أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كامل عباس - تعريف برابطة العمل الشيوعي في سوريا















المزيد.....


تعريف برابطة العمل الشيوعي في سوريا


كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 10:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


شكلت هزيمة حزيران عام 1967 صدمة حقيقة لأبناء المجتمع السوري, بشيبهم وشبابهم, بنسائهم ورجالهم, أن تصبح دمشق – ذات التاريخ الحضاري العريق – على مرمى حجر من المدافع الإسرائيلية, وتسقط أخصب محافظة من الخارطة السورية لتنضم إلى الأراضي الفلسطينية العربية المحتلة, ليس أمرا سهلا على شعب له باع كبير في السياسة والاقتصاد والتجارة, وقد تجلى أثر تلك الصدمة فيما بعد بشكل متباين على جهتين في المجتمع السوري
الأولى, وهي ما يمكن تسميته الحركة العفوية في الشارع السوري من عمال وفلاحين وطلاب وحرفيين وموظفين, في المعمل أو الحقل أو الجامعة أو المؤسسات الرسمية للدولة, والذين يقف على رأس أولوياتهم تصريف أمور حياتهم اليومية, وليس لهم علاقة مباشرة بالسياسة أو بالأحزاب السورية ولا معرفة لديهم بقوانين الحركة الاجتماعية, هؤلاء فسروا الهزيمة هزيمة للبعث الديكتاتوري العلماني ولكل من يناصره من القوى التقدمية في الداخل والخارج, ورأوا أن الحل يكمن في العودة للأصالة, للتراث, للماضي, للدين, للقيم, للأخلاق, ولقد لعب الإسلاميون على هذا الوتر بذكاء شديد فاستدرجوهم إلى الجوامع ليعملوا معهم سياسيا تحت ذريعة تعليمهم أصول دينهم.
الثانية: الشباب السوري المتعاطف والمسيس من قبل اليسار بشقيه الشيوعي والقومي, هؤلاء قرؤوا الهزيمة, هزيمة سياسية لبرامج تلك الأحزاب وراحوا يبحثون عن أجوبة علمية مقنعة لتلك الهزيمة, وخير إجابة عليها هو قراءة تجارب مماثلة على أسس مادية علمية, وقد كانت الماركسية بشقيها المسمى في ذلك الزمن – المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية خير معين لهم على ذلك, وكتبها متوفرة في السوق بأسعار معقولة وبشكل فيه قدر من الاستقلال عن القراءة السوفييتية للماركسية, وهو الذي شكل الأرضية لظاهرة الحلقات الماركسية في سوريا بين الحربين - حرب عام 1967 وحرب عام 1974- وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وبانت لهم كحرب تحريكية وليست حربا تحريرية, كان من الطبيعي أن يتردد سؤال ما العمل داخل هذه الحلقات, سيما وان الماركسية فلسفة التغيير لا التفسير, والتغيير يتم من خلال تنظيم ثوري, والحزب الشيوعي المتواجد في الساحة السورية ليس كذلك والحقائق تفقأ العين, وأولها شكل التحالف القائم بينه وبين البعث والذي ارتضى فيه على نفسه أن يوقع على وثيقة عدم نشاطه داخل قطاع الطلبة والجيش, كان هناك إجابتان مختلفتان داخل الحلقات على السؤال:
إحداهما تقول أن الظرف في سوريا لم ينضج موضوعيا لذلك, وتكفي الآن ما تقوم به تلك الحلقات من نشاط ثقافي واجتماعي امتد ليشمل ميادين عديدة مثل موضوع الطائفية في سوريا وموضوع تحرر المرأة, إضافة إلى إنتاج دراسات نظرية تجيب على المسالة الأممية والقومية والمحلية بطريقة جديدة مختلفة عن إجابات الشيوعيين الكلاسيكية التي هي ترداد لمقولة الحزب الأم ( السوفياتي ).
الثانية تقول إن الاستمرار بالطريقة السابقة يعني أن تتحول الظاهرة إلى مثقفي مقاهي
( علاكي حكي ) ومن ثم الاضمحلال تدريجيا.
بدأ الفريق الثاني بخطوات جدية للخروج من الحالة الشللية والحلقية للظاهرة باتجاه تنظيم جديد تمثل في ما سموه الاجتماع الأول والثاني الموسع, وجاء دخول الجيش السوري إلى لبنان ليعجل بولادة الرابطة والإعلان عن نفسها كتنظيم جديد في سوريا بعد 28 أب 1976.
أما الفريق الأول فقد ابتعد عن التنظيم الوليد لقناعته بأنه سائر لا محالة للمواجهة مع سلطة قوية ومقتدرة وفي ظل اختلال ميزان القوى على الصعيد العالمي والمحلي ليس لصالح التنظيم الوليد, وبالتالي تركوا أصحاب الرؤوس الحامية يواجهون مصيرهم المحتوم لوحدهم.
كان أول عمل قامت به السلطة السورية بعد تحول جيشها في لبنان إلى قوات ردع عربية بمباركة دولية, هو الالتفات لذلك الصوت النشاز في سوريا, فشنت أول حملة قمعية على الرابطة بدأت في 24 نيسان عام 977. لتدشن سلسلة من الحملات القادمة, ولتبدأ مرحلة مختلفة في حياة التنظيم الوليد قوامها العمل بمبدأ الفعل ورد الفعل.
إن القمع في كل زمان ومكان يدفع باتجاه الضياع بالنسبة للمجتمع ويجعل رد الفعل عليه قائما على الانفعالات والأحاسيس, أي أن أول نتاج القمع هو دفع المقموع بالابتعاد عن العقل, وهو ما جرى مع الرابطة التي ابتعدت عن العقل الذي كان سائدا في مرحلة الحلقات, ودفعتها باتجاه سيادة سلطة النقل على سلطة العقل, من خلال الواقع الجديد للرابطة حيث تحول إلى تنظيم محترف غصبا عنه.
فبسبب كثافة حملات القمع وإصرار الرفاق على مواصلة المشوار, وجدوا أنفسهم على أرضية صنع الثورة بدزينة الأذكياء. طراز الحزب الثوري المحترف الذي قاد إلى النصر في روسيا, فغرهم ذلك التشابه الظاهري وسحبوا ميكانيكيا ظروف الثورة الروسية ليحلموا بثورة مشابهة لها في سوريا, لكنهم أبصروا جانبا واحدا من اللوحة مثل انتشار الحلقات العام والعفوي في روسيا أوائل القرن وفي سوريا أوائل السبعينات وما نتج عن حركة الاثنين من منظمات. مثل منظمة النهوض. والفصيل الشيوعي, واتحاد النضال الشيوعي. والمنظمة الشيوعية العربية في سوريا وكلها يمكن أن تجد لها شبيهاً في روسيا آنذاك، إضافة إلى الماركسيين العلنيين والشرعيين التي كانت تعج بأصواتهم صحف سوريا وروسيا في المرحلتين المذكورتين. وكانت أهم أوجه التشابه أيضا طبيعة القمع المعمم على الشعبين وازدياد شدته ووتيرته. ففي روسيا هناك جنود القيصر يلاحقون كل معارض بلا حسيب أو رقيب. وفي سوريا هناك قانون طوارئ قائم منذ سنين. كل عام يتوسع ليشمل مجالاً جديداً يرافقه نمو وتضخم الأجهزة الأمنية. أمن سياسي, أمن عسكري, أمن دولة, أمن سرايا, أمن جوي, أمن قصر, ولكل فرع دولته المستقلة وجواسيسه ومخبروه. ولكن أوجه الاختلاف كانت أكبر بكثير من ذلك التشابه الظاهري. فالحلقات الماركسية في روسيا كان للمسألة الطبقية الدور الأول في نشوئها. أي التناقض بين الغنى والفقر . في حين جاءت الحلقات الماركسية في سوريا وليدة المسألة الوطنية, أي نتيجة الهزيمة, ولم يكن المجتمع يعاني من الفقر المدقع، بل كانت الجماهير في بحبوحة نسبياً بعد التأميم وبعض الإصلاحات الاجتماعية.
