أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغنون من بطونهم، ونحن نغني من منطقتي الرئة والحلق















المزيد.....

الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغنون من بطونهم، ونحن نغني من منطقتي الرئة والحلق


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1610 - 2006 / 7 / 13 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


طبقت على هؤلاء الفتيات مبادئ علم اللغة الميداني، ففعلت معهن فعل السحر

تثير فرقة سومر العراقية- السويدية بعد كل حفل قسطاً كبيراً من الدهشة والإعجاب والذهول. فكيف إستطاع الفنان العراقي طلال عبد الرحمن، وهو قائد الفرقة الموسيقية، ومدرّبها، والمشرف اللغوي والموسيقي، والمغني، وعازف العود، أن يدرّب أعضاء هذه الفرقة على الغناء والعزف العربيين، والرقص الشرقي إلى الدرجة التي يوهم فيها الناس بأن اللواتي يغنين هنَّ عربيات أو يُتقنَّ اللغة العربية في الأقل وذلك لجمال أدائهنَّ، ودقة نطقهن لمخارج الحروف العربية، وتمكنهنَّ من اللهجة العراقية على وجه التحديد، هذا إضافة إلى إحساسهن بالكلمات، وملامستهن لروحية الغناء العربي. وليس أمام المشاهد الذي يحضر حفلاتهن إلا أن يُصاب بالحيرة وهو يستمع إليهن وهن يغنين أغنيات عراقية أو عربية راسخة في الذاكرة الجمعية للناس مثل " غريبة من بعد عينك يايمة " و " ما ريده ما ريده الغلوبي " و " هي أو هاي أو هي " و " الله يا مولانا " و " كلي ده كان ليه؟ " و " لما بدا " و " هبوب الشمال " وعشرات الأغاني الأخرى المعروفة. لا بد من الإشارة إلى أن هؤلاء الفنانين الذين ضمتهم فرقة سومر هم فنانون محترفون ولجوا عالم الفن من أوسع أبوابه. فالفنانة السويدية آنا أوترتون هي مغنية محترفة، وعازفة إيقاع، والفنانة النرويجية ماريانا هولمبو هي مغنية، وعازفة إيقاع أيضاً، و الفنانة السودية ماريا رودبو هي راقصة، وخبيرة، وأستاذة في الرقص الشرقي، والفنانة سارة لوندغرين هي عازفة تشيلو محترفة، والفنان آندش هو عازف دف متمكن، والفنان آندرس فالرينيّس، عازف الإيقاع، إضافة إلى الطاقات العراقية المذهلة التي تتألق بها الفرقة مثل عازف الكمان المعروف أحمد الجوادي، والفنان حمودي شربة، المغني وعازف الإيقاع المشهور، وعازف الكمان ريسان إسماعيل، وعازف الناي ناظم علي. إن الجهد الذي بذله الفنان طلال عبد الرحمن هو أقرب إلى ملامسة المستحيل، فهذا الفنان والمغني وعازف العود لا يكل ولا يمل من التدريبات اليومية التي صنعت من الفنانات الأسكندنافيات " مفاجأة " متواصلة لكل من يسمعهنَّ. وفي أثناء حضور " العرب " إلى " أسبوع الموسيقى العراقية " في لندن إلتقينا قائد الفرقة ومدرّبها الفنان طلال إسماعيل، وكان لنا معه هذا الحوار:

* قبل عشر سنوات وضعتَ اللبنات الأولى لفرقة سومر الغنائية، هل لك أن تحدّثنا عن طبيعة هذه الفرقة الفنية، وأهدافها، والنتاائج التي ترومون الوصول إليها، وما هو موقعها في السويد الذي يُعد ثالث بلد مصدر للموسيقى في العالم بعد [ريطانيا وأمريكا؟
- هذا سؤال مركب ويحتاج إلى شئ من التفصيل. فبالنسبة إلى الجزء الأول من السؤال، أي طبيعة الفرقة وأهدافها فإن سومر فرقة موسيقية غنائية تؤدي الغناء العربي الكلاسيكي والتقليدي والفلكلوري. وتتميز عن غيرها من الفرق الموسيقية العربية بأمرين لا يجتمعان في أية فرقة أخرى. ألأمر الأول هو أن المغنيات اللواتي يؤدين الغناء العربي في الفرقة هن فتيات غربيات من قلب المجتمع السويدي والنرويجي ولا يتكلمن اللغة العربية بل لا يعرفن أي شئ عن الموسيقى العربية أكثر من الغناء الذي يحفظنه، ولم يسمعن من قبل شيئاً من الغناء العربي عدا بعض أغاني أم كلثوم وفيروز. أما الأمر الثاني الذي تتميز به الفرقة فهو احتضانها لألوان الغناء العربي كافة بغض النظر عن البلد واللهجة والأسلوب.
أما الجزء الثاني من السؤال فإن الجواب عليه هو أن سومر فرقة غنائية موسيقية تحمل رسالة حضارية ولها هدف وحلم. الرسالة مؤداها التعريف بالثقافة العربية في الدول الإسكندنافية خصوصاً والغرب عموماً من خلال أوسع القنوات، أي الموسيقى. أما الهدف فهو أن تصبح سومر أول مدرسة للموسيقى العربية في الدول الأسكندنافية. والحلم هو أن تقوم الفرقة بجولة في البلاد العربية، وخصوصاً في العراق فتغني أمام جمهور عراقي أو عربي. عندها سنرى كيف سيستقبل الجمهور العربي هؤلاء الفتيات الأجنبيات وهن يصدحن بأحلى الأغاني العربية وأخلدها.
وعن الجزء الثالث من سؤالك، أي عن موقع الفرقة في المشهد الموسيقي السويدي، أقول إن الفرقة موجودة منذ عشر سنوات ومستمرة في عروضها داخل السويد وخارجه. والفرق الموسيقية التي تعمر مثل هذا العمر في السويد قليلة جداً. والسبب هو التنافس الشديد في بلد يعج بكل ما هو جديد في عالم الموسيقى. صحيح أن السويد هو ثالث أكبر مصدر للموسيقى في العالم، ولكن ما لا تعرفه عن السويد أن عدد المغنين المحترفين فيه والمسجلين في نقابة الموسيقيين السويديين هو مليون مغن بالتمام والكمال. أنا عضو في نقابة الموسيقيين السويديين ونقابة المؤلفين الموسيقيين ويرسلون لي نشراتهم ومجلاتهم. عدد عازفي الكيتار المحترفين في السويد ثلاثة ملايين وهناك نصف مليون عازف بيانو. أما عدد الفرق الموسيقية المسجلة في النقابة فهي ستة وثلاثون ألف فرقة موسيقية. كل ذلك في بلد عدد نفوسه ثمانية ملايين ونصف المليون نسمة. من هنا تأتي أهمية وجود فرقة مثل فرقة سومر لها موطئ قدم في هذا االزحام الهائل. لقد كتبت عنا الصحف السويدية كافة بلا استثناء كما كتبت عنا المجلات الموسيقية المتخصصة. كما أنتج عنا التلفزيون السويدي فلماً طويلاً كذلك فعل التلفزيون النرويجي حيث أنتج عنا برنامجاً مدته ساعتان كاملتان. أما الأذاعات السويدية فقد نقلت حفلاتنا حية على الهواء. كذلك شاركت الفرقة في المهرجانات الموسيقية السويدية الكبرى بلا استتثناء. وآخر عرض قدمناه كان في الأفتتاحية السنوية لكبرى حدائق المدينة، وهي مكان يشبه الجنة، حيث تم اختيار فرقتنا لتقديم عرض في احتفالية الإفتتاح من بين 12 ألف فرقة في المدينة. وفي عام 2000 تم اختيار ثلاث فرق من السويد، إحداها فرقتنا، لتقديم عروض أمام رؤساء قمة الدول الثماني العظمى التي عقدت في مدينتنا. كذلك تم تكريم الفرقة من قبل أكثر من جهة حكومية وشعبية في البلد. علماً أن أغلب المنظمين لعروضنا هم من جهات رسمية أو مسرحية أو موسيقية سويدية. كما سجلت لنا شركة تسجيلات سويديةSW-eden إسطوانتين، الأولى بعنوان (سومر) وهي إسطوانة عربية شاملة، والثانية بعنوان (العراق) وهي اسطوانة بغناء عراقي فقط. وكلتا الإسطوانتين حصلتا على جوائز تقديرية، بل إن اسطوانة العراق رشحت مع عشر إسطوانات أخرى كأحسن عشر اسطوانات للعام 2001 من بين 2500 أسطوانة أنتجت في السويد للعام نفسه. ومنذ ذلك الحين صار المنظمون يضمنون إعلاناتهم عن الفرقة عبارة ( من أفضل الفرق السويدية). وبالمناسبة فإن السويديين يطلبون منا أن نقول إن الفرقة سويدية وليست عربية. وهم يفعلون ذلك بدافع الإعتزاز وحسب.
* لا شك في أن الأداء المُتقن للمغنيات السويديات، ودقة نطقهن لمخارج الحروف العربية ووضوحها، يستدعيان أن نسألك عن عِظم الجهد الذي تبذله في تدريبهن من أجل الوصول إلى هذا التطابق المذهل بين الأصوات العربية الأصلية، ونظيرها السويدي اللافت للإنتباه.
- شكراً لأنك لاحظت ذلك الجهد بسهولة. والحقيقة أنني لا أميل إلى الحديث عن الجهد الذي أبذله لسبب واحد، ألا وهو أن الحديث عن دوري في تعليم الفتيات وتدريبهن يستدعي الكثير من الكلام عن نفسي. وهذا أمر أكرهه تماماً. لكنني سأحاول أن أكون دبلوماسياً قدر الإمكان. إن عملية التعليم والتدريب تتم على وفق خطة علمية مدروسة جداً. فمن أول حرف إلى تمام الأغنية تمر العملية بعدة مراحل. أي أن الأمر ليس بتلك البساطة التي يعتقدها الكثيرون. المسألة ليست مجرد تلقين ببغائي حسب، بل هناك الكثير من العلم اللغوي والعلم الموسيقي ومن علوم أخرى كعلم النفس وعلوم تدريس اللغات والأصوات اللغوية وعلوم تدريس الموسيقى. أنا رجل يؤمن إيماناً شديداً بالعلم. وفي يقيني فإن كل ما نراه من معجزات من حولنا هو نتاج العلم الذي هو نتاج العقل البشري. لذلك فإن إيماني بالإنسان وقدراته على اجتراح المعجزات ليس له حدود. فإذا توفر العلم وتوفرت المعرفة الكافية ومعهما الإيمان القوي بالقدرات البشرية غير المحدودة زائداً الرغبة القوية في الوصول إلى الغاية، كل ذلك مع جميل الصبر تنتفي فكرة المستحيل. فبالنسبة إلى الجانب اللغوي فإنا باحث لغوي قبل أن أصبح موسيقياً. وقد درست علوم اللغة في العراق وحصلت على شهادة عليا في علم اللغة التطبيقي أو الميداني. ثم قمت بتدريس علوم اللغة كافة في كليتي الآداب والتربية في جامعة الموصل في العراق لمدة ثلاث عشرة سنة. وهذا أمر أكسبني خبرة لا بأس بها في مجال تدريس علوم اللغة المختلفة ومنها علوم الأصوات اللغوية ومخارج الحروف. أي أنني خبرت أسرار اللغة وفيزيائها وكيميائها وآلياتها وتعرفت على أسرارها تماماً كما يعرف الفلاح أسرار أرضه والطبيب أسرار الأمراض والمحامي أسرار القضاء. وكل الذي فعلته أنني طبقت مبادئ علم اللغة الميداني على هؤلاء الفتيات ففعلت معهن فعل السحر. أضف إلى ذلك مستوى ذكاء هؤلاء الفتيات ومستوى مواهبهن وكذلك مستوى رغبتهن في التعلم والتحدي وعظم الصبر الذي يتحلين به والتمرين الشديد جداً جداً، كل هذه الأمور أوصلتنا إلى النتيجة التي سمعتها ورأيتها بنفسك.

* وعطفاً على السؤال السابق، وإستكمالاً له أريد أن أستوضح منك بوصفك شاعراً وفناناً ولغوياً عن مفردة " الإحساس " فحينما تغني آنا أوترتون تُشعِر السامع وكأنها تفهم المعنى العميق لكل مفردة من مفردات الأغنية. هل لك أن تسلّط بعض الضوء على هذه النقطة الإشكالية تحديداً؟
- عطفاً على الجواب السابق واستكمالاً له نلج الجانب الأهم والأصعب في العملية كلها. الناس تلاحظ الإتقان اللغوي وحسب، ولا أحد ينتبه إلى الجانب الموسيقي كما انتبهت أنت. والحقيقة أن الجانب الموسيقى أصعب بكثير من الجانب اللغوي. بل لا أبالغ إذا قلت لك إن الجانب الموسيقي يأخذ منا ما نسبته تسعين في المائة من الجهد المبذول. أي إذا افترضنا بأن الأغنية الواحدة تستغرق في المعدل ثلاث ساعات تعليمية، مثالاً لا تماماً، فإن اللغة تأخذ منا ربع ساعة فقط والبقية تذهب إلى الجانب الموسيقي. أما قولك إن آنا أوترتون تغني بإحساس مطابق لمعاني الكلمات فهو صحيح، لكنه بالتأكيد ليس بسبب فهمها لمعنى الكلمة وإنما بسبب االتدريب على الأداء بالإحساس العربي وبالقلب العربي. أي أن كل ما سمعته وما رأيته مدروس وخاضع للتدريب الشديد. ولكي أكون أكثر وضوحاً فإنني لو تركت آنا تغني الكلمات بالطريقة التي تحسها هي فإنك حتماً ستسمع غناءاً غربياً لا علاقة له بتلك الكلمة. فتقنيات الغناء الغربي تختلف تماماً عن تقنياتنا الغنائية. الغربيون يغنون من بطونهم ونحن نغني من منطقتي الرئة والحلق. وكمثال واحد على مسألة الإحساس فإن التعبير عن الألم في الغناء الغربي يتم بواسطة الصراخ أو الزعيق. بمعنى أن آنا لو اختارت أن تغني أغنية (نعيمة) العراقية مثلاً، وعلى هواها فإنك سوف تسمع زعيقاً وصراخاً لا تألفه الأذن العربية. والحقيقة أن مسألة تعليم الفتيات تقنيات الغناء العربي ومطابقة الأداء مع مضمون الكلام هي آخر وأصعب مرحلة من مراحل التعليم والتدريب. طريقتنا في أداء الأحاسيس صعبة جداً جداً عليهن، وأحياناً كثيرة أواجه بالرفض من قبلهن عندما أطلب منهن أداء بعض النأمات التي هي من صلب الغناء العربي. وسبب الرفض هو غرابة تلك النأمات التي تتطلب منهن أن يتخلين عن أحاسيسهن الغربية تماماً ويتقمصن روحاً عربية. وما لاحظته أنت من إحساس عربي عند آنا أو ماريانا هو على الإطلاق ليس إحساساً عفوياً بل إحساس قد تعبنا عليه كثيراً، وأيما تعب.
* يوحي إسم فرقة سومر وكأنها متخصصة بمختلف ألوان الغناء العراقي، ولكن الفرقة تغني أنماطاً غنائية عربية متنوعة، ألا تعتقد أن هذا التوسع خارج إطار الأغنية العراقية يشتت جهود الفرقة، ويفقدها ميزة التخصص ضمن فضاء الغناء العراقي بتنويعاته التراثية والريفية والبدوية والمعاصرة؟

-صحيح أن سومر حضارة عراقية سادت وبادت في جنوب العراق بين دجلة والفرات إلا أنها بكل تأكيد كانت ملكاً للبشرية جمعاء بدليل أن بني البشر في القرن الواحد والعشرين لا زالوا يعتزون بها ويعتبرونها أول شمعة أوقدت في دياجير الزمن القديم. كل الحضارات التي أنشأتها الأمم كانت قد اتكأت على ما سبقها من حضارات إلا سومر، فهي حضارة قد ولدت من العدم. أي أنه عندما كان السومريون يبنون المدن والمدارس والمعابد والمكتبات والطرق وعندما كانوا يمارسون الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة والطب وكذلك الشعر والموسيقى والرسم والنحت كان نصف العالم اليوم يعيش في الكهوف. ولهذا السبب فقد أطلقت تسمية سومر على الفرقة. أما مسألة الغناء العربي والتشتت، فإنني لا أجد في الأمر أي تشتت بل إغناء وتنويع. صحيح أن الغناء العراقي لوحده يكفي لفرقة مثل فرقتنا ويزيد، إلا أن الغناء العربي هو عمق للغناء العراقي مثلما الثقافة العربية عمق للثقافة العراقية. أضف إلى ذلك أننا هنا في المهجر عرب قبل أن نكون عراقيين. هكذا ينظر إلينا وهكذا يتعاملون معنا، وهذا ما يوحد العرب المهاجرين أكثر، لا سيما أنهم بعيدون عن السياسة نوعاً ما وعن الحدود ونقاط التفتيش الحدودية الكريهة. والحقيقة أن فرقة سومر بدأت عراقية وانتهت عربية بثقل عراقي تلبية لرغبات الأخوة العرب هنا حيث عاتبونا أكثر من مرة على ذلك الإنحياز التام للعراق. وقد كان عتبهم مقبولاً لأنه ينطلق من اعتزاز بالفرقة وبمكانتها هنا في السويد. مع ذلك فإنني أؤكد لك بأن نصف منهاج الفرقة عراقي ونصفه عربي عام، بدليل الحفل الذي حضرته أنت في لندن، وبدليل الإسطوانة الكاملة التي سجلناها وبعنوان "العراق."
* هل ستظل فرقة سومر محصورة في إطار التقليد الذي يعتمد على لعبة المفارقة اللغوية، وتطابق الأداء. . الا تفكرون في أن تغنوا أغانٍ جديدة من تأليفكم وألحانكم لم يسبقكم إليها أحد، لتقلبوا المعادلة القديمة بوجه المتلقي، وتضعوه أمام ظاهرة جديدة غير مسبوقة؟

-يبدو أنك حكمت على الفرقة من الحفل الوحيد الذي شاهدته. لكن ما شاهدت وسمعت لم يكن إلا غيضاً من فيض. نحن فعلاً لدينا أغانينا الخاصة بنا ونأمل أن تسمعها في مناسبات أخرى. حفل لندن كان محدودا جداً قياساً بالمنهاج الحقيقي للفرقة. كما أن الوقت الذي منح لنا كان محدوداً ولم يتسع لمؤلفاتنا الخاصة. وإذا تابعت برنامج (حديث العود) على قناة (المستقلة) في حلقته الثانية فسوف تسمع شيئاً من مؤلفاتنا بكل تأكيد، ونأمل أن تعجبك!
أما ما أسميته أنت "لعبة المفارقة اللغوية" فإنني لا أراه لعبة بل منتهى الجد. ثمة رسالة حضارية خطيرة تجلوها هذه "اللعبة". ففي الوقت الذي هجر مبدعونا التراث الذي هو كل رأسمالهم وجنحوا نحو الغرب تأتي فرقتنا سابحة عكس التيار لتثبت أن الخلل ليس في تراثنا، بل فينا نحن الذين أفرغنا من كل شئ عندما هجرنا تراثنا الذي هو هويتنا ومحور حضارتنا والمعين الوحيد الذي ننهل منه. هل تستطيع أن تقول لي لماذا لم يعد لدينا شعراء كبار ولا فنانون كبار؟ ألسبب واضح جداً، ذلك أننا تحولنا من أمة مبدعة إلى أمة مقلدة. لذلك فإن الموسيقى العربية في طريقها إلى الحضيض لاحقة بالشعر العربي الذي وصل فعلاً إلى الحضيض منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي عندما بدأ الشعر العربي يدور في فلك الإليوتية والباوندية، على رغمٍ من أن شعر أليوت وباوند ليس له أية قيمة تذكر خارج الظرف الزمني والظرف الموضوعي اللذين كتب فيهما ذلك الشعر، أي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث انهارت كل القيم التقليدية وهشمت الحرب كل التقاليد التي كانت سائدة وأتت بقيم وتقاليد جديدة، فسادت الأوساط المثقفة حالت من الذهول والعبث والغثيان انعكست على التقاليد الثقافية ومنها الشعر شكلاً ومضموناً. ومن حينها ولحد الآن فإن الشعراء العرب لم يستطيعوا أن يفلتوا من أسار ذينك الشاعرين، على رغمٍ من قناعتي بأنهما شاعران ( . . . ). نحن أمة الشعر قبل سوانا، ولغتنا لغة الشعر قبل سواها، ونحن صناع الشعر العظيم كغيرنا من الأمم الشاعرة، فلماذا ينبغي علينا أن نكتب مثل إليوت وباوند لكي يرضى عنا الشعر؟ وما نتيجة كل ذلك؟ لقد هجر الناس الشعر تماماً وبات الشعر مريضاً يرقد في المستشفى لا يزوره أحد! وما ينطبق على الشعر ينطبق على الموسيقى وعموم الفنون، عدا الرواية العربية التي مازالت معافاة. فنجيب محفوظ لم يحصل على جائزة نوبل لأنه قلد جويس أو كافكا أو بيكيت، وإنما لأنه بقي عربياً خالصاً ومصرياً كامل الدسم سواء على مستوى الموضوعة أم الشكل أم التكنيك. لقد حصل على نوبل لا لأنه قد كتب عن السويد أو أوروبا ولكن لأنه كتب زقاق المدق والسكرية وكتب عن حي الحسين وشارع محمد علي. يسألني الموسيقيون السويديون عن سبب هجرنا للعود والقانون والناي والسنطور والبزق وغيرها من الآلات العربية والشرقية الجميلة وعن هوسنا بآلة الأورغ المزعجة والكيتار والبيس كيتار! يقولون لي أنتم لا تجيدون العزف على هذه الآلات مثلما لا نجيد نحن العزف على آلاتكم، فلماذا تقلدوننا ولديكم كل هذه الأنغام الغنية والإيقاعات المدهشة والآلات الجميلة؟ أستاذة سويدية في أحد المعاهد الموسيقية العالية قالت لي وأنا أعرض شريطاً تلفزيونياً عن أم كلثوم في إحدى أغانيها التي يصاحبها فيها مجدي الحسيني على الأورك وعمر خورشيد على الكيتار، قالت " لديكم هذه المطربة العظيمة! فلماذا يصاحبها عازفون بهذا المستوى الهابط. إن أسوأ طالب عندنا في الصف الأول يضحك على هذا العزف. ألا ترون أنكم بهذا كمن يحاول أن يصنع فولفو لكي يصدرها إلى السويد؟"
وعوداً على بدء أقول إن فرقة سومر، ستواصل رسالتها بكل ما وسعها الجهد لرد الإعتبار إلى تراث غنائي أصيل وعظيم يوشك أن يجهش بالبكاء!
* ركزتم في حفل لندن الذي إختتمتم به " أسبوع الموسيقى العراقية " على الأغاني التراثية ذات الطبيعة الشعبية. ما مكمن السر في هذا الإختيار؟

-لكل مقام مقال. ولكل مهرجان طابع خاص. ونحن لدينا من الغناء ما يمكننا من التكيف لأية مناسبة. وأعتقد أننا قدمنا منهاجاً فيه من التنوع ما يكفي لتغطية أكبر عدد ممكن من أساليب الغناء العراقي، عدا الغناء العراقي الحديث الذي لا نهتم له ولا يستهوينا لأنه في أغلبه غناء أجوف وباهت لا لون له ولا طعم ولا رائحة!



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باسم العزاوي الفائز بالجائزة الذهبية يتحدث عن صناعة الصورة ا ...
- اليميني المحافظ فيليبي كالديرون، زعيم حزب الحركة الوطنية
- الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات ف ...
- عازف العود المنفرد أحمد مختار: الموسيقى من وجهة نظري عنصر أس ...
- أسبوع الموسيقى العراقية في لندن
- ظلال الصمت لعبد الله المحيسن وإشكالية الريادة الزمنية: هيمنة ...
- أضرار لاحقة للمخرج المصري الألماني سمير نصر: العربي ليس حزام ...
- شريط- ماروك - لليلى مراكشي: تقنيات ناجحة، وأداء متميز، ونهاي ...
- في فيلمه الجديد انتقم ولكن من أجل عين واحدة المخرج الإسرائيل ...
- المخرج رشيد مشهراوي يبدد قسوة الإنتظار الثقيل بالكوميديا الس ...
- اختتام الدورة السادسة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- تجليات الأسلوب اليوغند ستيلي في - أصابع كاووش - التعبيرية
- عدد جديد من مجلة - عمّان - الثقافية
- إعتقال المفكر الإيراني المعروف رامين جهانبكلو وإتهامه بالتجس ...
- مهرجان الفيلم العربي في روتردام يحتفي بربيعه السادس
- بنية الإنسان المكبوت في مسرحية - الصفعة - لإيخون فان إنكْ: ا ...
- إستذكارات - كاميران رؤوف: تتأرجح بين الأداء الكاريزماتي وتأج ...
- مُلوِّن في زمن الحرب لكاظم صالح ينتزع جائزة الجزيرة الخاصة: ...
- في شريط - قطع غيار - لجمال أمين: كائنات معطوبة، فقدت الأمل ب ...
- وفاة الكاتب الهولندي المثير للجدل خيرارد ريفه: موضوعاته المف ...


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغنون من بطونهم، ونحن نغني من منطقتي الرئة والحلق