أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-6















المزيد.....


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-6


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1619 - 2006 / 7 / 22 - 14:49
المحور: القضية الكردية
    


ج ـ إطار التاريخ الكردي
1 ـ العصر النيوليتي والكرد

يكمن مربض التاريخ الكردي في المجتمع النيوليتي، إن تحليل المجتمع النيوليتي كمصطلح وتحديد النموذج الأصلي للكرد في هذا العصر، يلعب دور المفتاح في تسليط الضوء على التاريخ، ولا يواجه أي مراقب دقيق صعوبة في إثبات أن الكرد يعيشون خصائص المجتمع النيوليتي بشكل مكثّف حتى يومنا الراهن.
يثبت التقييم المقارن لعلم الآثار وعلم الأجناس وعلم الأعراق، أن المجتمع النيوليتي في التاريخ قد تطور قبل اثني عشر ألف سنة في السفوح الداخلية والخارجية لسلسلة نظام جبال طوروس وزاغروس، أي في مناطق التلال القريبة من الموارد المائية التي تتصل فيها السهول بالجبال، ويعود سبب ذلك إلى غنى الثقافات النباتية والحيوانية التي تتناسب مع الزراعة والتدجين، وتداخلها ببعضها البعض، والنظام المناخي الشبيه بالري الطبيعي، حيث توجد أمثلة برية لجميع أنواع الحبوب والحيوانات الصغيرة والكبيرة في هذه المنطقة التي كانت ساحة تقاطع تتوحد فيها القارات الثلاث طوال العصر الجليدي الطويل، ويظهر ذلك أن النوع البشري الذي خرج من شرق أفريقيا قد اختار هذه المنطقة كساحة انتشار آمنة في كل أنحاء العالم، ويلعب الغذاء المناسب والأمان والمناخ المتوفر دوراً أساسياً في هذا الأمر، وتوجد الدلائل التي تثبت أنه تم عيش العصرين الباليوليتي والمزوليتي في هذه البقعة، حيث تقدم أدوات ورسوم الكهوف الأمثلة التي تظهر الآثار حياً للشعب في العصر الميزوليتي.
بدأ المجتمع النيوليتي في السهول الجبلية لسلسلة طوروس وزاغروس، كرد فعل على مرحلة الجفاف القاسية التي جاءت بعد العصر الجليدي الأخير في الألف الحادي عشر قبل الميلاد تقريباً، وتثبت الآثار النيوليتية التي تم اكتشافها خلال التنقيب في "جمة هالان" التابعة لباطمان و"أرغاني" و"جمة كوته بر" وكثير من التلال الترابية في أورفا، ان أول سكن هنا بدأ في أعوام الألف الحادي عشر قبل الميلاد تقريباً، وهناك إجماع عام من المؤرخين على أن أكبر ثورة في التاريخ هي الدخول إلى مرحلة الحياة المستقرة في هذه الجغرافيا.
لم تتمكن المجموعات المتجولة المؤلفة من عشرين أو ثلاثين شخصاً في العصر الباليوليتي، الذي استمر مئات الآلاف من السنين أن تترك أثراً ودوراً يذكر في التاريخ، لقد كانت سعته وثقافته ضعيفة ويفتقر لخصائص يمكن أن تسرّع التاريخ ، ويشكل الدخول إلى الحياة المستقرة أي الثورة الزراعية والحيوانية أخصب مرحلة لتسريع عجلة التاريخ، ويرجع سبب دوره للقضاء على المسار الروتيني للحياة منذ مئات آلاف السنين، وقام التاريخ فيما بعد بانطلاقة قوية، وتمأسست الثقافة النيوليتية في هذه المنطقة بشكل منتشر بعد عام 6000 ق.م، وسمّي هذا العصر بثقافة تل حلف، حيث تم اكتشاف أول النماذج في هذه المنطقة، إن هذه الثقافة التي تمتد من شرق البحر الأبيض المتوسط حتى جبال زاغروس والتي تتكاثف في المنطقة المسماة بميزوبوتاميا العليا تقدم تشابهاً في منطقة واسعة، حيث لعبت دوراً ريادياً حتى عام 4000 ق.م تقريباً، وتمثل الأصالة في جميع أنحاء العالم، ويثبت التاريخ أن المعلومات والتكنولوجيا التي تكونت في هذا العصر الذي استمر ألفي عام لم يتم تطوير مثيل لها عبر التاريخ سوى في القرن السادس عشر بعد الميلاد في أوروبا، ونرى أن الخطوة الأكثر جذرية للإنسانية والاختراعات التي خلقت الحضارة، قد خلقت من قبل ثقافة هذه المنطقة، ويمكن تقييمه كأول عصر ذهبي للتاريخ.
