أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعد محمد رحيم - هذا العالم السريع














المزيد.....

هذا العالم السريع


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 09:34
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


حين تعرف أن أخاً لك في الدين أو العرق أو الإنسانية يعاني في هذه اللحظة أو يواجه خطراً محدقاً أو يموت سيترك فيك أثراً نفسياً أكثر حدة بكثير مما سيتركه لو أنك عرفت بالأمر بعد أشهر أو سنين، ومن يتابع برامج القنوات الإعلامية بشكل مستمر والتي تركز على أخبار الكوارث والمآسي والأزمات التي تحصل، الآن، هنا وهناك، داخل بلده أو مدينته أو في البلدان الأخرى، لا شك ستكون احتمالات تعرضه للاكتئاب والقنوط والإصابة بالأمراض المزمنة وغير المزمنة أكبر من ذلك الذي لا يسمع ولا يرى ولا يدري بما يجري في عالمه.
لا أظن أن كوارث العصور السابقة كانت أقل من كوارث عصرنا، وكتب التاريخ تحكي عن حروب كان مئات آلاف البشر يقتلون فيها، وأوبئة مثل الطاعون كانت تفتك بمدن بكامل سكانها في غضون أيام، وعلى الدوام كانت هناك زلازل وأعاصير تكتسح أمامها وتبطش بالبشر والشجر والحجر، لكن الفرق أن وسائل الاتصالات والمواصلات كانت بدائية فالإنسان الذي يعيش في بلاد ما بين النهرين لن يسمع بما حصل في طنجة أو نابولي أو بلاد السند إلا بعد شهور وسنوات، وربما لن يسمع به أبداً. ولم يكن الملوك والسلاطين يعلمون بنتائج الحروب التي تخوضها جيوشهم، في أرض الأعداء، إلا بعد انتهائها بأيام أو أسابيع. لكن الإنسان المعاصر بفضل تقنيات الاتصال الحديثة وتطور وسائل الإعلام يستطيع أن يتعرف على ما يجري في أية بقعة من أرجاء المعمورة بعد دقائق من حدوثها أو في اللحظة نفسها، وأحيانا قبل أن يحدث في ضوء توقعات المحللين والمراقبين، أو عبر تصريحات صناع القرار.
السرعة سمة عصرنا، وهذه بديهية لا تحتاج إلى نقاش، ومع التطور الحاصل في ميادين المواصلات والاتصالات تغيرت أنماط حياة البشر، كما تغيرت رؤيتهم إلى أنفسهم وعالمهم، وقطعاً أن الإنسان الذي لم يعرف غير استخدام قدميه أو الدواب وسيلة للنقل، كان يفكر بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفكر بها الإنسان الذي يركب القطارات السريعة ويتنقل بين البلدان والقارات بوساطة الطائرة خلال ساعات. ويشعر الإنسان المعاصر بالحيرة والقلق إزاء هذا التلاحق غير المسبوق للتغيرات التي تصيب جوانب حياته، وقبل عقود تحدّث الفين توفلر عما أسماه بصدمة المستقبل، ومؤداها أن إنسان المستقبل سيشهد تغيرات لا يستطيع بحكم القدرات المحدودة لجهازه العصبي على احتوائها وفهمها وتمثلها مما سيوّلد عنده اختلالات نفسية شتى. وأعتقد أن هذا قد حصل أبكر مما توقع. ووسم هذا الأمر آفاق حياتنا كلها.. وفي سبيل المثال لنتأمل الفرق بين مشاهدتنا لأغنية لعبد الحليم حافظ، من فيلم له، تعرض على شاشة التلفاز حيث المشاهد والمناظر تتغير برتابة وبطء بمقدورك استيعابها وملاحظة ما تحتويها بيسر، وبين أغنيات الكليب الحديثة حيث تترى المشاهد والمناظر بسرعة تفلت من قدرتك على المتابعة والملاحظة إلا إذا كنت مدرباً كفاية، أو بالأحرى سريعاً.
الأقوى في عالم اليوم هو الأسرع، فالأخير هو من يحسم الصراعات في الغالب، ويستحوذ على مفاتيح السلطة ويحظى بالقدر الأكبر من الامتيازات والموارد. غير أن أي مجتمع لكي يكون سريعاً عليه أن يتعلم فن السرعة ويتقنه في مجالات التربية والتعليم والثقافة والعلوم والاقتصاد والسياسة وغيرها من مجالات الحياة. والسرعة وحدها لا تكفي ما لم ترافقها المعرفة والقدرة على الضبط والتحكم. وهذه المعادلة زاد من حدة التفاوت بين البشر، وقسّم العالم، بفجوات أوسع، إلى أقوياء وضعفاء، إلى أغنياء وفقراء، إلى حاكمين ومحكومين.
هل الإنسان في هذا العصر أسعد من إنسان العصور السابقة بحكم ما أتيحت له من وسائل راحة ورفاهية وإمكانيات في الاتصال والتواصل مع بني جنسه أسرع وأكفأ؟. أعتقد بأن الإجابة هي؛ لا. وربما لأن الإنسان فقد في خضم انشغاله لتلبية احتياجاته المستجدة ( إذ للعصر ضريبته أيضاً بحكم اتساع نطاق الحاجات الضرورية وغير الضرورية والتي تدفعه مرغماً لإشباعها ) طمأنينة النفس وراحة البال، فثمن هذا اللهاث المضني هو أن الإنسان خسر في الجانب الروحي والجمالي، في الوقت الذي ربح في الجانب المادي، أو أن بعض البشر ربحوا في الجانب المادي.
الأسرع هو الأقوى لكنه ليس هو الأجمل دائماً، وليس هو الأسعد دائماً. فكيف يمكن للإنسان أن يغير المعادلة ليصنع الجميل والمريح والعادل من غير أن يفرط بهذه المزية؛ السرعة؟. ذلك هو التحدي أمام إنسان المستقبل.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين
- فضاء مكتبة.. فضاء الكون*


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعد محمد رحيم - هذا العالم السريع