أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - الشعر يوصل الإنسان إلى التخوم القصية للحياة















المزيد.....

الشعر يوصل الإنسان إلى التخوم القصية للحياة


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 478 - 2003 / 5 / 5 - 03:18
المحور: الادب والفن
    


                                                                                                                        
"احفر مجازا في قلب الصخر
 فالعمل أنهكني و أتقدم قيد شعرة واحدة فقط في كل عام ,
منذ ألف ألف عام وأسناني تتآكل وتسقط
أظافري تتكسر ،  لكي أصل الجانب الآخر :
 حيث النور والهواء الطلق و نسيم الحرية .
و الآن يداي داميتان .
 أسناني ترتعش
و في حفرة ملؤها العطش و الغبار,
  أمضيت نصف حياتي في تكسير الحجر و تحطيم الحواجز و إزالة موانع  و ضعتها بيدي في النصف الآخر من حياتي بيني و بين النور".
                                                                                                                    اكتافيو باز
للشاعر المكسيكي الخالد اكتافيو باز موقف متميز من الشعر , موقف  أراه كعاشق من عشاق الشعر  و من بلاد  ورثت تراثا شعريا غنيا, رائعا إلى أقصى حد . وكلما أقرأ قصائد لشعراء عظام من أمثاله ، أتقزز أكثر  من شعر شعراء أدعياء شتائميين و مدائحيين و أبتعد فراسخ عنهم ، لا أطيق دجلهم ونفاقهم.
فباز مثله مثل الشاعر و الكاتب الأرجنتيني الراحل  خورخيه لويس بورخيس  يرى الشعر حلما يلمس الإنسان عبره الحدود القصية للحياة  .
هذه النظرة بلا شك تذكرني بشعرائنا العرفانيين الكبار الذين اعتمدوا الشعر للتعبير عن مداركهم  الاشراقية . وإني كثيرا ما سمعت وقرأت لغير قليل منهم  بان الشعر ينبغي أن يكون مرآة يشاهد المتلقي فيها صورته  . فالقصائد الصوفية هي التي شقت دروبا  لآدابنا الشرقية  في العالمية و خصصت لها مكانة مرموقة في الدنيا بحيث أن خورخيه كان يتأملها وهو  في الجانب الآخر من الكرة الأرضية في خلوته وانعزاله الفني .
نال اكتافيو باز جائزة نوبل عام 1990، و انه بلا شك واحد من افضل شعراء العالم في القرن العشرين،
يتميز باز بأنه ينحدر من الهنود الحمر ، فيشعر المتلقي حين قراءة قصائده بلمسة صوفية و أجواء  سريالية, فقصيدة « المجاز » تعبر عن نفسية psycho الإنسان المعاصر وهو يشق دربه، يقيسه بالمليمترات، مقاسيا في هذا السبيل اشد المعاناة والآلام ، يحفر نفقا بأظافره و أسنانه في جدار الجهل العريض على أمل أن ينعم بالخلاص في جانب النور و الحرية .. انه قد تجاوز مراحل العبودية و الفراعنة و الإقطاع و الصناعية و ما بعدها فيصل إلى مرحلة اللبرالية و يتجاوزها أيضا .
انه يتجاوز كل مرحلة عبر سبل مرسومة بالدم و الآلام خائضا بزورقه في البحر الهائج المتكون من دموعه و دمائه الجارية ، وقد تعرض ملايين المرات للتعذيب و ملئوا فمه بالرصاص المذاب ، وقطعوه من النصف ،  كل هذه العذابات في سبيل أن يتمكن من تلفظ كلمة ( الحرية) بشكل صحيح و بما تعنيه  .. لكن باز يقول في قصيدة  أخرى بعنوان ( العودة ) :
لقد سلكت كل الدروب  و الساحات
كانت التماثيل الرمادية في برد الصباح
و الرياح العاصفة بالموتى تنبض فقط بالحياة
وثم يقول :
"ليس الذي يحيا نحن ,
انه الزمن ، فهو الذي يحيينا "
لعل رسالة القصيدة هي أننا لم نتمكن من التغلب على الزمن ، بل انه يحيا بينما نزول خلية خلية و نتحول إلى ثوان و دقائق لعمره  . كما يستدرك في تعبيره السريالي بان الزمن يتحقق بفنائنا و انقضاء حياتنا .
لقد كرس الإنسان كل طاقاته و إمكاناته في الكفاح ضد كائن يشبه الإنسان وما هو بإنسان .. كائن يدير ماكينة العالم الرأسمالي ، لا يمكنه البقاء دون استثمار الإنسان الحقيقي وبذلك اجرّد من الإنسانية فاستحق ميزة "الإنسان الحيوان" الدارويني.
فالعالم الرأسمالي باعتباره موطن الإمبريالية لا ينفك علماؤه يسعون لتشويه نضال الإنسان في سبيل حياة افضل , ويجهدون بلا هوادة  لبناء حواجز للحيلولة دون إدراك البشر الحق و الحقيقة.
يري ?از في القسم الثاني من قصيدته إذ يصل النور و يشم نسيم الحرية ، انه رغم المكاسب التي تحققت، ازدادت العثرات و العراقيل في طريق الحرية , تلك العراقيل أوجدها الإنسان بنفسه.
فالمبالغة الفنية التي يتبناها ?از من قبيل التقدم قيد شعرة واحدة  في كل عام , ألف ألف عام يكرس لحفر ثغرة في قلب الصخر, وأيضا التشبيهات من قبيل الفم المجروح والعذاب الأليم في منطقة الجهل الحجرية , و الوصول إلى حفرة عميقة مليئة بالعطش والغبار,   كلها يعبر عن حقيقة مأساة المثقف الملتزم في مجتمعنا و وضعه البائس , وهو يئن تحت حمل الإنسانية الثقيل على كتفه لكنه لما ينعم بجرعة من نبع النور والحرية , لذا عليه ك"الفرد نوبل"  العالم السويدي ، أن يقدم كل ما يمتلك للذين يسخرون معارفهم لصنع شئ كالديناميت و لكي لا يستخدموه في التدمير و القتل البشري .
وفي قصيده أخرى يقول :
"لقد سقطت سقوطا لا نهاية له
اسقط فيّ ، دون أن أخشى "
فدراما قصيدة "المجاز" مبنية على معاناة وخيبة و إصرار وان   المفردات و التراكيب  جاءت في محلها ملقية ثقل معانيها, لكننا إذا اندفعنا إلى داخل القصيدة لواجهنا شخصين , أحدهما مجهول لنا حتى المصراع الرابع , وبعده نتلمس  آثاره مما يدل على وجوده أما الشخص الثاني فيحضر منذ البداية حتى النهاية وجها لوجه مع المتلقي.
ولعل الشخص الذي  يسقط في نفسه ، هو المجهول أو شبه المجهول  وهو الذي ينتابه الرعب و بمقدار رعبه وخوفه يبني سجونا و أبراجا  و قيودا و عثرات لكي يملا حفرة نفسه اللانهائية وقد يزداد خوفه دوما و تتعمق الحفرة بحيث يغدو الحصار و العثرات أمرا واقعا علينا و مجزرة إنسانية .
ويقول حافظ الشيرازي:
"المدينة مهجورة من عشاقها
 ليس ثمة من يخرج من نفسه فيؤدي ما عليه"
كما يقول الحاج قادر الكوئي :
"فيا ريح الصبا احمليني إلى هناك لكي أشرح هموم روحي بنفسي  ، فالمراسيل صماء و  لا تشعر بآلام قلبي."
                                                         14/03/01



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - الشعر يوصل الإنسان إلى التخوم القصية للحياة