الحلقات الماركسية في روسيا جاءت رداً على إفلاس نظام أوتوقراطي قيصري من كافة الجهات في حين جاءت الحلقات الماركسية في سوريا ضمن نظام يُعتبر وطنياً بعرف المعسكر الاشتراكي، وكل حركات التحرر في العالم وفي مجابهة مع الإمبريالية. جاءت الحلقات في روسيا وسط تناغم بديع بين الحركة السياسية التقدمية بشقيها الشيوعي والقومي (الشعبيين)، وبين الحركة العفوية. في حين جاءت في سوريا وسط تفارق واصح بين الحركتين حيث الشيوعيون والقوميون معزولون في الشارع تقريبا.
وبعد كل حملة قمع كان الرفاق يهربون إلى الأمام نحو رغباتهم وعواطفهم وابتعادا عن العقل, فبعد حملة عام 1978 الشهيرة. نسفوا أهم موضوعة في خط الرابطة – خط الثورة الوطنية الديمقراطية, ليستبدلوها بثورة اشتراكية تتيح لهم رفع شعار إسقاط السلطة البعثية القائمة, لكن جذوة العقل الموروثة من فترة الحلقات لم تنطفئ كليا عندهم, وخاصة اهتماماتهم النظرية التي قادتهم عند انفجار الصراع المسلح بين السلطة والحركة الدينية المسلحة إلى رؤية الصراع بين شريحتين بورجوازيتين هما البورجوازية البيروقراطية والبرجوازية التقليدية, من اجل السيطرة الطبقية على السلطة , عرضوه فيما عرف بتقرير آب الشهير الصادر عن مركزيتهم بالأغلبية عام 1980 - فالبورجوازية التقليدية ممثلة بالحلف الرجعي الأسود المشكل داخل سوريا ( من الأخوان المسلمين وبعث العراق ) والمدعومة من محيط عربي وعالمي, تجد فرصتها في الانفضاض على السلطة, وكل من الشريحتين يقاتل الآخر بجزء من جسد الشعب السوري, والمفروض العمل من القوى الوطنية على خلق تيار ثالث يخلص الشعب من بين أرجل المتقاتلين, ولكن الرابطة سترقب الصراع وتطوره علما بأنها ترى أن الحلف الرجعي الأسود أخطر من السلطة القائمة ومن يتوهم أنه من خلال الوصول إلى السلطة سيعطي بعض الحريات مخطئ جدا لأنه قادم من خلال أزمة تؤهله أن يحكم بشكل فاشي وعلى أرضية طائفية, وقد راقبت الصراع وقالت إبان ذروة الأزمة أن الصراع وصل مرحلة كسر العظم, وانه اذا دخل عصام العطار - كورنيلوف (دمشق ) يجب نقل البندقية من كتف إلى كتف والقتال إلى جانب كيرنسكي ( الأسد ) - )) لكن لغة العاطفة تغلبت بالنهاية على لغة العقل داخل صفوف الرابطة ولم تتمكن من العمل سياسيا بتلك الرؤيا لأن أعضاء ومناصري الرابطة المكويين من قمع السلطة كانوا ضد ذلك التكتيك, وقد حسم الموضوع في مؤتمر عقد في لبنان تحولت به الرابطة إلى حزب العمل كما هو معروف -.
ستبقى فترة الرابطة بين 28 آب 1976 والأول من آب عام 1981 محط الهام للشباب السوري وفترة من أخصب الفترات للدراسة واستخلاص العبر والدروس منها وخاصة تجربة الرابطة مع القمع السوري المعمم, وهي فترة غنية بحق على الصعيد الاجتماعي والسياسي, وان كان قد شابها الضياع بسبب القمع إلا أن لها ايجابيات ليست قليلة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر
1- الإصرار على قول الحقيقة وتصوير ما يجري في المجتمع السوري على حقيقته, حقيقة التباين بين الشعارات المرفوعة وبين الواقع الفعلي, حقيقة مرحلة ربط مصير المجتمع بفرد من خلال شعار الوقوف خلف القائد الضرورة, حقيقة القمع العاري المعمم على كل جوانب المجتمع السوري, شباب بعمر الورود زادهم التضحية والشجاعة والصبر قالوا لا للقمع. وسط نفاق عام سوري وعربي وعالمي, كان المؤلم فيه بالنسبة لهؤلاء الشباب هو عدم اللامبالاة من قبل من يحسبون أنفسهم داخل المجتمع السوري على القوى التقدمية واليسارية التي تعتبر نفسها ضد نهج السلطة القمعي, لم يسجل في تلك الفترة أي دراسة جدية لتلك الظاهرة تساعد التيار العقلاني داخلها وتتقدم بالنصائح له. ولم يسجل أي اعتراض جدي على ذلك القمع الذي طال حتى الأهل والأقارب والمتعاطفين, وإذا كانت افتتاحية الراية الحمراء في العدد 23 قد حملت الكثير من النزق الثوري حيث طالبت القوى السياسية آنذاك بتحديد موقف واضح من تلك الطريقة الجنونية في الملاحقة لكوادرها بقولها. – الآن عليكم أن تحددوا موقفا واضحا مما يجري مع الرابطة والتاريخ لن يرحمكم, فمن مع رابطة العمل الشيوعي مع الثورة, ومن ضد رابطة العمل الشيوعي ضد الثورة _ فإنها في الوقت نفسه كانت تعبر عن استيائها من ذلك الصمت المريب -بطريقتها المعهودة - الذي يسهل على السلطة إتمام مهمتها بأعصاب باردة. والآن يلمس العالم ما انتهى إليه ذلك النهج حيث مهد لأن تكون منطقتنا الحاضنة التي فرخت الإرهاب الذي يكتوي الجميع بناره.
2- التنظير لخطر البيروقراطية في الأحزاب التي تتبنى مقولة التقدم الاجتماعي والتي تتجلى في الأمين العام للحزب, وتجسيد ذلك عمليا في بنيتها التنظيمية, فالرابطة استبدلت أسم المكتب السياسي باسم لجنة العمل, ووزعت مهام لجنة العمل بين مسئول للتنظيم ومسئول للعلاقات الخارجية ومسئول مالي, الخ... وكان كوادرها يهربون من استلام منصب عضو التنظيم الموازي لمنصب الأمين العام لأنه يتطلب وقتا للمتابعة تحرمه من تنمية ثقافته النظرية والسياسية وحتى الأدبية. وقد عملوا ما بوسعهم ( رغم أن ظروفهم كانت تتطلب مركزية شديدة لمواجهة القمع ) لقطع دابر البيروقراطية في منظمتهم فتركوا للأقلية حرية التعبير عن نفسها والدفاع عن وجهة نظرها بشكل تام في هيأت التنظيم الداخلية. أي أن الرابطة تلمست أهمية الديمقراطية في المجتمع قبل انهيار النظام العالمي السابق, لا يقلل من أهمية هذا التلمس انه جاء على أرضية لينينية أشرنا إلى أسبابها سابقا, أي أنها كانت تريدها للقوى التقدمية فقط وتحرم منها القوى التي تسميها رجعية وتبيح قمعها, ولم تكن كما بينته الحياة, حيث الديمقراطية قيمة إنسانية عامة يجب أن يكون التنافس في المجتمع من خلالها بين الرجعي والتقدمي على حد سواء ولا يجب مصادرتها من احد بأية حجة كانت.
3- الزج بقطاعات جديدة في دائرة العمل السياسي وخصيصا بين النساء اللواتي يشكلن نصف المجتمع وهو موضوع ما تبقى من كتابنا.
قد يسأل قارئ ما هو السبب الذي دعا الكاتب أن يقتصر في دراسته حول تحرر المرأة على فترة الرابطة مع أن فترة حزب العمل أكثر غنى في هذا الموضوع, فعلى سبيل المثال لا الحصر إن كان قد تم اعتقال عشرة فتيات فترة الرابطة لمدة شهور فقد تجاوز عددهن سبعين فترة حزب العمل ولمدة سنين, وان كان لب تحرر المرأة هو التحرر الجنسي فقد كثر اللغط والحديث في الشارع السوري عن ممارسات الرفاق فترة الحزب أكثر من فترة الرابطة.
مبرراتي عديدة أسوقها للقارئ عله يشفع لي.
1- لقد عشت فترة الرابطة كلها وأنا محترف ثوري داخلها رغما عني, وعايشت تلك الفترة وسأحاول رصد نبضها الداخلي وحوارات كوادرها كما جرت بأمانة وحتى ممارساتهم, في حين لم أعش تلك الفترة. فترة حزب العمل داخل التنظيم بل داخل السجن, وبالتالي الأولى بمن عاش تلك الفترة أن يكتب عنها فستكون كتابته أجدى من كتابة من يحاول أن يجمع المعلومات عنها من خارجها, وأنا متيقن بان الكتابة عن تلك الفترة ستحصل عاجلا أم آجلا من قبل رفيقات ورفاق حزب العمل الشيوعي.
أنا شخصيا اعتبر فترة رابطة العمل الشيوعي فترة الحلم المشروع بالتغيير في سوريا والذي تحول إلى كابوس فترة حزب العمل الشيوعي على الصعيد السياسي والاجتماعي. والتاريخ لا يرحم ولا يأبه للأخلاق والرغبات. كانت مرحلة قول الحقيقة كل الحقيقة للجماهير مفيدة فترة الرابطة لو أنها مهدت لفترة جديدة يتم العمل السياسي فيها بناء على أن الحقيقة بالنسبة للتنظيم السياسي هي سياسية وعليه أن يعمل من اجل حماية أعضائه وكوادره ويجعل جذور تنظيمه قوية في تربة واقعه, يصعب اقتلاعها مستقبلا, وبالتالي كان المطلوب من الربطة استكمالا لنهجها السياسي بعد المؤتمر أن تنتقل باتجاه المساومة السياسية. كان المطلوب نقلة نوعية على مستوى السياسة موازية لنقلتها النظرية عندما أنتجت تقرير آب. كان المطلوب التخلي عن تلك الأصولية اللينينية، وإنتاج خطاب ولغة سياسية عقلانية في التعامل مع السلطة ومع القوى الوطنية المعارضة. كان المطلوب انسجاماً مع فهمها فتح حوار جدّي مع السلطة على أرضية العداء لكامب ديفيد وأدواته الداخلية والخارجية كما هو محدد في أدبيات المنظمة. وكان من الممكن تسمية الحوار مساومة تشرح فيها أبعادها لجماهيرها وللقوى السياسية وللسلطة أيضاً، وتسمي سبب المساومة، بسبب شكل التحالف القائم في الجبهة الوطنية التقدمية. وبموجب تلك المساومة تتعهد المنظمة بوقف كافة أشكال التحريض ضد السلطة ورموزها، ولكنها لن تدخل الجبهة حتى تختبر نوايا وجدية السلطة من خلال الممارسة على الأرض والسماح لها بتعبئة الشارع ضد الرجعية، وضد أدوات التسوية الخارجية التي تواجهها السلطة. وبمقدار ما تلمس جماهير المنظمة مصداقية السلطة في أقوالها وترك المنظمة وشأنها ما دامت ضد الرجعية والإمبريالية فقط، بمقدار ما يتعبّد الطريق نحو تحالف مستقبلي صحيح.
تلك المساومة لو تمت لاستفاد الطرفين منها آنذاك، فالسلطة تُشل صوت معارض وجريء في قول الحقيقة، ولم تكن تطمح أكثر من ذلك إبان ضعفها واشتداد الصراع مع الجهة الأخرى. والمنظمة لن تخسر إلا بعض رفاقها مؤقتاً، المكويين من قمع السلطة والذين تحلقوا حولها في الماضي بسبب مواجهتها الشجاعة لهذا القمع أكثر مما تحلقوا حولها بسبب قناعتهم بإستراتيجية المنظمة الشيوعية.
