أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال محمد تقي - فدرالية العراق مهيج حيوي للانعزال القومي والطائفي















المزيد.....


فدرالية العراق مهيج حيوي للانعزال القومي والطائفي


جمال محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 1621 - 2006 / 7 / 24 - 06:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلما اجترت عملية النموالاقتصادي والسياسي نفسها ، كلما كانت تشكيلتها الانتاجية الاجتماعية الاقتصادية متخلفة ومشوهة ، وفي اي مجتمع كان ، وبمعنى اخر فان التخلف والتعثر والتشوه هي اعراض لعدم نضج العملية الانتاجية في شمولها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري ، ولا مكان للحداثة فيها ، فلا دولة مؤسسات ، ولا مبدأ لتكافؤ الفرص ، ويتحول تداول السلطة فيها الى لعبة بين الاقوياء والمغامرين لتتزايد انكماشات رابطة المواطنة ومعيار الحقوق والواجبات في رسم ملامحها ، وتتحول الحريات العامة الى نياشين يتكرم بها المتسلطون على من يخدمونهم ، اما خصومهم فالحجر على حرياتهم ثم تصفيتهم ان كان وجودهم يشكل خطرا داهما ، بهذا الاسلوب المزمن يوطدون حكمهم ويطيلون من مساحته الزمنية ، فالصراع على السلطة هنا عبارة عن تقاتل حقيقي تستخدم به كل انواع الاسلحة المشروعة وغير المشروعة ، والامر يختلف في الدول التي ارست قواها الطبقية الفاعلة ، وخاصة الشعبية والسياسية منها ، تقاليد لمؤسسات دستورية ناجحة ، ورسخت قيم التكافؤ ، والتداول السلمي للسلطة ، وفصل السلطات ، بعقد دستوري بين المواطن والدولة بحيث يتم موازنة الحقوق بالواجبات ، بالضمانات والحريات العامة والخاصة التي لا تتعارض مع القوانين المتفق عليها ، ان اهم عامل يوفر البنية التحتية لنجاح وسيادة النمط الثاني هو استقرار الوضع الاقتصادي الاجتماعي وانتظام تطوره ، واخذه لمداه دون انقطاعات قسرية ، فهذه القاعدة ستكون لها افرازاتها السياسية المستقرة والتي تتطور وتنضج على نار هادئة ، وقد تستغرق هذه العملية وقتا طويلا او قصيرا ، وذلك حسب ملامح ، وخصائص كل مجتمع على حدة ، وبما اننا نتحدث عن نظم سياسية في ظل سيادة الراسمالية باشكالها المختلفة كتشكيلة اجتماعية اقتصادية ، فاننا نستطيع القول انه كلما تظافرت العوامل الذاتية والموضوعية لتطور راسمالي منتج ومستأنف لكل تحولاته ، ومن ثم تسيده على كل الانماط المتخلفة التي سبقته في مجتمع ما ، فأن التحول السياسي فيه سيكون تحصيل حاصل منسجم ومترابط مع متطلبات نموه الاخرى في المجال القانوني والفكري والاخلاقي والجمالي ليواكب حاجات الرقي في البنى التحتية التي تعني اسلوب الانتاج وبالتالي الاستهلاك وشكل توزيع الثروة التي لاتبارح درجة تطور نمط الانتاج الاجتماعي الاقتصادي السائد .
