أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3















المزيد.....

البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1627 - 2006 / 7 / 30 - 11:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دخول "البروتوكولات" إلى روسيا و"الخروج" الثاني لليهودية الصهيونية

من البديهي القول، بان للمداخل مخارج. وفي حالات مستعصية يصبح المدخل مخرجا. وهي حالة أحاطت بدخول "البروتوكولات" إلى روسيا وخروجها من المجهول إلى حيز المعلوم. فسواء كانت فرنسا مصدرها أم روسيا، فان ذلك لا يغير من حقيقة الأمر شيئا، ألا وهو أن دخولها وخروجها يعبر عن حقيقة واحدة يقوم فحواها في أن "البروتوكولات" هي العصارة المتراكمة لقواعد العمل المميزة لتاريخ الماسونية اليهودية الصهيونية. أنها تعيد من حيث ملامحها الظاهرية وغاياتها المقننة أسطورة "الخروج" اليهودي الأول من مصر.
ففي "الخروج" الأول نرى ملامح الصورة الأسطورية التي تسعى لتبرير و"تقديس" كل الافعال الممكنة لليهود. وبغض النظر عن فجاجة هذه الاسطورة، إلا أنها تنتمي في الإطار العام إلى تقاليد المنطقة "السامية" وتراثها الفكري والروحي. وهو أمر جلي فيما يسمى "بالوصايا الموسوية" التي ما هي في الواقع سوى "سرقة" محسنة لأحكام وقيم أهل الرافدين ومصر وتقاليدهما العريقة. والقضية هنا ليست فقط في أن "موسى" مصري من حيث الاسم والتربية كما يقول كتاب "الخروج" نفسه، بل وفي جملة قيمه العملية والأخلاقية. لكنه حالما ينتقل إلى قيم اليهودية الدينية، فانه يأخذ بالابتعاد عنها للدرجة التي تجعله غريبا ومغتربا عن القيم الإنسانية الكبرى لتراث المنطقة.
إن "دخول" اليهود إلى أراضي مصر كان بحثا عن حياة افضل. كما انه "عبور" طبيعي للعبرانيين بين أراضي المنطقة. من هنا عيشهم الطبيعي فيها، الذي جعلهم، كما تقول التوراة، يتكاثرون جدا بحيث امتلأت ارض مصر بهم. مما أدى بفرعون مصر الذي "يجهل" تاريخهم إلى أن يتخوف منهم ومن أن يتحولوا إلى أعداء قد يساعدون من يهاجم مصر. وهو "شعور" له معناه التاريخي، الذي لا تفسير له سوى سيادة شعور الانغلاق العرقي اليهودي. وذلك لان "موسى" الذي رموه في نهر النيل ومنه دخل إلى قصر فرعون وتربى فيه، "يكتشف" يهوديته في اللحظة التي يرى فيها مصريا يضرب عبريا. بحيث يؤدي به إلى الانتقام من المصري وقتله. وهو شعور معقول ومقبول، لأنه ينم عن إحساس بكراهية الظلم. لكن لماذا لا يظهر هذه الشعور تجاه المصري المعذب، أو لماذا يكون قتل المصري مقابل ضرب العبري؟ وكيف يمكن لنبي كبير أن يسلك طريق القتل لكي "يراه" الله! كما كيف يمكن لله أن ينسى "شعبه" و"يتذكر" ميثاقه مع إبراهيم واسحق ويعقوب بعد أن سمع أنينهم؟! وفيما لو تركنا "حكايات العجائز" هذه كما كان يقول ابن حزم، ونظرنا إلى أبعادها النفسية والعقائدية التي بلورت شخصية اليهودي الصهيوني، فإنها تبرز عبر ملامح ما يمكن دعوته "بالرشوة العرقية" التي يتعامل بها اليهود مع "يهوه" أو بالعكس. فالأمر سيان! لان الإله القومي هو كقومه، أو بصورة أدق انه قومه. ومن ثم لا ألوهية فيه بالمعنى الدقيق للكلمة. لهذا نراه "يوزع" عليهم "ارض الكنعانيين والحثيين والاموريين والغرزيين والحوبيين واليبوسين" مقابل "غربتهم التي تغربوا فيها". وهي علاقة تتغلغل في العقيدة اليهودية من خلال مطابقة اليهودي مع إلهه. من هنا فكرة "شعب الله". أما في الواقع فان لجميع الآلهة القومية والقبلية "شعوبها". كما نقول إن لكل شيخ قبيلته.
