أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - حصاد الهشيم لسبع سنوات من الأداء الاقتصادي















المزيد.....



حصاد الهشيم لسبع سنوات من الأداء الاقتصادي


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 1632 - 2006 / 8 / 4 - 10:37
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


لا يمكن الحديث عن المشهد الاقتصادي للسنوات السبعة الماضية بدون التأكيد على استمرارية خضوع القرار الاقتصادي للفكر الوحيد ولما يسمى بالمخزن الاقتصادي، وتتداخل هذه الازدواجية بحيث يظهر الإطار الاقتصادي العام كما لو أنه يخضع للفكر الليبرالي والأداء الاقتصادي الرأسمالي، لكن هيمنة العقلية الاقتصادية المخزنية على الأداء الاقتصادي اليومي يكرس صورة أخرى عن هذا النظام الاقتصادي القائم على الريع والاحتكار واستغلال الأيدي العاملة مع المراهنة على التجارة الخارجية والإستثمارات الأجنبية الخاصة أكثر من مراهنته على السوق الداخلي.
ويصعب رصد مختلف محطات الأداء الاقتصادي خلال السنوات السبع الماضية إلا أن هناك مؤشرات عن هذا الأداء سواء في ظل حكومة اليوسفي أو حكومة إدريس جطو، وقد تخللت هذه الفترة مشاهد صارخة من الإحباط انطلقت مع أكذوبة بترول تالسينت التي فندها أبراهام السرفاتي وتمر عبر رفع وثيرة الخوصصة عبر تفويت أكبر قدر من الممتلكات العمومية للخواص الأجانب قبل المغاربة ووضع مدونة شغل تراجعية وتصل إلى تفاقم أسعار النفط وإلغاء صندوق المقاصة وتعمق الأزمة المزمنة لقطاع النسيج وتكريس العبء الضريبي على ذوي الدخل المحدود.
إن تقرير البنك العالمي حول التنمية بالمغرب الصادر خلال شهر مارس 2006 يسطر هذا الإحباط الذي يشير إليه الأداء الحكومي في المجال الإقتصادي حينما يقول بأنه على الرغم من توفر المغرب على مؤهلات اقتصادية وسياسية جيواستراتيجية ظل معدل النمو الاقتصادي ضعيفا وهو ما يشكل لغزا بالنسبة إليه.
فما هي إذن أهم ملامح احباطات السياسات الاقتصادية المتبعة في دولة الكومبرادور؟

نمو اقتصادي ضعيف
لم يتعد معدل النمو الذي ساد في المغرب ما بين 1998 و 2005 نسبة 3 % في المتوسط وهي نسبة غير كافية لكي يتمكن الاقتصاد المغربي من الإقلاع والحد من البطالة، فهذا الضعف في النمو يعيق تنمية البلاد أكثر مما يعرقل مستوى النمو نفسه، فضلا عن كونه يؤدي إلى انعدام القدرة التوقعية لمجريات التدابير الاقتصادية، وذلك على حساب الاستثمارات وملاءمة السياسات المالية .

ويمكن إرجاع ضعف النمو الاقتصادي إلى عدد من العوامل نذكر من بينها ما يلي:
1 - هشاشة الاقتصاد الناجمة عن التقلبات المناخية، فالاقتصاد المغربي ظل شديد الارتباط بمنجزات القطاع الفلاحي ، حيث يشكل 14 % من الناتج الداخلي الخام، ولا زال يشغل %40 من الساكنة النشيطة .وفضلا عن ذلك فلتقلبات النشاط الفلاحي آثار خارجية سلبية على النمو الإجمالي، حيث أن انخفاض الإنتاج الفلاحي لا يؤدي فقط إلى انخفاض الصادرات بل وينتج عنه أيضا ضعف المداخيل، مما ينعكس سلبيا على استهلاك الأسر؛
2 - تقلب الظرفية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي الذي يشكل المنفذ التجاري الأساسي للمغرب؛
3 - ضعف الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي ؛
4 - ضعف الاستثمارات العمومية والخاصة؛
5 - النقص الحاصل في ميكانيزمات تمويل الاقتصاد؛
6 - محدودية القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني؛
7 - ضعف نجاعة السياسات الضريبية والنقدية، وعدم ملاءمة الموارد المرصودة؛
8 – التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي على حساب تنمية السوق الداخلي؛
9 – تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الإقتصاد الوطني.

إن الاتجاه التراجعي لإمكانيات تحقيق النمو ترافق مع تباطؤ مهم في وتيرة نمو الناتج الداخلي الخام لكل مواطن، فقد انخفض معدل نمو الناتج الداخلي الفردي خلال الفترة 1999 – 2005 إلى حوالي 1 % ، أي بانخفاض يفوق نصف الحجم الذي ارتفعت به مداخيل الأسر. فمعدل الدخل المتوسط للمغربي (1437 دولار) مقارنة بقدرته الشرائية، قد تضاعف فعلا بالقيمة المطلقة ، إلا أن الفارق اتسع، بشكل ملحوظ، بالمقارنة مع البلدان المتقدمة .وعليه فإن الناتج الداخلي الإجمالي للفرد الواحد لا يمثل اليوم سوى خمس الناتج الداخلي الخام للمواطن الاسباني.
إن التوجه الخارجي للإقتصاد المغربي على حساب التنمية الداخلية وكذا تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الاقتصاد الوطني يشكلان عاملين أساسيين كرسا ضعف النمو الاقتصادي، فالتوجه الخارجي للإقتصاد المغربي من خلال الانتاج من أجل التصدير يقلص من امكانية تطوير انتاج فلاحي وصناعي يلبي الحاجيات الأساسية للمواطن المغربي ويخلق علاقات عضوية بمختلف النسيج الاقتصادي الوطني ويرفع من حجم السوق الداخلي مما يزيد من حركية عوامل النمو الإقتصادي.
أما بالنسبة لتراجع دور الدولة كقاطرة والمراهنة على الاستثمارات الأجنبية الخاصة والقطاع الخاص عموما فقد أبان عن سلبية كبيرة نتيجة انتشار الكساد وعدم اقبال المستثمرين الأجانب بأحجام معقولة.


محددات النمو الاقتصادي بالمغرب
من الملاحظ أن أهم المحددات الأساسية للنمو الإقتصادي بالمغرب تقوم على استهلاك الأسر وعلى الأيدي العاملة في حين أن هذه الأطراف هي الأكثر تضررا من السياسات الإقتصادية المتبعة وفيما يلي أهم محددات النمو الإقتصادي في المغرب:
1 - يشكل استهلاك الأسر المحرك الحقيقي للنمو، حيث لا يقل إسهامها في النمو الاقتصادي عن 2 نقط. وتعود هذه الحيوية إلى غياب عادات الاكتناز لدى الأسر التي يقلص من الادخار لصالح الاستهلاك، فكلما كان الدخل ضعيفا كلما تزايدت نسبة الإستهلاك والعكس صحيح ؛
2 - يشكل الاستثمار العمومي المصدر الثاني للنمو فهو يسهم بحوالي 3 % من الناتج الداخلي الخام لكنه يضل استثمارا ضعيفا بالنظر إلى تراجع دور الدولة في الإقتصاد .أما الاستثمار الخاص المغربي فيبقى ضعيفا على العموم وفي علاقة طردية مع ضعف الاستثمار العمومي؛
3 – إن تحليل العلاقة بين عنصري الشغل ورأس المال يبين أن النمو الاقتصادي للبلاد يرتكز أساسا على عنصر الشغل مقارنة مع عنصر رأس المال ، فعنصر الشغل يمثل ما يزيد عن %1,5 من النمو نظرا للتركيز على الأنشطة المكثفة للعنصر البشري، نظرا لتوفر يد عاملة وفيرة ورخيصة، مقابل ندرة توفر رأس المال؛
4 – أما التجارة الخارجية فتأثر إجمالا، بشكل سلبي، على الاقتصاد، فإذا كانت مساهمة الصادرات في النمو إيجابية مستقرة في معدل ( % 1,3 )في احتساب النمو إلا أنها لم تستطع تعويض المساهمة السلبية للواردات (- 2 % ) في المعدل. وهو الأمر الذي يؤكد الإخفاق النسبي لسياسات إحلال الواردات المتبعة منذ الاستقلال والتي عوضت بالإنتاج من أجل التصدير واستمرار استيراد وسائل الإنتاج .وعدم استغلال ضعف الأجور (والذي يشكل بدوره عاملا من عوامل تدني القوة الشرائية للأسر)، وبخاصة هيمنة النشاطات ذات القيمة المضافة الضعيفة (نسيج، فلاحة غذائية) في مجال الصادرات؛

5 - أما باقي العوامل الأخرى فقد ضلت إنتاجيتها ضعيفة جدا نظرا لتأرجحها، وهو ما ينم عن تخصيص غير أمثل للعوامل وإهدار هائل للطاقات الإنتاجية، مما يشكل إشارة لوجود اختلالات في الاقتصاد المغربي، تسهم في عدم رصد الموارد البشرية والمالية في المجالات التي يمكن أن تكون أكثر إنتاجية .

ومن بين الأمثلة على عوامل ضعف النمو الاقتصادي بالمغرب يمكن الإشارة إلى فشل السياسات القطاعية وخاصة منها القطاعين الفلاحي والصناعي.
ضعف مساهمة القطاع الفلاحي

تؤكد مؤشرات الأداء الفلاحي خلال سبع سنوات الفارطة على فشل دريع للسياسات الفلاحية، فمختلف الاستراتيجيات المعتمدة قبيل هذه الفترة لم تعرف طريقها للتنفيذ نظرا لغياب إرادة حقيقية للإصلاح الزراعي. ومن بين هذه الإستراتيجيات نذكر ما يلي:

• وضع قانون توجيهي يهدف إلى عصرنة الفلاحة على أربعة توجهات جديدة للسياسة الفلاحية لتعويض الأهداف الأربعة التقليدية للسياسة الفلاحية التي تقول بالإكتفاء الذاتي الغذائي وتوازن الميزان التجاري والرفع من دخل الفلاحين والحد من الفوارق الجهوية وتتمثل هذه التوجهات في:
 المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي؛
 إدماج السوقين الدولية والوطنية ؛
 الرفع من دخل الفلاحين وتأمينه ؛
 المحافظة على المواد الطبيعية وإعطاؤها قيمة أكبر؛
 إصدار القانون الخاص بالإصلاح الزراعي في المناطق البورية ؛
 وضع القانون المتعلق بالماء سنة 1994؛
 اعتماد البرنامج الوطني للري 2000 – 1993 ؛
 إحداث صندوق التنمية القروية؛
 وضع البرنامج الوطني لبناء الطرق القروية ؛
 بلورة برنامج جماعي لتوفير الماء الشروب للساكنة القروية ؛
 وضع برنامج الكهربة القروية الشاملة ؛
 وضع البرنامج الوطني للتمدرس؛
 وضع استراتيجية 2020 للتنمية القروية؛
 وضع مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2004 – 2000 ؛
 وضع اإستراتيجية طويلة المدى لتنمية الفلاحة المغربية.
وقد لوحظ أن مختلف هذه الاستراتيجيات والسياسات إما أنها ظلت حبرا على ورق أو حققت نتائج باهتة، فحجم الإنتاج الفلاحي ظل دون المستوى المطلوب، حيث سجل الإتجاه العام للإنتاج تراجعا بالنسبة للناتج الداخلي الإجمالي، مستقرا في حوالي % 14.
ومن بين المؤشرات الدالة على هذا التطور السلبي للقطاع هناك ما يلي:
• لم يتحقق أبدا هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي ، بل عوض هذا الهدف بهدف تحقيق الأمن الغذائي وهو ما يعنى مواصلة استيراد الحاجات الغذائية؛
• تراجع انتاج الحبوب قياسا بالفرد الواحد الذي يبلغ حوالي 203 كيلو ، وهو ما يمكن أن يعتبر تعميقا للتبعية الغذائية لبلادنا ، فنسبة تغطية الإنتاج المحلي للاستهلاك الداخلي يبقى أقل من % 50 بالنسبة للقمح الطري مثلا؛
• وإذا كان انتاج اللحوم البيضاء قد تزايد بنسبة %41 وزاد على غرار ذلك الإنتاج الحليبي، إلا أن أعداد رؤوس الماشية تقلصت بنسبة %27 بالنسبة للأبقار والماعز، بينما تم تسجيل استقرار في عدد رؤوس الأغنام؛
• كما أن انعكاس اندثار الفرشة المائية على أوضاع الفلاحين باتت واضحة للعيان وتكتسي طابع الخطورة الداهمة، فهناك حوالي %43 من الساكنة القروية تستغل أراضي ضعيفة المردودية، الأمر الذي لا يوفر لها شروط العيش الكريم، وأن %54 من المناطق القروية تعيش شبه عزلة، وأن %16 فقط من الأسر القروية تتوفر على الكهرباء؛
• وتحتل زراعات الحبوب 57 % من المساحات القابلة للزراعة؛ إلا أن مساهمتها في القيمة المضافة الزراعية لا تتجاوز 23,8 %، وبذلك يلجأ المغرب إلى استيراد الحبوب من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يكرس المزيد من التبعية الغذائية. كما أن الخضراوات والحوامض التي تعتبر من المنتجات الرئيسية في المناطق المسقية توجه في الغالب نحو التصدير.

وتؤدي الأوضاع المزرية بالساكنة القروية إلى :
• عجز الفلاحين الفقراء والصغار على الاستمرار في تجهيز أبارهم مما دفع بالعديد منهم إلى التحول في أحسن الأحوال إلى عمال زراعيين إن لم يلتحقوا بصفوف البطالة وبالهجرة نحو المدن؛
• لجوء الفلاحين المتوسطين إلى القروض لمواجهة متطلبات النفقات الإضافية التي أصبح يفرضها نضوب آبارهم حتى يحافظوا على مزارعهم ونشاطهم الفلاحي في حده الأدنى؛
• انخفاض النشاط الفلاحي لأغلبية الفلاحين الأمر الذي زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية؛
تفاقم الأمراض الاجتماعية: البغاء، التسول، التعاطي للمخدرات واللصوصية.

إن هذه الوضعية مازالت مرشحة للتفاقم وان جميع القرائن تثبت أن دولة الكمبرادور والملاكين الكبار ماضية في تطبيق سياسة مراكمة الأرباح السريعة على حساب مستقبل البلاد والتوازنات البيئية والجهوية، وتفريطا بالأمن الغذائي للمواطن. فنحن نستورد الآن القمح سواء كانت السنة جيدة أو سنة سيئة، فحتى عندما نعيش سنة جيدة من حيث الأمطار نقوم باستيراد القمح، حيث نستورد في المتوسط 30 مليون قنطار وهذا يعني أن المغرب أصبح مستورد بنيوي للحاجيات الغذائية الأساسية.

