أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - هوس قصيدة النثر















المزيد.....


هوس قصيدة النثر


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


هـوس قصيدة النثر من خلال رسائل بودلير إلى هوساي
تعـريف أولي لقصيدة النثـر: نثر شعري بلاإيقاع يتلاءم مع الحركات
الغنائية للنفس وتموجات الحلم وانتفاضة الوعي
ترجمة: محمد الإحسايني

[” تلقى ديوان “أزهار الشر”، أكثر من عنوان، وكانت “الأزهار” قد ظهرت مجزأة في الجرائد والدوريات الرائجة في عصر “بودلير".وكان الشاعر يستبق الأقدار برغبته الجامحة في النشر، مهما كان الثمن، ووصل به الأمر إلى التودد حتى المهانة إلى “هوساي “، الذي تفنن في تعذيبه نفسياً بالرغم من اعتراف “بودلير” له، بعجزه عن معارضة وتقليد أثر غيره من المبدعين، تأكيداً لفرادة وأصالة الشاعر الإبداعية.
كيف جاء ديوان “أزهار الشر”، واي عنوان استقر عليه الشاعر، ليكون بمثابة إشارة دالة، ومعلمة، على “قصائد نثره” ؟. “إيف فلورين” Yves Florenne (1)، أحد الذين كرسوا بحوثهم ودراساتهم حول “بودلير”، يجيبنا عن هذا السؤال من خلال الوثائق البودليرية ومن تحليله لها: ]
“المترجم”
معضلة العنوان
يقول “إيف فلورين” (2) : ” الحقيقة، أن العنوان، هو على وجه التقريب، المشكل الوحيد الذي يمكن أن يوضع على الناشر، ، وقد رأينا “بودلير، قد ذكر ذلك، ثم ترك كثيرا من العناوين (و قد جاءايضا، بمثل هذا العنوان: “الومضة والدخان”) وهو أحسنها ، و يُرتضى؛ إذ كان العنوان الأول، في التلوين، معتماً وموسيقياً في آن: Les nocturnes.- الليليات- على أن أسباب تركه إياه، ربما توجد في الاعتراف الذي ورد في رسالته إلى “هوساي”. وهي أكثر وضوحا من الاعتراف الإهدائي: كانت “نقطة الانطلاق”، معارضة GASPARD DE LA NUIT (أدبيا). أو لم يكن يشير أكثر من اللازم ، إلى هذه القرابة “الليلية”؟ – يوجد، في هذا التذلل، بالتأكيد، كثير من التودد. وقدا عترضت “بودلير،دائماً عثرات. بصراحة، العناوين المبعدة، لا خلاف فيها.ولم يُظهر “بودلير ” أبدا عزمه على إعطاء الديوان، العنوان الذي فرع منه القطعتين المرسلتين من بلجيكا إلى مجلة:
La revue du XIX siècle ، وهما: Petits poème Lycanthropes.
فقط، ظل عنوانان ممكنين : Spleen de Paris وهو آخر العناوين الذي كان “بودلير” قد وقع عليه اختياره- وبإصرار. فهو عنوان “بودليري” في منتهى الإتقان. وقد اعتقد “جاك كريبه” Jaques Crépet بوجوب إقصائه، لأن “بودلير”، قد كتب على اللائحة التي تشكل تصميم الديوان “قصائد نثر صغيرة”. كلا، يوجدهنالك عنوان ما، بل معلمة للمؤلف ودليل. وهل يمكننا أن ندعي، أن “بودلير”، قد تردد في النهاية بين le Spleen de Paris وPetits poèmes en prose ؟ لا نعتقد ذلك. إننا نظن إمكانبة افتراض أن العنوان الثاني، وصف بسيط، وتحديد بسيط ، وقلما يكون عنوانا “بودليريا”، خلافا للعنوان الأول الذي يتضمن دلالة – ودلالة جد ” بودليرية “. لقد أوّ لنا هذا المفهوم، متبنين الأول كعنوان – شعري- والثاني كعنوان فرعي – بياني. ولا نقوم من جهة أخرى ، سوى باتباع “بودلير”.
حقيقة ً ، لم يعد يتحدث في رسائله، الأخيرة، إلاعن Spleen de Paris (دو ن أي زيادة)، مشارا إليه دائما كعنوان. ما عدا في رسالته إلى “سانت-بوف” Sainte-Beuve المؤرخة في 15 يناير (كانون الثاني) 1866، حيث يكتب فيها “Le Spleen de Paris (قصائد نثر)” وهو عنوان –مشار إليه- بيان، وتحديد: بين قوسين.
إلى “أرسين “هوساي”
أقدم إليك أفعى بكاملها
صديقي العزيز، أرسل إليك عملاً صغيراً لا يمكن أن يقال عنه بلا إجحاف في حقه : ليس له ذيل ولا رأس، بالعكس، إن كليهما يوجدان فيه، طردا وعكسا. قدّرْ ، أرجوك، كم من فرصة عجيبة يتيحها لنا جميعا، لك أنت، ولي أنا، وللقارئ.
نستطيع أن نقطع أنى نشاء، أنا بتصوري، أنت بالمخطوطة، القارئ بقراء ته؛ ذلك أنني لا أعطل الإرادة الجموح لهذا القارئ على مدى استمرار سرد عقيم لا نهاية له. أزل فقرة ما، والقطعتين من هذا الإبداع الملتوي، سيلتقي بعضه بعضاً دون صعوبة. افرمه إلى أجزاء عديدة، وسترى بأن كل واحد منها، يمكن أن يوجد قائما بنفسه. في التجربة التي تصبح بعض هذه الأجزاء حية بما فيه الكفاية، كي تعجبكم وتلهيكم، أتجرأ أن أقدم إليك أفعى بكاملها.
استحالة معارضة الأثر الأدبي
لدي اعتراف طفيف أسرّه إليك، ألا وهو: وأنا أتصفح للمرة العشرين على الأقل، GASPARD DE LA NUIT الشهير، لصاحبه “الوازيوس بيرتران” (وهو كتاب معروف عن دك ، وعند ي ، وعند بعض من أصدقائنا، أليس له كل الحقوق ليسمى شهيرا ؟) وأنا أتصفح ذلك … وردت علي الفكرة في محاولة شيء من المعارضة الأدبية، وتطبيق الوصف في الحياة الحديثة، أو بالأحرى ، حياة حديثة و حياة أكثر تجريدا . إن الإجراء الذي طبق في تصوير الحياة القديمة، غير مألوف جدا.
نحو تعريف أولي لقصيدة النثر
أي كاتب من كتابنا، في هذه الأيام، لا يملك الطموح، ولم يحلم بمعجزة نثر شعري، موسيقي بدون إيقاع، وبدون قافية، جد مرن ومتنافر، كي يتلاءم مع الحركات الغنائية للنفس، وتموجات الحلم وانتفاضات الوعي ؟
تودد
إنه التردد على المدن الضخمة بالخصوص، وإنه التقاطع لعلا قاتها التي لا تحصى، و التي يلدها هذا المثالي المهيمن. حتى أنت صديقي العزيز، ألم تحاول أن تترجم أنشودة LeC ri Strident لـ Vitrier، وأن تعبر في نثر غنائي، عن جميع الإيحاءات المحزنة، التي ترسلها هذه الصرخة حتى السقيفة عبر ضباب الشارع ؟.
فرادة لا يمكن إنكارها
لكن والحق يقال، أخشى ألا تجلب إليّ غيرتي سعادة، فحالما شرعت في العمل، ما لقيت سوى (الرفض) – فقط ، وبقيت في منأىً عن نموذجي العجيب من الشعر اللامع، إلا أنني أيضا قمت بشيء ما (إذا كان هذا الشيء يسمى شيئاً) من الفرادة، وهي صدفة يزهو بها كل واحد إلاي بدون شك، ولكنها صدفة لا يمكن أن تهين في العمق، نفسا ترى بأن أكبر شرف للشاعر، أن يتمم بالضبط ما شرع في عمله (3).
