أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تحت خوذة منخوبة














المزيد.....

تحت خوذة منخوبة


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فتحة سماوية كبيرة تشبه النهاية, من الصعب على الرائي ان يخمن وجودها في خوذة لجندي بدأت من أسفل. جميع فتحات القتل إما جانبية او من عل؛ تلك هي قواعد الحرب على أية حال كما وردت في كراريس التعبئة العسكرية. فتحة لا تصلح للتهوية.
كانت الخوذة قد تدحرجت إلى مسافة طويلة نسبيا لتستقر في حفرة ما قليلة العمق؛ خوذة لجندي احترقت دبابته وحاول الخروج منها بلا جدوى، كانت النار قد حولته إلى تشكيل بشري ما؛ تجد جثته قد تدلت متفحمة مدة في أفق الأرض الحرام مثل كائن ما رسم بالحبر الصيني لبيكاسو. كان من الصعب أنقاذه. كان حالة خاصة للنهاية. ومن الصعب تحويله إلى حروف.. تحولت الأرض بعد مدة اخرى من الزمن إلى سخام لا معنى له حتى بات من الصعب التعرف على معالم الجثة من بعيد.
الكتابة عن الحرام الآن محض ذكرى..
ترى كيف يمكن لكاتب أو مصور أو مؤرخ حوادث معزّزة بالصور الفاضحة للموت أن يستمر في مهنته التي تشبه إلى حدّ ما تسطير ما يرى او ما يراه آخرون بعين اكثر دقة، وهو يحدّق بالموت اللحظي يسير في العالم كقطار إلهي هادر لا نهاية له؟
كان المراسلون الحربيون ينقلون الزيف دائما.
كان الجنود الرائون الموتى والاحياء في الخطوط الامامية اكثر الرائين للهول.
ليس ثمة حقيقة هناك
أبدا
كان هولا من حديد ونار وجثث
ربما كان ذلك العراقي الدامع العينين - الآن - الواقف قبالة نهر دجلة وهو ينتظر جثة لرجل موظف مختطف في منشأة النصر اكثر من أي كاتب إدراكا لهول الخوذة السماوية المثقبة هذه المرة التي تغطي العراق منذ عام 1980 وحتى لحظة الانتظار للموتى. وما زالت تلك اللحظات من الترقب قائمة على نحو أشد واكثر رهبة من أي وقت مضى. وحينما قوبل ذلك العراقي ليعبر ببساطة عن دواخله في لحظات الانتظار المبهمة، وبعد أربعة أيام من هول امواج النهر وعواصف الذكريات وقفز السباحون لألتقاط جثث طافية.. لم ينبس ببنت شفة لكنه عندما عجز مراسل الفضائية عن ابتكار حيلة ما للحديث غادره على عجل إلى آخر من المنتظرين، فبقيت كلمة: لماذا نحن من دون الناس كلهم يحدث لنا هذا متيبسة على شفته؟؟
في كلّ مرة يتراكض معه المنتظرون للتعرف على مغدور طاف سائر على سطح الماء الخابط مثل كرة سوداء..
كان العراقي الرائي يحدق في السماء دائما، كأنما يريدها ان تكون معه في تلك اللحظات، أو يستغيث بها بلا جدوى من هول ما كان وما سيكون.. لم يعد للبكاء والعويل معنى.
ولكن أية سماء هي الآن؟
لا شكّ بأنها فضاء مختلف اللون غريب التحدب، غامض حدّ الإبهام المطلق أيضا، فريدة في غرابتها: سماء حمراء مائلة للأصفرار او صفراء مائلة للاحمرار: سيان في حالة التحديق العميق والدائم بالمصير الإنساني. بكى من جديد وكان لطعم البكاء ملح النهر القديم الهائج المسمى أمواج النمر في العصور القديمة.
لم تكن الكتابة منذ البداية غير فعل إلهي من اجل البقاء على قيد الذكرى. من يتذكر ذلك بعد مائة عام؟ بعد الف عام؟ سنذهب جميعا دون انم نسجل ما يكفي من الهول.. ولم تكن فكرة البقاء لألف عام او ألفين وهمة بعد ان سار التاريخ الإنساني عميقا ومتسارعا في الآونة الأخيرة حتى ان الأحصاءات تشير إلى ان حجم الإنجاز الكتابي في القرن العشرين ربما هو يفوق حجم الإنجاز الإنساني منذ بدء عمليات الكتابة على الكهوف وحتى يومنا هذا.
أية كتابة على كهف العالم تكون
تبقى قليلا
لا تعبث بها الريح
غير كتابات الموت؟
فالسؤال المهم الدائم من نحن بعد خمسين عاما من الآن او بعد مائة عام أو ألف عام؟ ماذا لو احضرت عراقيا من مواليد القرن التاسع عشر إلى بغداد الآن؟ هل يقف معك بانتظار جثة عراقي آخر؟
تريد أن تري كلّ الهول للجميع
ليس بإمكانك ذلك
لكن احدا ما
يستطيع
في لحظة خاصة من هول
آخر
ربما
لم تكن سماء مثقبة كخوذة بالطلقات الكونية أو الأرضية بل هي خوذة قديمة وصدئة لجندي محترق وسط دبابةT55 روسية صنعت بعد الحرب العالمية الثانية، وهي لم تجهز إلا بما يراد لتلك الحرب من معدات موت سريع. هبط الجندي لائذا بروحه في محاولة اخيرة للهرب من هول الصاروخ الذي دمر البرج؛ كانت جثته متدلية سوداء وسط أرض أصبحت حراما في حين تدحرجت الخوذة السماوية بعيدا بفعل الصدمة كشاهد على ما تبقى من معارك خاسرة ومجنونة.
ليس ثمة مكان للجنون في المارستانات القديمة ولا في مشافي الامراض العقلية وليس ثمة موسيقى للعلاج ابتكرها توما الاكويني؛ الجنون هنا:
معارك لا معنى لها
دماء تشخر بلا معنى
للدم رائحة العفن بعد المعارك
للمعنى رائحة أيضا
وللروح حفيف
معارك من سخام
معارك من نار
معارك من صراخ لا نهاية له
هي الباقية في هواء الأرض
فقط
خوذة واحدة متدحرجة
فقط
من زمن قابيل؟
ربما
من زمن أقدم؟
ربما
جاءت مع السيد آدم؟
ربما
الربتمات كثيرة هنا
أغترفوا ما تشاؤون من احاديث الجثث والخوذ.
من الجنون في صحراوات غريبة.
تنتقل الخوذة العجيبة هذه المرة إلى جميع مدن الوطن بلا استثناء، تتدحرج من مكانها القديم بسرعة هذه المرة. كأنما لم يعد ثمة ما يكفي من موت في الصحراوات والهضاب والأنهار والجبال والأهوار ليأت دور المدن. أية خوذة سماوية منخوبة تضللنا الآن؟ ويبقى سؤال:
لماذا نحن؟