صناعات لا تستجيب للحاجيات الأساسية للمواطنين
يرتكز النسيج الصناعي المغربي على الخصوص في مدينة الدار البيضاء، حيث تتجمع الصناعات الفولاذية والميكانيكية والكهربائية والفلاحية الغذائية والنسيجية .وإذا كانت السياسة الصناعية التي انطلقت من مبدأ إعطاء الأولوية لإحلال الواردات قد استقطبت الصناعات التحويلية الخفيفة ولاسيما منها الفلاحية الغذائية والنسيجية إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال تصطدم بضعف قدرة الاستهلاك المرتبطة بطلب الأسر، لذلك تحولت حاجة السياسات الصناعية نحو تنمية الصادرات بارتباط مع استغلال وتصدير الموارد الطبيعية للبلاد (معدنية، فلاحية، صيدية... الخ ) بينما ضلت آليات السياسة الصناعية تستغل وسائل الاحتراز والتحفيز والاستثمار العمومي .
ففي ظل محدودية السوق الداخلية، تم تشجيع الصناعات الموجهة نحو التصدير، وفي هذا الإطار برزت مجموعات رأسمالية احتكارية (كمجموعة أونا مثلا) تنشط وتتطور في محيط محمي ومحفز من طرف الدولة .لكن تكوين أقطاب احتكارية أو شبه احتكارات يحد من وتيرة تصنيع البلاد، لأن الإحتكار يتعارض مع مفهوم المنافسة الذي يتغنى به الخطاب الليبرالي السائد، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تكريس هيمنة المخزن الاقتصادي وتحالفاته الطبقية على قطاع صناعي موجه أساسا نحو الخارج ولا يلبي إلا استثناء الحاجيات الأساسية للمواطنين .
وعلى العموم عرفت الصناعة المغربية خلال السنوات السبع الفارطة تراجعا ملحوظا نتيجة الانفتاح المطلق على الواردات ونهج سياسة الباب المفتوح وإبرام اتفاقيات التبادل الحر ومنافسة الشركات متعددة الاستيطان حيث تفاقمت أزمة النسيج وأغلقت المئات من المؤسسات وشرد المئات من العمال وارتفعت أسعار المحروقات التي رفعت من كلفة الإنتاج، فنسبة النمو تزداد انخفاضا نتيجة هذه العوامل.
ورغم مراهنة السياسة العمومية على سياسة التصدير فقد سجلت المؤشرات الرسمية مساهمة سلبية للطلب الخارجي، فقد تزايدت واردات السلع والخدمات بوتيرة أكبر خلال المرحلة 2001-2004 ، حيث بلغ معدل نموها 7,6 % مقابل 5,9 % بين 1997 و .2000 . بينما عرفت الصادرات ارتفاعا متواضعا من مرحلة لأخرى منتقلة من 4,9 % إلى %.5,8 مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري. وهكذا تراجعت مساهمة التجارة الخارجية في النمو بـ 0,4 نقطة لتسجل (-1,0) من الناتج الداخلي الإجمالي. فحسب المنظمة العالمية للتجارة، بلغ معدل النمو السنوي المتوسط للصادرات بالمغرب 4,1 % ، وهو معدل أقل من نظيره المسجل في تونس(6,9 %) وماليزيا (6,3 % ) والمكسيك (7,1 %) وتركيا (11,5 % ) وهنغاريا (13,1 % ) والصين (19 %). وقد همت 71 % من الصادرات الوطنية سنة 2003 الصناعات الغذائية والنسيج والكيمياء وهي قطاعات لا تمثل سوى 28 % من التجارة العالمية حسب مركز التجارة الدولي.


طبيعة القطاع خاص المغربي
يتشكل القطاع الخاص المغربي من برجوازية هجينة حققت تراكمها الرأسمالي البدائي عبر ثروات مكونة من التجارة والأراضي الفلاحية المسترجعة من المعمرين والملكية العقارية الحضرية وتراخيص الاستيراد والتصدير و الصيد البحري والمناجم ومقالع الرمال والتموقع داخل دائرة المخزن الإقتصادي و التشجيعات التي منحت الأولوية للفلاحة وتنمية الصناعات البديلة للواردات. ويرتكز الهم الأساسي لهذه البرجوازية على المحافظة على ثرواتها عبر التصاقها بدواليب المخزن، دون أن تتوفر لديها روح الخلق والإبداع أو إرادة دمقرطة الحياة الاقتصادية والسياسية، كما كان الشأن بالنسبة للبرجوازية الأوروبية في بداية عهدها. ونظرا لأن هذه البرجوازية الهجينة نمت وترعرعت في كنف المخزن وتعودت على رعاية هذا الأخير فإنها لم تصمد أمام الهزات العنيفة لسياسات التقويم الهيكلي ولرياح العولمة واتفاقيات التبادل الحر.
فقد أدت هذه العوامل إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج لا قبل للباطرونا المحلية على تعويضها كما هو الشأن بالنسبة للزيادات التي حدثت في أسعار الفائدة والطاقة والمواد الخام المحلية، إضافة إلى تخفيض سعر الصرف، والارتفاع الفاحش في كلفة الواردات الوسيطة الضرورية للصناعات المحلية (المواد الخام ونصف المصنعة وقطع الغيار) وتزايد رسوم وأسعار خدمات المرافق العمومية والنقل والاتصالات ..الخ وكذا الضرائب غير المباشرة المفروضة على المنتجات الصناعية المحلية كالضريبة على القيمة المضافة والضرائب الداخلية على الاستهلاك التي رفعت من أسعار هذه المنتجات وقلصت بالتالي من حجم الطلب عليها.
وقد تعرض أرباب الصناعات المحلية لمنافسة غير متكافئة نتيجة تحرير التجارة الخارجية. فعند حساب الآثار التراكمية لهذا التحرير على إجمالي التكاليف المحلية سنجد أنها قد أدت إلى زيادات بنسب هائلة تتراوح ما بين 100% وأكثر من 200%. ونظرا للطابع الانكماشي لسياسات الميزانية الهادفة إلى كبح نمو الطلب المحلي، فإن الباطرونا المشتغلة في مجال الصناعة فشلت في نقل عبء الزيادة في التكاليف على عاتق المستهلك المحلي باستمرار، نظرا لضعف القدرة الشرائية للأسر والأفراد. من هنا أصبحت المبيعات تواجه بأسواق كاسدة، الشيء الذي دفعهم إلى تعطيل جانب من طاقاتهم الإنتاجية، مع ما يتبع ذلك من طرد الأيدي العاملة، وانخفاض كلي في مستوى الاستثمار مما ترجم بحدوث تراكم هائل في السيولة لدى الأبناك والمصارف.
كما أن تحرير التجارة الخارجية، أدى إلى تدمير الصناعات المحلية، الشيء الذي هدد مصالح الباطرونا الصناعية المحلية، التي اضطرت، إزاء هذه الظروف، إلى غلق مصانعها والتحول برؤوس أموالها إلى مجالات أخرى أكثر إغراء، مثل تجارة الاستيراد التي يرتفع فيها معدل الربح (بالمقارنة مع معدل الربح في القطاع الصناعي) وتتميز بالدوران السريع لرأس المال. وهنا تتحول أقسام واسعة من البورجوازية الصناعية إلى البورجوازية التجارية، التي تقنع، في مثل هذه الظروف، بتمثيل الوكالات والشركات الكبرى متعددة الاستيطان.
إن الحديث عن الدور السياسي للباطرونا هو حديث عن كيان طفيلي يخاف من الابتعاد عن السلطة المخزنية التي توفر له امكانية التطور والنمو، ويعز عليه الخوض في تجربة الدمقرطة السياسية والاقتصادية لأن عيوبه ستنكشف بشكل فاضح مما سيجعله إما عرضة للمحاسبة في اطار من أين لك هذا؟ أو يصبح لقمة سائغة في فم الرأسمال المالي العالمي.
كما تصطدم البرجوازية الهجينة باختلال كبير في التوازن بين رأس المال والعمل لصالح رأس المال. حيث اتسمت العلاقات بين أرباب العمل والعمال بنزاعات مزمنة، فغياب حكامة جيدة في عالم المقاولة أدى إلى استهتار أرباب العمل بالمأجورين وتجاهلهم لبنود مدونة الشغل وتشديد استغلالهم ورفضهم العمل عبر المفاوضات الجماعية لتحديد الأهداف وتدبير النزاعات الاجتماعية وتقوية الاتفاقيات الجماعية .

