أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فائز ناصر الكنعاني - اطباق صقور مشوية















المزيد.....



اطباق صقور مشوية


فائز ناصر الكنعاني

الحوار المتمدن-العدد: 1636 - 2006 / 8 / 8 - 07:11
المحور: المجتمع المدني
    


من لايعرف الصقر يشويه .. مثل درج عليه إخوتنا في الكويت . يفيد هذا المثل في رصد طائفة من القضايا الحياتية المرة . وأوسع أمثلتها إن الطفل ربما يمزق عملة ورقية بسبب جهله لقيمتها.. المثل إذن يجعل من المعادلة عتلة من النوع الأول يكون فيه الجهل مرتكزا وسطا فيما يكون الطرف ( أ ) الإنسان الذي نفترضه عاقلا محافظا على لحائه البشري وهذا مهم. لأن المعرفة تشع من التحسس الإنساني ومن الترقق . أما الجوف الحيواني فينا فمكّيف باتجاهات غريزية مستقيمة. وأما الطرف (ب) فهو ألأشياء جميع الأشياء , لذلك إننا لانسمح لطفل أن يمسك بقلم سوفت - باعتباره ابسط الأدوات – خشية أن يشوه رأس القلم بحكه في جدار أو أرضية صلدة . هذا الحرص البسيط يؤسس لأخلاق تتدرج بتدرج جميع الأشياء المادية وغير المادية وصولا إلى المجتمع والله والحلال والحرام .. فكان واجبنا أن نعلم باستمرار : اقطع التيار الكهربائي عن المولد بعد عودته لئلا يعطب ملف الجهاز ... لاتجاهر بأحاديث خاصة في الباص بسبب من عموميته . .. الفتاة التي تمشي في الشارع هي أختك وواجبك حمايتها من الآخرين ومن نفسك . الخ الخ . كل شيء في الحياة ماديا أم معنويا هو صقر ربما يقودنا الجهل إلى شيّه . لكن السؤال هو أننا هل نعرف ؟؟؟. وما مقدار ما نعرف لئلا نشوي هذا الحيوان الجميل المبصر الماهر. فما بالك بالذي يشوي وطنا بحاله؟ أو مدينة بأسرها ؟ إنني على يقين من إن من يفعل ذلك لايعرف . صحيح انه مأخوذ بلذة رحيق الحرام.. ويعرف التحصيل الدنيوي للتخريب بمبدأ عراقي معاصر " أن من يمشي باستقامة لا يحصل على شيء ! " كما في حال الأخوة مصدري النفط من القطاع الخاص !! . وهذا المثل الغابوي ــ نسبة إلى الغابة ــ متشكل من مسارب عدة منها ثقافة الغزو البدوية المتكيفة بالريف فيكون من الرجولة أن تسرق وتسمو الرجولة إلى مناص التسليب والقتل. فيتفاخر شباب الريف بأن فلانا سبعا: لأنه يسطو على صاحبته ليلا وهي نائمة جوار زوجها أو أبيها. أو تجد أن الزوجة عندما تصف حماها " قاطع الطريق " على انه " رجل مرفوض اجتماعيا" فإنها بالمقابل " تؤجل وصفها إياه إلى وقت آخر بأنه " أزلمة!! " . أو عندما تحرض امرأة عجوز رجلا في لحظة تردد فتقول له بالمديح العالي : أنت ألحرامي العجيد ..
حكومة صدام حسين لم تتخرج من مدرسة أو معهد سياسي يعلمها إن لا تقع بأخطاء من نمط شي الصقور وإنما خرجت من تلك الثقافة الريفية ذات المرجعية البدوية .و بدون تنقيح أخلاقي وهذا مهم. ولكن هناك من يمسك بقلم سوفت ويهرش رأسه بسطح إسمنتي وهو يعلم انه يفعل ذلك ليعمي رأس القلم أولا, وليشوه الجدار ثانيا!! . السؤال هو: لماذا يشوي هذا الشخص صقرا وهو يعلم انه صقر ؟؟ .و الجواب المحتمل ببساطة: إن ملكية هذا الصقر ( ربما ) لا تعود إليه. أسوق كلامي إلى ذات المعادلة :( العتلة من النوع الأول ) مع استبدال طرفيها فيكون الطرف ( أ ) هو البصري. والطرف ( ب ) هو ( البصرة ) . والسؤال الافتراضي هو: لماذا يشوي الطرف ( أ ) الطرف ( ب ) وبعيدا عن الرياضيات, قريبا من الدلالات: لماذا يهدم المواطن في البصرة مدينته.؟؟ ولكي ما نتحقق من هذا المنطوق. علينا أن نتحقق من هوية الطرف الأول: هل هو بصري المولد إلى ألأب والجد ؟؟ . وبعبارة مثالنا: هل تعود له ملكية هذا الصقر ؟؟. هل هو معني بالنخلة ؟ بالمرفأ ... بماء شط العرب , بشارع البصرة الممتد من ساحة سعد إلى ساحة أسد بابل . بمواطنه المختلف معه بالدين أو المذهب أو القومية.؟؟؟. ولنطابق في الميدان الرجال الذين لاهم لهم سوى تخريب البصرة بعد خرابها أو في الأقل عرقلة أعمارها , لنتحقق من هوية الرجل الذي يعمد إلى تصريف فضلات النفط الأسود من أحواض السفن إلى ماء شط العرب.. أو الذي يتسلق عمود النور ليسرق أسلاكه المرتفعة .و...و... و ..سوف نجد أن هؤلاء ليٍسو بصريو المولد. أنهم أو جلّهم إن لم يكونو من أصول محافظات مجاورة فأنهم من أصول قرى مدن أخرى . قرى تنفصم أخلاقياتهم ومبادئهم وعلاماتهم مع أخلاقيات ومبادئ و علامات المدينة. هذا الانفصام الشديد يتمثل ب ( الريفية المتقعرة و الحضرية الرفيعة ) ولم تكن هذه الثنائية تشتمل على المجتمع البصري في مركز المدينة خلال الأربعينيات, أيام كانت البصرة فينيسيا للشرق بحق وحقيق .
