أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة














المزيد.....

حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1622 - 2006 / 7 / 25 - 12:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تجد إسرائيل بحوزتها قوة عسكرية لا تنضب، وظهيرا دوليا جبارا، ووحدة وطنية متماسكة، وتمرسا قتاليا لا يكاد يضارع، ولأول مرة قرارا من مجلس الأمن يضفي على عملياتها العسكرية لمسة من الشرعية غير مسبوقة. كل ذلك يتيح للدولة اليهودية بلورة استراتيجية واضحة.
بالمقابل، يحوز حزب الله سلاحا فعالا (لكن على مستوى الردع وحده)، ويتمتع مقاتلوه بمراس وانضباط وشجاعة لا ريب فيها، وله ظهيران إقليميان هما إيران وسوريا (لا يشكوان من قلة متاعبهما، ولا تحظى العلاقة بهما بشعبية كبيرة في المجتمع اللبناني). التوحد الوطني اللبناني حول الحزب ذاته مشكوك بأمره في أحسن الأحوال، ومعدوم في أسوئها، واحتضانه من قبل الدولة اللبنانية غير قائم. وهو مستهدف بقرار دولي يعتبره ميليشيا يتعين نزع سلاحها. ورغم أنه سجل نجاحا تقنيا مبهرا بعملية أسر جنديين إسرائيليين، وأظهر عناصره كفاءة قتالية نادرة، إلا أن جملة الأمور التي أشرنا إليها تضعف قدرته على بلورة استراتيجية وطنية متماسكة، تكسب تأييد اللبنانيين، ويندرج ضمنها النجاح التقني ذاك. وتعذر الاستراتيجية من جهة حزب الله بنيوي، متصل بتكوينه ذاته: حزب خاص يتصدى لقضية وطنية، دون توفر ما يسوغ الاعتقاد بالتطابق بينهما، وتمس النتائج المحتملة لأفعاله ومبادراته جمهورا واسعا لم يستشر فيها. يعرض حزب الله قطبي تناقض عميق بين مفهومين للوطنية لا يزال متعذرا على العالم العربي المعاصر الجمع بينهما: قطب الوطنية المقاومة والاستقلالية المناهضة للصهيونية والسيطرة الامبريالية، وقطب الوطنية الديمقراطية التي تستوعب القائمة على المواطنة المتساوية والمتعالية على الطوائف والهويات الجزئية. حزب الله يجسد الوطنية الاستقلالية في أشد أشكالها كفاحية وانضباطا، لكنه حزب دون وطني إلى أقصى حد من وجهة نظر دولة المواطنة. هذا التناقض مألوف في البلاد العربية جميعا، لكن حزب الله يمثل تجسيده الأقصى.
وأول انعكساته في سياق المواجهة الراهنة هو التعارض بين فاعلية الحزب العسكرية وثمارها السياسية. فكلما كانت مبادرات حزب الله أفعل عسكريا ضد إسرائيل، كان من المتوقع أن تستثير ردا إسرائيليا أشد عنفا، ما يهدد بشروخ أعمق في معادلات لبنانية حرجة وغير مستقرة، بل يؤلب ضده قوى لبنانية أخرى. وهذا ما ترمي إليه عملية التدمير الإسرائيلية الجارية في لبنان التي لا يبدو أن الحزب كان يضع مداها الراهن في حسبانه.
ومن المفهوم بالمقابل أنه حين يقتصر نشاط الحزب العسكري على الدفاع والردع تضيق شقة الانقسام اللبناني حوله، حتى لو لم تزل. ولعل ميل حزب الله إلى الإبهار في عملياته محاولة للتعويض عن تعذر تحقيق إجماع لبناني حولها، إجماع يشكل ركنا لا غنى عنه في أية استراتيجية وطنية لمواجهة الخطر الإسرائيلي. لكن الشجاعة لا تغني عن الاستراتيجية، والوطنية المقاومة لا تعوض عن الوطنية المواطنية إن صح التعبير.
هذه هي نقطة الضعف الأبرز في المواجهة الراهنة التي يخوضها الحزب اللبناني ضد آلة الحرب الإسرائيلية الفتاكة. لا ينال من صحة ذلك أنه ليس ثمة استراتيجية عربية منافسة اليوم، خلافا لما توحي مناقشات وزراء الخارجية العرب في القاهرة منتصف الشهر الجاري.