الاقتصاد غير المهيكل كاقتصاد جماهري متعتر
تحتل أنشطة القطاع غير المنظم مكانة بارزة في خلق مناصب الشغل، واكتساب التأهيل وتوزيع المداخيل وطرق الإنتاج والاستهلاك .وتنتج هذه الأنشطة مواد وخدمات لفئات اجتماعية ذات دخل محدود، يستحيل عليها الاستفادة من خدمات أو أنماط إعادة التوزيع، التي تتولاها الدولة .لذا ففي كل مدن البلاد، يزداد بشكل مثير، عدد المهن الصغيرة والأنشطة التي تمارس في الأزقة .إن هؤلاء الحرفيين المتجمعين في أحياء عتيقة مصنفة حسب نوع المهنة، والمنقلين الحضريين والرصاصيين بورشات صغيرة، والبنائين، والمشتغلات في أعمال التنظيف، والباعة المتجولين، كلها فئات تكون نسيجا اقتصاديا منفردا .تلعب هذه الأنشطة دورا مهما في سير الاقتصاد غير الرسمي وفي الضبط الاجتماعي لبلادنا .
يمثل القطاع غير المنظم %39 من الشغل غير الفلاحي، ومن المرجح أنه يهيمن في المجال الحضري بنسبة %71,6 من الوحدات الإنتاجية .يتعلق الأمر أساسا ببعض فروع النشاط في القطاعات التي تشغل يدا عاملة غير مأجورة كالتغذية والنسيج والجلد والخشب وأعمال معدنية، البناء، إصلاح سيارات وأدوات شخصية، تجارة التفصيل .أما مقاولات التجارة الصغرى (ولاسيما الباعة المتجولون) فإنها تهيمن فعلا على القطاع، وتليها الصناعة (خياطة، إسكافة ) والخدمات والبناء .
تتوفر حوالي نصف هذه الوحدات غير المنظمة على محل و %11,1 منها يعمل بسكناه .وتوجد أهم أقطاب هذه التجمعات بنواحي طنجة، دكالة، مكناس، فاس والجهة الشرقية .وتنتمي الفئات الإجتماعية المشتغلة في هذا القطاع إلى الطبقات الكادحة التي تكد يوميا بوسائلها الخاصة للتغلب على الوضع الإقتصادي الخانق. وتنتج الأنشطة غير المنظمة عن الهجرة والتمدين، وأزمة الشغل الرسمي، وحالة سوق الشغل، والصعوبات التي تواجه الدولة في تنظيم النشاط الاقتصادي وضبطه، والسياسات الاقتصادية المطبقة .
إن تدني الأجور وارتفاع معدل الشغل العرضي، يعدان عنصرين هامين في نمو القطاع غير المنظم .وهكذا، فوضعية التأجير توجد في دوامة سريعة التأثر سلبيا، بالرغم من أن الأجر يحتل أول رتبة لدى الساكنة النشيطة :فحصة المأجورين بالنسبة للسكانة النشيطة تراجعت من 40 % سنة 1997 إلى % 38 سنة 2005 وتوجد وضعية التأجير في حالة تراجع وانخفاض كذلك .وبالفعل، فتقليص ساعات العمل وتصاعد الاستئجار المؤقت زادا من حدة عرضية النشيطين، وشجعا على ممارسة شغل ثان .وبهذا عجلت أزمة الشغل، وكذا الشغل المؤجر ظهور أنواع أخرى من الأنشطة غير مأجورة .