لكن حالما يجري تطويع هذه "الخديعة" المعبرة في الأغلب عن عقدة النقص، بما يخدم تقديس الرذيلة، آنذاك يصبح استعمال كل الأساليب الواقعية والخيالية ممكنا من اجل بلوغ الهدف. وأسطورة الخروج الموسوية هي نموذج "كلاسيكي" لها. فدلائل النبوة الموسوية، التي شكلت أسلوب القناعة الذاتية باختياره نبيا لبني اسرائيل ليست إلا رؤية يده برصاء ثم رجوع لونها الطبيعي. وهي "معجزة" ترمز بصورة غير واعية إلى الأعماق الدفينة لحرباء النفس اليهودية، أما أسلوب تجسيدها الفعلي من اجل "الخروج" من ارض مصر، أو بصورة أدق من اجل تبرير الاستيلاء على ارض فلسطين، فانه يمتثل كل قيم الخراب والتدمير الممكنة. فهي "معجزات" تتكون من ثماني حلقات تصنع في كلها وفي أجزائها نفسية وذهنية الخراب والتخريب. إنها تبدأ بالدعوة لتحويل مياه النيل إلى دم بحيث لا يستطيع أهل مصر شربه ولا الأسماك العيش فيه. ثم ملء النيل بالضفادع. ثم تحويل كل تراب مصر إلى بعوض وذباب، ثم تمويت مواشي مصر، ثم إصابة جلود المصريين بالدمامل، ثم تسليط البرد والنار، وأخيرا انتشار الجراد فيها. وهي "معجزات" تعبر عن النفسية اليهودية في التعامل مع "الخصم" بحيث يصاب ليس فرعون لحاله، بل "كل ارض مصر وكل مواشي مصر وكل ناس مصر وكل نهر النيل، وان تحرق أرضها وناسها وتجمد"! وهي نفسية وذهنية لا تتعارض من حيث الجوهر عما هو موجود في "البروتوكولات"! بل أن العلامة التي ينبغي أن تميز اليهود عن غيرهم، كما يطالبهم موسى، من اجل "تجنب" غضب "المعجزات" هذه هو "الدم على الأبواب". وعندما "عجز" فرعون عن مواجهة هذه "المعجزات"، فان آل اسرائيل طالبوا مقابل "خروجهم" من مصر "فضة وذهب وثياب". واعتبروا "سلب المصرية" هدية إلهية! وليست هذه "الأحداث" سوى المقدمة التي توصلهم إلى "ارض الميعاد". بحيث "تأخذ الرعدة سكان فلسطين" و"يندهش أمراء أدوم" و"يرتجف أقوياء موآب" لكي "يصمتوا جميعا كالحجر"!