لو تم ذلك، لتراجعت المنظمة تنظيمياً آنذاك، ولكن الرابح مستقبلاً كان المنظمة والوطن أيضاً.
مع كل أسف أقول أن الحزب عاد إنتاج دعاوته النظرية والسياسية التي ترتكز على قول الحقيقة كما كانت فترة الرابطة فعاد العمل بمبدأ الفعل ورد الفعل ولكن اذا كانت فترة الرابطة المأساة فان فترة الحزب كانت المهزلة. سأدعم وجهة نظري بذكر خطأين وقع فيهما الحزب ولم يتم حتى كتابة هذه السطور أي نقد لهما من قبل لحزب
1- ما عرف بعملية صارم في الحزب, صارم كان رفيقا حزبيا نشيطا في صفوف الأقلية ولكنه انهار بعد حملة عام 1984 التي استخدمت فيها أجهزة الأمن تعذيبا نوعيا, وتعامل مع أجهزة الأمن وسبب ضربات شديدة لكوادره. وبعد افتضاح أمره شكل الحزب محكمة حزبية لمعاقبته, وقد عاقبوه بطريقة مشابهة لعقوبات أجهزة الأمن !!!!
2- فصل وطرد وتشهير برفاق لهم تقدموا بمبادرة سياسية إلى السلطة من داخل سجن تدمر وهم مازالوا في سجن عسكري أشهر من أن يعرف !!!
المفارقة أن احد مبررات رابطة العمل الشيوعي كفصيل شيوعي في الساحة السورية هو بيروقراطية بكداش. فإذا بهم عند المحك يمارسون بيروقراطية ستالينية أبشع بكثير من ممارسة بكداش
والخطأ في السياسة يحصل داخل أي تيار أو تنظيم في صيرورة الممارسة - وحده من لا يعمل لا يخطىء – لكن مع الأسف الشديد تحول الخطأ إلى نهج سياسي, والدليل على ذلك ما انتهى إليه واقع الحزب الحالي, يعلم كل مهتم في الشأن السياسي السوري أن حزب العمل انتهى كوجود تنظيمي على الأقل داخل سوريا في حملة عام 1992 بعد بيانه الشهير – عرس الديكتاتورية – وظل الأمر كذلك حتى خروج كوادره جميعا من السجن باستثناء الدكتور عبد العزيز الخير, وبعد استلام الدكتور بشار الأسد السلطة وما تبعه من حراك سياسي نسبي, كان لكوادر الظاهرة دور فيه كالعادة من خلال جديتهم المعروفة, في هذه الأثناء تداول الكثير موضوع واقع حزب العمل وكيفية النهوض بالتجربة من جديد, وكنت من بين المعنيين بهذا التاريخ وتقدمت بموضوعة عنوانها – إعادة بناء حزب العمل – وطالبت فيها بان تكون أي خطوة جدية منسجمة مع روح العصر وشفافة وعلنية وان تكون ديمقراطية واقترحت عقد كونفرنس عام يدعى إليه كل من له صلة تاريخيا بالظاهرة ويرغب في ذلك, بعدها تقدمت بكراس تحت عنوان – حزب العمل الشيوعي: رؤيا من الداخل _ تعمدت توزيعه في إحدى جلسات منتدى الأتاسي على كل من هو مهتم بظاهرة رابطة العمل الشيوعي وما بعده ومما جاء فيه ص 58.
((أصدر الأخ فاتح كراسا اثر خروجه بعنوان :أي حركة سياسية ؟!أي حزب نريد؟!. كيف نبدأ. من أجل استنهاض الحزب... ولقد تعمدت في دراستي هذه أن أتجنب تلك الكلمة لأنني شخصياً أتشاءم منها فهي تذكرني بأحرج فترة في حياتي وحياة الحزب. التوزيع القطاعي والتحريضي للراية الحمراء وقت صدورها أسبوعياً، والتي تستند على خلفية نظرية تقول باستنهاض الحركة العفوية، وبالطبع كان وراء هذا التنظير، الرفيق فاتح. وكان هناك معارضون يرون بأن دور الحركة السياسية هو التلاقي مع الحركة العفوية، وتعبئتها وتنظيمها، دون أن تتقدم أو تتأخر عنها. ولكن وجهة نظره كانت هي السائدة تقريباً في كل تاريخ الحزب، وعليها بني تحريضنا الواسع والذي كلفنا ما كلفنا...
أنا شخصياً في هذه الدراسة لا أودّ أن أستنهض أحداً، بل أن أتلاقى مع كل من يرغب، ولديه الاستعداد التام لتقييم هذه التجربة، ومن ثم الانطلاق بها من جديد إن أمكن. الفرق كبير بين الاستنهاض والنهوض، والمسألة ليست فذلكة لغوية. )) ولكن ومع الأسف الشديد علمت بأول بيان صدر عن الحزب يعلن فيه استئناف نشاطه السياسي من احد الأصدقاء الذين لا علاقة لهم تاريخيا بالظاهرة.
ولا يخفى على أي متتبع أن رفاق الحزب الجدد هم تيار تاريخي داخل الحزب ويمثلون التيار الشيوعي الأقرب إلى المدرسة الكلاسيكية, تبقى فضيلتهم إنهم يريدون العمل حقا بالسياسة في حين لم يستطع الاتجاه الآخر حتى أن ينبري لهذا النهج ويساجله كما كان الأمر تاريخيا في الظاهرة, مع أن الكثيرين منهم ناشطون سياسيا.
تبقى قناعتي بان دراسة تاريخ الظاهرة واستخلاص الدروس منها أمر مطلوب لكل من هو مهتم بالشأن العام السوري. ومن هنا كان هذا الجهد المتواضع في مجال محدد هو تحرر المرأة
ولكنني على يقين أن الكثيرين سيغمزون من قناتي بقولهم : إن الظرف غير مناسب لهذه الشفافية والعلنية وقد تستفيد منه السلطة , وردي عليهم مسبقا بالقول : لا يحق لهم أن يقولوا ذلك في الوقت الذي يهاجموا فيه السلطة لأنها تعتبر أن التوقيت غير مناسب لاعتصام في الشارع يطالب بإلغاء قانون الطوارئ ؟؟
ملاحظة : هذا فصل من كتاب سيصدر لاحقا بعنوان – اليسار السوري وتحرر المرأة -
( رابطة العمل الشيوعي نموذجا )
كامل عباس - اللاذقية



#كامل_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار السوري والتحرر الجنسي
- الطريقة السورية في تكريم المثقفين عند بلوغهم سن الستين
- الخف الوطني
- إذا كان بيتك من زجاج فلا ترجم بيوت الناس بالحجارة
- متى يصبح مناضلونا موضوعيين تجاه المفكرين الأمريكيين أمثال هن ...
- احتراف ثوري على طريقة ما العمل في مدينة حماه عام 1977
- اليسار السوري وتحرر المرأة
- أين تكمن مصلحتنا ؟
- علاقة الداخل بالخارج الراهن والآفاق
- المرأة في التاريخ السوري
- الماركسية وتحرر المرأة
- مؤشر جديد على اتجاه الخصخصة في سوريا
- الاخوة الأعداء داخل إعلان دمشق
- إنها تمطر في سانتياغو- بطاقة حب لليسار التشيلي
- مكر التاريخ عبد الحليم خدام نموذجا
- جلطة شارون واللغة الفارغة والمعاني الخادعة
- مأزق العولمة اللبرالية أم مأزق مناهضي هذه العولمة ؟
- الاحتلال الخارجي للعراق أرحم من كل الاحتلالات الداخلية العرب ...
- لكلٍ منطقه في الدفاع عن قناعاته
- دفاعا عن اعلان دمشق


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - كامل عباس - تعريف برابطة العمل الشيوعي في سوريا