يلعب الفقر دورا مؤثرا في هذا المجال .فلقد أسهم الفقر بشكل كبير في اتساع الأنشطة غير المنظمة، بسبب مفعوله على المداخيل .حيث إنه يدفع الأسر المعوزة إلى اختيار استراتيجيات للبحث عن مورد مكمل للمداخيل، في الأنشطة غير المنظمة على سبيل المثال .
وفضلا عن ذلك، يقدم نمو القطاع غير المنظم بدوره جوابا إضافيا عن نقائص المنظومة التعليمية؛ فالقطاع غير المنظم أصبح أكثر فأكثر مجالا لاندماج غير الممدرسين .ورغم التحسن الملموس لمعدلات التمدرس، فإن هناك حالات هدر عديدة، ولاسيما في مرحلة الانتقال من التعليم الأساسي الابتدائي إلى الثانوي الإعدادي، الأمر الذي يدفع بالعديد من الشباب إلى الالتحاق بالقطاع غير المنظم، الذي أصبح يمثل إجابة عن ظواهر الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي الذي يتيح بالكاد، لشرائح من الساكنة ضمان الاستمرار في العيش .

صعوبات المقاولات الصغيرة والمتوسطة
رغم هيمنتها العددية داخل النسيج الإنتاجي فإن المقاولات المتوسطة والصغيرة لا تسهم إلاّ بقسط متواضع في النشاط الاقتصادي . فإذا كانت المقاولات المتوسطة والصغيرة تمثل %92 من المقاولات المغربية سنة 1998 ، فإنها لم تسهم سوى بنسبة %10 في القيمة المضافة المحدثة وبنسبة %16 في كتلة الأجور الإجمالية .ولعل المقاولات التي توفرت لها الفرصة للولوج شبه الحر للسوق الأوروبية، وبالتالي تطوير صناعة المواد الجاهزة للاستعمال الموجهة للتصدير ستعرف نموا أكبر على أساس الامتيازات التنافسية كاليد العاملة الرخيصة والقرب الجغرافي والثقافي من أوروبا؛ وتساهم هذه المقاولات إلى جانب المجموعات الكبرى، في تغيير بنية الصادرات.
غير أن دينامية مقاولاتية من هذا القبيل ظلت تعاني من إنتاجية ضعيفة للتشغيل بسبب عوامل داخلية خاصة بالمقاولة (عدم تكوين المستخدمين، مشاكل التنظيم، قدم عتاد الإنتاج) وأكثر من ذلك، فالمقاولة تستفيد من الريع الذي يوفره نظام الولوج الامتيازي إلى السوق الأوروبية .ومن جهة أخرى وانطلاقا من أواسط التسعينيات من القرن العشرين تضررت تنافسية المقاولات المغربية، بسبب حدة المنافسة الدولية (إلغاء الاتفاقية متعددة الشبكة، انخراط الصين في المنظمة العالمية للتجارة، انفتاح الاتحاد الأوروبي على بلدان أوروبا الوسطى والشرقية اتفاقيات التبادل الحر )، الزيادات في الأجور، ارتفاع قيمة الدرهم .كما أن تمركز الصادرات على أساس نظام محدود القيمة المضافة لتحويل المنتوجات سيسهم في حصر النشاط الصناعي في عمليات التجميع، التي ليس لها سوى وقع محدود على تصنيع البلاد .

أما بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغيرة، الموجهة نحو السوق الداخلية فقد عانت من عدة إكراهاتمنها وقع الكساد المرتبط بإجراءات التقويم الهيكلي وبالسياسة الانكماشية للميزانية العامة، على الطلب الداخلي، وكلفة الفرص المرتبطة بعراقل إدارية، وكلفة التمويل أو عدم ملاءمة مؤهلات الموارد البشرية .وهذه الإكراهات تنضاف إلى عناصر الضعف الداخلية للمقاولات المتوسطة والصغيرة (تدبير قصير المدى، رأسمال ناقص، تأطير ضعيف وانعدام الشفافية المالية) والقدرة المحدودة جدا للمقاولات على مواجهة تحديات العولمة، ورهانات منطقة التبادل الحر الأورو متوسطي .
ينضاف إلى ذلك، أن مشكل تنافسية المقاولات المتوسطة والصغيرة يزيد استفحالا، بسبب التراجع المستمر لامتيازاتها التنافسية التقليدية ( ظهور بلدان منافسة تعتمد كلفة أجور أكثر انخفاضا ) هذا فضلا عن معاناتها من عائق حقيقي يتعلق بالتجديد والابتكار .وبذلك فتأخر المغرب في هذا الميدان، يتجلى بوضوح في العدد القليل للمقاولات التي تمارس البحث والتنمية، %8 فقط من المقاولات تقوم بأنشطة البحث باستمرار أو بشكل ظرفي، داخل القطاع الصناعي المغربي. لكنها تمثل %20 من رقم المعاملات .فالجهد المبذول من أجل البحث والتنمية، والذي لا يتعدى %1,4 تقريبا من رقم المعاملات يحظى بأهمية أكبر في قطاعي النسيج والإليكترونيات .
وهناك نسبة مرتفعة من المقاولات الصغرى والمتوسطة الموجهة للسوق الداخلي انتهت إلى الإغلاق بسبب العوامل السالفة الذكر. مع ما يتبع هذا الإغلاق من تسريح للعمال وتشريد لأسرهم.