إن هذه الصيغة "المقدسة" للخروج اليهودي من "الغيتو المصري" هي ذات الصيغة التي وجدت انعكاسها في "البروتوكولات" من حيث كونها أسلوبا في التعامل مع "الأعداء". فعندما يبلور أشير غيزنبرغ (آحاد عام) أيديولوجية "التجمع والاقتحام" عبر استلهام "الخروج" الأول، فانه يقع بالضرورة في رغبة استعادة "المعجزات" الموسوية، أي يقع بالضرورة أسير نفسية وذهنية الخراب والتخريب، التي تجعل من كل الدمار الملحق بالآخرين "هبة إلهية". مما يجعل من اليهودي كيانا غريبا ومغتربا على الكل الإنساني وبالضد منه. وبالتالي يجعل من مساعيه لإنهاك الآخرين والاستحواذ على "الفضة والذهب والملابس" و"سلب المصريين"، أي من يعيشون بين ظهرانيهم فعلا "مقدسا". وهي نفسية وذهنية تجسدت في "البروتوكولات" على اكمل وجه بمعايير الدنيوية المعاصرة. وهو السبب الذي يفسر أيضا ظهور الكثير من المؤلفات والأبحاث التي حاولت البرهنة على وجود خطط يهودية صهيونية من اجل السيطرة على العالم. وهي "خطط" لم تتعد في الواقع ما هو مميز "للاستراتيجيات" الملازمة لعمل كل القوى الساعية للسيطرة، وبالأخص عند تلك التي تفوح منها رائحة النفس الغضبية. إننا نعثر عليها في مساعي النفس الإمبراطورية والدكتاتورية، التي لا تعني "عالميتها" سوى ضيقها القومي أو العرقي. وهي ظاهرة ميزت في القرن التاسع عشر الصعود الأوربي الكولونيالي. وليس مصادفة أن تصيب هذه العدوى النفس اليهودية الصهيونية، التي ترعرعت في ظل القومية الرأسمالية ومساعيها "العالمية". مما جعل منها قوة "ميتافيزيقية" المظهر وكوسموبوليتية الدعوى، بينما كانت في أعماقها الدفينة أسيرة الشتات والغيتو.
من هنا لم يكن بإمكان اليهودية الصهيونية أن تجاري هذه الازدواجية الفعلية في تاريخ القومية البرجوازية دون "ارض". وهو الشعار الذي رفعته الصهيونية إلى مصاف المطلق. ومن هنا ادعاءها بأرض "فلسطين" و"ارض عالمية". وهو تناقض إلى جانب عشرات غيره، جرى ملاحظته من جانب المؤرخين والسياسيين والأدباء والشعراء والفنانين. وكتب عنه الكثير. إلا أنها كتابات كانت تتراكم، شأن كل أبحاث من هذا النوع، في مسلة الذاكرة التاريخية. وشكلت بالتالي رصيدا للرؤية النقدية والعقائدية تجاه الموقف من اليهود واليهودية الصهيونية. وحالما ظهرت "البروتوكولات" للمرة الأولى عام 1895، فإنها مرت دون أن يلحظها أحد. وهو أمر لا ينبغي تفسيره بالضرورة على أساس عدم جديتها أو انتحالها أو أن الاهتمام بها جاء بعد اهتمام النظام القيصري بها بعد أحداث ثورة 1905 من اجل تشويهها ونسبة كل ما جرى إلى "اليد اليهودية" وما شابه ذلك.
أننا نعرف تاريخ و"مصير" الكثير من الكتب والمؤلفات والوثائق، التي "امتحنها" الزمن أحيانا لقرون من اجل أن تثبت صحتها وقيمتها وأهميتها بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل. وفيما يتعلق "بالبروتوكولات" فيكفي المرء التمعن في مضمون ورمزية عبارات سرجي نيلوس (1862-1929)، الذي يرتبط باسمه نشر "البروتوكولات"، والتي قالها عام 1911 بمناسبة الطبعة الثانية من كتابه {عظيم في حقير} الذي ضمنه {برتوكولات الحكماء الصهاينة}، من انه "في الوقت الذي نصفي نحن الروس فيما بيننا حساباتنا الصغيرة بالحديد والنار، فان "إسرائيل" روسيا وأوربا المتجلبب بلباس الحركة الصهيونية سوف ينتقل إلى فلسطين، ومن هناك سوف يرمي علينا بجحافل المغول والتتر. حينذاك سوف يحرق الأخضر واليابس، بينما يجنّب نفسه من دمارها". ومهما تكن نوعية التأويلات الممكنة حول هذه الفكرة، فان رمزيتها الهائلة تعادل واقعيتها. أما في البداية، قبل أن يطبعها سيرجي نيلوس، فإنها مرت في غضون عقد من الزمن بدهاليز الصراع السياسي والدولي، الذي لازم الأحداث التاريخية في روسيا حتى ثورة 1905.
فمن بين أول الوثائق الصادرة باللغة الروسية، التي أشارت وتحدثت عن خطط اليهود في السيطرة على روسيا وتخريبها، التي شكلت "البروتوكولات" صداها اللاحق، هو التقرير الذي أعدته وزارة الداخلية (الشرطة السرية) عام 1895. وهو تقرير حاول تقديم صورة تاريخية عن سلوك اليهود وعلاقتهم بالدول التي قاموا بينها بدءاً من الحروب الصليبية حتى القرن التاسع عشر. وفي العام نفسه (1895) طبعت "البروتوكولات" للمرة الأولى. وهي رواية نقلتها الكاتبة (لسلي فراي) في كتابها الصادر عام 1933 {المياه تجري صوب الشرق}J. Fry. Water flowing Eastwards.)) عن ستيبانوف (فيليب بتروفتش) التي رواها لها عام 1927. فقد كان ستيبانوف قبل الثورة قاضيا في محافظة تولا. وأشار في روايته تلك إلى انه حصل للمرة الأولى على هذه "البروتوكولات" من سوخوتن (اليكسي نيكولايفتش) وهو أحد المتقاعدين، الذي قال له بأنه حصل عليها من إحدى المقربات له. ولم يذكر اسمها الصريح. بل اخبره بأنها حصلت على هذه الوثيقة قبل مغادرتها باريس وجاءت بها إلى روسيا. وطبع منها ستيبانوف حسبما يقول مائة نسخة. إلا أنها كانت سيئة الطباعة وصعبة القراءة. واضطره ذلك لاحقا لإعادة طباعتها ثانية. وأنجز ذلك لكن دون الإشارة إلى السنة والمكان ودار النشر. وساعده في حينها أ. إ. كيليبوفسكي، الذي كان يعمل مراسلا خاصا عند الأمير سيرجي الكساندروفتش. ودفعت إلى المطبعة عام 1897، وطبعت تحت عنوان {البروتوكولات القديمة والمعاصرة للقاء الحكماء الصهاينة}. وبين طبعتها الأولى، حسب اعتراف ستيبانوف ورواية ليسلي فراي، وطبعتها الثانية عام 1897، نشر ليتفين – آفرون اليهودي المتنصر عام 1896 رسالة بعنوان {بين اليهود} أكد فيها على ما اسماه بحبك اليهود للمؤامرات من اجل السيطرة على روسيا والعالم. وان هناك امرأة عثرت على وثائق غاية في السرية تتعلق بهذا الأمر.
أما هذه السيدة التي يجري الحديث حولها، فإنها يوليانه غلينكا (1844-1918)، ابنة أحد الدبلوماسيين الروس، الذي أنهى خدمته سفيرا للدولة القيصرية في البرتغال. وكانت يوليانه غلينكا من محظيات الإمبراطورة الروسية ماريا فيودوروفنا. وقد عرضت عام 1902 على مينشيكوف (1899-1918) أحد الكتاب الاجتماعيين والسياسيين القوميين الروس الكبار، الذي اتسمت بعض كتاباته بهجوم حاد ضد اليهود في روسيا، بنشر "البروتوكولات" في جريدة "نوفيه فريميا" (العصر الجديد)، إلا انه رفض ذلك معللا موقفه من أنها اقرب إلى المنحولة منها إلى وثيقة لها تاريخ بدء من سليمان حتى الآن!