المدن العراقية ذات الخصائص المميزة غالبا ما تخشى من سلوكيات مغايرة للمجتمعات المجاورة غير المدينية. ومثال على ذلك مدينة النجف الأشرف الصغيرة إلى حد إن عائلاتها تعرف بعضها البعض , كانت تشخص سلوك القرى المجاورة من أهالي المشخاب أو الحيرة أو سواها في مركز المدينة الذي كان حريصا كل الحرص على توارث خصائصها ( الجين – اجتماعية ) لذلك لم يحدث أن اخترقت تقاليدها لا باللهجة ولا بالعادة ولا بالسلوك . رغم زحوفات الأحياء الجديدة وما يعبر عنه بالعراقية ب ( اللفو ).. الحال ينطبق مع الموصل ومدن كردستان . وبعض مناطق بغداد مثل الأعظمية والكاظمية . مع ملاحظة غائب طعمه فرمان في ( النخلة والجيران ): أن معظم مدن العراق متشابهة ( في الخراب طبعا ).
كانت البصرة حتى مطلع الخمسينيات تمتلك من الحصانة الاقتصادية والثقافية بسبب من موقعها التجاري وقوتها الاقتصادية الواقعة على تنوع إنتاجي ( زراعي ـ سياحي ـ نفطي ـ تجاري ) ما يجعلها متحصنة اكتفائيا ضد أي اختراقات معاكسة , أوضد أيّ تنافذ عكسي أو خضوع للسيول الريفية المعبر عنها بصورة ثقافات جنينية أو عادات بدائية.. كان مركز المدينة يتطور بفاعلية مدينية من طمي القصبات المجاورة : أبي الخصيب . الزبير . شط العرب . الفاو . القرنة . المدينة. بمقتربات ثقافية تشرع للالتحاق بالمدينة . وهكذا تأسست يابسة مدينية من طمي تلك الأنهار , ولكن الشريطة في الدخول هو التمدن . أي أن المدينة هي المكيف الرئيس والمثقف ( كسر القاف ) والمعلم لمن يريد إن يلتحق بركبها موظفا أو طالبا جامعيا أو فراشا. فمثلما توجد لدى أهل الريف المحكومون بالأعراف قائمة عيوب يتحاشى الوقوع بها الرجل الريفي فأن في المدينة المحكومة بالقوانين قائمة عيوب أخرى , مختلفة تماما يتحاشى الوقوع بها الرجل المتمدن... لاتداخل في القيم .. في المدينة القانون يسري على شيخ القبيلة ويودع السجن . أما في الريف فيعد هذا الأمر مهزلة .وإذا ما ابتعدنا عن البصرة باتجاه الأهوار المتاخمة لأقضيتهاالشمالية لوجدنا أن في بعض قرى الأهوار مثل قرية نهر صالح ( قضاء المدينة ) ثمة تكوينات ( / خلايا / حضرية تبلورت على ( الأكلاك ) من الجسم الاجتماعي المائي .هنالك إذن نمو حضري باتجاه توليد هذه الكيانات الجديدة. سببه وجود مدرسة ابتدائية من القصب . استطاعت ولعشرات السنين وبفضل معلمي المناطق النائية إن يرفدوا مركز القضاء بطلاب ثانوية . فيما تسوقهم ثانويات القضاء بعد سنوات إلى جامعات أ ومراكز تخصصية أوإدارات في مركز المدينة . هذا النوع من النمو الحضري وان كان يجب أن يقع تحت مراقبة شيء اسمه تخطيط مجتمعي نفتقر إليه إلا انه يقع ضمن النمو الطبيعي لمجتمع المدينة.
البصرة وبسبب غناها . الاجتماعي والثقافي الجاذب وبساطتها اللافتة تعرضت إلى هجرات فجائية من سكان قرى محافظات مجاورة تلتزم طبيعيا بثقافة مغايرة ومفارقة, ومنفصمة... ثقافة , مر عليها تأريخ ودين حتى تحولت إلى مفاهيم مدينية . إنهم نموذج للمجتمع المغلق الذي يعتبر العيب رديفا لكل ما يختلف عنهم. بالعادة والتصرف. فلأنهم زراع حبوب مثلا . يعتبرون من يمتهن زراعة الخضروات من رجال المدينة ( نساء )!! . ولو كانوا هم من يزرع الخضروات لصنفوا الآخرين زراع الحبوب على إنهم ( نساء ) أيضا ., في كل الأحوال تكون الأنا رجل والآخر غير رجل, الأنا ( زين ) والآخر ( موزين ) إن التصنيف السيمانطيقي للجيد وغير الجيد لديهم هو مسألة ينتمي أو لاينتم. من ينتمي إليهم (جيد / حلال ) ومن لاينتم إليهم ( غير جيد ـ، غير حلال). وباختصار شديد إن كل ما ينتمي إليهم هو لحم خنزير , ولأنهم لايستطيعون العمل الإداري بسبب تدني مستوياتهم العلمية فيما عدا وظائف الشرطة والحراسة . فأنهم يعتبرون الوظيفة عيبا ودراسة المرأة انتهاك !! . أن حالهم حال المجتمعات العربية المغلقة التي تخلق على الدوام آليات دفاع ثقافية ضد كل ما يصعق جسمها من مستحدثات, أو يستفز قاموس لغتها من مفردات. ولا غرابة أن يتخذوا موقفا أخلاقيا من الدراجة الهوائية في أول رؤيتهم لها عندما أطلقوا عليها (حصان إبليس !! ) أو من التلفزيون الذي أسموه(الأعور الدجال !!) ( لاحظ نمط الاقتران تقني↔ عقائدي ) وهكذا فأن الجديد يضرب عندهم بموانع عقائدية كأسلوب لحماية القشرة الخارجية للمجتمع المغلق . المتوفر على هرمونات ذاتية تقيه بلاء التطور ..
وبرغم من أن الموجات البشرية تلك كونت حيا سكنيا كاملا في منطقة الرباط لكنها لم تشكل آنذاك خطورة من ناحية الجذب الثقافي . أي إنهم لم يكونوا من القوة البشرية التي تمكنهم من ترييف المدينة . كانت وسيلتهم للارتزاق في البصرة .تنحصر في أعمال بدائية شاقة يؤدونها أفراد وعائلات .في بعضها شيء من الابتكار مثل ( الطواشة ) حيث ينظفون بساتين أهل البصرة مما يتساقط على أرضها من تمور مقابل أخذه . أو ( الرواسة ) حيث يفصلون في ألأسياف الحبوب عن السنابل بآلات يدوية . أو ( المساليخ ) الذين يمتهنون حمالة أكياس الحبوب في الميناء . أو الحراسة أو السوق وهي أعم وظيفة امتهنوها في المدينة (البيع والشراء ) لذلك إن نسبة أصحاب العلاوي ( وكالات المخضر أو السمك ) من البصريين تتراوح اليوم إلى واحد فاصلة وخمسة بالعشرة بالمائة فقط . وبالمقابل افتقدوا في المدينة وظيفتهم الإنتاجية الأصيلة ( زراعة الحبوب أو الصيد أو الرعي ) بسبب من الاغتراب البيئي, و قي مواقع الإخلاء في مناطق العمارة بخاصة حدث خلل إنتاجي واضح بل وجدب بشري !, وفي كل الأحوال, كانت أسباب الهجرة الأولى سياط الإقطاع والهروب من الثأر الذي غالبا ما يستدعي تغيير الأسماء بأخرى مستعارة لإنهاء الملاحقات. أما أسباب الهجرات اللاحقة وهي الأوسع والتي دعمت القوة العلاماتية التي تسعى لتعميمها تلك ( الجالية ) إن صح التعبير فهو مكاسب الاستقرار التي حققتها محافظة البصرة في مطلع الخمسينيات فقد عمدت إلى تشظية منطقة الرباط ونهير الليل بتأسيس مستوطنات جديدة لفك ظواهر مشاكل اجتماعية طارئة ابتليت بها المدينة وأبرزها ظاهرة الحرائق ( المبرمجة ). ويعد هذا الترحيل الحكومي أول توسعة عاموديه لتأسيس فراغ مفتوح يغري الموجات البشرية اللاحقة بالنزوح.
في ذلك الوقت كان المهاجر الريفي يرهب المدينة. يرهب المؤسسات, يرهب النظام, شرطي المرور, مفتش مصلحة نقل الركاب, الخ. كانت المدينة بالنسبة إليه عبارة عن نظام مركّب مخيف وصعب احتماله.. السبب يعود كما أسلفنا إلى قوة المدينة الاجتماعية والاقتصادية آنذاك. وهيمنة ثقافة مؤسساتها. ولعل من المفيد ذكره إن مدينة البصرة تتحرك بآلية تختلف عن الإلية التي تتحرك بها مدينة الديوانية أو أربيل أو حتى بغداد لسبب جدا بسيط هو أنها من المدن الموانئية القلائل في العالم التي تحتوي على ميناء لايقع على مشارفها وإنما يتوغل إلى قلبها . فعندما تدخل شط العرب باخرة تجارية من الصين أو الهند أو كوريا الخ.. وتصل مشارف المعقل معنى هذا أن حركة الثقافات مستمرة إليها من جميع نقاط الأرض ما يجعلها متصلة بموانئ العالم اجمع.. كان ميناء المعقل هو انترنيت البصرة ألتأريخي قبل أن يعرف العالم معنى الانترنيت,, الأمر الذي جعل من العراق محتلا كليا من قبل العثمانيين بما فيها البصرة في منتصف القرن السابع عشرا لا إن المعقل كانت أثيرة لدى الانكليز باعتبارها نقطة عالمية في الخارطة الاقتصادية لبني البشر . وقد اجمع الهولنديون والبرتغاليون وحتى الفرنسيين على أهمية هذه النقطة من خارطة الأرض بل أن هؤلاء الأوربيون نبه الإيرانيين إلى أهميتها عندما احتلها الشاه صادق خان زند رغم انه لم يكن يحتاج إليها..
تركز وجود المهاجرين من القرى والأرياف إلى البصرة وعلى حد تعبير الشاعر كا ظم الحجاج في مقالته الموسومة بعوالم المدن الناشئة / المنشورة في مجلة آفاق عربية /بصورة أحزمة فقر . كان معمار هذا التكوين معبرا عن السلوك والثقافة المطرودة غير المندغمة . بدأت بيوتهم من ( شﮕص ) وهو عبارة عن سقيفة واحدة من حصيرة القصب . يمكن نقلها بسهولة . ثم تطور إلى الصريفة في مرحلة من الاستقرار الجزئي , وهو معمار أكثر ثباتا من الخيمة وأقل ثبات من الدار الإسمنتية . إن المهاجر لم يتخل عن فكرة الرحلة أو الهجرة حتى بعد حصوله على بيت فالعائلة فيهم غالبا ما تشغل الباحة المطلة على الشارع لتتفضى أمام البيت بالبسط والوسائد الاسطوانية ( مفردها لولة ) وإذا كان لديهم حصانا فالسينوغرافيا الريفية تكتمل . انه رفض ضمني لفكرة البيت الأسمنتي, وحنين جمعي إلى الفضاء, و استعادة مجازية لواقع المسطحات المائية والبرية التي نزحوا منها. كانت الإستراتيجية الفكرية التي تدور في ذهن هذا المهاجر هو الشعور بالغيرة وبالتمايز والشعور بالانحسار الثقافي. كانوا يسمون أهل البصرة بال ( زنا كين ) . كما إنهم يرون في المدينة معادلا موضوعيا, وتكوينا رمزيا للحكومة التي حرمته وأقصته لمئات السنين. انه يجاهد من أجل تعميم ثقافته وإدامة ملامحه البانورامية لئلا يكون عرضة للذوبان. ولكنه بدون قوة بشرية من نوعه توازي على الأقل مجتمع المدينة, لايمكنه تحقيق ذلك .
ومن بين الظلامات الطبيعية الكثيرة التي يشعرون بها : إن ابن المدينة مند غما في النظام ( دورة المدينة المعقدة) على حين كان أبناؤهم حفاة , أوفي تيه , أو بخارج هذه الدورة . ولم تكن لدينا حكومة مثقفة تدرس حركة المجتمع وتستعين بخبراء واختصاصيين لرسم خطط إستراتيجية مقبولة لاحتواء تفريغات سكانية هائلة في الكيانات الاجتماعية مختلفة البيئات . ومراقبة حركة الإدماج المجتمعي والتربوي الخ كما يحدث في العديد من العالم المتقدم. في شرقه وغربه . كانوا منسيون من السلطات المحلية حتى بعد توزيع الأراضي لهم في مناطق أكثر سعة. وان الإحساس بالرهاب الاجتماعي ( الفوبيا ) بإزاء مؤسسات المدينة جعلهم يستوطنون بصورة قطاعات قبلية لتحافظ على روح جمعية نازحة تخشى التفكك وتسعى إلى التعاضد والاحتماء .. وكأن الموازنة تقتضي معادلة ( الذكورية بمقابل المدينة الخنثى المستترة بأنظمة لا تدخل مخه . إن نمط معايشته للمدينة هو نوع من المجارات والمجاملة .بل هو نوع من التكتيك بحسب الفائدة ( العيشة ) . انه غير مقتنع بزميلته الموظفة التي ترتدي التنورة وتشاركه العمل . بما يجعله يتسالب في التعامل مع زوجته وأخته بصفتهما الوجه الآخر. هذا الانفصام جعله يرفض زوجته باللاوعي . فيصرح أمام زميلته الموظفة إن عنده في البيت ( ازلمة وليس امرأة ) فيما يصرح لزوجته إن زميلاته الموظفات ( غير شريفات ) . وهذا تصور أولي لأزمة تاريخية يعاني منها تتمثل في موقفه المحدد من الآخر. المستند إلى فهم موضوعي وتحليلي . لذلك نحن عاجزون عن تصدير أنفسنا بمختلف الوسائط الثقافية المتاحة إلى الآخر على صعيد أممي قاري كوني.
عقدة الخوف الجمعية لهؤلاء المهاجرين نقلت ظاهرة الشقاوة من الفرد إلى العشيرة بأسرها لتكون القوة مبدأ مهما و وحيدا لمجابهة ومعالجة أية معضلة, أو تهديد.
وكان من الطبيعي لدى هؤلاء أن لايعنيهم بشيء ضررا بنخلة في أبي الخصيب أو شط العرب أو الفاو طالما لاتمت إليهم بصلة . إنها ربما تعني لهم مادة للحطب أكثر مما تعني لزارعها الذي يسهر على رعايتها وتلقيحها . بل إنهم ضمنيا ووفق التصنيف السابق لايحترمون رجولة من يمتهن هذا النمط من الفلاحة . لأنها ببساطة ليست صيد طيور أو سمك .