الهند مثلا نمت طبقتها الراسمالية الوطنية او المحلية بشكل تتابعي مستانف لكل مستلزمات النمو التي راكم بعضها الاحتلال البريطاني ما قبل استقلالها ، واصلتها الطبقة المتوسطة والكبيرة من الراسمالية الوطنية ، وجعلت من الاطر السياسية والفوقية بكل اشكالها عوامل تستجيب بدينامية لمتطلبات نموها الحر اوالمقيد والاستثماري بكافة فروعه ، فابتلع هذا النمو اشكال الانتاج ماقبل الراسمالية كلها واحتواها بما فيها الارض الزراعية او الريعية اي التي تحوي على ثروات طبيعية ، فدخلت الارض في دورة الانتاج واصبحت قيمة متحولة بذاتها ، مما ادى الى نمو متزايد وحثيث عزز الطابع السياسي السلمي لتداول السلطة وعزز بدوره التقسيمات الادارية والاقليمية التي تسهل عملية انفتاح السوق الواحدة بكل اطرافها على بعضها واتاح للمناطق المترامية في شبه القارة الهندية لادارة خصوصياتها المحلية بحكومات داخلية وبصلاحيات لاتتعارض مع المركز بل تتكامل معه وتجعله جسد واحد ، فكان الراسمال الوطني هو الموحد المركزي وهو عصب النمو ، وهذا العصب الوطني يحتم توفر عوامل تكامله الاخرى ، في مؤسسات دستورية قوية ، لدولة مركزية قوية ، وجيش قوي ، وما يعزز دولة المواطنة التي يتمايز فيها الناس على اساس ممتلكاتهم وموقعهم من عملية الانتاج والاستهلاك وبالتالي في مقدار حصتهم على الثروة ، وليس على اساس انتمائهم العرقي او الطائفي او اللغوي ، ان لغة السوق الوطنية السائدة يحددها قانون العرض والطلب ، وليست نواميس واشكال التفوق القومي او الديني او الطائفي .
فالمواطنة الواحد في بلد ذا عصب راسمالي وطني واحد يكون معادلا حيا لوحدة شعوب متعددة في اقليم جغرافي واحد بادارة سوق واحدة وبادارات محلية ذاتية متعددة تفي باغراض تكامل الجزئي بالكلي والعكس ، ولها صلاحيات مرسومة باسم حكومات محلية لها حقوقها وعليها واجبات ، ولها شرطتها الداخلية ، لكنها تندمج بالاتجاه العام للدولة المركزية المتوازنة القوة لضمان قوة الجميع في بوتقة واحدة ، هذه هي فدرالية الهند وهي علاج ناجع لدولة مترامية الاطراف فيها اكثر من 2000 طائفة لغوية وعرقية ودينية تتخالط بها الملل والنحل باصحاب الطرق الصوفية ، والفلسفية ، وهي تتقدم بخطى حثيثة نحو افضل درجات النمو الانتاجي على صعيد العالم اجمع .
ان الصراع الطبقي في هكذا مجتمع سيبرز ويمارس دوره الموضوعي في اصطفافات وفرز يتجاوز العرقية او الطائفية او اللغوية ، ليمس جوهر الهوية الاقتصادي الاجتماعي وبالتالي السياسي ويكون شكل التطور محدد بتبعاته التي ترص صفوف المنتجين في صراعهم مع المستثمرين والمالكين .
معنى هذا ان المجتمع بتنوعه قد دخل الحداثة بمعانيها الشاملة وفتح لنفسه افاقا يكون السوق وحده معيارا للتمايزات فيه بين العارضين والطالبين بين المشترين والبائعين بين المنتجين والمستثمرين والمالكين ، ودون ذلك سيكون الركود والمراوحة والتكلس وبالتالي التراجع والتقوقع بالانتماءات الفوقية التي تبرز عندما يكون ماتحتها هو اساليب انتاجية لما قبل الراسمالية ، او ريعية استهلاكية خاوية من ميكانزم الانتاج الفعلي الذي يدر ثروة اقتصادية وقيمية تعيش زمنها الحداثي ، لتغطي فجوتها هذه بانشغالات تبرز التاقضات القومية والطائفية والعرقية واللغوية وتعطيها بصمة الصراع الاجتماعي الضال ، وكانها جوهر دائري عقيم للتطور السياسي الفوقي المتقطع والمتراجع ، الذي يسمح لنفسه ان يكون منخفضا للتيارات القوية العابرة للحدود ، والذي يزيد الطين بلة ، حيث يجعل البنية التحتية متخلخلة بالتبعية الاستهلاكية مغريا اياها بنوع من الراسمالية الطفيلية التي تلمع بقوة وتخفت بقوة ايضا لانها تتطفل لتنخر وتشوه ما امامها من خامات اقتصادية اجتماعية تتجذر فيها وسائل ونظم شبه الاقطاع والمقايضات والمحاصصات الريعية ، التي تزداد تخلفا بسبب طفيلية واستهلاكية ما يلتصق بها من القادم الجديد والذي يدخل عليها دون اي حماية للسوق الوطنية ، مما يعزز التشوهات السياسية التي امتلكتها اصلا بسبب تخلفها وانعزالها !
ان الدول النامية التي شددت على هيمنة القطاع العام دون غيره في مجال نشاط المجتمع الاقتصادي والسياسي ، قد اضعفت من حيث لا تدري دبق الوحدة المجتمعية العمودي"الطبقي" ، وافقيا تدامج الهويات العرقية والطائفية و اللغوية فيه ، لتؤسس لراسمالية الدولة البيروقراطية ، التي تسيح الاواصر وكل انواع الدبق بينها ، وتجعلها قابلة مأذونة للتفكك ، والتشوه وانعدام الاستقرار والضياع في التيه الذي يعني انقطاع النمو الحقيقي للمجتمع ، والذي قد يصل درجات من الانتكاس ليتحول الى نمط راسمالي تبعي ، يفجر فيه ما ساح من مكونات تطفو على السطح تبغي الفرار من حالة الترابط المختل الى حالة لا تعرفها وانما تتمناها مختلفة المصير ، ولكنها قد تكون اكثر اختلالا وتشوها من السابق !
ذلك يؤدي حتما الى ضعف الطبقة المتوسطة وتفكيكها ، وانقراض الراسمالية الوطنية المنتجة باصنافها المختلفة " الصناعية والتجارية والخدمية " ، و تكسيح القطاع الخاص والمختلط ، وتحول الدولة الى اداة امنية قمعية بيد المتحكمين فيها ، اما الدول التي اعتمدت مبدأ كفالة النمو الراسمالي الحر مع حرية عمل كل القطاعات وتوازنها لصالح الراسمال الوطني المنتج في قطاعه الخاص ، وتخصص القطاع العام لمجالات محدودة في مضمار الهياكل الارتكازية للاقتصاد الوطني ، وتشجيع القطاع المختلط ، فانها قد نجحت لحد كبير في تقوية وتصليب عصب وحدتها الاجتماعية افقيا وعموديا ، كما في التجربة الهندية التي ذكرناها ، اما النموذج الاول الذي كانت الهيمنة فيه للدولة وقطاعها العام فانها قد تهاوت بحكم صراعاتها الخارجية المتفاعلة مع ازمة الانسداد الشامل في نموها الداخلي ، ومع هذا التهاوي كان مصير الوحدة التي شملت دول اتحادية فدرالية وكونفدرالية ، مثل الاتحاد السوفياتي ، ويوغسلافيا ، وجيكوسلوفاكيا ، لقد تفككت سريعا لان المادة الاصقة بينها كانت فوقية لاغير ، مع ان عمرها الزمني متقارب مع عمر التجربة الهندية الحديثة التي شهدت رسوخا وافقا مفتوحا !
علما ان الدول والانظمة الراسمالية المتطورة قد تجاوزت هذه المرحلة ووصلت في سبك عصب وحدتها الى مستوى الامة الواحدة متعددة الاعراق والقوميات والاثنيات والطوائف وانصهرت عموديا ، لتكون هويات جديدة مستندة على اقليم الوطن الواحد ، السوق الانتاجي والاستهلاكي الواحد ، التشريع والثقافة الواحدة ، بل هناك تجربة جديدة في طور التشكل ، هي تجربة اتحاد امم باكملها مع بعضها اقتصاديا وسياسيا لتشكل في المستقبل امة نوعية جديدة ، ليس للاعراق او المذاهب او اللغات اي دور في قيامها ! انه الاتحاد الاوروبي الذي يمهد الطريق نحو امة اوروبا القادمة ، امة السوق الاوروبية الواحدة .

هل العراق سائر بالطريق الهندي أم الطريق الصومالي ؟ :

العراق كيان يتمتع بكل مبررات الوحدة ، فهو وريث لجغرافية وتاريخ حضارة وادي الرافدين الاساسية " سومر وبابل واشور " وتمازجت فيه ومنذ الخلافة العباسية اعراق واجناس مختلفة ، بسبب من كونه قبلة العالم وقتها وكون بغداد عاصمة لهذا العالم ، لقد كانت البصرة وبغداد والموصل ، فاتحة ذراعيها لاحتضان الجديد دون تعصب عرقي ، فالحضارة العربية الاسلامية تشكل منارات لهذا العراق ، وكان مثلثهما يحكم من بغداد تحت حكم بني عثمان حتى احتلاله بريطانيا .
العراق بلد عربي اسلامي غالبية سكانه من الناطقين بالعربية كالغة متداولة ، وتبلغ نسبة العرب فيه اكثر من 75 % والبقية تتوزع على النحو التالي : 17 % اكراد ، 4 % تركمان و2 % اشوريين وكلدان ، و2% اقليات اخرى ، وبهذا فالعراق بلد متعدد الاعراق ولكنه بثقافة جامعة واحدة هي الثقافة العربية الاسلامية ، واللغة الاساسية فيه هي اللغة العربية ، اما الحقوق العامة وخاصة الثقافية للاعراق والاديان والطوائف فهي مصانة ولهم كامل حقوقهم الثقافية والادارية في المناطق التي يتواجدون بها حتى وان كانت في العاصمة او في اقاصي الجبال ، والمواطنة الواحدة التي تستند على اساس الانتماء العراقي ، وليس العرقي هي عنوان العراق الذي من اجله ناضلت القوى الفاعلة في مجتمعنا من نخب سياسية واجتماعية ودينية وعلمية ، ويمكن ان تتعمق الوحدة الاجتماعية فيه افقيا وعموديا بالتطور الاقتصادي الراسمالي الوطني الحر ، ليكون العراق سوق واحدة لطبقات ، وليس لاعراق واثنيات وطوائف ، في ظل دولة ديمقراطية برلمانية تعطي صلاحيات مناسبة للادارات الذاتية للمناطق المختلفة وحسب خصوصياتها ، هذا ما يناسب بلادنا من معالجات لصيانة مواطنيها من اي نوع من الاجحاف الذي كان جله سياسي وليس عرقي او طائفي ، اما تفكيك الوطن الى كيانات اقليمية بحدود جغرافية دولية اي مسجلة في الامم المتحدة ، ولا يدخلها ابناء المناطق الاخرى الا بنوع من التاشيرات ، بزعم اقامة اتحاد بينها لتقوية اواصر مكونات البلاد فيها ، فهذا امر غير منطقي ، وغير موضوعي ، ولم ينل رضى الغالبية العظمى من ابناء شعبنا ، انه فعل ارادوي قسري يستقوي بضعف المركز ، واطماع القوى الخارجية من محتلين وصهاينة ، اذن من الواضح ان هناك قوى سياسية قومية وطائفية تريد قلب المعادلة ليكون الطريق امامها مفتوحا لاقامة كياناتها المستقلة تماما ان امكنها ذلك او شبه المستقلة ان لم تتمكن من الاستقلال الكلي ، وهي تجاهد بكل السبل لتمهيد الطريق لتحقيق ذلك ، ولا تتورع عن اشعال حرب اهلية لتكون مبررا لتحقيق استقلالها الجزئي او الكلي .
ان الذي يتمتع به الاغوات في سوران وبادينان الان هو اكثر من وضع كونفدرالي ، لكنهم يصفوه بالفدرالي ويبدو ان الفوضى الخلاقة الجارية في العراق الامريكي يمكنها فعل العجائب كجعل اربيل مثلا عاصمة للعراق المستكرد !
عندما يحاول البرزاني او الطالباني تسطيح الامور بشرح فدراليتهم ، يقولون : انها تعني الاتحادية وان بعض الاخوة يخشون من كلمة فدرالية ! فهل هم لا يدركان حقا ان الاتحادية بمنطق القانون بين اطراف متكافئة يحق لها الانفصال ايضا مثلما يحق لها الاتحاد ، وهذا ما لا يصح على وضع كوضع العراق ، لان العراق كيان واحد واقليم بحدود دولية واحدة !
هناك تفاصيل كثيرة تبرز التناقض الاساسي بين مايجري فعلا وما هو معلن !
وجود دولة مركزية قوية بجيش وطني مهني قوي يخضع لحكم دستوري برلماني ، شرط اولي لا غنى عنه لقيام مناطق الادارات الذاتية كما هو الحاصل في تجربة الهند ، ولكن الذي يجري في العراق هو العكس ، اضعاف الدولة المركزية وتفكيكها وجعلها " خيال المآتى " حتى تتمكن احزاب الفدراليات وميليشياتها من فرض شروطها ودون مقاومة كما هو حال الصومال ، وشتان بين الحالتين !
ان الامريكان واصحابهم الفدراليين ينهشون بلحم الجسد العراقي حتى وصلوا الى العظم وهم يتناوبون العمل على تهشيمه ليسهل تقطيعه كما يجب ، واعتقد ان الدفع باتجاه الحرب الاهلية هو احد الضربات الكبيرة التي سينهالون بها على الهيكل العظمي للعراق العصي حتى الان !
يريدون ان يفرضوا على العراق سيرا قرقوشيا ، لا فدراليا ، ولا كونفدراليا ، ولا كومنويلثيا انه طريق التكاثر بالانشطار الطولي والعرضي ، ولا اعتقد انهم يفهمون ما يقوله التاريخ عن العراق وشعبه وكيف انه اذا شب عن طوقه لن توقفه ساعتها الحواجز ، في ارجاع الحق الى نصابه !
خلاصة القول في هذا الباب ان دعوة الفدرالية او الاتحادية بالفهم والممارسة التي يكرسها جماعةالبارزاني والحكيم والطالباني ومن لف لفهم ، هي دعوة رجعية متخلفة تقف وراءها مصالح الفئات الطبقية لما قبل الراسمالية ، وهي تلاقي دعما احتلاليا وموساديا لما يوفره لهم تحقيقها من امكانيات التغلغل وتكريس تبعية الجزء قبل الكل ، ومن يساند الدعوة الفدرالية قافزا على حقيقة ان حرية الجزء من حرية الكل هو قد ساهم بقصد او دونه بهيمنة الفكر الانعزالي المتخلف ،التبعي والاستهلاكي على افاق مستقبل العراق مهما حملت الفكرة من اقنعة ديمقراطية مزركشة ، خادعة خداع السم بالعسل !
ان الحرية الحقيقية تكمن في الانعتاق الطبقي من كل اشكال عبوديته ، وحق تقرير المصير الذي يتشدق به بعض المتمنطقين جهلا وتجاهلا ، لمن ومن من ؟ فالفكر الثوري يعمل على حشد ابناء الوطن الواحد في بوتقة المواجهة مع الاعداء الطبقيين ، وليس مع اعداء وهميين ، تقرير المصير يخص الشعوب الرازحة تحت الاحتلال او الوصاية ، اما ابناء الوطن الواحد بمختلف هوياتهم فهم يناضلون من اجل التحرر والديمقراطية باشكالها الملموسة التي تتيح انتعاش دورة الانتاج وتعكسه رفاها وخيرا يعم الوطن والمواطن بمعزل عن اي تسميات اخرى .
ان العراق وشعبه قد تدبغ على مواجهة الاحلام المريضة للكثير من ساسته الذين لا يهمهم غير المجد الشخصي والسلطة حتى وان كانت على حساب الشعب كله ، وما ستكشفه الايام القادمة هو نوع مخاتل جديد من هذه الاحلام .

"اتحاد فدرالي صداقة سوفيتية " !:

اعلاه شعار عتيد كان رائجا نهاية الخمسينات بين انصار المد الشيوعي في الوطن العربي عامة وفي العراق خاصة ، بالضد من شعار الوحدة الاندماجية والفورية التي كان يتغنى بها القوميون العرب ناصريون كانوا ام بعثيون ام قوميون اشتراكيون ، وذلك اثناء التقارب السوري المصري الذي تلاه اعلان الوحدة بينهما ، وبطبيعة الحال كان الضغط القومي في العراق يصب باتجاه انخراطه في هذه الوحدة الحماسية التي الهبت مشاعر الشارع العربي عامة ، المهم لست هنا في معرض شرح هذا الشعار واسباب وجوده او مدى صوابه او خطله ، انما اورته هنا للاستشهاد به والمقاربة بما يطرحه من تصورات عن الفدرالية ، وبين ما يقال حاليا عن فدرالية العراق التي ما انزل لله بها من سلطان !
فالشعار يطالب باقامة اتحاد فدرالي بين الانظمة العربية المستقلة وذات السيادة ، كنوع من المرحلية التي تسبق الاتحاد الاندماجي وهنا يقصد بالتكاملات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعليمية وفي السياسة الخارجية والداخلية ، دون ان يجري دمج ارتجالي فوقي لا يدوم ، ومن معاني هذا التفسير ان الاتحاد الفدرالي يكون بين اطراف متكافئة ، وهي كيانات مستقلة يجري تكاملها واتحادها عبر النظام الفدرالي ، ومعنى هذا انه ليس هناك اي تجربة في العالم اجمع تفكك الموحد وتجعله اجزاء شبه مستقلة ثم تدعو لتوحيدها فدراليا الا في عراق العجائب والغرائب !
ومن الشعار اعلاه نستقي ان السياسة الخارجية والدفاع وهياكل ارتكاز الاقتصاد الوطني بما فيها البنك المركزي سيكون من شأن الدولة الفدرالية الاتحادية ، اما الشؤون المتبقية كلها ستكون من صلاحيات الاقاليم المتحدة ، فهل ياترى يجري العمل بهذا الفهم في فدرالية "كاكة وكلمبة وجليب الماي" في عراق يتعرض " لولية مخانيث " اي لغدر جبان ؟ اعتقد ان كل الشواهد تقول غير ذلك !
المفارقة ان الشعار اعلاه قدم ليكون جامعا اتحاديا للدول العربية ، واليوم يطرح شعار فدرلة العراق ليكون جامعا له مع انه مجموع اصلا بوحدة ترابه الوطني والطبقي ، طبعا بعد اقلمته وبعد ان تكون الصداقة امريكية وليست سوفيتية كما ذهب الشعار الاول !
اذن الشعار الجديد سيكون على النحو التالي : اتحاد فدرالي عراقي صداقة امريكية !؟

كسر عظم الدولة العراقية مقدمة لتقطيعها :

اكثر من 2000 الف عسكري بلغ عدد افراد الجيش والشرطة الجديدة في العراق حسب التصريحات الرسمية العراقية والامريكية ، حوالي 180 الف عسكري من قوات التحالف المحتلة للعراق ، ومجموعهما يساوي حجم القوى العراقية الفعلية الموجودة في العراق قبل الاحتلال ، مع وجود عامل اخرلصالحها وهو اقتصار عملها على مناطق الوسط والجنوب اضافة الى الموصل ، كل هذا والانفلات الامني في اعلى درجاته ، والمقاومة تزداد قوة ، والميليشيات التابعة لاحزاب الحكومة اقوى من جيش الحكومة ذاتها ، ما السبب يا ترى ؟
الامريكان لا يريدون جيشا عراقيا كامل العدة والعدد ، لانهم لو فعلوا ذلك سوف لن يحصدوا الثمار التي ينتظروها ، فالجيش العراقي اذا تم استكمال جاهزيته وبعقيدة الدفاع عن الوطن فقط ، سيكون خطرا على المحتلين انفسهم ، كما كان الوضع ايام البريطانيين ، وسيكون المؤسسة الوطنية الجامعة والفاعلة في النضال ضد المحتلين انفسهم وحلقة تتمركز حولها هيبة الدولة واذرعها القوية ضد اعدائها ، وبما ان هدف الامريكان هو عراق هزيل يمكن تقطيعه الى دويلات عند الطلب ، وهم يتقصدون جعل تشكيلات الجيش وكانها ميليشية حكومية لا تملك غير الاسلحة الخفيفة وتأتمر بامر المحتلين ، لا سلاح للدروع ولا طيران ولا بحرية ولاسلاح هندسة ولا قوات خاصة ولا ولا !
وعليه سيكون ابقاء القوات الامريكية امر مفروغ منه لدى المحتمين بها ، وبهذا سيكسر عظم الاذرع والارجل التي يمكن للدولة ان تسير بها للحفاظ على امنها !
العامل الاخر هو تعمد تشتيت وبعثرة واغفال مركزية استثمار الثروات الطبيعية ذات البعد الاستراتيجي كالمياه والنفط والغاز والمعادن ، وكذلك تكامل التصنيع الاستخراجي والتحويلي لضمان ربط اجزاء البلاد ببعضها واعتماد بعضها على الاخر وفق برنامج انمائي وطني شامل ، وكانت قوانين بريمر السارية المفعول حتى الان قد اعتمدت على هذه القاعدة في كل تشريعاتها الاقتصادية والاستثمارية !
بناء جهاز ادراري هش وانعزالي لكل منطقة على حدة ليسهل بالتالي عملية التلاطم ، والفوضى ، التي تبيح الانسلاخ !
اعادة بناء كل اجهزة الدولة على اساس تحاصصي قومي وطائفي ، وليس سياسي ، لاجل تسهيل مهمة جعل الدولة العراقية وكانها شركة مساهمة وفق عقود قصيرة وطويلة الاجل تتيح الانفكاك منها لاي طرف عندما لا يكون متفقا على نظام الشراكة هذا ، وسر البلاء هنا ، حيث اخذوا يسمون هذا التحاصص تمثيل ديمقراطي لمكونات الشعب وكان الشعب مكون من سبائك شيعية وسنية وكردية وتركمانية ، وهذه السبائك لا تنصهر طبقيا واجتماعيا وسياسيا وانما هي كتل بشرية جامدة لها من يمثلها وبشكل دائم ! !
ضرب الجهاز العصبي للمجتمع بتصفية نخبه الفكرية والعلمية والسياسية الوطنية ، ليسهل الانفراد بالعامة والتاثير عليها فكريا ونفسيا وعاطفيا واخلاقيا باشاعة الفساد المنظم بكل انواعه ، لتسير الاكثرية بعد ان تم ترويضها وتهجينها خلف الخرافات او العبث او الخنوع !
كل هذه النقاط مجتمعة ستساهم بجعل العراق جسد متيبس يسهل كسره ، ومركزه سيكون طاردا لاطرافه وليس جامعا لها !



#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قول الحقيقة لا يغضب احدا سوى اعدائها يا طالباني
- انظمة عربية لا تحترم نفسها
- لقطات ليست بريئة
- كارت احمر للفصائل المقاومة في مونديال المصالحة الوهمية
- مطابقات شعبية ترتقي لفعل مقاومة الاحتلال الاجتثاثي
- هبوا ضحايا الاغتصاب
- خازوق الاحتلال لا يستثني احد
- الاحتلال الغائب الحاضر في مبادرة المالكي
- الصومال تتناطح للتخلص من قبضة الشر الاوسط الكبير
- دولة الناس ودولة الله
- أرهابيون لكن ظرفاء
- كذب الامريكان وان صدقوا ! يريدون الزرقاوي قميص عثمان لجرائمه ...
- هجوم امريكي مضاد لتثبيت افرازات الاحتلال ! خمس ساعات من التو ...
- عصيان مدني على الموت
- ماذا بعد الزرقاوي ؟
- عراقيات مع سبق الاصرار
- مجانين امريكا وبريطانيا يقاتلون في العراق
- هولوكست اطفال العراق
- بصرتنا لم تعذب محب ، لكن النفط عذبها
- في حاج عمران حصان طروادة امريكي يترصد ايران


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال محمد تقي - فدرالية العراق مهيج حيوي للانعزال القومي والطائفي