أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوزيف بشارة - نصر الله لمن: لحزبه المغوار أم لشعبه المختار؟















المزيد.....

نصر الله لمن: لحزبه المغوار أم لشعبه المختار؟


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1631 - 2006 / 8 / 3 - 11:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما هي علاقة الله بالحرب الضروس التي تدور رحاها بين جماعة حزب الله وإسرائيل منذ ما يزيد على الأسبوعين؟ الأحداث والمؤشرات الصادرة عن طرفي القتال تشير إلى أن الله هو المحور المحرك لهذه الحرب اللاإنسانية التي تدمر وتحرق وتقتل وتشرد وتفسد. ولكن كيف يكون الله وراء كل هذه الأعمال التي تتنافى مع المبادىء الأخلاقية، وهو الذي تقول الأديان وكتبها المقدسة أنه إله الرحمة والسلام والعدل والمساواة؟ الإجابة بكل تأكيد هي أن الأطراف المتحاربة تتمسك بالادعاء بأنها تمثل الله وتحارب من أجل نصرته، إذ أن كلا من إسرائيل وجماعة حزب الله تقولان أنهما يرتبطان بالله بصورة أو بأخرى. إسرائيل تقول بأنها شعبها هو شعب الله المختار الذي تلقى الوعود الأبدية منذ أيام الأنبياء إبراهيم وأسحق ويعقوب وداود وحتى زمن الشتات، بينما من جانبها تتخذ جماعة حزب الله من لفظ الجلالة إسماً لها رغبة منها في إضفاء القداسة والورع على الجماعة وقادتها وأفعالها. كلاً من إسرائيل وجماعة حزب الله يظنان أنهما ينفذان أحكام الله على الأرض. فإسرائيل تعتقد أنها تنفذ وعد الله لها بإقامة دولته فوق أرض فلسطين التاريخية التي شهدت تاريخهم الطويل، بينما تضع جماعة حزب الله أحكام الله المطلقة بمقاتلة اليهود موضع التنفيذ.

من سخرية الأقدار أن كلا من الجانبين يظنان أنهما باسم الله يفعلان الصواب المطلق، وأنهما باسم الله يسعيان للتخلص من الشيطان الذي هو الطرف الأخر. ومن عجائب الحرب الدائرة منذ ثلاثة أسابيع والتي راح استقرار لبنان ضحيتها أن طرفيها يعتقدان بأن الله سيكافئهما الجزاء الحسن في الدنيا وفي الأخرة نتيجة دفاعهما عن أحكامه وأوامره ووعوده. وها هي مجزرة جديدة ترتكب باسم الله في بلدة قانا نتيجة هذه الحرب العفنة التي أشعلتها جماعة حزب الله واستلقفتها إسرائيل لتخليص حسابات قديمة مع لبنان. وها هي جثث ما يربو على الأربعين طفلاً إضافة إلى نحو عشرين سيدة و رجلاً قامت بلدة قانا منذ أيام قليلة بتوديعهم بالدموع والألم والقهر والكراهية لأعداء الإنسانية المتسببين في قتل الأطفال والنساء من المدنيين العزل. هذه هي نتائج الحرب القذرة التي يريدها عسكر الدولة العبرية وأشاوس جماعة حزب الله ساخنة ودامية ومهلكة ومميتة حتى تعبر عن الصدق الكاذب لمشاعرهما نحو الله، وكذا مدى طاعتهما لأوامره وأحكامه.

لقد ارتكبت إسرائيل المجزرة، دون أدنى شك، عن علم وإصرار وترصد، فهي تعلم أن البلدة يسكنها الآمنين من المدنيين، ولكنها للأسف تناست المباديء الإنسانية التي تحتم الامتناع المطلق عن مهاجمة المناطق السكنية. لست أدري بالتحديد السبب الرئيسي وراء ارتكاب إسرائيل للمجزرة البشعة هذه التي تثير دون شك غضباً عارماً ليس في منطقتنا العربية فحسب، إنما أيضاً حول العالم. لست اجد سبباً منطقياً لاستهداف الأطفال والنساء، ولكن ربما ارتكبت إسرائيل المجزرة في إطار مساعيها التي لا ولن تهدأ لتنفيذ مواثيق الله الأزلية مع شعبها المختار. وربما جاءت رغبتها المحمومة في الدفاع عن سيادتها فوق الأراض الموعودة عبر الرد على الصواريخ التي أطلقتها جماعة حزب الله نحو مدنها انطلاقاً من مناطق قريبة من بلدة قانا. وكذا ربما كانت رغبتة إسرائيل الدفينة في تأديب والانتقام من المدنيين اللبنانيين الذين يحمون بينهم أعداءها من مقاتلي جماعة حزب الله. لم يكن ما ارتكبته إسرائيل في قانا قبل أيام ليدهشني على الإطلاق، إذ أن تاريخ الدولة العبرية وتاريخ شعب الله المختار يشهدان على إتباع الإسرائيليين مبدأ الردع العسكري الحاسم من منطلق حماية المكاسب الإلهية التي وعدوا بها قبل الاف السنيين. لقد اعتذرت إسرائيل عن المجزرة، ولكن بماذا سيفيد الاعتذار، هل سيعيد الأطفال القتلى إلى الحياة، وهل سينزع مشاعر الحقد الكراهية من نفوس اللبنانيين والعرب والمسلمين نحو الدولة العبرية التي أطلقت قذائفها نحو صدور ضحايا قانا؟

أما جماعة حزب الله الشريك الأخر في جريمة مجزرة قانا فهي لا شك توظف اسم الله الذي تحمل اسمه لتبرئة أفعالها، واكتساب صفة الحق المطلق، ولتحقيق أهدافها السياسية والدينية. الجماعة لا تتورع أبداً عن استخدام الخطاب الديني لتبرير جل غزواتها ومعاركها الداخلية والخارجية، وهي لا تتوقف عن إهداء حروبها وانتصاراتها وهزائمها إلى الله. الجماعة فضلاً عن أنها أخطأت حين انزلقت منذ البداية إلى مستنقع استخدام المدنيين الإسرائيليين، باسم الله، كأهداف عسكرية، فإنها أخطأت خطأً فادحاً حين أعطت إسرائيل، باسم الله، الضوء الأخضر لقصف المدنيين اللبنانيين عندما استخدم مقاتلوها المدنيين والأطفال اللبنانيين كدروع بشرية ومنصات لإطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل رغم علمهم التام بأن المناطق الآهلة بالسكان لا يجب مطلقاً الزج بها في معارك حربية حفاظاً على سلامة وحياة المدنيين. جماعة حزب الله كانت تعلم تماماً بان إسرائيل ما كانت لتسكت على إطلاق الصورايخ على مدنها، وأنها كانت ستدمر المنصات "الآدمية" لإطلاق الصواريخ التي تستهدف مدنييها. جماعة حزب الله يبدو أنها أرادت كسب المزيد من التعاطف الشعبي من حلال تهييج الشارع العربي ضد إسرائيل عبر عمليات تدرك أنها ستجلب ستثير غضب وهياج الآلة العسكرية الإسرائيلية المتغطرسة التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية وبين ما هو مباح في الحروب وما هو ممنوع المساس به. تاريخ جماعة حزب الله القصير يؤكد مساعي قادة الجماعة الرامية نحو تكريس موقعهم على الخارطة السياسية اللبنانية بغض النظر عن الوسائل التي يتبعونها في لبلوغ أهدافهم، سواء كان ذلك عن طريق التحالف مع أنظمة تعادي الشعب اللبناني أو عن طريق التعدي على سيادة الدولة و مؤسساتها، أو عن طريق تصور أن الجماعة فوق مستوى النقد.

ولكن هل يقبل الله بالزج باسمه في الصراعات المريرة والحروب الشرسة والاغتيالات البشعة؟ وهل يرضى الله باستخدامه كذريعة لكل هذه الأعمال التي يندى لها الجبين؟ ولماذا تكون القوانين الإنسانية التي هي من وضع البشر أكثر رقياً وتحضراً من تلك القوانين الإلهية التي يستخدمها الطرفان لتبرير مجازرهما؟ ولماذا تكون القوانين الدينية دوماً سبباً في الاختلاف والحقد والكراهية، في الوقت الذي تعمل فيه القوانين الوضعية التي أفرزتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية على التقريب بين الحضارات والأجناس والأعراق؟ هذه الأسئلة تجعلني أتساءل الله من كل ما يحدث حولنا؟ أين الله من الظلم والجرائم التي ترتكب باسمه؟ هل يوافق الله على ما يجري لشعب لبنان الآمن المسالم الأعزل؟ هل يقبل الله بأن يستخدم اسمه في ترويع الأبرياء وقتل الأطفال والنساء والشيوخ؟ لمن ينتصر ألله في هذه الحرب الغبية؟ أينتصر للحزب المغوار الذي ينتحل اسمه ويرتكب جرائم فظة ضد الإنسانية مدعياً الدفاع عن المباديء الإلهية؟ أم ينتصر لحكومة الشعب المختار التي أدمنت العنف والاستخدام اللاأدمي للأسلحة الفتاكة دون تمييز بين مذنب وبريء؟

لا أظن أن النصر النهائي سيكون من نصيب أي من الطرفين المذنبين في تدمير لبنان. ولا أعتقد أن أياً من الجانبين اللذين يزرعان الحقد والكراهية في المنطقة سيحقق مراده من عدوانه على المدنيين من الجانبين. لن ينتصر الله لأي من الطرفين المدعيين الارتباط به لأنه لن ينتصر أبداً من يقتلون الأطفال أو من يتسببون في مقتل المدنيين، ولن ينتصر مطلقاً من ينشرون العنف والحقد والكراهية في الأرض، ولن ينتصر بتاتاً من يرفضون العيش مع جيرانهم في سلام، ولن ينتصر بالتأكيد من يتاجرون بقضايا اوطانهم لاكتساب تعاطف الجماهير، ولن ينتصر دون شك من أغفلوا مباديء المحبة والسلام من أجل تحقيق أغراض ومكاسب سياسية. ولكن سينتصر الأطفال ضحايا هذه الحرب المقيتة، وسينتصر المدنيون الذين فقدوا ذويهم دون ذنب أو جريرة يرتكبونها، وسينتصر الوطن الذي نهبه الأفاقون والمجرمون وقتلة الأبرياء. نعم سينتصر لبنان والشرعية اللبنانية وسينتصر الحق والعدل اللذان لا تستطيع حكومة إسرائيل أو جماعة حزب الله إدراكهما. إن إسرائيل التي تعتمد على الردع العسكري الاعمى لهي الخاسر الأول من الحرب الدائرة لأنها لن تجني من استخدامها لتفوقها العسكري سوى المزيد من الكراهية في الشارع العربي والمزيد من الرأي العام المعادي حول العالم. أما جماعة حزب الله التي تهدد مستقبل المنطقة فهي الخاسر الأخر من هذه الحرب المدمرة بعد أن فقدت شرعيتها كمقاومة شريفة. أما لبنان الطاهر ضحية اليوم فهو منتصر الغد الأكبر. وإن غداً لناظره قريب.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة الأسد: عليّ وعلى جيراني
- من يحاسب حزب الله على أخطائه بحق لبنان؟
- الأسد يعاقب اللبنانيين بالآلة العسكرية الإسرائيلية
- لبنان: ماذا يخبيء لك حزب الله؟
- المسكوت عنه في محاولة تقسيم الكنيسة القبطية
- تجريد الإنسان الأمريكي من آدميته
- القذافي يخشى مصير تلميذه الليبيري
- طغاة في قبضة العدالة: إنذار لمن يهمه الأمر
- قراءة في آفاق جديدة للقضية القبطية
- دين، سياسة واقتصاد في المونديال
- صح النوم: صرخة فيروز لإيقاظ الضمير الوطني
- بل هجرة سيد القمني انتكاسة للحرية
- النفوذ السياسي لرجال الأكليروس العرب
- الوجه القبيح ل -حماس- الزرقاوية القاعدية
- مقتل الزرقاوي ومقتل الفكر الإرهابي
- عبء النفوذ السياسي لرجال الدين – نموذج السيد حسن نصرالله
- التوريث، الإخوان وأزمة الأحزاب السياسية في مصر
- ثروات الرؤساء والملوك في ميزان -Forbes-
- حكومة المالكي ونزع فتيل الطائفية
- مصداقية نجاد أم تربص المجتمع الدولي؟ أين المشكلة؟


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوزيف بشارة - نصر الله لمن: لحزبه المغوار أم لشعبه المختار؟