ومما يجدر ذكره أيضا إن البصريين كانوا مثالا للتعايش الديني والقومي منذ تصريح ابن بطوطة في مقدمته لدى زيارته للبصرة وهي أول مدينة يزورها بعد مكة المكرمة ...كانت تعيش في البصرة أربعة أديان سماوية من بينها اليهودية. وقوميات شتى منها الأرمن والسريان وحتى الأكراد,, ففي منطقة الجمهورية ـ الفيصلية سابقا ـ كانت الكنيسة تجاور الحسينية ولم يحدث لمسلم بصري أن اعتدى على مسيحي أو يهودي أو صابئي بصري ولم يحدث لبصري إن اعتدى على نخلة أو حتى جرف نهر..أو بضاعة باخرة . كانت الأخلاق المدنية تصل بالبصري أن لايذهب إلى العشار إلا بحلة تليق بالخروج إلى المدينة , البدلة ألسموكن والبكلة والحذاء الملمع ( اناقة الستينيات )كان ثمة هيبة للشارع وللساحات والحدائق العامة المزدانة بالزهور الملونة والأنوار والنوافير . كانت العائلات البصرية تملأ الحدائق في المساءات وكأنها في مهرجان بشري..
توزعت الأراضي للمهاجرين الأوائل من أرياف المحافظات المجاورة بأسعار رمزية. وباتساع هذه المقاطعات اتسع نطاق الهجرة , بحسب مثلهم المعروف ( الشمالة نبهت الشرجية ). لكن موقفا بدأ يتشكل بأزاء المدينة بعد الدعومات البشرية التي ساندت تلك الثقافة التواقة إلى التنفيس في بيئة تتقاطع معها ثقافة ومعتقدات وسلوك ..كان أبناء هؤلاء المهاجرين , يثقفون : أن المتمدن جبان ومائع . كرد فعل على عدم القدرة على الاندماج .ولما تزل إلى اليوم بقايا هذه الثقافة في عوائل المهاجرين في البصرة فإذا ما خطبت فتاة يتساءلون : " هل هي من العمارة أم حضرية " ( لاحظ العمارة بهوية ومعّرفة أما الحضرية / لأنها ألآخر / فهي عائمة لاهوية لها !! ) إن الذكورية ها هنا تمتد حتى للمعتقدات الدينية فالأئمة ( ع ) بالنسبة إليهم عبارة عن تمثل ذكوري أكثر منه شيء آخر إن المعرفة والقراءة والكتابة تعوزهم للتوصل إلى الأثر الأخلاقي والإنساني والمبادئ السامية للأئمة ( ع ) وهي آثار معرفية تنتظر الاقتداء بها وتمثلها.. إنهم يستدعون الإمام في حالات القسم . و غالبا ما يكون في حالات الحنق وكأنه تدعيم للذكورية: ( بالحمزة أبو حزامين أو بالعباس أبو الرأس الحار أو علي الصميده . لأفعلن بفلان كذا وكذا ). لذلك كانت الصور الأثيرة لديهم أن يكون إلى جوار صورة الإمام علي (ع) أسدا وسيف وهذا قمة الفهم الأيقوني للرمزية الذكورية الأستعادية التي يحتاج إليها هذا الفرد الهارب من بيئته إلى بيئة جديدة يتطير من نظامها الساعي إلى مسخ منظومته . وإذابة علاماته. لم ينتقل هذا المهاجر الى المدينة رغبة منه في أن يتطور في محيط جديد يقبله . انه حارس علاماته. لقد جاء الى المدينة ليس شخصا بريئا يسعى للانتظام وإنما جاء إليها كمنظومة علاماتية متكاملة تسعى الى التأسيس , وطمس معالم الآخر . لقد جاء الى المدينة بعطوره : المسك والسعد والخضيرة . بل حمل معه الطابق الطيني والمطال اللازمين لصناعة خبز الرز الغليظ ( الطابگ ) انه لم يترك خلفه إلا الأرض وبدلا من إن يشبعوا حاجتهم إلى التغيير. فإنهم راحوا يتصدون للتغيير . لذلك كان مبدأ القوة جعلهم يتكتلون في المدينة حفاظا على كيانهم و علاماتهم الثقافية بصورة كارتلات عشائرية:
بسم الله الرحمن الرحيم " إن الله لايغّير ما في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
صدق الله العظيم .
واللافت إن القوى العشائرية الوافدة إلى المدينة كانت أقوى في إجراءاتها وأقسى من بيئاتها الأصلية . إن مضاعفة القوة هذه جاءت لأحداث توازنا أو تغليبا مع المدينة ولإشباع عقدة خوف مفتوحة.
ومن أنماط هذا التصدي هو إنهم ثقفوا أجيالهم أن كل ماهو مدني هو خنثي . انه بدلا من أن يثقف ابنه الصغير إلى أن هناك مرافق صحية من الضروري استعمالها بدلا من البرية. فانه يصيغ هذه المعلومة صياغة عدائية ودفاعية في آن . فيقول إلى صغيره : انك أفضل عندما لايعني لك المرافق شيئا , لأن ابن المدينة خنيث تساعده أمه للذهاب إلى المرافق الذي لايعني لك شيئا . و هكذا يتدرج التضليل ( انك أفضل وهم أقل منك !! , ما تفعلينه حلال ..ما يفعلنه حرام ... رقة أهل المدينة نكوصا رجوليا. وفضاضتك من خصائص الرجال ....) الأمر الذي جعل العشائر البصرية ألآيلة إلى التمدن والراضخة إلى القانون أن تضطر لتشتغل بآليات مثلية متوازية مع النمط العشائري الوافد المجهز بجينات بدونية ( بدون الدولة ) . العطوة والفصل والدك ( الهجوم التنبيهي الذي يعقب العطوة ويسبق الفصل وربما يستخدم هذا الهجوم الأسلحة المتوسطة لكن وقتا لإرهاب المدينة المعاكس واسترجاع الحيف والثأر منها.قد حان .