سياسة موازنية انكماشية
للتحكم في العجز المتواتر في الميزانية العامة خلال الفترة 1998 – 2005، اعتمدت الدولة على الخصوص، على عائدات الخوصصة، والتي غطت جزئيا منذ 1993 ضياع الأرباح المرتبطة بإعادة جدولة الدين .ولقد أسهم بيع هذه الموجودات من أصول الدولة في تقليص كبير للعجز المتواتر في الميزانية وفي مقلبل ذلك فقدان الدولة لعائدات المؤسسات المالية المخوصصة .فعبر عائدات الخوصصة الاستثنائية تراجع عجز الميزانية بمعدل %3,1 من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفترة 2003 – 1996. لكن هذه العمليات المتعلقة بالخوصصة قد توهم بتقديم صورة أسلم للمالية العمومية .غير أن العجز لم يستقر في نسبة % 2,6 إلا بفضل تفويت % 35 من اتصالات المغرب لفيفاندي، مما وفر مداخيل جديدة لصناديق الدولة .
ظل هامش التصرف في الميزانية ضعيفا خلال هذه الفترة، بسبب عدم قابلية تقليص نفقات التسيير وخدمة الدين .وقد زادت نفقات التسيير في تصاعدها لتصل إلى %18,2 من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة .2003 كما أنها ظلت تحظى بالحصة الأكبر في نفقات الدولة وكتلة الأجور %12من الناتج الداخلي الإجمالي طوال فترة 2003 – 1996 وفرضت هيمنتها على بنية النفقات :فلقد فاقت النفقات ضعفي ما كانت عليه ما بين 1990 و .2003وبذلك، أضرت هيمنة نفقات التسيير بنفقات الاستثمار، التي انتقلت من %7,8 من الناتج الداخلي الإجمالي في 1993 إلى %4,8 سنة .2003 ومن المؤكد أن هامش تحرك الدولة في تحويل الاقتصاد قد تأثر بشكل خاص من هذه الحالة .
رغم انخفاضها نسبيا ظلت الضرائب غير المباشرة مهيمنة على بنية العائدات الجبائية ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في البلدان النامية حيث تمثل الضريبة المباشرة أكبر حصة من العائدات الجبائية .ويعزى هذا الوضع إلى الحجم غير المقنن للاقتصاد في بنية الناتج الداخلي الإجمالي، وإلى عدم التحكم في وعاء الضرائب المباشرة الرئيسية، فالضريبة على الشركات تشكل موضوع غش وتهرب جبائيين كبيرين، أما الضريبة العامة على الدخل فتركز جلها على مداخيل الأجور بينما تعاني المداخيل الضريبية من الصعوبات المرتبطة بالإقتطاعات الجبائية في حالات المهن الحرة التي يصعب ضبط مداخيلها.وهكذا بلغت حصة الضرائب غير المباشرة في العائدات الجبائية إلى %46 في 2003 مقابل %47,3 سنة .1993
سجلت الضرائب المباشرة انخفاضا ملموسا بسبب حصول نقص في معدل الإخضاع الجبائي للضريبة على الشركات أساسا .ولقد زادت حصة الضرائب المباشرة بشكل ملموس في المداخيل الضريبية، منتقلة إلى %36,5 سنة .2003 ومن جهتها، عرفت حصة الرسوم الجمركية تراجعا مستمرا .وبالفعل سجلت العائدات الجمركية انخفاضا، ابتداء من 1995 لتتضخم سنة 1998 ، نتيجة تفعيل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .
ويظل النظام الجبائي المغربي يعكس موازين القوى والصراع الطبقي السائد يحيث ترتفع الضرائب على ذوي الدخل المحدود والتي يسهل اقتناصها عند المنبع سواء تعلق الأمر بالضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة التي تمت مراجعة معدلاتها نحو الزيادة سنة 2006 أو الضريبة على الدخل كالضريبة العامة على الدخل، أما أرباح الشركات وأرباح ذوي المهن الحرة والسلع والخدمات الكمالية فتتمتع بتفضيل يفضح الطبيعة الطبقية للنظام السياسي.

