أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - أسعد الخفاجي - الإصلاح الجامعي في العراق الجديد















المزيد.....



الإصلاح الجامعي في العراق الجديد


أسعد الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 1612 - 2006 / 7 / 15 - 10:33
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي في العراق ، كليات عديدة ، للطب والهندسة والعلوم والآداب والحقوق والزراعة والتجارة. وفي عام 1959 إنضوت تلك الكليات ، الكائنة جميعاً في العاصمة ، تحت مظلة أول جامعة عراقية ، سميت بجامعة بغداد. وكان لرئيس الجامعة في حينها مستوى رفيع ، من الاستقلالية في صنع القرارات ، المتعلقة بسياسة التعليم العالي ، حظي بدرجة وظيفية تعادل منصب الوزير. وآذن إستيلاء حزب البعث الصدامي ، على السلطة السياسية في العراق عام 1963 ، لحقبة سوداء شملت جميع جوانب الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ، الأمر الذي مهد الطريق للعهد البعثي الصدامي ، الذي عانى من وطئته العراقيون ، لأربعة عقود عجاف. في خلال ذلك العهد المظلم ، تدهورت جامعة بغداد ، شأنها في ذلك شأن معظم المؤسسات العلمية والتربوية والثقافية في البلاد. في ذلك العهد الذي فاق عهد الإحتلال المغولي بجبروته وظلمه وإضطهاده ، عانى التعليم العالي كثيراً من المصاعب ، وأُستهدفت الكوادر التدريسية النزيهة والكفؤة ، وكممت أفواه الطلبة المتنورين. وسادت الأجواءَ الجامعية حملةُ ترهيب بوليسية ، راح ضحيتها آلاف الأساتذة والطلاب ، ممن عارضوا الفكر التسلطي الشوفيني الطائفي ، الذي كان يحكم عقلية الإدارت المهيمنة على الجامعات. ومنذ عام 1970 ألحق قطاع التعليم العالي بجميع مفاصله التدريسية والإدارية ، بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، فاقدًا بذلك آخر بقايا الاستقلال الأكاديمي ، الذي كان يتمتع به قبل قرار الإلحاق. وهكذا خضع هذا القطاع كلياً لسيطرة الحكومة المركزية. وأُستثنيت من تلك السيطرة المؤسسات البحثية ذات الإهتمامات والأهداف الإستراتيجية الخاصة ، التي كانت تقوم في الوقت نفسه ، بوظيفة إعداد وتطوير وتدريب الموارد البشرية المتخصصة ، التي تحتاجها السلطة في مجالات التسليح حصراً. وقد أنيطت بتلك المؤسسات المرتبطة مباشرة بما يطلق عليه آنذاك مجلس قيادة الثورة.

يلبي قطاع التعليم العالي في المجتمعات الحديثة ، كما هو معروف ، متطلبات أساسية تصب في خدمة المجتمع ، عبر الجهود التي يقدمها لنشر وترسيخ أركان المعرفة العلمية والتكنولوجية ، بشقيها النظري والعملي (التطبيقي) ، وتوظيفها لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية أساسية ، في إطار التعاون والتفاعل الحيوي المتبادل ، مع قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والصحة والتربية ، وغيرها من قطاعات الدولة المختلفة ، من خلال رفدها بالموارد البشرية المؤهلة ، والقيام بالأبحاث العلمية والتكنولوجية ذات الطبيعة الاستراتيجية. من ناحية أخرى ، يتطلب التعليم العالي كجهاز ، لكي يستطيع النهوض بواجباته ، توفر ركيزتين أساسيتين:

الأولى - وتشمل الموارد البشرية والمادية ، كالتخطيط والرقابة والموارد المالية الثابتة ، وتوفير الكادر التدريسي ، وإعداده وتأهيله في داخل وخارج العراق ، بالإضافة إلى حوافز التطوير الأكاديمي والبحث العلمي ، وتوفير الخدمات والموارد ، التي تشمل البرامج ، والأبنية ، والمختبرات ، والمكتبات ووسائط النقل.

الثانية - وتتعلق بالاستقرار المادي والنفسي للدارسين ، والهيئة التدريسية ، والإداريين على حد سواء. وهذا يستلزم بالضرورة ، ضمان حرية المجتمع الأكاديمي (المؤلف من الهيئة التدريسية ، والفنيين المساعدين ، والطلاب ، والجهاز الإداري) ، وسيادة المناخ الديمقراطي المستقل فيه. ونعني بذلك استقلال مؤسسات التعليم العالي عن الدولة ، وغيرها من ركائز المجتمع المهيمنة والمتداخلة ، وضمان حرية صنع القرارات المتعلقة بسير العمل الداخلي فيها ، وبماليتها ، وإدارتها، وإقرار سياساتها في التعليم والبحث العلمي ، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة. أما الحرية الأكاديمية فتعني حرية أعضاء الهيئة التدريسية والدارسين ، فرديًا أو جماعياً ، في متابعة المعرفة وتطويرها وتحويلها ، من خلال البحث والدراسة والمناقشة والتوثيق والإنتاج والخلق والتدريس وإلقاء المحاضرات والكتابة والتأليف والنشر.