كان عام 1988 من أعوام سوء الحظ التاريخي التي عا شتها البصرة , لقد غمر
سماء البصرة دخان في حرب الثمان سنوات وكأن المدينة قد تبخرت نخيلا وآدميين وشطان ,لم يكن ثمة جندي عراقي لم يطأ ارض البصرة ..أغلقت موانئها . انتهت كسوق وتجارة, تحولت مزارعها إلى جبهات قتال. وأصبحت فندقا شعبيا لمئات الألوف من الجنود من مختلف المدن . ساح أهلها في وسط وغرب العراق, وهكذا انتهكت كليا وصارت ضحية حقيقية و فريسة للثقافة التي يحلم المهاجر بتعميمها.. تراجع التاجر البصري الذي أغلق ( اوفيزه ).. في الأيام الأولى للحرب . ووفد إلى البصرة تجارا بدلاء من مختلف مدن العراق بعد أن وفرت حكومة صدام وظيفة ذهبية شاغرة للأقربين وثقات النظام من تجار الموصل وسامراء وصلاح الدين وبغداد للعمل في قطوعات نفط البصرة و عبر مياه البصرة وبسفنها في زمن الحصار . تبع قطوعات النفط قطوعات الاسمدة وتبعت قطوعات الأسمدة قطوعات الحبيبات البلاستيكة . وصار كل شيء في البصرة من النخيل والطيور الى تصدير النساء عبر خطي عمان والامارات فضلا عن هجرة العقول فيدفع الأستاذ الجامعي رشوة كبيرة الى من يهمهم الأمر ليحولوا تخصصهم من استاذ الى كاسب ومن طبيبة الى ربة بيت (!!) في هذه الظرفية السريالية استغل المهاجرون القدامى الحرب كفرصة للحياة في المدينة التي لم يبق منها إلا اسمها. ولأن البصريين الاصلاء لايستطيعون أن يتاجروا في الحرب في مدينتهم ويكبدوها فوق ما تكبدت . فان تجارة الحرب تستلزم في التاجر أول ما تستلزم إن لايكون ابن المدينة ,لأن ابن المدينة ربما تأخذه الرأفة على ( صقوره ). كان تجار الخردة الذين يلتقطون من الازبال صفائح الألمنيوم والزجاجات الفارغة هم ذاتهم تجارالاسلحة والألغام وأجزاء الدبابات ورفات الجنود التي باعوها إلى محافظة البصرة, والقطعات العسكرية أعقاب حرب الكويت . بالملايين من الدنانير التي يحلم بها البصري المنزوي على الجادة . تماما كما في صورة المهاجر أبو( شگص ).. لقد اشترى الأمي الجاهل عمارة في مركز المدينة وهو لايستطيع تحرير عقد البيع أو حتى لايستطيع التوقيع عليه أصبحوا نجوما وأعلام . صار البصري مستأجر . بل أصبحت البصرية والمدنية في البصرة مفهوما مستأجرا .
وأتذكر إن مواطنا من أصول غير بصرية , وفي مرحلة الاستقواء في عام 1979 بالتحديد كان قد استوقفه رجل مرور لارتكابه مخالفة مرورية في ساحة سعد فما كان منه إلا إن يكسر أنف رجل المرور ببوكس حديد بمساعدة إخوته . نقل على أثرها رجل المرور إلى المستشفى وسوي الأمر عشائريا ..لم يستطع هذا المهاجر بالتأكيد أن يقوم بفعلته هذه في الخمسينيات أو حتى الستينيات. ( في عهد الشﮕص ) لقد انتقلت كانتونات عشائرية بجاهزيتها من والى . لتأمين سلوك القوة الوحيد المعتمد لمجابهة المدينة . ففي منتصف السبعينيات عمدت الحكومة مرة أخرى إلى التدخل وتفريق بعض التكتلات العشائرية في بعض الأحياء الشعبية نتيجة استمرار نشوب المعارك فيها , على غرار( غط يزرگ جتك بزونه ) .
وفي اللحظات الأولى لسقوط البصرة بأيدي البريطانيين عام 2003 كان المهاجرون وأحفادهم يحتشدون على الطرقات ليمارسوا أفجر عملية نير ونية بالتاريخ واكبر احتفالية لشي الصقور. لقد كانت عملية استباحة المدينة المنتظرة كان جيشا داخليا مهيئا للهجوم . اقتسموا ملكيات المدينة التي ستتوفى بعد أيام ووضعوا الخطط لتفكيكها قبل أن يطأها البريطانيون. وكلنا نقرأ في مواقع عديدة في البصرة بعيد الاحتلال لافتات كتبت بخط ركيك: إن هذا الشيء محجوز إلى العشيرة الفلانية !!