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوسف الصائغ من الشيوعية إلى الفاشية ..لماذا غير خطّ سيره؟
- إحمد ربك كاكا كمال كريم لست شروقيا
- تعال إلى انسية زارالولو
- جدل العلماني/الديني: علي الوردي ومحمد باقر الصدر
- إلى العراقيين الذين ينامون وارجلهم بالشمس: من ينهب العراق ال ...
- الرأي العام في العراق الآن
- الإعلان الرسمي للحرب الاهلية في العراق
- الكتاب المستقلون العراقيون.. لماذا؟ وإلى أين؟
- ميكروسكوب عراقي- عراق الداخل
- بيان إلى (بلابل جنجون
- الاواني المستطرقة
- أدب الحرب العراقي:كتابات إنسانية ام اكذوبة حكومية؟
- دراسات في الفكر الوطني
- الأوتجية واللوكية
- سياسات دمقرطة الشرق الإسلامي،طروحات الولايات المتحدة حول (ال ...
- شعارات القطيع الاسمنتية - سياسات إفراغ المحتوى الإنساني- الع ...
- توماس فريدمان: قناعاتنا الأميركية بازاء عالم متغيّر
- الأغلبية الصمتة في العراق دراسة سياية وميدانية
- قراءة في كتاب ( علي ومناوئوه) المنهجيتان العلمية والتقليدية
- الليبراليون العراقيون: طريق غير ممهّدة وسير متعثر


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تحت خوذة منخوبة