أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد الرديني - ميوشة تبيع الثلج في كراج النهضة














المزيد.....

ميوشة تبيع الثلج في كراج النهضة


محمد الرديني

الحوار المتمدن-العدد: 1615 - 2006 / 7 / 18 - 05:32
المحور: كتابات ساخرة
    


قررت "ميوشة" امس ان تشتغل بائعة ثلج في وسط بغداد. استيقظت صباحا، شربت كوبا من الشاي (الكسمين) ثم رسمت على وجهها مسحة عبوس ارادتها ان تكون صارمة وشدت عباءتها على وسطها واندفعت الى الخارج مسرعة.
"ميوشة" تعيش وحيدة منذ سنوات طويلة .. حين فقدت زوجها في حرب "البوابة الشرقية"وبالضبط في السنة الاولى لبداية الحرب مع ايران ووعدته بعد انوارته التراب ان لا احد يلمسها بعده .. وهكذا كان.

القت "ميوشة" نظرة اخيرة على غرفتها قبل ان تنطلق تماما الى الشارع العام وهي عادة درجت عليها كلما ارادت الخروج ولكن نظرة هذا اليوم اختلفت كثيرا ، كانت خائفة ان تكون هذه النظرة الاخيرة التي تلقيها على غرفتها هذا اليوم فربما لاتتمكن من العودة اليها مرة اخرى.. مرة اخرى يا " عش البلابل" - هكذا كانت تسمي غرفتها - حين كان زوجها على قيد الحياة.
قررت "ميوشة" ان تشتغل في بيع الثلج واختارت كراج " النهضة" مكانا لذلك.
سألوها جاراتها وهم يرونها حارجة مسرعة ليس كعادتها حاملة صندوقا حشبيا على رأسها: ماهذا الذي تفعلينه يا "ميوشة".
قالت وفي صوتها رنة تصميم وعناد غريبين قلما مر عليها من قبل:
- انا ذاهبة لابيع الثلج على العطاشى.
سألوها مرة اخرى
- ولماذا الثلج؟
قالت- لاني سمعت منذ ايام بعضهم يقول ان بيع الثلج حرام شرعا فالرسول لم يكن يشرب الماء " المثلج".
تأكد لعدد من الجيران ان "ميوشة" اصبحت مجنونة بشكل " رسمي". هكذا تهامسوا فيما بينهم. لم تعر"ميوشة" اهتماما يذكر لهمساتهم فقد كانت عازمة على بيع الثلج في كراج النهضة مهما كلف الامر.
اختارت "ميوشة" مكانا مرئيا في الكراج لتضع صندوقها الخشبي. وبعد ان اخذت نفسا عميقا تطلعت بالوجوه من حولها ثم فتحت الصندوق واخرجت قالبا صغيرا من الثلج ورشت عليه الملح وجلست تنتظر.
كان اشد ما يقلقها في تلك اللحظة ان يذوب هذا القالب الثلجي قبل ان يشتري منها احد ولكنها لم تخف سعادتها حين احست ان معظم ناس كراج النهضة رأوها ورأوا ثلجها.
ايقظتها امرأة تحمل طفلها من شرودها حيث سمعتها تطلب ماء باردا لطفلها الذي كان يبدو اه يصرخ من شدة العطش. هدأ الطفل قليلا بعد ان مللت امه ريقه بالماء ثم دعته يشرب كل ما في الكوب.
قالت المرأة:
- لم ارك هنا من قبل.
- نعم اني هنا لمرة الاولى
- واين كنت تبيعين الثلج من قبل
- وهذه ايضا هي المرة الاولى التي ابيع بها الثلج هنا
- ولماذا اخترت بيع الثلج
جرت "ميوشة" نفسا طويلا قبل ان تقول بيأس:
- لاني زعلانة
- زعلانة؟؟
سألت المرأة بدهشة
صاحت "ميوشة" :
- نعم زعلانة ... انت امرأة مثلي وتفهمين نعم انا زعلانة من هؤلاء القوم، انهم يريدون منا ان نعود الى الف سنة الى الوراء.. يريدون منا ان نعيش كما كان اسلافنا. يقولون ان بيع الثلج حرام لانالرسول والصحابة لم يعرفوا الثلج ولا الماء البارد... اين وصل الغباء بهؤلاء الناس.. غدا سيقولون بعد ان تصل الكهرباء الى كل بيوت العراقيين ان مكيف التبريد حرام لانه لم يكن معروفا قبل الف سنة وتأتي بعد ذلك قائمة طويلة من المحرمات: الجمال تحل محل السيارة والتنور محل طباخ الغاز والمايكرويف وسوالف "الديوانية" محل الراديو.
- ......
- لا اريدك ان تقولي شيئا، انا اعرف ان ذلك صعب الفهم ولكني ماذا افعل، هكذا اجبرني عقلي ووضع امامي العديد من الاسئلة التي لاجواب عليها.. والسؤال الكبير جدا الذي يمكن ان يجوي كل الاسئلة الاخري هو .. لماذا يفعلون بنا مايفعلوه؟ أمن اجل حفنة من الدولارات يقتلون كل هؤلاء الابرياء، من قال عنهم "مقاومة شريفة"؟ لم اسمع "هلهولة" من امرأة في محلتنا منذ زمن طويل.
بكت "ميوشة" ، وضعت راسها بين راحتيها واخذت تنتحب ومن بين دموعها كانت تقول:
- لماذا باع بعض العراقيين ضمائرهم للشيطان... كل دولارات العالم لاتساوي حفنة تراب من جبل حمرين ولا جرة ماء من عين "علي بيك" ولا ورقة فسيلة من نخلات ابو الخصيب.
لماذا قتلتم ضمائركم ايها السادة؟؟
رفعت "ميوشة" رأسها لترى ان الام قد اختفت وقالب الثلج قد ذاب وسال ماؤه على جوانب الصندوق الخشبي.
نهضت "ميوشة" متثاقلة وحملت صندوقها وهي تمسح دموعها عائدة الى "عش البلابل".



#محمد_الرديني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميوشة تكتشف عذاب القبر
- اين هذا (الجن) من ذاك الجنون؟
- ميوشة تعتكف عن اللطم
- ميوشة تسأل في عيد ميلادها
- بعبع المخابرات
- هذا العصفور لا احبه
- الى محكمة العدل الدولية.... اني طالق ،طالق، طالق
- قاتل الله الجاجيك
- رسالة غير مكتوبة الى رب العزة


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد الرديني - ميوشة تبيع الثلج في كراج النهضة