كان الهجوم الشعبي على جامعة البصرة ـ موقع كرمة علي من جهة القرية المقابلة ( أبو صخير ) يؤكد بشاعة وحسد هؤلاء الأهالي على المدينة فلم ينهب هؤلاء (المحرومون!) حاجياتهم التي يطفؤن بها حرمانهم المبرر . وإنما نهبوا أشياء لاتفيد ( أي إنها وبحسب تصنيف شتراوس للمعرفة لاتدخل في باب الضرر أو المنفعة !! ففي القرية المقابلة للجامعة كان احد البيوت مركزا تسويقيا لأجهزة الكترونية غير مفهومة أغراضها منها ما يستخدم في الكشف عن التلوث البكتيري المستخدم في مركز علوم البحار.كان البائع المهاجر(!) يرتدي دشداشة مبقعة من العرق يظهر فيها شق طولي من خاصرته تظهر منه بطنه. نقل عائلته إلى بيت أهله المجاور فيما فرغ داره للحواسيب و مختلف الأجهزة غير مفهومة الأغراض. انه علامة الجهل الحية الوحيدة التي تنتقل بين علامات تكنولوجية لايفهم أغراضها لكنه يمتلكها . إن من لايعرف الصقر يشويه .. الغريب إن هؤلاء وبأعدادهم الهائلة التي غزت دوائر الدولة وقادت سياراتها الحكومية قد عمموا سلوكا لصوصيا حتى لدى بعض أبناء البصرة ولكن دون فعل تخريبي . ويكفي أن تعرف إن صبيان المهاجرين الذين يتعاطون تجارة الخردة. ويستقلون عربات الحمير , قد استطاعوا تفكيك أبنية كاملة تفكيكا كليا وكأنهم النمل الأحمر ومن هذه الأبنية فندق شيراتون البصرة ومنشات الطرق والجسور وبريد القبلة وتربية البصرة ووو!!.. ولو كان الأمر بيدهم لأستطاعواتفكيك مدينة البصرة كاملة. حتى زرقة السماء بالنسبة لديهم , قابلة للبيع.. إن فندق شيراتون البصرة بالنسبة إلى هذا الفرد مهما“ بمقدار ما يحويه بناءه من حديد قابل للتفكك . أو أن مبنى تربية البصرة مهمة لديهم بمقدار ما يتوفر في سياجها من طابوق إسمنتي . أن سوق الأزبال في البصرة اليوم الذي يقطع طريق البصرة عشار . هو سوقهم وما كتل الأزبال التي تملأ الجزرة الوسطية والملتحمة مع بضاعتهم إلا فرزا طبيعيا لهويتهم ( سوق للأسلحة والأعتدة ولتزوير الأوراق الرسمية بدءا من أرقام السيارات إلى هويات الأحوال المدنية وكل ما يمكن مجابهة نظام المدينة من انتهاكات !!أن من لايعرف الصقر يشويه .
وإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين الدين في المدينة والدين في الأرياف في جميع الدول العربية, لوجدنا طبيعيا إن الدين في المدينة أكثر عافية منه في الريف. الجامع الأزهر لم يتأسس في صعيد مصر وإنما في القاهرة. الحوزة العلمية في العراق لم تتأسس في الشامية , وإنما في ( النجف الأشرف ). و البصرة تعد من التأسيسات المتميزة للحواضر الإسلامية . إنها بنت العصر الراشدي فلقد بنيت بصفوة من شيوخ مكة ومفكريها وأسرهم. لذلك كان من العيب والمفارقة الكبيرة إن تخضع حاضرة إسلامية ( تأسست على نواة علمية هي مسجدها الجامع, ثاني مسجد بالإسلام بعد مسجد قباء بمكة ) وفي عصر التكنولوجيا إلى ثقافة ريفية محنطة ومهجورة ومركبة ومركزة. إن الدين في الأرياف وبسبب من عمق الأمية الاجتماعي يقع طبيعيا بترهل عقائدي كبير يحدث هذا في مصر والسودان وبحسب دارسي علماء الاجتماع العرب ومنهم الدكتور علي زيعور . يتحدث لنا احد أبناء إحدى المناطق الريفية في الاهوار ( أ. م) ذات يوم: أن رجلا من إحدى المناطق تلك. فرض على ( السيد أو الشيخ ) القبول بعقد قرانه على عمته تحت تهديد السلاح. الدين يستدعي قبل كل شيء التعلم. لذلك كان الرسول الكريم (ص ) يطلق سراح الكفار من الأسرى مقابل تعليم المسلمين القراءة والكتابة. لايمكنك أن تؤسس لأيمان فاعل متحرك متفاعل متنامي في بحر من الجهالة والأمية : إ إن ثمة خلطة غريبة غير متجانسة من المفاهيم ( العشائرية الدينية ) وهذه مفارقة تاريخية من المهم جدا فكها . إذ إن الالتزام بالعرف العشائري يلغي الالتزام بالعرف الديني والعكس بالعكس, أن أول نظام استهدف تدميره الإسلام الحنيف بعد الأصنام في الكعبة الشريفة هو أعراف القبيلة. في العشيرة يكون الشيخ أولا . أما في الدين, فان من يتق الله هو أولا:
بسم الله الرحمن الرحيم( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) , ونظام القبيلة ـ قريش وما قبلها ـ ( توارث الإشراف ) يرى في الإسلام تحطيما لقدسية الشيوخ وتابوات غاية في التقديس في وقتها . مازالت القبيلة العربية وفي الأرياف بالتحديد والى اليوم لاتساوي بين بلال الحبشي وبين أبي سفيان . مازال فيها جاهلية والتفاف واسع على الإسلام.بمظاهر سلوكية لاحصر لها .