يعتبر العصر النيوليتي هو العصر الأساسي الذي كوّن البنية الروحية والذهنية للإنسانية، من حيث المدة والشمولية، لقد حققت العناصر الإيديولوجية كأول قوالب للسمو الفكري والروحي وتلقي المعلومات والإدارة ووعي التحول إلى مجتمع والوصول إلى مصطلح الإله تطوراً كبيراً لهذا العصر، واكتسبت البنية الفوقية للإيديولوجية في تاريخ الإنسانية خصائصها الأساسية في ظروف المجتمع النيوليتي، ولهذا فإن معناها يشبه بدء الطفل بالنطق والمشي، ومن جهة أخرى فإن المؤسسات المادية الأساسية كصنع الألبسة المنسوجة وارتداءها، وطحن الحبوب بالطاحونة اليدوية، خبز الخبز وطبخ الطعام في الأوعية الفخارية وحفظها، وتقطيع الأحجار على شكل لبنات من أجل بناء البيوت هي نتاج هذا العصر، وتم زرع أغلب النباتات وتدجين الحيوانات التي يتم استخدامها في يومنا هذا، وقد كان يتم صنع البلطة والمعول والمحراث والدولاب والعربة، بنحت الحجر والنحاس من الاختراعات الأساسية لهذا العصر، إن هذا العصر لا يشكل المهد الإنساني الموجود في يومنا فقط، بل مرحلة الطفولة والكهولة أيضاً، حيث تأخذ كل المصطلحات المثيولوجية والدينية مصادرها من هذه المرحلة، لقد أدرك البشر تطور المجتمع وتمايزه الكبير عن عالم الحيوانات لأول مرة في التاريخ، كوضع غير اعتيادي، بل ومعجزة، ويكتسب الدين والميثولوجيا هوية كانعكاس ذهني لهذا التطور الثوري الكبير في المجتمع، ومثلما تكون الشروحات العلمية والفلسفية أشكالاً فكرية مبكرة بالنسبة للأطفال، فإن الفكر المثيولوجي والديني فقط يكون قابلاً لتطوير الإنسانية في هذا العصر، يعتبر العصر النيوليتي الأرضية المادية للمثيولوجيا والدين جوهرياً، حيث لم توجد الهوية الإيديولوجية بهذا التوجه في الأشكال الاجتماعية السابقة، وربما أتاح ذلك إمكانية للوصول إلى بعض المصطلحات المقدسة المحدودة، إن الثورة الزراعية والحيوانية تفتح الطريق المثيولوجي والديني إلى آخره وتشكل أرضيته المادية.
نرى هذا الشكل الاجتماعي في النواة السياسية الفطرية والبدائية، ويواجه المجتمع الذي وصل إلى حجم عدة قبائل مشكلة الحكم والإدارة، ويصبح الأشخاص الذين يواصلون التطور وذوو الخبرة في القبيلة في موقع الزعيم بشكل طبيعي، ويتطور الانقسام على شكل الشمانية والسحر على هذا الأساس، تأخذ الزعامة السياسية والمعنوية أول تمايز لها من هذه الظروف، وكانت خصائص المجتمع الأمومي مسيطرة إلى فترة زمنية طويلة، لأن الثورة الزراعية والحيوانية قد أخذت شكلها حول المرأة غالباً، وكانت عبادة المرأة الأم القوية نتاجاً لهذه المرحلة، وكان الرجل ممسوخاً وخنوعاً ضمن الجماعة إلى درجة كبيرة، بينما المرأة الأم فقد كانت ذات قدرة موجهة ونوعية، وهذا هو الوضع الذي يشكل أساساً لثقافة الربات كانعكاس معنوي، وتعبر ألوهية المرأة عن مجموع خصائص المرأة التي نجحت في القيام بالثورة النيوليتية، وأدى انعكاس معرفة الثورة الإنسانية الكبرى على العالم الذهني إلى نمط تقديس وضع المرأة الربة في المركز، وتحقق خلق وتعريف النباتات والزراعة وتدجين الحيوانات وصناعة الأوعية والنسيج وبناء البيوت وتربية الأطفال والفلاحة والحراثة والأشجار المثمرة من خلال الدور القيادي للمرأة، وتأخذ الربة القوية مصدرها من هذا المجتمع الأمومي، إن جميع الهياكل المتبقية لتلك المرحلة ترمز الى المرأة وهي من الأمثلة الأساسية التي تثبت هذه الحقيقة، ولم يظهر الرجل في الخطوط الأمامية، إلا في الظروف التي اكتسبت فيها الفلاحة بالمحراث والصيد أهمية في المجتمع بعد فترة طويلة، ولم تبرز عبادة الرجل إلا بعد الألفية الرابعة قبل الميلاد، وقد حققت هذه الظاهرة تفوقاً كبيراً مع ظهور المجتمع الطبقي السومري، حيث لعبت التطورات التقنية دوراً مصيرياً في ذلك التوجه، وخاصة عندما احتاج المحراث والفأس إلى قوة خشنة والابتعاد عن البيت مما جعل الرجل يتقدم على صعيد الإنتاج كشكل أساسي.
تجد ثقافة المجتمع النيوليتي الذي ترك بصمته على التاريخ أصالتها في هذه المنطقة، إن المناطق الممتدة من شرق البحر الأبيض المتوسط حتى سلسلة جبال زاغروس، ومن الصحراء الشمالية لشبه الجزيرة العربية حتى جبال طوروس في الأناضول وأحواض الجبال التي تنبع منها أنهار الفرات ودجلة والزاب والسهول الموجودة هي المراكز الأساسية التي تشكلت فيها أشكال هذا المجتمع، وتأتي تسمية هذه المنطقة بالهلال الخصيب في التاريخ من خصائصها المذكورة، لقد استمدت الإنسانية غذاءها مدة عشرة آلاف سنة من خلال الدور الخلاّق لهذه المنطقة، وكأنها تقوم بدور ريادي في كل الأزمنة للمجتمع البشري في العالم، وتم إثبات أن الانتشارات الثقافية الثلاثة الكبرى قد انطلقت من هذه المنطقة، وانتشرت الاختراعات الأولى للعصر النيوليتي في أوروبا وأواسط آسيا وأفريقيا الشمالية في الألف السابع قبل الميلاد أي متأخرة بألفي عام، يؤكد تشابه الأدوات النيوليتية التي اكتشفت في هذه المناطق مع الأدوات الموجودة في الهلال الخصيب بشكل كبير هذه الحقيقة، فتحقيق الانتشار عن طريق الثقافة بدلاً من القوة الفيزيائية هو الاحتمال الأكبر، أما ثقافة تل حلف، فلم تصل إلى المحيط الأطلسي والمحيط الهادي إلا بعد تأخر ألف أو ألفي سنة، واستند الانتشار الثالث الكبير إلى الحضارة السومرية، حيث استطاعت هذه الحضارة الوصول إلى كل المناطق المذكورة بين أعوام ألفين إلى ألف قبل الميلاد، وتم إثبات هذه الحقيقة من التشابه الثقافي الذي تم الحصول عليه من خلال عمليات التنقيب بكل سهولة.
لم يكن الانتشار الثقافي محصوراً بتقنية الإنتاج المادي فقط، والحقيقة الأخرى هي أن المصدر الأساسي لمجموعة اللغات الهندوأوروبية هو القسم العلوي لضفة الفرات ودجلة، الذي تحققت فيه هذه الثورة الكبيرة، ويمكن إثبات تشكل الإرث الهام لهذا التاريخ والذي نسميه مجموعة اللغات والثقافة الآرية في هذا المصدر الأساسي ابتداءً من الألف الحادي عشر قبل الميلاد تقريباً، من خلال دراسات علم الآثار وعلم الأجناس وعلم الأعراق، وتظهر كثير من الكلمات المتبقية من هذه المرحلة، والتي يتم استخدامها في عدة لهجات كردية، يعود مصدرها إلى هذا المصدر الذي تكون فيه، إن اللغة والثقافة الآرية هي نتاج الثورة الزراعية والحيوانية، وتتحدث الساحات التي انتشرت فيها هذه الثورة باللغات التي اشتقت من هذه الجذور غالباً، والاستثناء الوحيد هو مجموعة اللغات السامية ذات المصدر الصحراوي ومجموعة اللغات الفينية والمغولية والأورالية التي صدرت عن الساحات الجليدية، تتخذ الأولى المجتمع الصحراوي الرحال أساساً لها، أما الثانية التي صدرت من المناطق الجليدية فتتخذ المجتمع الرحالي أساساً لها أيضاً إلى حد ما، أما المجموعة الآرية الموجودة في الوسط فهي في موقع مركز الثقافة الخلاّقة.
لم تأتِ مجموعة اللغة والثقافة الهندوأوروبية من سهول أوروبا وروسيا إلى المناطق الجنوبية والشرق أوسطية كما يدعى، بل أن انتشارها حدث من الهلال الخصيب والى هذه المناطق، وهذه حقيقة تاريخية تم إثباتها تماماً، ويجب أن نعتبر أن الانقسام والتحول إلى مئات اللهجات المحلية هو نتيجة للانتشار في جغرافية واسعة عبر زمن طويل، وهو تطور طبيعي، كما أن وجود جذور ومركز الثورة الأساسي في الساحة العلوية لضفاف دجلة والفرات، وحدوث ذلك في الألف الثاني عشر قبل الميلاد، هي حقيقة لا يمكن إنكارها، ويرتبط فهم التاريخ بشكل صحيح بفهم طريقة تكوينه وانتشاره عن كثب، ولا مفر من ارتكاب أخطاء وأغلاط منهجية في مضمون العلوم الاجتماعية في حال عدم تحديد مسار خلق وتطور وانتشار التاريخ كأساس لكل العلوم بشكل صحيح.
لذلك يتمتع تحليل المجتمع النيوليتي بأهمية كبيرة ليس بالنسبة لتاريخ الكرد فقط، بل من ناحية التاريخ البشري أيضاً، صحيح أن التاريخ أي التاريخ المدون يبدأ بالسومريين، لكن السومريون أخذوا كل شيء يملكونه من المجتمع النيوليتي، أي من الضفاف العلوية للفرات ودجلة، لقد تشكلت المفاهيم الأساسية لمؤسسات البنية الفوقية الأساسية بمقدار كل تقنيات الإنتاج في هذا المجتمع، ومن ثم انتقلت إلى السومريين ولدينا العديد من الدلائل التي تثبت ذلك، ناهيك عن أن انتشار السومريين من مزوبوتاميا الشمالية إلى مزوبوتاميا الجنوبية أمر مثبت بالوثائق، مما يعني أن المصدر الأساسي للتاريخ غير المدون هو السهول وأشباه التلال والوديان التي كونتها أنهار فرات ودجلة وزاب وروافدها، كمراكز للثورة النيوليتية، والتي تعتبر من أخصب الأراضي المناسبة للزراعة وتدجين الحيوانات، فهي الوطن الأم للنباتات والحيوانات البرية، وإن سحر هذه الوديان والسهول والجبال يأتي من كونها مهداً لخلق التاريخ.
أطلق السومريون أول تسمية معروفة على المنطقة وشعبها، وبشكل أصح يسهل علينا استخراج ذلك من المصادر المدونة، لم يخلق المجتمع النيوليتي ثقافة أو مجتمعاً فيزيائياً أتاهم من الخارج، بل أن الثقافة المستقرة في المنطقة منذ العصور القديمة والمجموعات المحلية كمجموعات خلاّقة هي الأصل، وتمتلك خصائص أصيلة، تثبت كل السجلات التاريخية المدونة أن الثقافة المستقرة والمجموعات القبلية تتطور بشكل دائم ابتداءً من العصر النيوليتي الاعلى منذ عشرين ألف سنة قبل الميلاد، وحتى العصر الميزوليتي بين الألف الخامس عشر والألف الحادي عشر قبل الميلاد، ومن المجتمع النيوليتي حتى السومريين بين الألف الحادي عشر وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، ويمكن متابعة ذلك منذ عصر السومريين حتى يومنا هذا بالوثائق التاريخية التي تدل على أن الثقافة كانت مستقرة والمجموعات القبلية كانت في حالة تطور مستمر، وتظهر الحقيقة التي نستخرجها أن أجداد وأمهات الكرد الحاليين هم الذين خلقوا الثقافة الأصلية واللغة في جميع مراحل التاريخ المذكورة، ويمكننا تسمية جميع المجموعات التي تعيش في المنطقة حتى مرحلة السومريين بالكرد البدائيين"بروتو".
تثبت جميع الوثائق التاريخية أن المجموعات التي كانت تعيش في هذه المنطقة قد حافظت على وجودها بالانسحاب إلى الجبال وداخل الغابات في العصور التي شهدت غزوات ظالمة، ويؤكد الأباطرة الآشوريون أنهم قاموا بحملات كثيرة على المنطقة في كثير من لوحاتهم الحجرية التي كتبوها بالذات، لكنهم لم يستطيعوا النجاح فيها وكان ذلك وضع يسري مفعوله على كل المحتلين الغزاة وهذا أمر موثق، لم يكن عدد المجموعات التي لا تختلف عن بعضها والتي استخدمت الإكراه في عصور ما قبل التاريخ كثيراً، ودخلت مرحلة الحياة المستقرة مع مرور الزمن، ولم تنتشر إلى الخارج كثيراً ولم تقبل بالمجموعات التي قد تقضي عليها، إن إمكانيات المنطقة للتطور وتقديم الجديد بشكل دائم أدى إلى مواصلة شعب المنطقة للثورة التاريخية الكبيرة، ومن الواضح أن الثقافة والمجموعات البشرية التي تتطور وتعيش ثورة دائمة ستكتسب مزيداً من القوة وستتجذر في منطقة على هذا الأساس، ناهيك عن أن وثائق علم الآثار تؤكد صحة هذه الديمومة، لقد كان تميز اللهجات يفعل فعله بالنسبة لكل المجموعات اللغوية ويكون تمايزها عميقاً جداً مع مقارنتها باللهجات الكردية، فبقاء تقارب لهجاتهم كل هذه المدة الطويلة رغم الاحتلالات التي تعرضوا لها، يعتبر نجاحاً هاماً بالنسبة للكرد واللغة الكردية.
لم يستطع تقارب اللهجات في كثير من المجموعات اللغوية التي أصبحت لغة الدولة الرسمية، أن تكون بمقدار تقارب اللهجات الكردية، هذه صفة تأتي من قوة لغة وثقافة الثورة النيوليتية الطويلة والعميقة، حيث يعتبر ذلك عاملاً مصيرياً، وذلك يعني من جهة أخرى أن الكرد الأوائل والكرد لم يغيروا مكانهم كثيراً وبقوا مستقرين وحافظوا على نقاء الثقافة واللغة لمدة طويلة، إن ترديد شعر ولحن منذ أربعة آلاف سنة يعبر عن قوة هذه اللغة والثقافة ويؤكد رسوخه، ويتم تأكيد ذلك من خلال ملحمة كلكامش، ولحن الفتاة المجهولة التي تسمى"بغيرو"، إن التاريخ المثبت لهذه الأمثلة الأدبية يرجع إلى عام 2000 ق.م، ويظهر تشابهاً كبيراً مع أشكال الملاحم الكردية التي وصلت إلى يومنا هذا، فمن الواضح أن مصدر إنانا السومرية والربة عشتار عند الأكاديين هو كلمة ستار ـ ستال وهي مشتقة من كلمة ستيرك، التي تعني"أسمى وأكبر شيء"، والتي تعتبر ربة حتى في ثقافة يومنا هذا، يتم تسمية ثقافة الربات هذه بـ "نينهورساغ" التي تعني ربة المنطقة الجبلية في الثقافة السومرية، حيث أن علاقة ذلك واضحة بإرث ستارك، وتظهر جميع الدراسات أنه قد تم ترميز الآلهة الربات في العصر النيوليتي بالكواكب، وتعني كلمة ستارك باللغة الكردية الكوكب، وتعني أكبر شيء من الناحية الثقافية أي الربة أو الإله، إن ترميز الآلهة عند إظهارها لأول مرة بالكواكب هو أمر ذا منشأ كردي وشكّل ذلك أساساً لكل الأديان السماوية.
يمكننا القول أنه لا يوجد أي شعب من الشعوب خلق العصر النيوليتي وعاشه بعمق مثل أصول الكرد، فقد تم عيش هذه الأصالة بشكل كثيف في الظاهرة الكردية من حيث الزمان والشمولية، وأخذ الكرد كل قوتهم وطاقتهم من هذا العصر ومنحوها له أيضاً، ويعود تخلف البنية الذهنية للكرد في يومنا هذا إلى بقائهم متعلقين بالعصر النيوليتي وكأنهم يفعلون ذلك بإرادتهم، ومازالت تأثيرات العصر النيوليتي تواصل وجودها في العالم إلى درجة لا يستهان بها وبعكس ما يعتقد، إنه مجتمع بقي مع العصر النيوليتي من الناحية الذهنية والحياة المادية والقروية، حيث اكتسبت الثقافة الزراعية خصائصها الأساسية من هذا العصر.
إن عدم وجود تاريخ مدون في العصر النيوليتي لا يعني عدم وجود تاريخ للشعوب التي عاشته، بل يعني عدم وجود تاريخ سياسي مدون لها فقط، ومن جهة أخرى يوجد لهذه الشعوب تاريخ ثقافي ومثيولوجي وأثني يتميز بالغنى، فالتاريخ ليس عبارة عن المضمون السياسي والمدون، بل إن التاريخ الحقيقي ذا المعنى هو التاريخ الذي يشمل كل العناصر الثقافية والمادية والمعنوية التي أثرت على المجتمع البشري بشكل عميق، وعندما ننظر من هذه الزاوية نرى أن الكرد هم الشعب الأول للعصر النيوليتي والأصحاب الأوائل لثقافة المعلومات الخلاّقة التي طوّرت التقنية، ويرجع التأثير الذي أحدثته الثقافة الميزوبوتامية في التاريخ إلى هذه الدرجة من القوة المذكورة، ولعب الكرد دوراً وساهموا في تطور البشرية لمدة طويلة وشاملة أكثر من دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في يومنا هذا، وهم في موقع الشعب الذي خلق ثقافة هذا العصر ونشرها في العالم، والنقص الوحيد لديها هو عدم قدرتهم على كتابة ذلك التاريخ، ناهيك عن أنه لم يتم كتابة تاريخ الشعوب الكادحة بشكل يليق بالتاريخ، ولم يتم التخلص من اعتباره غير موجودٍ، والتحريف الذي تعرض له من طرف القوى الاستغلالية المهيمنة، ولم يتم كتابة أي علم بشكل محرف أكثر من التاريخ من طرف القوى الحاكمة والاستغلالية، وندخل الآن في مرحلة يتم فيها تسليط الضوء وكتابة تاريخ الجهد والشعوب، بعد أن أصبح المنهج العلمي مسيطراً مع مرور الزمن، وستجد الأصالة الكردية المكانة التي تستحقها من خلال تسليط الضوء عليها بمضامين واقعية عبر تطبيق المنهج العلمي.
يمكن لأي مراقب دقيق عند مروره بسيارته في المنطقة أن يعدّ المئات من التلال على ضفاف فرات ودجلة، لا سيما في أورفا ودياربكر وماردين والمناطق المجاورة لها، حيث تعتبر هذه التلال خزائن حقيقية تخفي التاريخ بين ثناياها على مدى خمسة عشر ألف سنة على الأقل، وتعتبر هذه أولى المناطق السكنية للعصر النيوليتي، ومناطق أثرية تراكمت فيها الثقافات فوق بعضها البعض عبر عصور التاريخ، وستتم كتابة التاريخ الحقيقي عند فتح هذه التلال وتحليلها، ولكن مع الأسف يتم ترك هذه الخزائن الثقافية تحت المياه من خلال سياسة بناء السدود التي تعتبر مجزرة للتاريخ والثقافة، ويتم تخريب الإنجاز البشري الذي تواصل آلاف السنين من أجل مصالح مادية قصيرة الأمد، إن نكران هذا التاريخ وهذه الثقافة التي كانت مهداً للتاريخ البشري، واعتبار التاريخ مبتدأ بالإسلام والمسيحية واليهودية والسلالات الحاكمة والمنظمات القومية في يومنا هذا، يعني احتقاراً للتاريخ وإنكاره وتحريفه، ولا يمكن كتابة تاريخ الشعوب والجهد إلا عندما يتم تجاوز ودحر هذه المفاهيم عن التاريخ.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دول الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الخامس ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...


المزيد.....




- حملة مداهمات واعتقالات في رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم ( ...
- أكسيوس: عباس رفض دعوات لتأجيل التصويت على عضوية فلسطين بالأم ...
- اليونيسف: استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب ...
- اعتقال عدد من موظفي غوغل بسبب الاحتجاج ضد كيان الاحتلال
- الأمم المتحدة: مقتل نحو 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
- موقع: عباس يرفض طلبا أمريكيا لتأجيل التصويت على عضوية فلسطين ...
- ??مباشر: مجلس الأمن يعقد جلسة للتصويت على عضوية فلسطين الكام ...
- لازاريني: حل الأونروا يهدد بتسريع المجاعة وتأجيج العنف بغزة ...
- الأونروا تحذر من حملة خبيثة لإنهاء عملياتها
- اقتحام بلدتين بالخليل ورايتس ووتش تتهم جيش الاحتلال بالمشارك ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-6