العطالة والحلول الترقيعية
يواصل معدل البطالة منحاه المتصاعد في ارتباطه بالمستوى الدراسي ، ففي سنة 2002 بلغ معدل البطالة %18,6 لدى التقنيين والأطر المتوسطة و %30,8 لدى خريجي التعليم العالي و %34,6 لدى خريجي التعليم الثانوي .وقد زاد معدل البطالة الحضرية بثلاثة أضعاف لدى خريجي التعليم العالي ما بين 1985 و 2003 ، مؤكدا بذلك عدم تلاؤم منظومة التعليم مع متطلبات سوق الشغل وعدم قدرة النظام الإقتصادي على استيعاب هذه الأفواج.
و فيما يتعلق بمؤشر البطالة حسب النوع، فإن البطالة تنتشر أكثر لدى النساء بنسبة %25,8 ، مقابل %6,17 لدى الرجال .لكن هذا التطور النسبي لم يسجل تراجعا يذكر، حيث ظل معدل بطالة النساء بالمقارنة مع بطالة الرجال مستقرا بحوالي %1,5 .
ولقد أصبحت البطالة طويلة الأمد المشكل الرئيسي لدى الشباب، كما يشهد على ذلك التصاعد المهول لنسبة العاطلين لمدة تفوق 12 شهرا ، وتؤكد حدة هذا المشكل وجود بطالة بنيوية بالمغرب :فبالنسبة للعديد من مناصب الشغل تظل المؤهلات التي توفرها منظومة التربية والتكوين غير كافية.
ما تزال البطالة تهم بحدة الشباب، لكن بدرجة أقل بالمقارنة مع الراشدين، ففي سنة 2003 بلغ معدل البطالة مستواه الأعلى لدى الشباب والشبان الراشدين 24-15عاما أي بنسبة % 34,5 مقابل %20,2 بالنسبة للراشدين . فبطالة الشباب خاصة حاملي الشهادات تشهد على افلاس الاقتصاد الرأسمالي المخزني ببلادنا.
إن تفاعل الأرقام وقوتها وما أثارته من مشاكل بين الوزارة الأولى ومديرية الإحصاء والتخطيط خصوصا بالنسبة لعدد المواطنين الذين يوجدون تحت عتبة الفقر المطلق وهل يبلغ 10 ملايين أم فقط 5 ملايين، قد أثار زوبعة من القلق داخليا وخارجيا، خصوصا وأن المؤسسات المالية الدولية التي خفضت من حجم تمويلاتها للدول النامية قد رهنت هذه التمويلات في قمة مونتيري بالمكسيك في الفترة المتراوحة ما بين 18 و22 مارس 2002 بمحاربة الدول النامية للفقر المطلق لكونه يضر باقتصاد السوق المعولم. فانطلاقا من هذه الخلفية وما أثارته تقارير ماكينزي والبنك الدولي وتقرير التنمية البشرية عاد الحديث عن السكتة القلبية بقوة.
فانطلاقا من هذه الخلفية سقطت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووضعت من بين شعاراتها محاربة الفقر والتهميش في البوادي والمدن، وقد حددت غلافا ماليا للمبادرة في 10 مليار درهم مقسمة على 4 سنوات، أي بمعدل 2,5 مليار درهم كل سنة ابتداء من سنة 2006. لكننا إذا علمنا أن الميزانية العامة للدولة تلغي سنويا صرف حوالي 9 مليار درهم برسم نفقات الاستثمار على هزالة هذه النفقات فإن علامة استفهام كبيرة تطرح بخصوص كيفية استعمال ال 2,5 مليار درهم لمحاربة الفقر في المغرب.
ثم إن السياسات الحكومية المعتمدة في اطار القوانين المالية السنوية تسير عكس ما تعلن عنه المبادرة، كما أن تجميد الأجور وتجميد التوظيف وإثقال كاهل ذوي الدخل المحدود بالضرائب والسماح بالتسريحات الجماعية للعمال وعدم الالتزام بتطبيق مدونة الشغل ومستحقات الضمان الاجتماعي فهي سياسات تقود إلى المزيد من تكريس الفقر والبطالة وتدهور القوة الشرائية.
إذن فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أداة أخرى للالتفاف على مطالب الطبقة الكادحة للارتقاء بوضعها الاجتماعي، فلو تم فقط تطبيق مدونة الشغل على علاتها عبر احترام الحد الأدنى للأجور ومستحقات الضمان الاجتماعي وإيقاف التسريحات الجماعية فإن من شأن المداخيل التي سيتداولها العمال والفلاحين أن تؤدي إلى ضخ ما يزيد عن خمس ملايير درهم سنويا على خزينة الدولة، وهو مبلغ يفوق ال 2,5 مليار درهم الواردة في المبادرة.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تقييم سبع سنوات من الأداء الاقتصادي والاجتماعي
- نص الحكم
- اشكالية غسيل الأموال في المغرب
- نهب الثروات
- مجموعة -أونا- ، هل تنمي ثروة الملك أو الثروات الوطنية؟
- قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصر ...
- مؤشرات التشغيل والعطالة في المغرب
- قراءة نقدية لقانون مالية 2006
- محاكمة رمزية لنهب المال العام تقام لأول مرة في المغرب في انت ...
- صك الاتهام: محاكمة رمزية لخمسين سنة من نهب وإهدار للمال العا ...
- كفى من الالتفاف على مطالب الشعب عبرالامعان في ديموقراطية الو ...
- الاقتصاد المغربي عام 2006
- الزيادات في الأسعار تهدد بظهور توترات تضخمية على المدى المتو ...
- معضلة التشغيل بالمغرب
- مسلسل الخوصصة والانعكاسات الناجمة عنه في المغرب
- أزمة العمل النقابي بالمغرب المظاهر- الأسباب- المخارج
- المسألة الزراعية في المغرب
- الرواتب والأجور في قطاع الوظيفة العمومية
- نهب وتبدير المال العام في المغرب
- المرفق العمومي بين الخوصصة والترشيد


المزيد.....




- وزير المالية الألماني: العبء البيروقراطي على اقتصاد الاتحاد ...
- مصر تعلن موعد وصول الدفعة الثانية من أموال رأس الحكمة
- دول الخليج تسعى لإنهاء التصعيد بين إيران وإسرائيل لحماية أمن ...
- سبينس تُعلن نيتها إدراج أسهمها في سوق دبي المالي
- النفط يرتفع وسط التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط
- الدولار يحلق عاليا بعد بيانات مبيعات التجزئة الأميركية
- الذهب قرب مستوى تاريخي مرتفع وسط تزايد المخاوف الجيوسياسية
- بنوك عالمية ترفع توقعاتها لأسعار النفط بعد الهجوم الإيراني
- الحرب في غزة تضاعف ديون إسرائيل إلى 43 مليار دولار في 2023
- 900 مليون دولار خسائر -لوفتهانزا- في الربع الأول


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - حصاد الهشيم لسبع سنوات من الأداء الاقتصادي