المهاجرون الريفيون الذين تجاوز تعدادهم تعداد أهل البصرة الأصليين استطاعوا ترييف وتطبيع مدينة البصرة بجدارة بدلا من أن تنجح المدينة بتطبيعهم , ووفق هذا التغليب فان الدين الذي اشيعت ثقافته في المدينة هو دينا ريفيا انتقاميا , ثأريا , وليس دينا محمديا تسامحيا , دينا حجته العصي والمطاوي وأسلحة الكلاشنكوف وأصابع القنابل الصوتية . دينا بلغة لايمكن ترجمتها الى لغات الأرض
. إن الصورة النهائية للسلوك ألقتلي والإرهابي الممارس في المدينة في زمن فراغ الدولة. يمثل ذات الصراع المؤجل بين المهاجرين إلى المدينة وبين أبناءها الأصليين. بين ثقافة المدينة المندحرة . وثقافة جوج ومأجوج : إن طرق المعالجة المجتمعية المتمثلة بإرهاب ( الخصم ) بما يتوفر بالجماعة من عناصر قوة مبدأ ريفي مستعاد من إستراتيجيات النزاعات القبلية .
أن النزاعات المدينية تأخذ عدة وأدوات واستراتيجيا مختلفة عن الأدوات غير المدينية . كانت الأدوات في النزاع بين الكوفيين والبصريين هي الحجة والمنطق والكلام. والنظرية الداحضة. لايمكن لمتمدن أن يحرك أي معيار سلوكي بأي اتجاه بأدوات القتل . إنها أدوات العاجز والفارغ من أي حطام . إن من لا يعرف الصقر يشويه..
البصرة المسالمة لم تتدخل حتى في معركة الجمل الواقعة على أرضها ( هذه معركة لاناقة لنا فيها ولا جمل ). ..
أحفاد المهاجرين من الأميين وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان مازالوا يشعرون بالحسد الثقافي المعرفي لأبناء المدينة الداخلين في الشبك ألمديني. و إن الصراع الدفين والكامن بين أبناء المهاجرين الدخلاء على المدينة الرافضين للاندماج بها باعتبارها منظومة مدنسات. مازال يعمل بواجهات جديدة بعد أن امتلك ناصيات قوى حقيقية في مدينة متوفاة. إن من القرويين وبسبب من عمق الأمية المركبة . من يصنع و ينتج باستمرار مفاهيم دفاعية ضد التطور ما أمكنه. أنه حتى لايحتاج إلى استعمار يعمل على تأجيل تطوره . انه ينطوي على ميكانزما تفكير تلقائية تعين الاستعمار حتى بإنتاج و إدامة هذه المفردة . بعد أن أنتجتها شعوب إفريقيا في السنوات الغابرة..وإذا ما دعونا باحثي علم الاجتماع في كافة المراكز البحثية ألأكاديمية في البصرة. إلى إجراء استبيانات ميدانية . سيجدون إن جميع المتجاوزين على ألأرض بما يسموا بالحوا سم هم غير بصريون من الأب أو الجد . إن من نزح إلى البصرة في مطلع الخمسينيات من القرن السابق هو نفسه من استنزح نفسه إلى البرية المكشوفة . لكنه ابتنى هذه المرة دارا إسمنتية إن لم تكن داره من بقايا دائرة حكومية كدلالة على تطبيعه للمدينة التي أرادت يوما ما أن تطبعه. بدليل إن العوائل التي استوطنت الدوائر الحكومية مازالت: تفرش البسط واللول وتتفضى في المساءات . لكن البديل عن الحصان أو الحمار هذه المرة هو سيارة بمقود أيمن وكأنه يقول لأبن البصرة: انظر أنا في موقع آخر.. انه مازال محتفظا بآليته الأصيلة بالتعامل مع المدينة. هذا المسح الميداني الذي ندعو إليه نجريه ثانية في منطقة أخرى مهمة وهي الجرائم المسجلة وغير المسجلة, أو من القطاعين العام والخاص. ستجد أن كل من اعتدى على مواطن بصري , بدء من الذي كسر أنف رجل المرور عام 1979إلى رجال الحرس الوطني الذين اعتدوا على استاذ جامعي جوار مبنى جامعة البصرة قبل أيام أي في عام2006 . وما بينهما من اعتداءات لمختلف التنوع الأزيائي للمعتدين سيجدون أنهم يشتركون بقاسم مشترك واحد هو أنهم ليسوا من تربة هذه المدينة. ليسو بصريون !!



#فائز_ناصر_الكنعاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا
- -طيور الخير- الإماراتية تُنفذ الإسقاط الـ36 لإغاثة سكان غزة ...
- إيران.. حكم بإعدام مغن أيد احتاجات -مهسا أميني-
- نداء من -الأونروا- لجمع 1.2 مليار دولار لغزة والضفة الغربية ...
- متوسط 200 شاحنة يوميا.. الأونروا: تحسن في إيصال المساعدات لغ ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يندد بفشل نتنياهو بإستعاد ...
- إيطاليا.. الكشف عن تعرض قاصرين عرب للتعذيب في أحد السجون بمي ...
- -العفو الدولية-: كيان الاحتلال ارتكب -جرائم حرب- في غزة بذخا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فائز ناصر الكنعاني - اطباق صقور مشوية