المخلص لك جدا (ش. بودلير)
تحضير وسوء طالع

هذه الرسالة (4) إهداء نُشر في La Presse سنة 1862، وأعيد نشره في الطبعة لما بعد وفاة “بودلير”، سنة 1869، وكان “آرسين هوساي” Arsène Houssaye، مدير اً للجريدتين اللتين ظهرت فيهما “قصائد النثر الأولى” وهماLa Presse التي توقفت عن النشر، و L’Artiste التي استأنفت النشر. فتحت عنوان : “تحضير وسوء طالع العمل (الأدبي) ص 168. من كتاب Spleen de Paris جاء ما يلي: “(5) ديوان أنجز طيلة عشر سنوات، وما زالت الفكرة الأولى بالتأكيد الذي لا مراء فيه، ترتقي أعلى، وربما قبل التخطيط الأول البادي للعيان، و الذي هو بمثابة La Morale du Joujou، وهي محاولة صغيرة نشرت سنة 1853، إلا أنها كتبت بدون شك، منذ 1851، وتظهر قصيدتان أوليان هما: … ( Petits poèmes…) La Crépuscule du soir و la Solitude (لم يباعد بينهما في الديوان، حيث رقمتا ب 12 و 13).
بيد أنها هي السنة لـ” أزهار الشر” بالذات، التي ظهر فيها للأنظار، مشروع عمله الأدبي. و نظن أنه سرعان ما تشكل . غير أن “بودلير”، لم يحس بالحاجة للتعبير عنه إلا الوقتَ الذي ظهر فيه ديوان الشعر الموزون، الذي ينبغي أن يطابق فيه الشاعر، ديوان “قصيدة النثر” المقبل.
وبما أن “أزهار الشر” ستظهر قطعاً مجزأة في الجرائد والدوريات – وهو ما سيصبح Le Spleen de Paris- ( فذلك لأن الديوان، تلقى أكثر من عناوين متعاقبة، غير الأزهار بالذات }. وكما هو الشأن بالنسبة “لأزهار الشر” أيضا، فإن “بودلير”، كان يرغب في أن تنشر قصائده في La Revue des deux Mondes ، قبل وضعها في مجلد بواسطة Poulet -Malassis ، بل إنه كان يعول عليهما في القيام بتمهيد لها في La Revue، فيتيح له ذلك في الحقيقة، أن يأخذ مكاناً ما. إنه رجاء مخيب – إذ سيظهر اسم “بودلير” مرة واحدة في جميع المحاولات، في محتويات عدد من مجلة La Revue des Deux Mondes- - وهو الأول في سلسلة من الإخفاقات . وكانت صحيفة “Le Présent”، ليوم 24 غشت (أغسطس) 1857 – التي [تمكن] أن ينشر فيها ست قصائد Poèmes nocturnes (ذلك هو أول العناوين ا لتجميعه لتلك القصائد } - قد أتبعتها بالتنويه: و “البقية عما قريب”.
جاء ذلك أربعة أيام بعد الحكم وإدانة مؤلف “أزهار الشر”، ولن يكون هناك أبدا من بقية. عامان بعد ذلك، استعد “بودلير” لأن يعطي بضع قصائد من “القصائد الليلية” إلى La revue Française التي كان يتعاون معها بانتظام: المجلة تموت – لا يتجرأ المرء أن يقول: فجأة. وايضا عامان بعد ذلك، تعرض مجلة La Revue Fantaisiste ل Catulle Mendès ، على قرائها، تسع “قصائد نثر” (العنوان الثاني)، وتعلن أن “التتمة في الطبعة الثانية” من المجلة: إذن، مضى أكثر من أربع سنوات، بعد أن ظهرت القصائد الأولى.
وظهرت الطبعة الثانية من المجلة بدون “قصائد نثر”، وستكون هي آخر الطبعات . ويبدو أن القصائد النثرية والمجلات التي تتلقاها، يجلب بعضها لبعض، النحس بالتبادل.
وسيتظاهر سوء الحظ بالتراخي عن “بودلير”. هل هو يا ترى من أجل أن يتآمر على سوء الحظ بفعل باطني ؟ فيوم عيد الميلاد، يكتب “بودلير” إلى “آرسين هوساي” مدير صحيفتي L’Artiste و La Presse، الرسالة الإهداء (التي سبقت الإشارة إليها)، وسيخضع الشاعر لأنواع من العذاب سامه إياه “هوساي” إلى حد الإذلال والمهانة (5).
الحلم الطويل بقصيدة النثر
نويل 1861
عزيزي “هوساي “،
أنت الذي تعرف جيدا، بالمظهر الشاغر، أن تجعل وقتك يوماً مشغولاً، أوجْد بعض اللحظات لكي تتصفح هذه العينة من “قصائد النثر” التي أبعثها إليك. إني أقوم بمحاولة من هذا القبيل، ولدي عزم لإهدائكم إياها. في نهاية الشهر، أضعُ بين أيديكم كل ما قد أ فرغ منه، (عنواناً مثل: “المتنزه الانفرادي” أو “الجوال الباريسي”، ربما يحتاج ذلك إلى ما هو أحسن.لأ نك أيضا قمت ببعض المحاولات من هذا النوع، وأنت تعرف كم هو صعب ذلك، خاصة من أجل تجنب وجود مظهر لكشف الخطة عن شيء لوضعه شعرا.
(1)……………………………………………………………
(1) (هنا فقرة طويلة حول ترشيح “بودلير” ل الأكاديمية الفرنسية)
ما زلت ألتمس منك حمل المخطوطتين اليدويتين: واحدة إلى “Presse La” (التي تحدثنا عنها)، والثانية إلى “L’Artiste” وهذه الأخيرة هي الأوْلى. لقد مضت سنوات عديدة، وأنا أحلم بقصائدي النثرية.
وسأطلب منك في ذات الوقت، أن تؤدي لي عن الجزء الذي فُرغ منه بعد، أو المجموع المفروغ منه، ذلك أن الانهيار الفجائي والمتزامن لـ “La Fantaisiste” و لـ”L’Européenne” قد أفقرني.
أطلب وعدا كتابياً في حال عدم وجود النقود.
لكن، بما أن ذلك اليوم، هو يوم السنة الجديدة، كما أنك ربما ستكون منزعجاً، وأنه من جهة أخرى، غير مسموح بالتهافت، كذلك على أناس بغتة، ومن ثم، ألتمس الموافقة حيناً على قضاء حاجتي، بكل طيبة خاطرك – في حال عدم وجود النقود- سأطلب منك كلمة كتابية تُعدنى بإدماج أشعاري، في هذه الظروف، أملك منحة صديق لا يبخل عليّ بشيء.
الجانب الهام من هذا العمل، أنه يمكن أن نقطعه أنى شئنا. وفي خلدي أن “هتزل”، سيجد فيه النمط الملائم لمجلد رومانطيقي بالصور.
وكانت نقطة انطلاقي “Gaspard de la Nuit d’Aloysius Bertrand”، الذي تعرفه بدون أي شك، لكن سرعان ما أحسست أنني لم أستطع، أن أسلم في هذه المعارضة (الأدبية للنص المراد تقليده) وأن العمل [الآنف الذكر] لا يمكن تقليده. لقد قررت أن أكون أنا – ذاتي. وستكون فرحا شريطة أن أكون مسليا، أليس كذلك؟.
لقد سبق أن مضى بعض الوقت الذي أردت فيه أن أقدم إليك هذا الكتيب، وأعلم أنك تقوم بمعجزة، أو على الأقل، أنك تريد أن تقوم بها مجددا الشباب للأ “Artiste”، عسى ذلك يكون رائعا، إنه يعيد لنا الشباب نحن بالذات.
باختصار، مهما يكن، فهو أقل ما تعمله من أجلي، فشكراً مسبقاً.
ظهور عنوانين أهملا سريعاً
رسالة جد كاشفة، مثل غالب المرات، من حيث إن اللمحات حول العمل؛ وحول الإبداع الشعري، ممتزجة بهواجس المال. أيضا، نجد فيها بعدُ، نظرة إجمالية للإهداء؛ ونرى فيها ظهور عنوانين اثنين، سرعان ما أهملا .
تدخل هيتزل الناشر
يرضخ “هوسيه”، و يتلـقى المخطوطة اليدوية كلها، ويحتفظ بها في درجه، بينما يجتاز “بودلير” فترة صعبة بالخصوص: لقد تضاءلت آماله كلها عن الموارد المالية المقبلة، ولم يبق له إلا الديون، في حين يتدخل الناشر “هيتزل” (الذي اشترى Le Spleen de Paris و Les Fleures du Mal فيأمل أن ينشرهما في أقرب الآجال). وذلك من خلال رسالة لا يمكن أن ُيستغنى عن الاستشهاد بها: “إقرأ بجد – أود أن أكتب إليك هذا بحروف من نار- البداية الأولى لقصائد نثر “بودلير”، كي أستطيع نشرها ينبغي أن يظهر ذلك على [صفحات] الجريدة.
الافذاذ نادرون
“بودلير” هو صديقنا العزيز – بيد أنه يقيناً ، الناثر الأكثر أصالة، والشاعر الأكثر فرادة في زمننا هذا- ليس هناك من جريدة يمكن أن تستمع إلى هذا الشاعر الكلاسيكي الغريب في أشياء ليست كلاسيكية- ألا أنشْر له- لكن سريعاً- واجْعلني أقرؤه مباشرة. إن الافذاذ الحقيقيين نادرون جداً.
و كيفما كانت المصلحة الشخصية للناشر، فإن هذه الرسالة هي مفخرة لبعد نظره. لقد كان لها تأثير مباشر: ثمانية أيام فقط، بعد أن أرسلت، أخذت تظهر القصائد Petis Poèmes Les في صحيفة “La Presse” التي تابعت نشرها.
ولكن يتوقف النشر، بدوره في القصيدة العشرين. في غضون ذلك، سيخضع “بودلير” من “هوساي” لأنواع حقيقية من العذ اب ، فعلينا أن نعرف إن “هوساي” سيطلب منه أن يحذف من نصه الذي هو، كما نعلم، دمه ولحمه.
تعثر الإنجاز الشعري البودليري
ويتفاقم الخلاف، لأن مدير صحيفةPresse La ، تنبه إلى أن جميع النصوص لم تنشر. في هذه الأثناء، تابع “بودلير” – بتؤدة، وبجهد جهيد – عمله الأدبي، لقد كتبت قصائد جديدة لم يستطع ترتيبها. “وهتزل” ينتظر. يكتب “بودلير” يوم 3 يناير 1863 : “Le Spleen de Paris، لم ينجز، ولم يفرغ من كتابته حاليا. لا يحتاج لإنهائه إلا خمسة عشر يوما من العمل على وجه التقريب” لكنه بعد يومين، يعود ليقول: “إلهي، ما أطول هذا ، للانتهاء منه!”.
كثرة العراقيل
كذلك، إلى النهاية الحقيقية – للأسف! نهايته – لن يجرأ “بودلير”، أن يدرك نهاية عمله تارة، وتارة أخرى، سيعلن عن الفراغ منه دائما في “نهاية الشهر”.
على أنه لم تخمد همته أبدا، إن في اشتغاله أو في محاولته للنشر، يأخذ منه مدير مجلة نصوصه، ولكن ليحذف منها؛ وناشر آخر، يتراجع أمام المجازفات التي يسببها له طبع كلمة “imbécile !” – معتوه- ويعتبر بأن ورود ذكر العطر لإحدى النساء، بالنسبة لكاتب ما، هو “وسيلة سادية” (كذا).
النشر الكامل لقصائد النثر
وأخيراً ،جاءه الفرج، ففي يوم 7 يبراير (شباط) 1864، تعلن “الفيغارو” النشر الكامل ل “Spleen de Paris، قصائد نثر” –أعلنت ذلك بقلم Bourdin نفسه، الذي كان، من خلال مقاله في جريدة “الفيغارو” ذاتها، قد شن حملة للمتابعات ضد “أزهار الشر”. على “بودلير”، وكان له أن يذوق مرارة التهكم، و نكهة المفارقة- لكن بالنسبة إليه- أن هذا الانتقام، قد ظهر أيضا كالبداية لحقبة جديدة: أخيرا، قد ُفهم عملُه، وَيعِدُ هذا التعاون المجدي، في الوقت ذاته، بالنجاح والمال، فتنشر “الفيغارو” ستاً من قصائده . مرة أخرى، (تابع) بدون (تتمة).
قصائد مزعجة
ويمكن أن نتصور ما يعانيه “بودلير”، عندما يذكر لأمه سبب هذا التعطل في النشر: “قال لي المدير: بكل بساطة، إن قصائدي، أزعجت الناس”.
يوجد “بودلير” في “بروكسيل”، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ويكتب إلى أمه يوم 8 غشت (أغسطس) 1864: “آه! يا لها من فرحة عندما ينتهي ذلك! إنني منهوك، متقزز بما فيه الكفاية، من الكل، وحتى من نفسي، وإنه ليخيل إلي أحيانا أنني سوف لا أستطيع إتمام هذا الكتاب المعطل أبدا، منذ أمد بعيد، والذي بالرغم من ذلك، داعبت فيه الفكرة كثيرا!”.
في نهاية السنة، أعطى “بودلير” ست قصائد – منها ثلاث قصائد غير مطبوعة – إلى مجلة La Revue de Paris، التي احتجبت قبل أن يكون لها الوقت الكافي، لتسديد ثمن تلك القصائد إلى المؤلف!
لم يتخل عن مشروعه الشعري
في ذلك العهد، يمكن عن سداد فكر، إيجاد الدليل على أن “بودلير”، بالعكس، من الرأي السائد، لم يكن، ومنذ زمن طويل، قد تخلى نهائيا عن مشروعه الأصلي: مائة قصيدة.
وكما رأيناه، فقد تخلى عنها، بالأحرى، خلال فترات متقطعة، فضلا عن أنه موزع بين الضرورة وتجديد نفسه، وبين الرغبة في إظهاره لل “pendant”. وفعلا يكتب: “ Le Spleen deParis”، هذا الكتاب اللعين، الذي عولتُ عليه كثيرا، بقي معلقا إلى المنتصف”. إلى المنتصف، غير أن في هذا التاريخ، تقريبا، كان مجموع خمسين قصيدة قد كُتب (38 قصيدة كانت قد نشرت، ووجد منها بالتأكيد قصائد أخرى، حيث إن “الفيغارو” عطلت نشرها).
بعد ستة أشهر، 4 ماي (آيار) 1865 كتب “بودلير” إلى “سانت - بوف” Sainte-Beuve : “لم أصل سوى إلى ستين قصيدة، لا أ ستطيع المضي [في إكمال القصائد].
إنها حجة، حتى لو أخطأ في تقدير العدد (أو تراه قد أتلف عدة قصائد؟) الذي كان قد يرغب فيه من وراء قوله “مضي”. وفي ذات الوقت، في رسالة إلى “مانيه” Manet: “عندي مجموعة من قصائد النثر [مهيأة] للنشر…”.
استباق ورغبة في النشر
ويستبق [في رغبته وتوقه للنشر] كالعادة. بيد أن ذلك جيد للغاية، إذ يتخلى عن الرغبة في أن يضيف [قصائد أخرى]، وسيزمع على أن يخختم الكتاب.
بالنسبة لهذه اللحظة، ما زال يعمل في الشهور الأخيرة لسنة 1865 بإطراد ، و بصعوبة. وفي بداية عام 1866، تشهد رسائله أيضا على إرادته في إنهاء الكتاب ثم في نشره. بيد أن المقدرة الإبداعية له، قد استنفدت نهائيا. وحتى الرتوشات التي تحملها القصائد، طفيفة، على الأقل [نراه] يصنفها وينشئ هذا الفهرس من المواد التي تشكل وتغلق الديوان. ويكتب يوم 3 مارس (آذار) 1866: “سأعمل 15 يوما بنشاط في ديواني Spleen de Paris (…) عسى ذلك ينتهي، أذهب إلى باريس سعيا وراء المال بنفسي”. وانتهى كل ذلك… وسيرجع من باريس، لا حتى من أجل “أن يتخانق مع العد م”، كما فعل “ستندال”، بل من أجل أن يغوص هناك وقتا طويلا. و ظهر الديوان، سنتين بعد وفا ته يونيه –حزيرا ن - 1869 ، عند مشيال- ليفي، ليشكل مع Les Paradis artificiels، الجزء الرابع لـ “الأعمال الكاملة”، تحت عنوان Petits poèmes en prose.”)
هوامش
Baudelaire. Le Spleen de Paris. Petits poèmes en prose. Edition établi e(1
Présentée et commentée par Yves Florenne.Notes Complémentaires deMarie-France Azéma.

2) المصدر نفسه ص 174، 175.
3)نفسه ص /ص: 19، 20، 21.
4)نفسه من هامش تعليق “ماري-فرانس أزيما” ص 19.
5)نفسه ص 169: من تعليقات إيف فلورين.



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في-مرثية إلى عصفورةمن الشرق- لمرح البقاعي
- احزان القمر
- ماالذي يحدث في عالم خال من الشعراء
- البطروس ... لشارل بودلير
- صلاة اعتراف الفنان
- الكلاب الطيبة
- أول أمسية
- مدموازيل بيسوري الحياة تزدحم بالوحوش البريئة لشارل بودلير
- المرأة المتوحشة لبودلير
- المقامر السخي


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - هوس قصيدة النثر