إلا أن "البروتوكولات" أخذت بالظهور عام 1903 في جريدة "زناميا" (الراية) في أعدادها الصادرة ما بين الثالث والعشرين من شهر آب حتى السابع من شهر أيلول. وهي جريدة كانت يترأس تحريرها كروشيفان أحد ممثلي التيار القومي الروسي. ونشرها تحت عنوان {بروتوكولات اجتماع الاتحاد العالمي للماسونية الإفرنجية والحكماء الصهاينة}، أو {برنامج السيطرة اليهودية على العالم}. لكنه لم يشر إلى مصدرها، واكتفى بالإشارة إلى أن اصلها من فرنسا. وفي عام 1905 ظهرت من جديد بطبعتين متقاربتين زمنيا، الأولى على هيئة كراس مستقل بعنوان {جذر مصائبنا} في مدينة كيشنيوف، نشرها دي بوتمي، وهو شأن كروشيفان أحد ممثلي التيار القومي الروسي. وأشار في مقدمتها إلى أن ترجمتها أنجزت بتاريخ التاسع من كانون الثاني عام 1901. أما الطبعة الأخرى فقد قام بها سرجي نيلوس، عندما أدرجها ضمن كتابه {عظيم في حقير}. وقد ادرج "البروتوكولات" تحت عنوان مستقل أصبحت تعرف به، ألا وهو {برتوكولات الحكماء الصهاينة}.
مما سبق يتضح، بان تاريخ طباعة ونشر "البروتوكولات" استمر ما بين عام 1895 و1905، أي لمدة عشر سنوات. وطبعت تحت عناوين متنوعة هي {البروتوكولات القديمة والمعاصرة للقاء الحكماء الصهاينة}، و{"بروتوكولات الاتحاد العالمي للماسونية الإفرنجية والحكماء الصهاينة}، و{برنامج السيطرة اليهودية على العالم}، و{جذر مصائبنا}، و{أعداء الجنس البشري}، و{بروتوكولات الحكماء الصهاينة}. وفيما لو استثنينا التسمية الرابعة والخامسة، التي تظهر فيها مواقف الحركة القومية الروسية من اليهود بشكل عام والصهيونية بشكل خاص، فان العناوين الباقية متشابهة من حيث الشكل والمحتوى. أما التسمية التي أطلقها سيرجي نيلوس على "البروتوكولات" وانتشارها اللاحق، فانه ارتبط بقيمة الرجل وأثره الأدبي والروحي وكذلك ضبطه وتدقيقه اللغوي للنص بحيث تحول إلى مرجع وحيد لكل الطبعات اللاحقة وتراجمه إلى اللغات الأخرى.
كما اشتركت جميع الطبعات المشار إليها آنفا إلى الإقرار، بان فرنسا هي مصدر "البروتوكولات" وموطنها الأول. وانه جرى الحصول عليها من قبل امرأة. وما عدا ذلك اختلفت وتباينت الإشارة إلى مؤلفها. فقد نسبت إلى كل من "المحفل اليهودي الماسوني في باريس"، ثم إلى "المؤتمر الصهيوني العالمي الأولى"، ثم إلى هرتسل، ثم إلى أشير غينزبيرغ (آحاد عام). وهي إضافات لاحقة سعت لتحقيق مصدر "البروتوكولات" في مجرى دراستها وتشريحها ونقدها، الذي رافق الجدل الكبير حولها منذ ظهورها ولحد الآن.
وبغض النظر عن هذه الخلافات، فان الطبعات الروسية الأولى ما بين أعوام 1895-1905 تشترك جميعا في الإقرار بان مصدرها العام هو تنظيم يهودي ماسوني صهيوني. واتخذ هذه "التنظيم" لاحقا هيئة "المؤتمر اليهودي العالمي" و"ممثلي صهيون من الدرجة الثالثة والثلاثين" حسب مقاييس الرفعة المتبعة في المحافل الماسونية. أما التدقيق الوحيد الذي ينبغي إدخاله على هذا الاستعراض التاريخي الموجز فهو الشك بمدى صحة وصدق وجود طبعة 1895. لاسيما وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الإشارة الأولى لها ظهرت عام 1927. ولم تشر لها أي من الطبعات التي تلتها لا في روسيا ولا خارجها، ولا حتى في مذكرات الفرنسي دي شايل (المطبوعة عام 1921) التي تحولت إلى أحد المصادر الأساسية الناقدة لسرجي نيلوس. ثم إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن "بعض أوراق هذه الطبعة" قدمت من "الأرشيف السوفيتي" بصفتها "وثيقة" استعملت في التحضير لإدانة "البروتوكولات" والبرهنة على أنها وثيقة منحولة أمام محاكمات برن عام 1933، في وقت كان الأرشيف السوفيتي خاضعا خضوعا مطلقا للسيطرة اليهودية، فان احتمال تلفيقها يبقى كبيرا للغاية. وهو احتمال فيما يبدو حددته محاولات البعض إيجاد الصلة "التاريخية" بين تقرير الشرطة السرية الروسية المقدم عام 1895 المتعلق بدراسة تاريخ اليهود وعلاقتهم بالدول التي قاموا فيها لبيان أسبقيتها على المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل عام 1897. ومن ثم تخليص الصهيونية وايديولوجييها من تهمة تأليفهم وإلقائهم إياها في المؤتمر، كما وردت في القصة المروية من جانب بعض المؤرخين، الذين أوردوا حكاية "الهجوم المباغت" الذي قام به بعض رجال الشرطة السرية الروسية على المؤتمر والاستحواذ على وثائقه، التي شكلت "البروتوكولات" واحدة منها.
إضافة لذلك لم يشر أي من الشخصيات الكبرى ذات الصلة "بالبروتوكولات" مثل كروشيفان أو دي بوتمي أو نيلوس إلى ستيبانوف. ذلك يعني انه "شخصية طارئة" جرى في وقت لاحق تحويلها إلى "أداة" في الدعاية اليهودية المنتقدة للتهم الموجهة ضدهم بتأليف "البروتوكولات". وبالأخص في تلك المحاولات التي سعت للتدليل على إيجاد الصلة بين راجكوفسكي (رئيس جهاز الشرطة السرية الروسية في الخارج ومقره في باريس) ويوليانه غلينكا التي "سلمت" "البروتوكولات" إلى ستيبانوف وسوخوتن. إذ قام ستيبانوف بطباعتها بينما سلم سوخوتن نسخة منها إلى دي بوتمي وأخرى إلى نيلوس، كما سيجري الحديث حوله لاحقا.
ان رواية ستيبانوف المشار إليها آنفا ومذكرات دي شايل الفرنسي الأصل ،المنشورة عام 1921 بعنوان {سرجي نيلوس والبروتوكولات}، هما المرجعان الاساسيان، اللذان استندت اليهما المحاولات التي تسعى للبرهنة على أن الشرطة السرية الروسية والحركة القومية الروسية بشخصية "اتحاد الشعب الروسي" (أو ما يسمى "بالمائة السوداء") هما مصدرا "البروتوكولات" والقائمان وراء ظهورها وطباعتها ونشرها والدعاية لها.
وبغض النظر عن كل الاحتمالات القائمة وراء هذه المصادر جميعا وتأويلاتها المتعددة والمختلفة، إلا أنها تظل مصادرا خارجية وجزئية في نفس الوقت، مازال تاريخ نشر "البروتوكولات" وإعادة طبعها والتعليق عليها قد جرى قبل ذلك بعقدين من الزمن، ومرت من خلال موشور أربعة أحداث تاريخية جسام في حياة الدولة الروسية وهي ثورة 1905 وثورة شباط 1917 وثورة أكتوبر 1917 والحرب الأهلية حتى عام 1921.
لقد شكلت هذه الأحداث الغربال الذي صفى "البروتوكولات" العديدة، وأبقى على نسخة سيرجي نيلوس، باعتبارها الوثيقة التي مازالت تثير الجدل عن أسباب ظهورها ومؤلفيها ومصيرها. (يتبع...)
*** *** ***
ملاحظة: لقد جرى نشر الحلقة الاولى والثانية من هذه الدراسة على موقع (الحوار المتمدن) في الاعداد رقم 1075 و1076 (بتاريخ 11 و12 -1 – 2005)




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3