وديع بتي حنا
الحوار المتمدن-العدد: 1622 - 2006 / 7 / 25 - 11:18
المحور:
كتابات ساخرة
يقولون ان الكتاب واضح من عنوانه وهكذا فان حال البرلمان في البلد يعكس بصورة او باخرى حال البلد برمته. المتابع لجلسات البرلمان العراقي متمثلا في صراع اعضائه المرير داخل قاعة اجتماعاتهم مع الحر الى الحد الذي اعلن احدهم عن انتصاره بحصوله على قنينة للماء الحار يروي بها الضمأ بعد طول انتظار, مضافا اليه عدم احترام الزمن فقد تحدث عنه البعض واعرب عن امتعاضه كونه ينتظر ساعات بعد الوقت المحدد حتى ينتهي صقور البرلمان والسياسة في العراق من اعداد وصفة ومقادير طبختهم ليأتوا بها الى باقي الاعضاء لاقرار تسويقها. اما خطاب رئاسة البرلمان واعضائه فلايعدو اكثر من كونه تفريغا لشحنات موجبة وسالبة تم شحنهم بها قبل انعقاد الجلسة , كل من مصدره , لاتلبث ان تفني احداها الاخرى في مشهد كوميدي محزن بفعل روح الدعابة التي اصبح يبدع بها بعض السياسيين الجدد في العراق وكأن الحياة في بلدهم ربيع والجو فيه بديع . باختصار, نظرة واحدة الى حال البرلمان العراقي وهو في حالة انعقاد تترك انطباعا لدى المرء انه في الشورجة او في شارع الكفاح. ربما بنبري البعض معترضا على هذا الوصف بحجة ان هذه هي ( الديموقراطية) في العراق وانجازاتها لكن من حق الاخرين ايضا ان ينتابهم بعض الشك على الاقل في قدرة هذه ( الفوضى ) على بناء وطن ودولة.
اية مسافة كبيرة تفصل بيننا وبين البناء عندما يجلس اعضاء البرلمان ليناقشوا وضع الطب العدلي ومشاكله في العراق فيستمعون لتقرير مفصل عن اعداد الجثث واعداد الثلاجات الصالحة للعمل والعاطلة وتاريخ دخولها الى العمل وخطة العمل المستقبلية لاستيراد ثلاجات جديدة بمواصفات معينة وكأن الموت في العراق اصبح احد شرايين الاقتصاد! , حيث لم يتبرع احدهم لينقد نفسه قبل الاخرين ويدعو الى العمل الصادق قولا وفعلا لايقاف عجلة الموت من الدوران بعد ان صرح كثيرون في ان تصاعد العنف في الايام الاخيرة وزهق الارواح هو في نسبة كبيرة منه نتيجة لصراع قوى سياسية تلتقي تحت قبة البرلمان.
اما السطحية في الخطاب فلا تحتاج الى اجهزة دقيقة لكشفها , فعندما يدعو رئيس البرلمان قائمة الاتحاد الكردستاني الى التدخل والتوسط بين قائمتي الائتلاف والتوافق انما ينطلق في فكرته ( الذهبية ) من مشهد كوميدي تلفزيوني ربما شاهده قبل ايام على احدى القنوات العراقية يعرض رجلان عربيان عاطلان عن العمل ولايملكان اي شئ وعندما شعرا بالجوع ذهبا الى احد مطاعم الكباب وكان صاحبه كرديا وعندما وصلا الى دفع الحساب قاما بالتمثيل على صاحب المطعم وتشاجرا لان كل منهما يريد ان يدفع الحساب فماكان من صاحب المطعم إلا ان بادر وفض النزاع وحسبهما ضيوفا على المطعم فقالوا له ( مايحْلها إلا ابن الحلال القادم من الشمال ). يبدو ان الفكرة من حيث المبدأ قد راقت للدكتور رئيس المجلس متناسيا ان دفع الحساب ليس حلا حاسما بل ( حبة باراسيتول ) مسكنة لبعض الوقت , ولذلك فان تبويس اللحى بين الائتلاف والتوافق بحضورالاتحاد الكردستاني حاله حال دفع الحساب لايمكن ان يعالج الاشكال في اجواء انعدام الثقة بين الطرفين . ان المعضلة في الحياة السياسية العراقية والتي يحاول البعض ان يغمض عنها مجاملة او خوفا تكمن في ان اطراف مهمة تلعب دورا رئيسيا في العملية السياسية وتشارك بها هي صاحبة اجندة واهداف طائفية في الولادة والخلفية الفكرية او العقائدية وكتحصيل حاصل في التطبيق , ولايمكن لها ان تستغني عن ذلك لان هذا يعني انقطاعاعن الجذور وبالتالي الموت , ولذلك فلايستطيع الاتحاد الكردستاني ولاغير الاتحاد الكردستاني من فعل مؤثر في هذا الجانب طالما ان قرارات الغرف المظلمة التي تأخذ حيز التنفيذ لهذه الاطراف تتقاطع مع المؤتمرات الصحفية ومهرجانات تبويس اللحى , وبالتالي فان الحل يتمثل في اعادة ترتيب البيت السياسي العراقي وتشكيل خارطة سياسية جديدة تستطيع فيها اطراف جديدة بسط نفوذها على هذه الخارطة بالشكل الذي يترك بعض الاطراف الفاعلة الان تلعب دورا هامشيا محدودا. ربما يتساءل البعض ومتى يحدث هذا؟
يشتهر العاملون في الطب في الغرب ببرودة اعصابهم حد البلادة احيانا في التعامل مع المرض والمريض , ويرى القادم من مجتمعاتنا الشرقية في ذلك مشكلا حقيقيا ولذلك فهو لايتمنى ان يجعله الله في حاجة لكي يراجع تلك المؤسسات. ففي السويد مثلا وعندما يصاب المرء بوعكة شديدة او التهاب في اللوزتين ترتفع إثرها حرارته الى درجة عالية يُقابل بالتوبيخ اذا توجه الى تلك المؤسسات الصحية طالبا العلاج في الايام الثلاثة الاولى للوعكة بحجة ان جهاز المناعة في الجسم يجب ان يأخذ دوره في الصراع مع الفيروس , كما ان موافقة الطبيب على اعطاء المريض جرعة من المضادات الحيوية ( انتي بايتك ) هي اصعب من صدور مرسوم جمهوري في دولنا الشرقية. لا احد ينكر ان المبدأ صحيح وينبغي ان يعتمد الانسان على جهاز المناعة في الجسم اكثر من اعتماده على الادوية الكيميائية نظرا لتأثيراتها السلبية المرافقة , ولكن هذا الحال يصلح على من مرَن جسمه منذ البداية على ذلك وليس على اؤلئك الذين قد منحوا منذ زمن طويل جهاز المناعة في جسمهم اجازة مفتوحة وقرروا الاعتماد على العوامل الخارجية في التعامل مع الفيروسات المهاجمة . منذ ثلاث سنوات والادارة الامريكية تستخدم , عن غباء او خبث , نفس المبدأ في التعامل مع الحالة العراقية فهي تتدخل في الزمن والمكان الذي يخدم مصالحها وتحجم عن ذلك في ازمنة وامكنة اخرى بحجة ترك المجال امام جهاز المناعة السياسي العراقي في ان يلعب دوره في بلورة حالة صحية وهي تعلم يقينا ان هذا الجهاز قد تم تحييده مذ زمن طويل حين اخفق من حسب نفسه جزءا من هذا الجهاز في احداث تغيير داخلي ولم يستطع هؤلاء الوصول الى الجسم العراقي والجلوس في المنطقة الخضراء وتقديم انفسهم كمضادات حيوية إلا بعد ان حملوا الماركة الامريكية والايرانية وغيرها صناعة وتعليبا. والان وبعد ان اثبتت تجربة السنوات الثلاث السابقة ان هذه المضادات لم تتمكن من معالجة الوضع العراقي بل هي على العكس وبدرجة ما سببا في استشراء المرض واستفحاله من خلال الميليشيات ابتداءً ومرورا بالفساد واستباحة المال العام وانتهاءَ بتحطيم هيبة الدولة وسلطتها فان المسؤولية الاخلاقية ( اذا إفترضنا جدلا وجود يقايا اخلاق ) تتطلب من الادارة الامريكية الكف عن جعل العراق حقلا للتجارب ودراسة الحالة على اساس احترام الخصوصية الوطنية من اجل ايجاد دواء ناجع يوقف هذا النزف الرهيب في الدم العراقي.
انه المضحك المبكي ان ترى بقايا دولة يجد السياسيون فيها وقتا للمزح والهزل وشعبها غارق في حمام من الدم يساق فيه الابرياء للذبح كشاة لم تنطق ببنت شفة.
#وديع_بتي_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