وكيف؟

ما سبب هذا التغير الكبير والمفاجئ في المجتمع القبطي؟ ماذا حدث لهذا الجيل؟ التغير الذي حدث هو أن بطريركا قد فرض نفسه على الكنيسة منذ 35 عاما أحدث تغييرا أيديولوجيا شاملا في كل المفاهيم الدينية والأعراف السائدة مما أحدث فجوة رهيبة ومخيفة في تاريخ هذا المجتمع العريق. أحاط البابا نفسه بشلة من الشباب الذي ليس له أي مواصفات ذهنية أو معرفية أو قيادية، بقدر ما لهم من قدرات على النفاق ونشر الإشاعات، ونقل الكلام وأهم ما يميزهم هو الولاء الكامل للبابا حتى الموت بأسلوب نازي هتلري. وبينما أحاط البابا نفسه بالمتعصبين من الشباب فقد أبعد المثقفين الذين شكلوا في الماضي الثقل الحضاري للمجتمع القبطي وأعطوه وزنه الثقافي المتميز في وسط المجتمع المصري والعالمي. ولم يقم الباب فقط بعزل المثقفين السابقين عليه الذين كانوا يعرفون حقيقته بل حرص على استمرار استبعاد كامل لأي من المثقفين الجدد في العمل المجتمعي القبطي حتى لا يكون هناك صوت واحد يتوازى مع صوته. وبذلك توقف العمل العلماني البنَّاء في المجتمع القبطي فأصابه الشلل الكامل. واقتصر العمل العلماني على النفاق والعمل الدعائي للبابا الذي يقوم به شباب متعصب ليسوا على مستوى المسئولية التاريخية لأقباط مصر فيقوموا بتعتيم الرؤية لتغيِّب الشعب عن واقع يتقدمهم للضياع والدمار .

أما على الساحة الكنسية فقام البابا بحرب شعواء ضد كل علماء الكنيسة اتهمهم فيها بالهرطقة مستخدما أبواق دعايته من الشباب المتعصب الجاهل لتدمير البنية الكنسية الراسخة القوية التي تأصلت على مدار الزمن. وبذلك أحدث تشويها في المفهوم العقيدي للكنيسة والذي يحتاج لمئات السنين قبل أن يمكن درء الصدع الناتج. لقد تهاوي مستوى التدريس في الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية الذي أصيح في حكم المغلق فقد استبعد البابا العلماء الذين انقطعوا عن المعهد بفضل سياسة البابا، الذي عين بالمعهد والكلية الإكليريكية مدرسين بدون مؤهلات علمية كل مؤهلاتهم هي الولاء للبابا. وبذلك فقد توقف التعليم اللاهوتي والكتابي والكنسي بالكنيسة القبطية.

كان عدد أساقفة الكنيسة قبل البابا شنودة يتجاوز العشرين بقليل فزاد عددهم إلى ما يقرب من 130 أسقفا بزيادة 600%، وكثيرا منهم كل عمله سياسي لحساب البابا. الأغلبية من الأساقفة الجدد من صغار السن منهم من رسموا أساقفة وهم في العشرينات من العمر، بلا خبرة بلا علم بلا معرفة دينية ولا اجتماعية فضرب البابا عرض الحائط بكل القوانين الكنسية و بهذا ضرب الكنيسة في مقتل بتعيين قيادات هزيلة غير قادرة على القيادة وصنع القرار. ومن مهازل القدر أن البابا رسم سائق سيارته أسقفا ليثبت لنفسه أولا ثم للآخرين أنه قادر على كل شيء وأن سلطانه لا يقاوم! ورغم أن هذا الأسقف حقق فشلا ذريعا في كل عمل أسند إليه حتى أنه لم يستطع إدارة كنيسة واحدة، وأينما ذهب سبب مشاكل لا حصر لها وترك الكنيسة. البابا يتمسك بهذا الأسقف حيث يستفيد من مواهبه المدمرة. إن أهم ما يميز الإدارة الكنسية للأنبا شنودة هو الانقسام والتحزب والصراعات والخلافات والبلبلة. فقد اختلق هو وأساقفته الصغار مشاكل لا حصر لها مع الشيوخ من الأساقفة القدامى. والأنبا شنودة شخصيا يستفيد جدا من كل هذا فحتى الخلافات التي تقوم بين أساقفته ورجاله صغار السن تعطي للأنبا شنودة الفرصة ليقيم من نفسه حكما عليهم، كما أن الخلافات بينهم لا تعطي لأحد الفرصة للتحالف ضده. الأنبا شنودة يحرص على ألا يحل المشاكل أو يعالج الخلافات. فوجود المشكلة تعطي لوجوده سببا، واستمرار المشكلة هو الذي يزيد من احتياج الناس له أكثر. وهو لا يهمه النتائج السيئة للخلافات التي قد تكون مدمرة لأسقف أو لكنيسة أو لعائلة أو لمجتمع كنسي بقدر ما يهمه تأكيد قوة سلطانه بغض النظر عن النتائج. ويتَّبع أساقفته نفس هذا المنهج المدمر في إدارة الكنيسة. ولذلك فإن مجرد وجود الأنبا شنودة فوق الكنيسة القبطية هو ورجاله الذين ينشرون الوقيعة حتى بين الأساقفة، لأمر مدمر للمجتمع القبطي.

أما عن الكهنة فقد رسم البابا ما يزيد أو يقل قليلا عن عشرة آلاف كاهن جديد من رجاله. هذه الأرقام الضخمة من الخدام الجدد لو كانت تقوم بعملها الرعوي فالمفروض أنها تقدم للكنيسة خدمة متميزة تقتادها إلى النمو والتقدم المجتمعي. لكن ما حدث هو العكس تماما فنسبة الطلاق قد ارتفعت لأرقام فلكية لم يعرفها المجتمع القبطي في تاريخه وبالتالي ارتفعت نسبة الفساد في المجتمع كما تشرح الإحصائيات. النتيجة المأسوية لازدياد عدد الأساقفة والكهنة تعلن على الملأ أن خللا مروعا قد حدث ويحتاج لعمل حاسم لإنقاذ هذا المجتمع من براثن طغمة اعتلت قيادة المجتمع الكنسي والقبطي كل همها هو التسلط فدمرت كل ما كان فيه هذا المجتمع من رفعة وعظمة.

وإذا كانت الخلافات والفتن والوقيعة على مستوى الأساقفة بهذه الدرجة فكم تكون خطورة الأمر على مستوى الكهنة. هناك من الكهنة من هم معينين لنقل كل كلمة تدور في كل كنيسة للبابا مما يثير الرعب والإرهاب في نفوس الجميع. في تصريح لأحد المسئولين في الكنيسة لمجلة روزة اليوسف قال "المحاكمات الكنسية غاية العدل أو العدل المطلق والدليل أن هناك الآلاف من الكهنة عرضوا على المجلس الإكليركي العام منذ اعتلاء قداسة البابا شنودة الثالث المرقسية وتنوعت العقوبات ما بين الانصراف من المحكمة دون أي جزاء نظرا لعدم وجود أي شبهة خطأ في تصرفات الماثل للمحاكمة" هذا التصريح الخطير يعلن أن هناك آلاف من الكهنة الأبرياء تحاكم!!!! وعبارة الأبرياء وغير الأبرياء تتوقف على التهم التي توجه للكاهن ومعظمها يتعلق بالولاء للبابا. في هذا الجو من الإرهاب كيف يستطيع الكاهن أن يخدم وهو معرض بسبب وشاية لعقوبة كنسية قد تتسبب في وقف مرتبه. والمحاكمات الكنسية للكهنة لا يحكمها قانون. فالبابا هو المشرع وهو النيابة وهو القاضي في نفس الوقت، كما لا يوجد استئناف في الحكم. ولذلك تحول الكهنة إلى مدَّاحين لقداسة البابا في كل ما يعمله من دمار في الكنيسة.

أما على المستوي الشعبي فكل هذه الشرور انعكست عليه بصورة خطيرة سنشرحها في أحاديث مقبلة. ومثل واحد على ذلك الطلاق. من العجيب أن تزداد حالات الطلاق بهذه الصورة الوبائية في المجتمع القبطي في وقت يزيد البابا من قبضته الحديدية فيقيد الطلاق بقوانين صارمة يفرضها على المجتمع. وهذه القوانين نفسها هي من أهم الأسباب التي من أجلها يترك الأقباط دينهم بأعداد ضخمة بلغت مئات أضعاف للعصر السابق عليه. الأنبا شنودة لا يعبأ أو يهتم بمن يتركون الكنيسة، بل تصريحاته القاسية بهذا الخصوص تتنافى تماما مع واجبه الأبوي والرعوي كبابا وبطريرك للكنيسة ومع التعاليم المسيحية. كم من المرات صرح بأنه من الأفضل للكنيسة أن يتركها هؤلاء الغير ثابتين في الإيمان، فالكنيسة ليست في حاجة لمن يتركها. وهذا المبدأ الخطير الذي لا يستنكف البابا من التصريح به في كل مناسبة يحمل مخالفات جسيمة وصريحة لتعاليم المسيح نفسه بهذا الخصوص حيث يقول. "ماذا تظنون إن كان لإنسان مائة خروف وضل واحد منها أفلا يترك التسعة والتسعين على الجبال ويذهب يطلب الضال (مت 12:18). ويقول أيضا، "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف وأما الذي هو أجير وليس راعيا الذي ليست الخراف له فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب فيخطف الذئب الخراف ويبددها." (يو 10: 11-12) . ويقول القديس بولس الرسول"من يضعف وأنا لا أضعف من يعثر وأنا لا ألتهب" (2كو 29:11). وأمام هذا الفكر المسيحي أين نجد للأنبا شنودة ورأيه موقعا؟ !!!!
*********
إن المجتمع كجسم الإنسان به خطوط دفاع مناعية تفرز قوى لتخلصه من العناصر الضارة والنفايات الغير لازمة للجسم. وقد تكون هذه الإفرازات سموما تضر الإنسان نفسه وقد تكون خلايا سرطانية. الإدارة الكنسية اليوم التي صارت بلا فائدة للمجتمع بل تشكل عبئا رهيبا وضغطا مفسدا، بلغ ضرره لكل فرد في العائلة القبطية حتى الطفل الذي شرده الطلاق والضياع الذي أصاب البيت القبطي. لقد حان الوقت ليفرز الجسم المجتمعي القبطي ما يقاوم العنصر الدخيل الذي فرض نفسه عليه. ولذلك أفرز الجسم القبطي سُما زعافا يتناسب مع حجم الفساد الذي استشرى في جسد الكنيسة على مدى 35 عاما. إن ظهور مكسيموس الذي أقام نفسه بطريركا ليقسم الكنيسة ليس إلا هذا الإفراز المجتمعي.

ماكس مشيل أقام من نفسه بطريركا باسم الأنبا مكسيموس الأول ليعلن انقسام الكنيسة القبطية لأول مرة في تاريخها بهذه الصورة الخطيرة. من النواحي القانونية البحتة مكسيموس لا يمكن قبوله بطريركا للكنيسة. فهذا التصرف يخالف القوانين الكنسية في مناحي كثيرة واضحة. إن هذا الحدث هو نتيجة طبيعية فرضه على المجتمع القبطي الفساد الكنسي، فلولا هذا الفساد لما وَجَدَ ماكس العدد من الشعب المؤيد له والكافي حتى يقوم بما فعله. المتضررون من الفساد في عصر الأنبا شنودة كثيرون جدا،، فمنهم من أسلم ومنهم من ترك الكنيسة إلى طوائف أخرى ومنهم من يصمد في صبر نافذ تحت ظروف غاية في الصعوبة. البطريرك مكسيموس فتح بابا جديدا للمتضررين ليجدوا ملاذا لهم عنده، في حل وسطي تحت مسمى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. قبل ظهور مكسيموس لم يكن الأنبا شنودة يعبأ بالخارجيين عن الكنيسة، بل كما أوضحنا أعلاه كانت تصريحاته تتنافى تماما مع واجبه الأبوي كبطريرك وراعي للكنيسة فكم من المرات صرح بأنه من الأفضل للكنيسة أن يتركها هؤلاء الغير ثابتين في الإيمان. بعد ظهور مكسيموس كمنافس الأمر قد تغير تماما فإن كل فرد يفقده الأنبا شنودة من الكنيسة يشكل قوة تضاف لمنافسه وتعضده. استخدام الشدة والحرم والطرد الأسلوب الذي يجيده الأنبا شنودة لم يعد وسيلة مجدية. الشباب المحيط بالأنبا شنودة الذين يستخدمون السباب والشتم والأساقفة الذين يجيدون الدعاية والتملق والنفاق ليقولوا للخير شرا وللشر خيرا أصبحوا في وضع المترقب فأساليبهم قد تهرأت ولم تعد بذات قيمة بل احتمال ضررها أكبر من نفعها.

إن انقسام اليوم هو انقسام حقيقي فُرِض على الأنبا شنودة لأول مرة، وليس انقساما من صنع الأنبا شنودة مثل كل مرة سابقة من انقسامات مفتعلة يصنعها ليشل أي عمل بنَّاء في الكنيسة. إن هذه الأزمة هي النتيجة الحتمية لأعمال الأنبا شنودة. وهي وسيلة أوجدها الفساد نفسه لتخفف من حدة الضغظ الشنيع الذي به يضغط الأنبا شنودة ورجاله على الكنيسة التي صارت فريسة مهيضة يتسابق الكل على افتراسها.

الكنيسة اليوم يصارعها في الخارج أعداء متربصون وتصرعها من الداخل قوى متحاربة تقوم بافتراسها وامتصاص آخر قطرة في دمها. إن على المثقف القبطي اليوم واجب ثقيل وصعب لإنقاذ المجتمع القبطي من براثن المغامرين. فعلى المثقفين الأقباط من العلمانيين أن يقوموا بعمل لإنقاذ ما تبقى لنا. إن ما لنا مازال كثيرا ولكن إن لم ننقذه فنحن جميعا ضائعون،
فإما أن نكون أو لا نكون.
علينا أن نجتمع ونتحد في الرأي ونقوم بجدولة أعمالنا على أساس علمي. علينا أن نتعاون مع كل من هو مخلص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ليس هناك رؤية واضحة لما يلزم عمله قبل أن تجتمع كل قوى الخير في المجتمع القبطي لعمل ما يطهر الكنيسة من الفساد الداخلي ويصحح مسارها نحو خطها الذي كان دائما في اتجاه صاعد.



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لبنان ... وا لوعتاه
- جيل غيَّبَه التدين المريض
- من الرجال من لا يموتون ... -أبونا متَّى المسكين-
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة-2
- الأنبا شنودة وأحداث الإسكندرية الأخيرة
- نشاط الجماعة المحظورة في مصر علامة حكم يتهاوى
- لا تدينوا لكي لا تدانوا
- (1) -التعصب الديني في مصر
- ماذا حصد الأقباط من موقف البابا شنودة من انتخابات الرئاسة
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى -الدولة والكنيسة- 2
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- أكتوبر؛ ختاما لحرب الست سنوات -الفصل الأول
- الإرهاب والقهر والتكفير والفساد في الكنيسة القبطية
- الشعب القبطي يتمزق بين شقي حجر الرحى الدولة و الكنيسة
- البابا شنودة وانتخابات الرئاسة
- انغلاق العقل القبطي في عصر البابا شنودة
- حول الأزمة الدينية في مصر : الخلل الذي كشفته وفاء


المزيد.....




- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - المجتمع القبطي ...كيف كنا وماذا أصبحنا وكيف؟