أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الخالق كيطان - خطيئة الاجتزاء















المزيد.....

خطيئة الاجتزاء


عبد الخالق كيطان

الحوار المتمدن-العدد: 476 - 2003 / 5 / 3 - 06:02
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تعلمت أن أنظر إلى النص الأدبي باعتباره كلاً كاملاً ومتكاملاً ، وهو الشيء ذاته الذي يقود نظرتي إلى الفنون الجميلة من سينما ومسرح وتشكيل .. ولقد كانت المدارس النقدية الحديثة قد انحازت تماماً للنظرة الكلية للنص ( سنقول النص هنا معبرين من خلاله عن النتاج الإبداعي بمختلف مسمياته ) .. وهي نظرة تنطلق من مكونات النص ، جزءياته ، لتلتقي مع الكلية التي قلنا بها قبل قليل . إن خطيئة النقد السلفي تكمن في إعلائها من خواص النص الأخرى غير خاصية الكلية ، فالحديث عن ما حول النص ( سيرة المنتج ، المجتمع ) على سبيل المثال كانت تقود إلى قراءات أخرى للنص غير ما كان  النص يريده أصلاً .. والخطيئة تتكرر مع قراءات نقدية أخرى تجتزأ من النص حسب مرام الناقد وميوله ليحكم من بعد على النص الذي أمامه أحكاماً أقل ما يقال عنها أنها أحكام غير منصفة ، وذلك لأنها تعتمد جملة يتيمة من النص تختصره بطريقة مشوهة للغاية .. وفي الحقيقة فإننا نملك قراءات كبيرة ومهمة كان الاجتزاء منطلقها ، ولكنه ها هنا اجتزاء يشبه عمليات المونتاج السينمائي .. في السينما يقوم المصور ومعه مخرج الفيلم بتصوير مئات اللقطات والمشاهد وبعد الانتهاء من ذلك يذهب المخرج إلى غرفة صغيرة بمعية شخص يدعى المونتير ليقوما باختيار أهم اللقطات والمشاهد التي ستمنحنا فيما بعد الفيلم السينمائي .. إن الاجتزاء والحالة هذه ليس خطيئة على الإطلاق ، بالأحرى هو فن خالص يتعمد انتاج قراءة مشدودة أو محكمة ، إنه طريقة عمل … وسنرى  العملية نفسها في الإخراج المسرحي لنص ذائع ، وبالطبع ستتكرر الحرفة مع النقد عندما يشيّد ناقد ماهر نصه النقدي على الإشارات التي بثها نص ما وتكون بالنتيجة قراءة متكاملة مدعومة بالأدلة النقدية ، يكفي مثلاً هنا جملة الناقد الكبير برادلي عندما قال عن هاملت أنها تراجيديا  ( تمتص هموم العصر  ) ، وبالطبع فقد كان برادلي قد وضع في رأسه جملة مجتزأة من هاملت تقول : أكون أو لا أكون ، تلك هي العلة !، بالإضافة إلى عشرات الجمل المشابهة أو المطابقة في المعنى لهذه الجملة … إن انتاج القراءة الدلالية لنص ما تفترض بالدقة أن يقوم الناقد باختيار العديد من الجمل التي تنتج قراءة مشتركة .. ومن المؤكد هنا إن ناقداً آخر قد يفعل الشيء ذاته ولكن في قراءة أخرى ..أما النصوص الصحفية التي لا تجد فيها قدرات كبيرة على التأويل بسبب من وظيفتها الرسالية المباشرة فالأمر يختلف قليلاً . إن النص الصحفي كثيراً ما يذهب إلى أهدافه بطريقة مباشرة ، على أنه قد يوفر لقارئ متربص فرصة قراءة غير محايدة إطلاقاً ، إنها ولا شك قراءة تجتزأ أيضاً ما يرضي هوى القارئ المعبأ سلفاً ضد الكاتب أو العنوان أو ضد السطرين الأولين من النص .
كل ذلك مفهوم تماماً إلا بالنسبة للنقاد التقليديين الذين يصلحون لأن يكونوا قراء تكايا لا قراء فنون وآداب ، فالمعلوم في قراءة التكايا أنها قراءة مرآوية ، بعبارة أن المعنى ذاته مصاغ في كل عبارة وكل كلمة من خطبة النص هنا ، ولذلك فالاجتزاء مع مثل هذه الخطبة لا يضر ولا ينفع ، أو في الحقيقة فإن الاجتزاء يمثل مناسبة جيدة لوضع عبارة ( خير الكلام ما قل ودل ) موضع التنفيذ .
أما وإن حديثنا يخص الأدب ونقده فإننا بالضرورة نتحدث عن نص آخر ، وعن اجتزاء آخر .. وذلك ما يذكر بالنوايا في النقد ، ما دام أول النقد هو الانطباع كما يقول المنظرون ، والانطباع السلبي الذي يتركه نص ما يدفع إلى قراءة عدوانية عند ناقد سلفي وأخرى تحليلية عند ناقد طليعي .. كما أن بعض النقاد من يذهب إلى النص وهو يحمل في رأسه عبارة أخرى ، غير عبارة هاملت في قراءة برادلي والمأخوذة من لب النص ، إنه والحقيقة يحمل عبارة عدوانية قادمة من رأسه هو لكي تمنحه القدرة على الإيذاء أكثر من أي شيء آخر ، هكذا يجيء المقتطف الذي يريد الاستدلال به ومن خلاله مقتطفاً لا يعبر عن المقولات الستراتيجية التي يريدها النص ، فهو مقتطف ناقص بالقياس إلى بنية النص بصورة كلية ، ثم بالقياس إلى ما قبل المقتطف من كلمات وما بعده أيضاً .. وذلك يذكر بالآية القرآنية الجدلية : لا تقربوا الصلاة … والمعنى في هذه الجملة واضح وضوحاً لا لبس فيه ، ولكنه بالطبع معنى كاذب يعرفه فقط من يمتلك النص الكامل لهذه الآية ..
أجد هذا المدخل ضرورياً للرد على ما اتهمني فيه الكاتب والروائي العراقي سلام عبود ( مقالته المعنونة / أقنعة الفرهود / جريدة النهار بتاريخ  27/نيسان/2003 العدد 581 ) من أنني ( لص ) ، نعم .. هكذا وببساطة كبيرة واسترخاء عجيب يتهمني السيد عبود باللصوصية !!! وإنني إذ أخجل صراحة من الدخول في مناقشات تستخدم فيها مثل هذه الألفاظ ( !!! ) فإنني أود التوضيح لقارئ مقالة السيد عبود فقط حقيقة ما كتبت عن انتفاضة الشعب العراقي في العام 1991 والتي كتبت عن جزء من حركتها في مدينتي ( العمارة ) في كتاب كامل نشر جزء صغير منه في جريدة المؤتمر قبل أسابيع ..فالأستاذ عبود اقتطع من النص المنشور ما يلائم فكرة في رأسه ، والفكرة مفادها كما يشير هو إليها : مشاركة المثقف العراقي في ظاهرة الفرهود ، مشاركاً أو محرضاً أو مبرراً ..وكنت في النص المنشور أحكي عن مشاهداتي في مدينة العمارة أيام انتفاضة العام 1991 وقصة دخولي إلى المكتبة المركزية فيها كانت جزءاً من تلك المشاهدات عندما دخلت المكتبة وهالني منظر قيام حشد من الأميين بسرقة كتبها لتكون فيما بعد وقوداً لتنانير الطين ، بسبب أزمة الوقود في تلك الأثناء ، فحاولت أن أحمل معي ما أستطيع من كتب لحين وضوح الرؤية .. ولقد حدث أن انتهى الموضوع في لحظته عندما وصل المكتبة بعض المنتفضين وقاموا بحمايتها ، وكنت محرضاً أيضاً على تلك الحماية .. والشيء بالشيء يذكر فقد فعل العديد من العراقيين الشيء ذاته مع المتحف الوطني العراقي عندما قاموا بإرجاع ما نقلوه من المتحف أيام سقوط النظام فوراً بعد هدوء الأوضاع .. بالطبع أنا أتفهم جيداً عدم قدرة السيد عبود على فهم هذه الظاهرة لا لشيء إلا لأنه كان بعيداً عنها ، بعيداً جداً .
وفي الفقرة ذاتها يقتطع السيد عبود مرة أخرى بطريقة مشوهة من نص نشرته في موقع إيلاف يتحدث عن ما جرى بعد سقوط نظام صدام ، حيث أقول في هذا النص متحدثاً عن خداع الفضائيات العربية المستمر : ( نقلت التلفزيونات العربية والأجنبية بصورة مباشرة ، وبالألوان مشاعر الشعب العراقي ، ولكن مراسلوهم لم يفوتوا الفرصة أيضاً للنكاية من هذا الشعب الصابر المبتلى ، فهذا يقول : نهب للمحلات والمتاجر فيما الصورة من وراءه تظهر المواطنين يسلبون مبان حكومية بحتة ) حيث بتر السيد عبود من النص جملة يتيمة هي الجملة الأخيرة وصورني من خلالها وكأنني أحرض على سرقة المباني الحكومية وأشتم العرب !!!
مرة أخرى أقول :إنني ألتمس العذر للسيد عبود تماماً في عدم فهمه لما حدث أو تأويله غير التأويل الذي ينبثق من سياق الحدث نفسه ..ولقد كان حديث رجل طاعن في السن لفضائية السي أن أن أكثر بلاغة من أي قول آخر ، يقول الرجل  الذي كان يهم بوضع بعض قطع أثاث منهوبة من منزل طارق عزيز في عربة بعجلتين يدفعها بيده رغم كبر سنه: ( أمضيت عمري كله أحلم بأن أجلس على قنفة ، فما زلت وأولادي وأحفادي يفترشون الأرض إذا ما جلسوا بسبب ضيق ذات اليد ).. بعبارة أخرى ، فإنني عندما تحدثت بتأكيد على إن المواطنين فرهدوا ، على رأي السيد عبود ، المباني الحكومية فإن الفرهود هذا يستدعي بداهة سؤالاً مفاده : ولماذا لم يفرهدوا البيوت والمتاجر وما يمت لملكية المواطن الخاصة بصلة ؟ نعم إن المباني الحكومية هي ملك المواطن وليست ملك صدام ، هذا يفهمه غير العراقيين ، وخاصة من هم تحت النار ، فنحن قد تربينا على أن العراق ليس لنا ، وكانت هذه التربية هي أول ما اصطدمت به عند خروجي من العراق في العام 1998 وبغير هذا التفسير ، الذي أعتقده واقعياً جداً ، يصبح الشعب العراقي هو حشد سراق لا أكثر ولا أقل ، ولا أعتقد أن السيد عبود ولا الجريدة التي نشرت له مقاله يقصدان هذه النتيجة بالتحديد ! ومع ذلك كله فالكثير من الكتبة تجاهلوا عمداً ما قام به عراقيون كثر طوعاً من إرجاع الحاجات المسلوبة بعد أيام من ذلك ، وبالتحديد بعد أن أفاقوا من صدمة الخلاص من أبشع ديكتاتورية عرفها العراق .
***
* شاعر عراقي مقيم في أديلايد



#عبد_الخالق_كيطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون العرب وأم الحواسم: الحيرة واليقين في مخيلة مواطن عر ...


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عبد الخالق كيطان - خطيئة الاجتزاء