نعلم أن التعليم العالي كجهاز ، وسياسة ، وقيادة ، قد فشل فشلاً ذريعاًً في أداء رسالته الأساسية المنوطة به ، من قبل الدولة والمجتمع. ويمكن إرجاع ذلك الفشل إلى نوعين من العوامل والمسببات الأساسية ، أولها العوامل الموضوعية (الخارجية) ، المتمثلة في هيمنة سياسة الحزب الواحد التوتالتارية ، المعادية لكل ما هو مفيد للتطور الإجتماعي. تلك السياسة التي أدت إلى إنعدام حالات التخطيط العلمي السليم ، وعدم منح المجتمع الأكاديمي القدر الكافي من الحرية في التعليم والتعلم والبحث العلمي والأداء الإداري. كذلك تسببت في افتقار الموارد الضرورية لتطوير المناهج والأساليب والوسائل التعليمية ، بما يتلاءم ومتطلبات العصر الحاضر. والعوامل الأخرى هي عوامل ذاتية (داخلية) ، مشتقة من الأولى. وكانت بتوجيه مباشر من السلطة البيروقراطية ، وتتلخص بتنصيب قيادات جامعية ضحلة أكاديمياً ، تتميز بإنخفاض المستوى العلمي والقيادي لأعضاء المجتمع الأكاديمي ، الذي كان أقل من الحد الأدنى المطلوب لتحريك وإدامة العملية التعليمية. لقد تبوأت العناصر الحزبية والنفعية والبراغماتية ، الجاهلة أو نصف الأمية ، جميع المناصب العلمية الأساسية في الجامعات. ومعروف أن تلك العناصر كانت تفتقر لوضوح الرؤيا الأكاديمية الشفافة ، لتحدرها من شرائح إجتماعية ، ذات مستويات ثقافية متواضعة ، وتغلب عليها الثقافة العشائرية الساذجة.

لقد أدت سياسة النظام البعثي البيروقراطية الخاطئة ، بالتعليم العالي ، شأنه شأن كل المؤسسات والنشاطات الاجتماعية والثقافية ، إلى تدهور تدريجي ، وفقدان الرغبة في مواكبة التطور التعليمي العالمي ، والإلتفاف على الحتمية التأريخية لعصر تقنية المعلومات ، والثورة الثقافية العالمية في العلوم والتكنلوجيا. وأدت هذه الحال إلى تدني المستوى العلمي للتعليم العالي العراقي ، وإلى تسرب الكوادر التدريسية الكفؤة ذات الاختصاصات الحيوية ، كالطب والعلوم والهندسة والاقتصاد. لقد هجر الجامعات جزءٌ من هذه الكوادر ، ليعمل بأجور أفضل خارج المؤسسة الجامعية ، أو خارج المؤسسات الحكومية ، وهرب الجزء الأكبر منه إلى خارج البلاد ، ليحصل على فرص عمل أفضل ، ناهيك عن ظروف الحياة الأكرم بعيداً عن النظام العراقي. في الوقت نفسه ، أحجمت أجهزة الدولة عن إرسال الطلبة ، في بعثات علمية تخصصية ، إلى الجامعات الأوربية والأمريكية ، لتعويض المفقود من أعضاء الهيئة التدريسية. على الضد من ذلك ، راحت العناصر الحزبية المهيمنة على العملية التعليمية برمتها ، تقضي على التقاليد والمعايير والمبادئ الأكاديمية العتيدة التي كان العراق ، يتميز بها لحد السبعينيات. وبما أن الحزب المهيمن كان معروفاً بإفتقاره إلى عناصر مثقفة ومتعلمة ، وبالأخص الخريجين من حملة الشهادات العالية ، الممنوحة من جامعات عالمية ، فقد بدأت الإدارات الجامعية ، وهي من قادة الحزب الحاكم ، بزج حملة الشهادات الجامعية الأولية (البكالوريوس) ، كأعضاء في الهيئة التدريسية. ولم تتردد في تعيين البعض منهم ، من الكوادر الحزبية المتقدمة ، بوظائف رؤساء أقسام علمية. وصادف أن كان رئيس قسم الدراسات العليا ، لإحدى الجامعات العراقية ، حاملاً شهادة الماجستير ، حصل عليها من نفس القسم ، في العام نفسه. وقد أختير كاتب السطور ، رئيساً للجنة الإمتحانية لأحد طلبة الدكتوراه في القسم المذكور!. الحقيقة أن الحزبيين من المهيمنين على التعليم العالي ، ومعظمهم كان ضعيفاً علمياً ، ولا يتمتع إلا بشهادات "النضال" الحزبي ، غضوا النظر ، عن العمل بموجب التقاليد والقواعد الجامعية الرصينة. لقد حصل إنقطاع بل مقاطعة للجامعات العالمية في أوربا وأمريكا ، طيلة إستيلاء الحزب الحاكم على مقاليد السلطة ، ومنها التحكم في عملية التعليم. وكانت المبررات التي نسمعها منهم واهية ، وتدور كلها حول "الحصانة" الأمنية. نتيجة ذلك توقفت عملية التنسيق مع جميع الجامعات الأجنبية ، في مجال تقييم البحوث الأكاديمية ، كبحوث الدراسات العليا ، وترقية أعضاء الهيئة التدريسية. اللهم عدا بعض العلاقات السطحية البروتوكولية ، مع جامعات أوربا الشرقية ، بهدف الترويح عن الكوادر والطلبة من أعضاء الحزب ، وللحصول على "نو هاو" ، وتقنيات ومعدات وأجهزة متطورة ، للأغراض العسكرية التسليحية حصراً. الأمر الذي إنتهى بتدهور التعليم العالي وأفقده السمعة الأكاديمية الجيدة ، التي كان يتمتع بها ، على الصعيدين الإقليمي والدولي. كل تلك العوامل أدت إلى سحب الجامعات العالمية المعروفة ، إعترافها بالشهادات العراقية ، في عهود لم تشهد تسلطاً بعثياً.

ومن أبرز ظواهر التسييس القسري ، لقطاع التعليم العالي في ظل النظام السابق ، التدخل الحكومي السافر في عملية قبول الطلبة في الجامعات. ففي بداية كل عام دراسي ، تتسلم عمادات الكليات العراقية من "القيادة" ، أربع قوائم بأسماء الطلبة المقبولين في الجامعات ، في خلال أربع فترات زمنية متتابعة. تتضمن القائمة الأولى أسماء الطلبة المقبولين دون شروط!. وتشمل الطلاب الذين يتميزون بصفة "ابن أو بنت وزير أو قيادي في الحزب". هؤلاء يُعفون عادة من كل شروط القبول العلمية والشخصية!. وتضم القائمة الثانية ، الواردة من القيادة القومية لحزب البعث ، أسماء الطلبة الأجانب "المتعاونين" مع نظام صدام. ولا تنطبق على هؤلاء ، ومعظمهم من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان واليمن ومصر والسودان ، سوى بعض الشروط الأكاديمية الشكلية المتواضعة. وتتألف القائمة الثالثة من الطلبة العراقيين ، المرشحين من قبل "إتحاد الطلبة البعثي" ، وهم من المستويات الحزبية المتقدمة ، والمستويات العلمية الواطئة (أي من 50% فما فوق). أما ماتبقى من المقاعد (ويقدر عادة بنسبة 30% من مجمل المقاعد المتوفرة) ، فيوزع على الطلاب والطالبات من عامة الناس ، بإسلوب (الإنسيابية) سئ الصيت ، إستناداً إلى الواسطات ، ثم العلاقات الشخصية ، ثم أخيراً المعدلات والإستحقاق العلمي. ويخضع طلاب القائمة الأخيرة ، إلى أقسى وأصعب الشروط الأكاديمية ، والسياسية ، مثل التعهد بالإنتماء إلى الحزب القائد ، والإتحاد الطلابي الرسمي ، وغير ذلك من الشروط الصعبة. ومن الطريف في الأمر أن طلاباً "في آي بي" من القائمة الأولى ، مثل عدي صدام حسين ومحمد ميشيل عفلق ، وأولاد القادة المعروفين ، تخرجوا في كليات الطب ، والهندسة ، والعلوم ، والقانون ، دون أن يعرفوا حتى موقع بنايات تلك الكليات ، التي تخرجوا منها ، وبتقدير "إمتياز"!. إضافة إلى ذلك ، عُدّت عمليات الملاحقة وإلقاء القبض ، والفصل والسجن والإختطاف والإعدام ، التي طالت العديد من الطلبة والأساتذة ، كل يوم وكل ساعة ، بحجة الانتماء إلى طوائف سياسية ودينية وأثنيات لم يحبذها النظام ، من أهم أسباب الخراب النفسي والعلمي والمادي الذي لحق العملية التعليمية ، وأصاب كبد المجتمع الأكاديمي في الصميم.

بعد هزيمة النظام الصدامي في التاسع من نيسان عام 2003 ، من قبل أحزاب المعارضة العراقية ، وبإسناد عسكري من قبل القوات المتعددة الجنسيات ، بات من الضروري البحث عن سبل ، لإخراج قطاع التعليم العالي ، من دائرة الفشل المزمن الذي آل إليها ، تحت أتون حكم البعث الجائر طيلة الأربعين عاماً الماضية. ومن الجدير بالقول ، أنه يمكن إشتقاق عناصر الإصلاح المطلوبة للتعليم العالي ، من رحم ظروف وأسباب الفشل السابق نفسه. ومن الطريف ذكره في هذا المجال ، إقتراح أحد المعنيين بأمور التعليم ، سبق أن قدمه إلى الحكومة الجديدة ، يدعو إلى عكس اتجاه كل إجراء قام به النظام السابق في مجال التعليم العالي ، حينئذ سوف يشهد العراق ، أعظم عملية إصلاح جامعي أكاديمي في التأريخ! ونعتقد أن هناك في هذه الطرفة الكثير من عناصر الحقيقة. والواقع يمكن إعتبار كل ما قام به حزب البعث ، خلال "إحتلاله" وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، من إجراءات وسياقات ، خطيئة كبرى ، ذات مفعول قاتل على العملية التعليمية برمتها. ونستشهد في هذا السياق بخطوة النظام التعسفية ، عندما قام "بتأميم" جامعة الحكمة ، وكانت كلية أهلية ذات مستوى تعليمي نموذجي. أو إلحاق كلية بغداد ، تلك الثانوية النموذجية ، بأجهزة السلطة ، وأخيراً جعلها تابعة للجنة الرياضية برئاسة الجاهل عدي نجل الطاغية. من ناحية أخرى ، ماهو الهدف من تحريم علاقات التعاون الأكاديمي ، بين الجامعات العراقية ، والجامعات الأجنبية ، الأمر الذي تسبب في حرمان التعليم العالي تمامًا من الإستفادة ، من الخبرات العالمية ، في مجال إعداد المناهج والبحوث العلمية ، والإيفادات والبعثات والنشر والمشاركة في المؤتمرات والندوات الأكاديمية؟ ثم ما الحكمة في منع الأساتذة من السفر إلى الخارج ، في أثناء عطلهم الصيفية للراحة والاستجمام؟ أو حرمان الخريجين من إدامة العلاقات الأكاديمية ، مع جامعاتهم التي تخرجوا منها في أوربا وأمريكا؟ وما الداعي لتوقف استيراد الكتب ، والمعدات التدريسية المحدثة سنويًا ، والكومبيوترات ، وغير ذلك من المستلزمات الدراسية المتطورة ، في الوقت الذي استمر فيه استيراد أنواع الماكياج باهظة الثمن ، والعطور النفيسة ، والساعات الثمينة ، والملابس الفاخرة ، والمرمر الإيطالي للقصور الرئاسية ، والطائرات والصواريخ "عابرة القارات" وكل أنواع الأسلحة الفتاكة كالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية ، والمعدات النووية ، ومعدات التجسس والتصنت على المواطنين ، وأخيراً وليس آخراً ، إستيراد ونصب العديد من المعدات الحديثة المستخدمة في تعذيب الأفراد.

لقد نشرت وسائل الإعلام ، بعد سقوط العهد الدكتاتوري ، العديد من الدراسات القيمة لأكاديميين مرموقين ، ضمّنوها وجهات نظر صائبة في حقل الإصلاح الجامعي. ونحيي تشكيل لجنة وزارية من ذوي الإختصاص ، لإعادة النظر في مستوى المناهج الدراسية ، وغير ذلك من الأمور التي تخص قطاع التعليم العالي. ونود المشاركة بتواضع عبر هذه السطور ، راسمين فيما يأتي حسب تصورنا الخطوط العريضة ، لأهم مستلزمات الإصلاح الجذري لقطاع التعليم العالي في العراق الجديد:

(1) - لا تتوفر لدينا إحصائيات حديثة موثقة عن توزيع الجامعات العراقية حسب المحافظات. وإذا إستثنينا العاصمة بغداد ، التي تمتلك ، حالياً على الأقل ، عدداً كافياً من الجامعات ، فإننا نجد نقصاً خطيراً في عددها ونوعيتها في المحافظات الأخرى. إن الكليات والمعاهد المتخصصة العالية ، هي المؤسسات التي ترفد البنية التحتية للصناعة والزراعة والطب ، والمجتمع ، بحاجتها من الموارد البشرية المتخصصة. ومن حق المحافظات ضمان حق التعليم والتخصص لأبنائها وبناتها ، على قدم المساواة مع العاصمة!. نعلم أنه أمر طبيعي أن يسجل طالب ساكن في محافظة البصرة ، مثلاً ، في جامعة الموصل ، أو العكس ، كما هو معمول به في سائر البلدان الأوربية وفي الولايات المتحدة. لكن ظروف بلادنا تختلف لأسباب فنية عديدة ، منها تدهور البنى التحتية للإقتصاد ، والنقل والسكن أحد فروعه ، مما يجعل حياة الطلاب الذين يدرسون في جامعات بعيدة صعبة جداً. والحقيقة أن الجامعات العراقية عاجزة تماماً ، في مضاهاة نظيراتها الأوربية ، فيما يخص توفير السكن والغذاء ووسائل الراحة والترفيه ، بشكل مناسب ومقبول للطلاب الدارسين فيها. لذلك ينبغي السعي إلى توزيع الجامعات توزيعاً جغرافياً عادلاً ، بين المحافظات لضمان نجاح العملية التعليمية.

(2) - كما أشرنا سابقاً فأن سياسة القبول في الجامعات العراقية كانت في ظل النظام السابق مجحفة بحق أغلبية الدارسين ، من حيث غياب العدالة. ونقترح للمستقبل التوقف بالعمل بمبدأ الإنسيابية ، وأن يصبح القبول لامركزياً! أي بمعنى: طلبة الموصل يقدمون لجامعات الموصل ، وطلبة السليمانية يقدمون لجامعات السليمانية ، وطلبة النجف يقدمون لجامعات النجف ، وطلبة بغداد يقدمون لجامعات بغداد ، وهكذا. ونفترض في ذلك بالطبع تحقيق ماذُكر في فقرة توزيع الجامعات توزيعاً عادلاً على عموم أرجاء العراق. وتكون الأولوية في القبول في جامعات محافظة ما ، لطلبة تلك المحافظة حصراً ، وبموجب ضوابط المعدلات والمؤهلات الفنية الأخرى. وإذا زادت المقاعد عن حاجتهم ، يمكن فتح الباب للمتقدمين للدراسة فيها ، من طلبة المحافظات المجاورة الأقرب ثم الأقرب. كذلك أن يكون التقديم من قبل الطالب أو الطالبة مباشرة إلى القسم المطلوب. ولابأس أن يكون للطلبة عدة ملفات تقديم في أكثر من قسم وكلية وجامعة ، وبعد إعلان النتائج يكون القرار للطلبة أنفسهم أي قسم يفضلون.

(3) - تدهور مستوى التعليم العالي ، منذ هيمنة الصداميين على وزارة التعليم العالي ، وجعل العمل فيها حكراً على المتعاونين معهم. لقد بنى صدام بين العراق وبين العالم المتطور سور الصين. فمنع الأساتذة من السفر. وجعل البعثات العلمية والإيفادات أدوات ضغط وموازنة ، بيد الحزب المهيمن لغرض الكسب الحزبي الرخيص. ومنع جميع وسائل الإتصال العلمي والمعلوماتي والتكنلوجي ، بين الخريجين والطلبة العراقيين وبين أقرانهم في الخارج. ومنذ السبعينيات توقف إستيراد الكتب العلمية ، ومُنِعَت الكتب الثقافية الأخرى من الدخول إلى البلاد ، وإفتقرت الجامعات إلى الكومبيوترات ، والمختبرات الحديثة التي تعتمد على الكومبيوتر ، والمجلات المتخصصة. وتوقفت تماما عملية البحث العلمي المعاصر ، والنشر في المجلات الأجنبية. وكفت البلدان الأخرى عن الإعتراف بالشهادات الممنوحة في العراق ، لسوء سمعة التدريس في الجامعات الصدامية. والمطلوب لغرض تحسين مستويات التعليم العالي في العراق ، تطوير المناهج بما يتناسب والتطور الحاصل فيها على المستوى العالمي ، وذلك بتعزيز التعاون مع جامعات العالم في شتى الميادين العلمية والمثدلوجية. وينبغي عقد الإتفاقيات الثنائية معها ، في مضمار تطوير وتحديث المناهج والخطط الدراسية. وقد يستلزم ذلك الإستعانة بالكوادر الجامعية المغتربة ، التي كانت على تواصل مستمر مع الجامعات خلال إغترابها ، والإستفادة من مقترحاتها وتجاربها في هذا المجال. عليه يجب تغيير هذه الأوضاع المتردية ، التي أصابت التعليم العالي في أسرع وقت ممكن. كما ينبغي إعادة فتح باب إستيراد الكتب والمجلات والدوريات والكومبيوترات والمختبرات الحديثة وغير ذلك من الوسائل التعليمية العصرية.

(4) - لم تعرف الجامعات العراقية ، طيلة عقود مفردات ، الحرية الأكاديمية ، مثل إنتخاب اللجان الطلابية المستقلة ، أو التعبير السلمي عن الفكر ، أو الإضراب ، أو حرية النقاش والنقد والتحليل أثناء العملية التعليمية. وقد حوّل نظام الحزب الواحد ، الجامعات إلى معسكرات حزبية مغلقة ، يملأ أنحاءها جيش من عملاء الأمن والمخابرات! وأغرق المناهج بدروس عن سيرة الدكتاتور ، أسماها زوراً وبهتاناً "الثقافة القومية" أو "سيرة القائد صدام" ، وغيرها من المواضيع الضحلة ، التي تدعو للفكر القومي الشوفيني ، وتربي الطلبة على التفكير الشوفيني والرجعي والطائفي ، وعلى عبادة الفرد ، وتمجيد المجرمين بحق الأمة والشعب. وإحتل مراكز رؤساء الجامعات ، وعمداء الكليات ، ورؤساء الأقسام ، أعضاء في الحزب الصدامي حصراً. وقد حول هؤلاء القادة البعثيون الجامعات ، إلى معتقلات ، ومراكز إستجواب ، وغرف تعذيب ، ومنابر للدعاية الصدامية ، ومعاداة الأفكار الحرة النزيهة. المطلوب من الحكومة الجديدة أن تبعد الجامعات ، عن دوائر تأثيرات الأحزاب والميليشيات ، والكتل السياسية أياً كانت ، لغرض تحصين وحماية الحياة الجامعية الأكاديمية الحرة والمستقلة من أي نفوذ سلبي. في الوقت نفسه ، ينبغي أن تعترف الجامعات باللجان الطلابية ، المنتخبة بصورة حرة ونزيهة ، بعيداً عن أي تدخل خارجي ، سواء أكان حكومياً أو حزبياً أو دينياً. ويجوز أن يتمتع الطلبة بحرياتهم الأساية ، التي كفلها لهم الدستور ، في إنتخاب ممثليهم في منظمات المجتمع المدني ، للدفاع عن حقوقهم الأكاديمية والمهنية والمعيشية داخل الجامعة وخارجها. كذلك يحق للطلبة الإضراب عن الدراسة ، أو التظاهر ، أو الإعتصام ، حول مطالب أكاديمية بحتة محددة ، لا تخرج عن نطاق الجامعة. ويجب أن تكون تلك النشاطات ذات أسلوب سلمي متحضر. ويحق للطلبة إرتداء مايشاؤن من ملابس ، على أن تراعي الذوق العام ولاتخرج عن القيم الإجتماعية المعروفة. ويمكنهم رفع بوسترات وتوزيع منشورات ، لا تخرج مضامينها عن الحياة والعلاقات الجامعية ، ولا تدعو بأي حال من الأحوال إلى العنف ، أو الكراهية ، أو تسفيه وتكفير وتسقيط الآخرين.


(5) - يُعد أسلوب الإنتخاب عن طريق الإقتراع السري ، أفضل طريقة لتعيين رؤساء الأقسام العلمية الحديثة ، وكذلك كافة المناصب العلمية والإدارية في مؤسسات التعليم العالي. ومن الجدير بالذكر ، أن عملية الإنتخاب هي الأسلوب المتبع حالياً ، ومنذ عقود ، في كافة الجامعات الأمريكية والأوربية ، لدى إختيار المسؤولين الأكاديميين مثل رؤساء الأقسام ورؤساء الهيئات واللجان العلمية والبحثية وغيرهم. و يجب ألا يُستثنى أحد من التمتع ، بحق الترشيح إلى جميع المناصب الأكاديمية ، دون تمييز من ناحية القومية ، والدين ، والطائفة ، والفكر ، والجنس. إن الزملاء والزميلات العاملين في الجامعات ، هم الوحيدون الذين يستطيعون إختيار الأصلح والأكفأ لقيادة مؤسسة أكاديمية ، لذلك ينبغي التعود على تقاليد إنتخاب رؤساء الأقسام الأكاديمية من بين المسؤولين الأكاديميين. والمعروف أن نظام صدام القمعي البوليسي ، كان يشترط في رؤساء الأقسام الأكاديمية الموالاة التامة لصدام وعائلته ، والإنصياع الكامل لسياسة الحزب الحاكم ، بغض النظر عن القابلية القيادية والكفاءة العلمية ، حتى أن بعض الجامعات في عهد صدام ، قد شهدت رؤساء أقسام من الرفاق الذين يحملون بشهادة جامعية أولية ، لكنهم يتبوأون مناصب ودرجات حزبية متقدمة.

(6) - قامت سياسة البعثات والإيفادات الدراسية ، تحت النظام الصدامي ، على نفس الأسس المجحفة المعتادة ، التي شملت كل جوانب المجتمع العراقي. لقد تمثلت تلك السياسة المجحفة ، في الشروط التعجيزية ، التي فرضها المسؤولون ، على الطلبة المتقدمين للبعثات والزمالات. كان أول تلك الشروط الإنتماء للحزب الصدامي ، بالإضافة إلى شروط الحسب والنسب والطائفة والقومية. ونتج عن ممارسة تلك السياسة لأربعة عقود ، من حكم الحزب الصدامي ، أن تراكمت القيادات الصدامية في كل مكان ، وإحتلت جميع المناصب والمسؤوليات ، بما فيها مناصب قطاع التعليم العالي. ولأجل إصلاح التعليم العالي ، يتحتم على المسؤولين في العراق الجديد ، مراعاة التنوع الفكري والطائفي والقومي والديني ، في المتقدمين للبعثات الدراسية. ولغرض رفع الحيف عن ملايين العراقيين ، الذين حُرم أبناؤهم وبناتهم ، من التمتع بالبعثات تحت حكم صدام ، ينبغي تصحيح هذه الأوضاع ، والإبتعاد كلياً ، عن إستحواذ الحكام ومؤيديهم ، على جميع مقاعد البعثات والزمالات والإيفادات الدراسية. يجب أن تكون دائرة البعثات نظيفة ، من بقايا النظام الصدامي ، على جميع مستويات تلك الدائرة الحساسة. ويجب أن يزج في تلك الدائرة ، أشخاص بعيدون عن تلويثات العهد السابق.


(7) - تجاوزت نسبة تسرب أعضاء الهيئة التدريسية ، في عهد صدام ، الخمسين في المئة. ولاشك أن أهم أسباب ذلك التسرب ، وهجرة الكفاءات إلى الخارج ، هو السبب المادي. ناهيك عن الأسباب السياسية القمعية الأخرى ، التي كان لها دور مؤثر في هجرة الأساتذة. ولدى إلقاء نظرة سريعة على سلم الرواتب لأعضاء الأساتذة في المنطقة ، نجد راتب الأستاذ العراقي في القعر. وبينما يقبض الدكتور الخليجي مايعادل 2000 (ألفي) دولار شهرياً لقاء تدريسه 6 إلى 12 حصة بالإسبوع ، نجد راتب زميله العراقي لايتجاوز 4 (أربعة) دولارات في الشهر ، تحت نظام صدام ، و 100 (مئة) إلى 200 (مئتي) دولار بعد سقوط النظام. ومهما ضغطنا على الأستاذ العراقي لكي يتجرد من الماديات ، فلا يجوز إجباره على العيش في مستوى ، أقل بعشر مرات ، من نظيره الخليجي. ولايجب التحفظ على مشروعية طموح الأستاذ العراقي ، في توفير مستويات معيشية ودراسية لائقة لأطفاله وعائلته. وإذا إفترضنا تجاوب الأستاذ الجامعي مع التوجه الأكاديمي الجديد ، الذي يتطلب التحليق في آفاق فسيحة ، من التطور العلمي والتقني ، مما يستلزم من الأستاذ أن ينفق على تطوير إمكانياته العلمية ، ومهاراته التدريسية من خلال السفرات العلمية ، والإيفادات للمشاركة في المؤتمرات العالمية ، وإقتناء الوسائل المساعدة ، كالكومبيوترات والكتب والأدوات ، والإشتراك في المجلات االعلمية الحديثة.

وقد أفلح النظام السابق في عزل وإبعاد كل العناصر الجامعية الكفؤة ، المناوئة والمعارضة للخط السياسي الصدامي، عن المشاركة في العملية التعليمية ، إما بتصفيتها جسديًا، أو بنفيها إلى الخارج ، أو نقلها إلى قطاعات لاشأن لها بالتعليم ، مما جعل هذا القطاع الحيوي من المجتمع ، بعد تغيير النظام ، خاويًا وخاليًا من أية خطة طارئة للعمل ، بغض النظر عن صدقيتها أو فاعليتها. يتعين على الحكومات الجديدة ، أن تنظر إلى التعليم العالي ، كونه من المجالات الحيوية التي يتقدم بها المجتمع ، وتزدهر البلاد اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وتلكم هي من أهم وأخطر مسؤوليات العهد الجديد.

(8) - يُعد إزدهار الحياة الثقافية داخل الجامعات ، من أساسيات التعليم العالي المتطور. فالرياضة والفنون والثقافة ، هي عناصر أساسية مكملة للتعليم العالي الحديث ، هي الحصانة الأكيدة للطلبة ، ضد الإهتمامات غير المفيدة ، والظواهر الإجتماعية الضارة ، التي غالباً ما تسود في الأجواء الجامعية. وبها تُصقل شخصية الطالب أو الطالبة ، ليستحقا في المجتمع لقب "الخريج الجامعي". ولطالما مَيّزَ العارفون الخريجَ عن غيره ، بإتساع أفقه الثقافي ، وتنوع إهتماماته الأدبية والفنية ، وتفهمه وإستيعابه للتنوع الثقافي والحضاري. وفي ظل النظام الصدامي ، سادت الجامعاتِ الثقافةُ الأحادية ، التي تركز على عبادة الفرد ، وتقديس القومية ، وتمجيد العائلة الحاكمة. وحوربت في الجامعات كل النشاطات الثقافية ، التي تنتمي إلى الوطن العراقي ، والتي تُمجّد الموروث الحضاري للشعب العراقي. لقد عاش الطلبة في الجامعات الصدامية تصحراً ثقافياً ، وأبعدوا عن ، وحرموا من التمتع بالفنون والآداب والرياضة العصرية ، عدا تلك التي كان "يرعاها" الدكتاتور ، أو واحد من أفراد عائلته ، بغية الدعاية والتهريج وحصد الإعجاب والولاء للقصر العائلي. والمطلوب من القيادة الجديدة للتعليم العالي ، الإهتمام بالرياضة والفنون والثقافة ، وتشجيع الموهوبين من الطلبة في ميادين الرياضة والثقافة والأدب والفن ، وذلك برعاية نشاطاتهم ، وبتقديم المنح والمكافئات إليهم ، وربما إيفادهم إلى الخارج للتخصص. وتعد الرياضة في الجامعات الأوربية والأمريكية ، النشاط اللاصفي الأول والأهم للطلبة الدارسين فيها. وتؤلف الفرق الرياضية في كل سنة دراسية ، وتُجهز بأحدث الوسائل والمعدات ، إضافة إلى الفرق الخاصة بالأقسام والكليات والجامعات. وتلقى مباريات الفرق الطلابية في الغرب إهتمام المجتمع ، على قدم المساواة مع المباريات الوطنية. وبما أن الدراسة في الولايات المتحدة ، تتطلب دفع أجور عالية من قبل الدارسين ، تُمنح للمتفوقين دراسياً أو رياضياً ، زمالاتٌ ومنح دراسية وفيرة ، تشجيعاً للرياضة الطلابية الجامعية.

(9) - تعد الجامعة إدارياً دائرة بمستوى الوزارة ، إذا أخذنا بنظر الإعتبار ميزانيتها وملاكها من الموارد البشرية ، من هيئة تدريسية وموظفين وطلبة. ولدى إلقاء نظرة على وزارة التعليم العالي ، وهي تضم كل ذلك الكم من الجامعات والمعاهد العالية ، يتضح لنا أن هذا القطاع ، لهو أوسع من وزارة واحدة. على هذا الأساس يتعين ضمان إستقلالية الجامعات ، في ميزانياتها وإتخاذ قراراتها. وفي ظل الحكم الفردي الصدامي ، أُخضعت الجامعات ، ووزارة التعليم العالي ، إلى تعليمات جاءتها كأوامر قسرية من القصر ، وتميزت ببعدها ومجافاتها لكل التقاليد الأكاديمية العصرية. فالقبول في الجامعات كان خاضعاً لأوامر القيادة القومية. وإيفادات الكادر التدريسي ، شأن يقرره ويديره جهاز المخابرات. والتعيين لا يتم إلا بموافقة دوائر الأمن والحزب ، وأخيراً يصدر بناء على قرار ديوان الرئاسة. ولا تجري الترقيات العلمية للتدريسيين ، إلا بتوصية من الفرقة الحزبية ، وموافقة الأمن. لقد شمل الأسلوب الحزبي التعسفي ، في الأدارة كل مفاصل العمل داخل وزارة التعليم العالي ، وشمل تحديد المناصب والتنسيب والنقل. ويخضع كل ذلك للخارطة القمعية الشوفينية الطائفية. ولايحق لعميد كلية أو حتى رئيس جامعة ، الموافقة على طلب أستاذ جامعي للنقل إلى جامعة في مسقط رأسه ، إلا بعد موافقة الفرقة الحزبية والدوائر الأمنية. ولم يكن بمستطاع رئيس القسم مثلاً الموافقة ، على إيفاد أحد الطلاب أو الأساتذة لحضور دورة تدريبية ، أو مؤتمر علمي داخل الوطن ، دون أن تحصل مسبقاً ، موافقة جهاز المخابرات على ذلك الإيفاد ، لأسباب "تتعلق بأمن الدولة"!. عليه ينبغي إعادة النظر في واقع الجامعات في العراق الجديد ، من حيث إستقلاليتها في إتخاذ القرار المهني ، المتعلق بظروف التعليم العالي. فالتعيين والنقل والإيفاد والترقية ، يجب أن يكون بموجب حاجة القسم العلمي وموافقة مجلس الكلية. وكما هو معمول به في الجامعات الحديثة ، يُعلن عن الوظيفة الجامعية في الصحف ، وتُوضح شروطها وتوصيفها ، ثم تتم المقابلة العلمية داخل القسم نفسه. وبعد ترشيح القسم للفائز بالمقابلة ، يصدر قرار التعيين في ديوان الجامعة. فلا فرقة حزبية ولا جهاز مخابرات ، لهم دخل في تعيين أستاذ في الجامعة الحديثة ، التي تحظى بإحترام العهد الجديد.

(10) – تحترم الحكومات والدول المتطورة شعوبَها وتقاليدَ مجتمعاتها ، وأولها قطاع التعليم ومؤسسات الثقافة. وفي علمنا أن وزير التعليم العالي ، في الدول العصرية ، إذا ما أراد تفقد صفاً دراسياً ، فإنه لايقاطع الأستاذ المحاضر ، وإنما ينتظر في الباب خارجاً ، ريثما ينتهي الدرس. ناهيك عن تصرفات القوى الأمنية هناك ، فهي لا تحلم بولوج الحرم الجامعي ، إلا للحفاظ على سلامة الطلبة ، وبموافقة من مسؤول الجامعة واللجان الطلابية. وكان أسهل الأمور لدى مسؤولي الجامعات العراقية ، المجندين فيها من قبل الحزب الصدامي ، وجهاز المخابرات ، ولوج الحرم الجامعي ، في أي مكان وزمان يريده الرفاق ، دون إبداء أي قدر من الإحترام للعملية التعليمية ، والجو الأكاديمي. على العكس من ذلك كانت تلك الممارسات مقصودة ، لغرض تخويف وإهانة الطلبة. وفي أحد المرات ، وبينما كنت ألقي محاضرة على طلبة المرحلة الرابعة في إحدى الكليات العراقية عام 1993 ، وإذا بالعميد يقتحم الصف ، ويزيحني إلى جانب من الصف ، ليقدم "الأستاذ أبو رعد" ، مدير الأمن ، الذي ألقى على الطلبة "محاضرة" ، قال فيها ضمن ما قال بلغته البوليسية المعروفة وبالحرف الواحد: "إذا واحد منكم تجرأ وساعد عناصر حزب (......) العميل ، راح أخلي الويلاد ، يشوفون شغلهم وياه!". هذه واقعة شهدتها بنفسي في إحدى جامعات النظام السابق. والمطلوب إلى جانب تنظيف الجامعات من النفوذ الحزبي التسلطي القمعي ، إبعاد أي عناصر مسلحة ، أو وكيلة لدوائر حكومية تخترق حرمة الجامعات ، بهدف بث الرعب بين صفوف الطلبة. المطلوب إذن صيانة الحرم الجامعي من كل شائبة "أمنية" أو "مخابراتية".

ومع الاهتمام بعناصر التحديث والتطوير التي يجب توفرها ، نجد أن التعليم العالي يستلزم بالدرجة الأولى إعادة تركيب البنية التحتية المجتمعية ، بالالتفات صوب القيم الاجتماعية الجيدة. وأول ما يجب العناية به من أدوات الإصلاح الجامعي ، هو الالتزام الكامل بكافة بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 ، وإعلان "ليما" بشأن الحرية الأكاديمية ، واستقلال مؤسسات التعليم العالي ، الصادر عن المنظمة العالمية للخدمات الجامعية في ديسمبر عام 1988 ، والذي أكد على «التنمية الكاملة للشخصية البشرية وإحساس الإنسان بكرامته» ، وتعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والسلم. والتعليم بما يمكن جميع الأشخاص من المشاركة بفعالية في بناء مجتمع حر يقوم على المساواة ، ويشجع على التفاهم والتسامح والصداقة ، بين جميع الأمم وجميع المجموعات العنصرية ، أو العرقية ، أو الدينية ، كما يشجع على التفاهم المتبادل والاحترام والمساواة ، بين الرجل والمرأة ، والمساواة الاجتماعية والسلم والتطور المتكافئ ، لكل الأمم وحماية البيئة ، كما ينبغي لكل دولة أن تكفل الحق في التعليم ، دون تمييز من أي نوع ، فيما يتعلق بالعنصر أو اللون او الجنس أو اللغة أو الدين ، أو المعتقد السياسي أو غيره من المعتقدات ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي ، أو الوضع الاقتصادي ، أو حالة الميلاد أو غيرها.



#أسعد_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لودفيج فويرباخ فيلسوف المادية الأنثروبولوجية والتنوير الألما ...
- تجريبية الخطاب الأميركي في العراق
- يَساريةُ البيتزا واليسارُ البَدَوي
- هل أضحى اللبراليون العرب متأمركين؟
- وحدة اليسار المقسوم على عشرة! حوار مع نادية محمود
- تحفظ الأنظمة العربية من إدانة الإرهاب
- الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي
- يوميات عائد الى الوطن: الجهل يقتل أهل الفلوجة
- حكايات في عيد الميلاد
- الثوابت والمتغيرات في فكرنا السياسي
- واقعة عاشوراء الدروس والعبر
- نهاية الثقافة الانعزالية
- العولمة الإسلامية والتغيير الأمريكي
- مستقبل الديمقراطية مرهون بدستور عقلاني
- دمعة على الشهيد أبي جناس
- الطاقة النووية سيف ذو حدين بين بشاعة الاستخدام العسكري وحتمي ...
- الضالان- في غابة شيكاغو لمحمود سعيد متن روائي واقعي مفعم بال ...
- وجهة نظر لإغناء جدل قائم - عجز الخطاب الطائفي عن إطفاء الحرا ...
- ثلاث نصائح ذهبية للمقاومة أبعثها مع -شيخنا الجليل -
- السلطة السياسية العراقية اختيار القيادة الجديدة للعراق اشكال ...


المزيد.....




- وزير المهجرين اللبناني: لبنان سيستأنف تسيير قوافل إعادة النا ...
- تقرير حقوقي يرسم صورة قاتمة لوضع الأسرى الفلسطينيين بسجون ال ...
- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - أسعد الخفاجي - الإصلاح الجامعي في العراق الجديد