لكن كما أن الانضباط العسكري والنجاح التقني في القيام بعمليات نوعية لا يكفي لوضع استراتيجية وطنية، فإن حيازة استراتيجية متماسكة لا يضمن في شيء عدالة الأهداف التي تسعى إليها الاستراتيجية ولا الوسائل التي تستخدمها. في حيثية العدالة تنفتح قضية حزب الله على مجمل سجل الاعتداءات والمظالم التي لحقت بالفلسطينيين واللبنانيين والعرب على يد إسرائيل وحليفها الأميركي. وليس هذا محض شعور ذاتي بالعدالة، مشاع بين جميع التنظيمات والدول. إن قرارات مجلس الأمن الدولي ذاتها التي يخرج واحد منها حزب الله من الشرعية تصلح مقياسا لعدوانية إسرائيل ومدى الظلم الذي لحق بمختلف الأطراف العربية المجاورة لها. ورغم أنها ليست آية في العدالة والإنصاف إلا أن معظم تلك القرارات لم تطبق.
والحال إن هذا هو الشيء الجوهري على المستوى الذي يتجاوز التكتيكات الحربية الماهرة قليلا أو كثيرا، ويتخطى الاستراتيجيات الفعالة أو المتعذرة، نحو آفاق إقليمية ودولية أكثر استقرارا وعدالة وإنسانية. وهو المستوى الذي يفترض أن يعاد بناء الشرعية الدولية على أرضيته كيلا تكون محض تشريع لإرادة الأقوياء. هو أيضا المستوى الذي لا يمكن القفز فوقه، إن شئنا ألا تكون آخر خطوة في المواجهة الحالية أول خطوة نحو مواجهة أخرى قد تكون أشد فتكا.
هذا ما يتعامى عنه العالم الذي تهيمن عليه وفيه الولايات المتحدة. وهو تعام لا يحيل إلى انحيازات سياسية وثقافية متأصلة فقط، وإنما كذلك إلى انحياز حضاري عميق، يتمثل في تفضيل القدرة التقنية على الحقوق المتكافئة، والإستراتيجية العسكرية الفعالة على قيم العدالة الجوهرية.
ويبدو مما هو متداول عن المبادرات السياسية التي بدأت بعد خمسة أيام من المواجهات الحالية أنها تضرب صفحا تاما عن جذور "أعمال العنف" في لبنان لمصلحة مقاربة إجرائية مفرطة الشكلية وقصيرة الذاكرة، لا تطالب حتى بوقف فوري لإطلاق النار. في واقع الأمر تكاد مبادرات مجموعة الثمانية الكبار والأمم المتحدة وأوربا تكون "الجناح السياسي" للعملية العسكرية الإسرائيلية، أي محاولة لقطف ثمار التدمير الذي تثابر آلة حرب إسرائيل على إلحاقه بالدولة اللبنانية. في هذا اللعب السياسي الصغير من قبل الكبار حسر نظر وغرور وأنانية. ومن نتائجه المنطقية سحب الثقة من السياسة والميل إلى إيلائها للعنف والإرهاب.
أيا تكون نتيجة المواجهة الراهنة فإنها قد نالت من حزب الله، سياسيا أكثر حتى من أي أذى عسكري محتمل يصيب قواه، وأعادت لبنان ماديا وسياسيا إلى ما قبل اتفاق الطائف. وأيا تكن الخلاصات التي يحتمل أن ينتهي إليها تقييم نقدي لهذه المواجهة، فإنها ستبقى حلقة إضافية في صراع من أجل العدالة، مجهض مرة تلو أخرى.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة
- عن الأمن المطلق والمقاومة المطلقة وزيغ الحداثة
- محنة المثقفين السوريين بين أهل التخوين وأهل الاعتقال
- بين ليبراليتين في سوريا: -ليبرالية موضوعية- بلا وعي ذاتي، و- ...
- في صدد خصائص ثلاثة لليبرالية الجديدة العربية
- الليبرالية والديمقراطية والحداثة السياسية
- في أن الغرب طائفي، وأن موقع العقل الكوني شاغر
- إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...
- احتلال الجولان وانتقاص مقومات الوطنية السورية
- تحت ظلال العار..!
- ميشيل كيلو وولادة المثقف السوري
- من -العروبة أولا- و-سوريا أولا- إلى الوطنية الدستورية
- -انغماس في العيب- حقاً!
- أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط
- خارج السلطة: تحول موقع الماركسية الثقافي
- تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ياسين الحاج صالح - حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة