أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون















المزيد.....


عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 12:28
المحور: مقابلات و حوارات
    


عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون - مازن لطيف علي
عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
حوار مع الدكتور عقيل الناصري ,حاوره: مازن لطيف علي)

حوار مع مؤرخ ثورة 14 تموز عام 1958 الدكتور عقيل الناصري
. ثمان واربعون عاما على تأسيس اول جمهورية فى العراق00ثورة 14تموز عام 1958تلك الثورة التى احدثت زلزالا فى المنطقة ةاظهرت انها الثورة الوحيدة فى العالم العربي كما يقول المستشرق الفرنسى مكسيم رودنسون00نفتح ملف وانجازات واصلاحات ثورة تموز 00والدروس والعبر للواق العراقى فى المرحلة الراهنة مع مؤرخ ثورة تموز وقائدها ورموزها الدكتور عقيل الناصري الذى يبحث منذ اكثر من عقدين من الزمن فى كتبه ومقالاته ودراساته المتميزة عن ثورة 14 تموز

السؤال الاول
نلاحظ من خلال الكتابات الحديثة والممنوع في السابق ظهور تقيم أو ربما لتصحيح الصورة المشوهة لثورة تموز وقائدها قاسم؟؟
الجواب :
نعم... لقد تم رصد هذه الظاهرة منذ ما ينيف على عقدين من الزمن، وقد تركزت خارج العراق في البدء لأسباب معروفة لكل عراقي واعي، وكان ظهور كتاب ( عبد الكريم قاسم رؤية بعد العشرين للكاتب حسن العلوي عام 1983 في لندن).. تاريخا فعليا للكتابات الحديثة عن حقيقة وماهية الزعيم عبد الكريم قاسم.. كانت هذه الحركة العقلية تشق طريقها بثبات لكن بصورة بطيئة محترسة.. وقد أشرتُ إليها في مقالة لي نشرت قبل 15 سنة، قلت فيها .. إن هذه الحركة كانت بالأمس مقموعة واليوم مهموسة وستكون غداً مدوية.. هذا الحدس والتوقع يمكن ملاحظته من خلال كمية الكتب والدراسات والمقالات التي صدرت بشكل علني وموضوعية أكثر حول دور قاسم وتموز, في داخل العراق وخارجه على حدٍ سواء.. والغلبة من هذه الإصدارات تدور حول البحث عن حقيقة قاسم وماهياته السياسية والتنظيمية وقيادته لحركة الضباط الأحرار. وقد كانت هذه الموضوعة ، كما هو معروف، ممنوعة من كل الحكومات ( القومانية) التي أعقبت حكمه. وهكذا أخذت حركة التأليف هذه تنمو بإضطراد مستمر ووجدت لها صدى في الوعي الثقافي للفرد العراقي الذي وجد فيها معلومات كانت مخفية عنه وأنتجت وعياً مزيفاً ليس عن قاسم وحده بل عن تاريخ العراق المعاصر برمته.. وهذا المنع ينصب كذلك على جملة واسعة من المفكرين والكتاب والسياسيين الذين لهم منطلقات فلسفية تتصادم والتوجهات ( القومانية وليس القومية) للحكومات المتعاقبة منذ انقلاب شباط 1963.. لهذا غاب عن الساحة المعرفية أدباء ومفكرين عظام وساسه حاذقين وطمست أدوار شخصيات عسكرية مهمة لعبت دور في التكتل الغائي للضباط الأحرار.. المقام لا يتسع هنا لذكر هؤلاء الذين أسسوا لعراق المستقبل وحددوا الأهداف الاجتصادية له.
وتأسيسا على ذلك، كنا نقرأ عن ثورة 14 تموز من منظار واحد على الأغلب, وضمن منطق واحد أوحد، خالي من الترابط الجدلي بين مقومات الثورة وقواها الاجتماعية, ويحابي التيار ( القوماني)، بحيث غيب التوجه الوطني ( العراقوي) حتى وصلت إلى انتهاج منطق بحثي معرفي لا يستوعب الحالة العراقية بتعدد أطيافها. لقد تعرضت ثورة14 تموز 1958 إلى تشويهات كثيرة ليس من المتضررين منها وحدهم، بل حتى نقد غير موضوعي من بعض القوى والشخصيات الاجتماعية التي كانت قريبة من الثورة. وذلك حينما ارجعوا كل أسباب التردي الذي عاشه العراق منذ الانقلاب الأمريكي عام 1963 ولحد الآن، إلى ثورة تموز/ قاسم، ولم يجهدوا أنفسهم في التمعن في تاريخية الظاهرة العراقية وتعقدها وسيرورات تكونها وتصارع قواها..في الوقت الذي تدلل الأبعاد الموضوعية والعلمية إلى أن الثورة نقلت
العراق المعاصر من مرحلة إلى أخرى أكثر تطوراً، أي أحدثت تغييرا عميقا في مساراته الاجتصادية والسياسة والثقافية والأهم في تركيبته الطبقية.... أهلها أن تكون (الثورة الوحيدة في العالم العربي ) كما شخصها المستشرق مكسيم رودنسون.
السؤال الثانى
ما هي الدروس والعبر لثورة تموز للواقع العراقي خاصة ونحن الآن نعيش ظرف استثنائي؟؟
الجواب:
بالفعل يعيش العراق ظرفاً استثنائياً صعباً يهدد ليس العراق كذات مستقلة بل سيغير من واقع التركيبة الجيو سياسية في عموم بلدان المنطقة.. التي هي من أكثر مناطق العالم حساسية وخطورة، لما فيها من ثروات طبيعية بالإضافة إلى موقعها في قلب العالم القديم .إن نظرة موضوعية علمية إلى تلك المرحلة وعقدها السياسية الصعبة والمتشابكة, تجبرنا على ضرورة دراسة ثورة 14 تموز واستنباط الدروس والعبر للاستفادة منها في الوقت الحالي.. ومن أهم هذه الدروس:
ضرورة نبذ العنف بين القوى السياسية والمكونات الاجتماعية كوسيلة لبلوغ الحكم أو الحصول على الجزء الأكبر من ( الكعكة العراقية). إذ إن الاحتراب السياسي الذي نشب آنذاك، والآن أكثر ضراوة وقسوة، أدى إلى فقدان واحدة من أهم وأصدق التجارب النهضوية في العالم الثالث عامة ومنطقتنا العربية خصوصاً. كما أدت إلى تهديم مقومات الهوية الوطنية، وأضعفت القوى الاجتماعية جميعها مما أخضعها لمنطق الولاءات الدنيا والحزبية الضيقة جداً . لذا علينا الحفاظ على الكيان العراقي و ومكوناته الجمعية التي تمتد إلى عمق التاريخ وكذلك على ذاتنا الفردية.
أوضحت التجربة التاريخية المنصرمة عدم قدرة طرف سياسي واحد أو قوة اجتماعية واحدة على الإنفراد بالسلطة مهما كان وآيا كان، وبغض النظر عن مبرراته الفكرية ووحدانية تمثيله لهذه الطبقة أو تلك الأثنية أو ذاك التوجه السياسي أو/و الديني. إن حكم القوة الاجتماعية الواحدة أو/و الحزب الواحد سيعبد الطريق لا محال نحو الاستبداد وما يستنبط منه، كوسائل للحكم وعلاقاته المتبادلة في مجتمع صعب في إدارته ومعقد في تركيبته وغني بتكويناته.
إن ظروف البلد السياسية ذات الصوت الواحد السابقة للاحتلال، وما أحدثه هذا الأخير من تغيير في التوازنات الاجتماعية, وكذلك طبيعة التطور في القوى المنتجة وتعدد الأنماط الاقتصادية وبالتناظر طبقاته غير المتبلورة، وعدم نضج الوعي الاجتماعي العام وتجلياته الفلسفية والجمالية والدينية والسياسية والحقوقية.. كلها عوامل موضوعية تفرض صياغة برامج وطنية عامة تتواءم وطبيعة الظروف المادية الملموسة وتحترم خيارات التكوينات الاجتماعية ( الجمعية والفردية) بغية استعادة العراق لعافيته وبلوغ دولة القانون والمجتمع الحضري الذي أرست لبناته المادية بقوة ثورة 14 تموز.
لعبت الو لاءات الحزبية الضيقة في المؤسسة العسكرية دورا كبيرا في تهيئة المناخ للانقلابية العسكرية وعرقلة رسوخ الحياة الدستورية.. وعليه تقتضي الضرورة الملحة إبعاد قوى الأمن والجيش والمليشيات المسلحة عن التناحرات والصراعات الحزبية والطائفية، وبالتالي تطبيق الفكرة الجميلة التي أرساها الزعيم قاسم والداعية إلى إبقاء الجيش ( فوق الميول والاتجاهات). لقد زكت الحياة والتجربة المعاشة الآن، ماهية هذه الفكرة وصحتها، باعتبارها تمثل أحد أسس ترسيخ المجتمع المدني المرغوب بلوغه.
لعب العامل الخارجي دوراً كبير في صيرورة الظاهرة العراقية وفي التأثير على مساراتها المستقبلية.. إذ لعب هذا العامل دورا كبيراً في وأد ثورة تموز بصورة عنفية دموية عام 1963. وقد تجدد هذا الدور في الظرف الراهن .. ولذا ولأجل ضمان عدم تفتيت الصيرورة السياسية لعراق المستقبل لابد من آخذ هذا العامل بنظر الاعتبار دون المساس بالثوابت الوطنية، وفي حق اختيار الطريق القادم وصيغ الحكم وأساليبه وارتباطاته الداخلية( الفيدرالية) وإنهاء الاحتلال الأجنبي.
ضرورة أن تنطلق سياسة الحكم من مفهوم العدالة الاجتماعية النسبية لمختلف الطبقات ومن حقها في العيش الكريم، والحفاظ على حق المكونات الاجتماعية والدينية في الحفاظ على تراثها والتعاطي معه بالشكل الذي يحفظ ديمومة هذا الحق الطبيعي. وكذلك الاهتمام بالطبقات الاجتماعية الفقيرة والكادحة والذين يمثلون مادة التاريخ الإنساني.. إذ أن أهم أهداف قاسم كانت تصب على هذه الطبقة.. مما أتاح لي التأكيد فكرة: أن قاسم حكم للفقراء وإن لم يحكم بهم. وكانت هذه الموضوعة أحد أسباب الانتفاض عليه من قبل القوى المتضررة من هذه الفكرة .
هذه الدروس وغيره مما يمكن استنباطه، ينبغي أخذها بصورة كلية وبترابطها الجدلي.. ولآجل تحقيقها: على القوى الاجتماعية والسياسية أن تمارس الحياة ضمن نظرة متفتحة وتمارس مراجعة نقدية علمية صارمة لخطواتها وخططها وممارساتها السابقة بغية معرفة موقع القدم القادم.. وفي تحديد أهداف عملية ملموسة تنطلق من الحياة الواقعية وتعود إليها.. وأن يكون الإنسان في مركزية عقلها من أنه ذو قيمة مطلقة، وترتفع عن الو لاءات الضيقة التي لا تستوعب العراق ككيان اجتصادي / سياسي.
هذه الدروس البالغة الدلالة مستنبطة من الواقع الحي لعراق الجمهورية الأولى ( تموز1958- شباط 1963) حيث مارس قاسم، وكان صائباً في ذلك، الحد من تطرف القوى السياسية والمنظمات العقائدية، وتعصبها ضد الرأي الآخر، ولجوئه إلى نوع من الموازنة بينها... نحن بحاجة ماسة جداً لمثل هذه العقلية الواقعية التي فهمت الإنسان العراقي وطموحه الحقيقي.


السؤال الثالث
هناك مفارقة وهى أن من حاول وساعد انقلابي شباط الأسود هم نفسهم من قضوا عليهم وكذلك ما رأيك بحاكمة صدام أمام الجماهير في حين إن محاكمة الزعيم لم تستمر سوى دقائق وبدون اى قضاء ?
الجواب:
بالنسبة إلى الشق الأول.. هذا لا يمثل مفارقة.. بل هو نتاج طبيعي مستخلص من طبيعة قوى الانقلاب والتناقض فيما بينهم من حيث الماهيات الأساسية لعراق ما بعد المرحلة التموزية/ القاسمية النيرة. لقد تجمعوا تحت هدف مشترك مضمونه القضاء على الزعيم قاسم ولنهجه الوطني العراقي بارتباطه الجدلي مع الانتماء للأمة العربية، وكذلك محاولة إجتثاث قوى اليسار، وعلى وجه التحديد (الحزب الشيوعي)، لقد تحقق الهدف الأول، ومرحليا فقط وبصورة جزئية تحقق شيء من الثاني.. لكن بدأت طاحونة الاختلاف بين قوى الانقلاب تطحن بعضها البعض الأخر.. فكانت البداية مع الحركة التحررية الكردية التي ساموها أفظع وأبشع الدمار.. ثم جاء دور القوميين العرب الذين شاركوا في عملية الانقلاب والقمع، حتى أنهم اعتبروا بيان رقم 13 السيئ الصيت أنه ( ثورة ) كما يشير إلى ذلك استنادا إلى المصادر المنشورة محمد جمال باروت. لتصل حلقة العنف بعد ذلك إلى (البعثيين) أنفسهم بلغت حد القتل المادي والروحي.. بعدها تشرذموا و انقسموا إلى كتل صغيرة تحارب بعضها البعض الأخر، وجرت تصفيات (مادية ومعنوية) فيما بينهم.. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من تتبع مصائر المساهمين في الانقلاب من أمثال: إبراهيم فيصل الأنصاري واحمد حسن البكر واحمد العزاوي وباسل الكبيسي وبدن فاضل واللواء بشير الطالب وتركي الحديثي وجاسم مخلص التكريتي والعميد جابر حسن الحداد والمقدم داود الجنابي واللواء الركن حامد الورد و اللواء الطيار حردان التكريتي واللواء رشيد مصلح والعميد طارق الحمد الله وسعدون غيدان والعقيد المظلي عبد الكريم مصطفى نصرت و واللواء الركن عدنان خير الله طلفاح وعبد الكريم الشيخلي ومدحت الحاج سري وهناك العديد الوفير ممن رصدهم د. علي كريم، الذين بلغ عددهم 116 شخصاً اعدموا من قبل (رفاقهم). كذلك ما يشير حسن العلوي إلى ( ديمقراطية الموت) وما حصدت من أرواح من قبل بعثي السلطة كما جاء في كتابه ( دولة الاستعارة القومية، ص. 173). وقد اكتسبت عمليات القتل زخمها بعد انقلاب 1968 حيث قام جناح البكر-صدام ليس بقتل رفاقهم الذين انشقوا عنه عام 1963، بل حتى رفاقهم من ذات الكتلة. وبكل موضوعية يمكنني أن أطلق على هذه الظاهرة اسم ( لعنة قاسم ) ، التي ظلت تلاحقهم لحد هذه الساعة وما المطالبة بمحاكمة صدام عن قتله لرفاقه عام 1979، إلا دليل على استمرارية هذه (اللعنة) المباركة والتي ستلاحقهم على مدى التاريخ.
أما بصد الشق الثاني من السؤال والمتعلق بما يسمى زورا ( محاكمة) لقاسم مقارنةً بما يجري الآن لصدام وزمرته.. فهي مقارنة غير واقعية ولا حقيقة.. إذ لم تتم محاكمة قاسم ولا رفاقه .. وخيرُ شاهد على ذلك ما قاله أحد قتلة قاسم ذاته وأعني به طالب شبيب الذي ذكر خلال مناقشته مع الدكتور الراحل الصديق علي كريم سعيد, حيث يقول في الصفحة ( 102) من مذكراته: [ دار بيننا حديث غير منظم، سادته حالة من التوتر، ولم يكن هناك أي شيء يمكن تسميته بمحاكمة، وكل كلام قيل أو يقال عن إنشاء هيئة حاكمتهم إنما هو نوع من التسفيط والتخيل (الخيال)... ].
ولقد بحثت هذا الموضوع بصورة تفصيلة في كتابي [ عبد الكريم قاسم في يومه الأخير- الانقلاب التاسع والثلاثون]. ولذا لا يمكننا المقارنة بين ما تم لقاسم من النية المسبقة لقتله وما بين المحاكمة الحالية التي تجري وفق القواعد القانونية حيث يمكن تطبيق نبوءة الجواهري الكبير عندما قال في قصيدة يوم الشهيد:
سُيحاسَبون، فإن عرتهم سكتةُ من خيفةٍ فستنطقُ الآثام
وهذا ما نراه في هذه المحاكمة حيث قوة الأدلة أدت إلى صمت المتهمين وحرف الموضوع الجنائي والتكلم عن أمور أخرى لا تمت لموضوع المحاكمة.. في حين كان قاسم يصرخ بوجوههم : نريد محاكمة ! فكانوا يتخوفون من ذلك. لكنه صرخ بوجوههم صرخته الأزلية : [ومع انهمار ذخيرة الموت انطلق صوت قاسم هاتفا بحياة الشعب] كما ذكر الفكيكي ذلك.


السؤال الرابع
حارب الكثير من الشخصيات والأحزاب في داخل العراق وخارجه ثورة تموز وقائدها قاسم بودنا أن نعرف ويعرف القراء من هي تلك الشخصيات والقوى وبالتحديد?

الجواب :
في البدء يجب التأكيد على أن موقف العداء لم يكن مطلقا ولم يكن على طول الخط لكل القوى التي حاربت قاسم وتموز.:
فمنهم من حارب قاسم وتموز منذ انطلاقها لأنهم تضرروا من فعل الثورة وصيرورتها وجردتهم من عناصر القوة والسلطة،
كما أن هناك قوى سارت في الشوط الأول مع الثورة ولكنها تناكبت مع القوى الماضوية وتلك المتضررة، على العداء للثورة ولنهجها وكذلك لقاسم ومنطلقا ته الفكرية والسياسية ولإدارته للصراع الاجتماعي وابتعدت أكثر فأكثر عن الثورة وهم الذين دخول التاريخ باعتبارهم قوى تقدمية واشتراكية عبر خطاب سياسي مفعم بالأمنية والشعاراتية. وعندما بدأت الثورة تطبق وتنجز إجراءات أعلى بكثير من سقفهم المطروح حزبيا.. أخذتهم العزة بالتخلف فراحوا يطرحون برامج غير واقعية ولا تمت لطبيعة الواقع العراق وبالتضاد من الظروف الموضوعية وحتى الذاتية ويحاولون تسفيه كل خطوة تخطوها حكومة قاسم.. فأخذت هذه القوى تبتعد وتعادي قاسم وتتهمه بشتى النعوت بحيث بات التناقض واضحاً بين موقفها العملي وخطابها السياسي / الحزبي..
وهناك أحزاب كانت مع الثورة وقاسم لكنها خضعت لضغوط قوى إقليمية والتي هي بالحقيقة ضد المصالح الاستراتيجية لهذه الأحزاب في افقها البعيد وتعاونت هذه الأحزاب مع الشيطان لتبرير موقفها غير السليم. وقد تميزت هذه القوى بصيغ ومفاهيم عطلت فيها واقع صيرورة التغيير التي كان يقودها قاسم..
وهنالك بعض القوى والأحزاب وقفت من قاسم وتموز الموقف الوسط.. هي مع تموز لكن بالضد من سياسة قاسم .
كما أن القوى الدينية( الإسلامية على وجه الخصوص) وقفت بشدة ضد توجهات الحكم وخاصة ما يتعلق بالإصلاح الزراعي وتلك القوانين المنظمة للأحوال الشخصية والإرث وما إلى غير ذلك.
ناهيك عن القوى الإقليمية والمراكز الرأسمالية التي حاولت استيعاب تموز وقاسم وعندما لم تفلح عملت بكل قواها وبشتى الأساليب من قتل قاسم وإيقاف مسيرة الثورة.. وهناك حالة نادرة تتمثل في أن كافة دول الجوار العراقي كانت بالضد من قاسم رغم اختلافاتها في الموقف والمصالح والإيديولوجية.
ومن الملفت للنظر أن منظومة القوى التي عادت قاسم، الداخلية والخارجية، كانت من الضخامة بمكان لم يصادفها العراق في كل تاريخه المعاصر, ولا أي نظام حكم حيث اجتمعت الأضداد المتناقضة واتحدت على هدف إسقاط حكمه والقضاء المادي والمعنوي عليه، نظرا لكليته وسعة موضوعه وعدم مهادنته وممارسته العضوية الفعالة لتغيير واقع العراق والمتسمة بالصدق العلمي والأخلاقي والصراحة والاستقامة. في الوقت نفسه عكست الزمر المؤتلفة ضده، واقعا سياسياً وفكرياً غاية في التعقيد والاستيعاب.. إذ كانت تتكون من عناصر متناقضة ولم تكن لها أهداف بعيدة عن العراق إلا مسألة قتل قاسم، شخصها حسن العلوي في كتابه (الشيعة والدولة القومية ص. 209) منهم على سبيل المثال: [ جمال عبد الناصر؛ كامل الجادرجي؛ محمد ألخالصي؛ ساطع الحصري؛ ميشيل عفلق؛ كميل شمعون؛ محمد محمود الصواف؛ فائق السامرائي؛ بيار الجميل؛ الشيخ عبد الله السالم الصباح؛ الملك سعود؛ الملك حسين؛ أكرم الحوراني؛ عبد الرحمن البزاز؛ وساهمت في الهجوم عليه مؤسسات صحفية وإذاعية عربية وأجنبية، فقد اشتركت اثنتان وخمسون جريدة يومية، وعشر مجلات عربية في نشر وتبني حملة دعائية موجهة ضد حكومة 14 تموز وخصصت ساعات بث إذاعي يومياً ضد ثورة تموز وسياسة عبد الكريم قاسم في إذاعات القاهرة؛ صوت العرب؛ الكويت؛ دمشق؛ بيروت؛ صوت أنقرة؛ صوت أمريكا؛ لندن؛ باريس؛ كرادي؛ طهران؛ عمان؛ الرياض؛ إسرائيل.
واشتركت أحزاب دينية وقومية، وحركات سياسية عربية كردية في نشاط متعدد الجوانب ضد حكومة عبد الكريم قاسم منها: حزب البعث، القوميون العرب، الأخوان المسلمون، الاتحاد الاشتراكي، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الكتائب اللبنانية، الوطنيون الأحرار اللبنانيون، حزب النجادة، المقاصد الإسلامية، الحركة الدينية في العراق. وخرجت الجامعة العربية لأول مرة عن تقاليدها فوقفت طرفاً ضد حكومة الثورة...) ويمكن للقائمة أن تطول لنظيف إليها من واقع عملية الصراع آنذاك، بعض رموز الحركة التركمانية ومشايخ العشائر العربية والكردية، وخاصةً الكبرى منها، وحتى بعض أجنحة اليسار العراقي والعربي. ويمكن أن نطلق على هذه القوى عنوان ( وحدة الأضداد). إنها، بالحساب البسيط، نقطة مضيئة لصالح عبد الكريم قاسم ونهجه ودلالة على أهميته ومشروعه ونجاحه في جمع شمل هذه المتناقضات؟!! التي (خلطت شعارات متناقضة، أحياناً لا يجمع بينها شيء سوى كونها شعارات بلا تعريف يشتبك فيها الحابل بالنابل بسبب مصادرها السقيمة والبائسة هي ذاتها...).

السؤال الخامس
ما هي الأسباب والدوافع التي جعلتك تهتم بل تختص بثورة تموز وقائدها ؟
الجواب:
علينا الإقرار في البدء على أن العظماء في التاريخ لا يظهرون عفوياً، بل طبقاً للضرورة التاريخية ذاتها، وذلك عندما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية في فترة التغيير الثوري الجذري، أي في مراحل الانعطاف والحقبات المهمة. علماً بأن هذا الفرد / القائد الموهوب لا يبرز إلا إذا كانت موهبته ضرورية للتاريخ, وكانت قدراته وطبعه وذكاؤه مطلوبة وضرورية للمجتمع ولمرحلة محددة.. والقائد هو المساهم بعمق في تغيير المجتمع ويساعد في إرساء أسس النظام الاجتماعي الأكثر تقدما وتطوراً وتستنبط شخصيته من قوة الحركة الاجتماعية التغييرية التي يعبر عنها ويتولى قيادتها.
وقد دللت الوقائع التاريخية والمستقاة من مختلف الشعوب، أن هناك نوعين من القادة:
منهم من يمثلون القوى الاجتماعية ويعبرون عن مطامحها؛
ومنهم من يساعدون في خلق هذه القوى وتهيأت مستلزمات تطورها
ومن هذين النموذجين يمكننا القول أن القائد هو من كان نتاجا للعملية التاريخية. وتأسيساً على ذلك واستقراء لعراق القرن العشرين وتغيراته الجذرية وللعوامل الذاتية والموهوبة التي تمتع بها قاسم والمتوائمة مع الضرورة التاريخية لواقع العراق آنذاك، تسمح لنا بالإقرار بما لا جدال فيه بأن:
عبد الكريم قاسم كان أحد أهم قادة عراق القرن العشرين، كما كان من أهم الشخصيات السياسية المؤثرة في مسارات العراق بغض النظر عن مدى تقاربنا منه أو ابتعادنا عنه، اتفقنا معه أو لم نتفق. وتتجلى هذه الميزة عندما نقارنه كذات سلوكية/ سياسية بالقيادات التي حكمت العراق المعاصر، ومقارنته بمعيار فعل التأسيس للجمهورية وأهميته، والذي لم يكن مجرد تغيير فوقي، بل غيّر من مواقع الطبقات الاجتماعية. بمعنى آخر خلق قاسم تاريخاً جديداً للعراق، إذا نظرنا للتاريخ ( عملية تغيير الإنسان لبيئته، وإنه حيثما لا يوجد تغيير فليس ثمة تاريخ ) كما قال هيغل.
إن التماثل بين هذه المقولة الهيغلية والماهيات الحقيقة لتموز/قاسم مستنبطة من التداخل والتفاعل الجدلي لعدة عناصر أراسية هي:
عمق مضمون عملية التغيير الجذري ذاتها؛
مكونات ومفردات برنامجه العملي والأهداف المبتغاة؛
طبيعة إدارته للحكم وكيفية حله للصراع الاجتماعي وتناقضاته الداخلية والخارجية؛
موقفه كوسيط في المجال الحيوي للعلاقات المتبادلة بين الطبقات؛
شرعيته السياسية المنبثقة من سعة التأييد للفئات الشعبية؛
من غائية التغيير المستهدف للطبقات والفئات الفقيرة؛
المنطلق الفكري المرتكز على قاعدة الحداثة؛
منطلقه من أولوية عراقية العراق دون التخندق فيه؛
من ممارسته العضوية المتخطية للواقع القائم والمتنافرة معه؛
من طبيعة التوافق والتطابق في مضمون خطابه السياسي وممارسته العضوية الفعالة.
هذه هي حقيقة تموز/ قاسم وهي حقيقة تاريخية نسبية، لأني مدرك أن الحدث التاريخي يخضع للمصالح، الفردية والجمعية، وللجذور الفكرية والفلسفية، الاجتماعية /الطبقية للفرد المتلقي أو المفكر. رغم ما تتمتع به الواقعة التاريخية من كونها ظاهرة مطلقة، لأنها موضوعية أي لها وجود مستقل مكاني وزماني. وهذا يصب في جوهر ماهية سؤالك الأخير.
ومما له صلة بواقع العراق الحالي وترابطاً بالصراع الاجتماعي القائم نقول أن قاسم أنطلق من معيارين أراسين هما:
فكرة الوحدة الوطنية العراقية وضرورتها؛
فكرة المساواتية الاجتماعية النسبية ودلالتها.
وبعض أوجه الصراع الحالي تدور في بعض جوانبها، من هاتين الفكرتين وما يتفرع منهما ويستنبط.، وكان هذان المعيارين يمثلان الهاجس المركزي الذي يحرك قاسم في إدارته للسلطة السياسية وفي مختلف حقول نشاطه ومساراته العملية. كما كان منطق قاسم منطق بناء يفصل الرئيسي عن الثانوي وذات استدلالات استنباطية تتيح استخلاص نتائج حقيقة، واتسمت أفكاره كأعماله، بالصدق والكثير من الموضوعية وبما يناسب واقع العراق آنذاك.. رغم شدة الصراع الاجتماعي ( الذي كان بعضه مصطنع ومبوصل) آنذاك وقد حاول قدر الامكان السيطرة على أوالية ( ميكانيزم) فعاليات الظواهر والحراك السياسي وكبج جماح اندفاعها بغية استكمال ما بدئه ضمن الرؤى الزمنية المنظورة دون الاعتماد على الإيديولوجيات الكبيرة.
ومن مسببات تخصصي بقاسم هي الجوانب الإنسانية والأخلاقية التي اتسم بها عند إدارته للسلطة, دمن قبيل: عفت اليد واللسان؛ خالص النية؛ ذا سريرة صادقة؛ حسن الطوية؛ الرأفة؛ النزاهة؛ الزهد في الحكم؛ التسامح؛ ما استرخص الكلمة والوعد؛ كان حليما ولم يدع للانتقام مكاناً في ذاته ( وهو الضابط- الأخصائي في العنف)؛ وأكثر من ذلك سن عرفا جديداً وهو ( عفا الله عما سلف) طوره لاحقاً إلى قاعدة قانونية وهي ( الرحمة فوق القانون).. وهي حجر الزاوية لكل دولة قانون, ويكمن فيهما بعدا اسانيا تحتاج إليه ألذات الفردية والجمعية لتطهير ذاتها.. كما نحتاج إليه اليوم أكثر من الأمس.

حاوره :مازن لطيف علي



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
- تموز14: الضرورة والماهية 4-4
- 14 تموز : الضرورة والماهية 3-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4
- 14 تموز.. الضرورة والماهية
- الزعيم قاسم و الجواهري ولقائهما الأول:
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 6-6
- دراسة عن حركة الضباطالأحرا ر 5-6
- دراسة في حركة الضباط الأحرار4-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 3-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6
- دراسة في حركة الضباط الاحرار في العراق
- النضوج والتكتل الغائي 1948-1958
- حركة الضباط الأحرار- التكوين والتكتل الغائي
- النواتات الأولى لحركة الضباط الأحرار
- 14 تموز.. ضرورات الواقع وتناقضاته
- 1- عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:
- مــن ماهيــات سيرة عيد الكريم قاسم
- في:الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن الماضي
- الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون