أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، للامة العربية















المزيد.....



المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، للامة العربية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 1607 - 2006 / 7 / 10 - 11:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المسيحية: البوتقة الايديولوجية ـ
القومية، الاولى والاساسية،
للامة العربية
جورج حداد*
بعد احداث 11 ايلول 2001، وعن قصد او غير قصد، زل لسان الرئيس الاميركي جورج بوش بعبارة "حملة صليبية جديدة" ضد ما سماه "الارهاب الدولي". وفي الحال التقطت آلة الاعلام الضخمة لاميركا، وكذلك اجهزتها السياسية ـ الامنية الجبارة، هذه الاشارة، لتبدأ حملة شعواء ضد العرب والاسلام، لمـّا تتوقف باحتلال افغانستان والعراق.
وفي الوقت نفسه يعلن "الشيخ" اسامة بن لادن "الجهاد" ضد الصليبية والصهيونية، ويدعو الى تطهير الارض العربية من اليهود والنصارى، الذين يطابق بينهم وبين الصليبيين.
وبعد انفجار الاصطدامات في النجف الاشرف، في 2005، بين قوات الاحتلال الاميركي والجماهير الشيعية بقيادة مقتدى الصدر، صرح المندوب الاميركي حينذاك السيد بول بريمر، بأن مقتدى الصدر هو شخص خارج على القانون.
اما السيد مقتدى الصدر ذاته، فقد رد، ضاحكا او هازئا من السيد بريمر، بأن الاخير لا يفهم القانون، لأنه هو نفسه خارج "الشريعة".
لغتان مختلفتان. حوار طرشان. برج بابل جديد.
في مثل هذه المتاهة، تصبح الحقيقة التاريخية هي الضحية الاولى: إذ يحصل انطباع سطحي، بأن هناك بالفعل مسألة "صراع حضارات"، وبشكل اكثر تحديدا بين العرب ـ المسلمين، وبين المسيحية، التي تقودها "روما الجديدة"، الاميركية.
واخطر ما في هذه المتاهة هو خلق الانطباع الخاطئ، بأن الاسلام هو الدين القومي الوحيد للعرب، وبأن المسيحية هي ظاهرة غربية، غريبة على العرب، ودخيلة ومستوردة في بلادهم.
واذا تجردنا جدلا عن سطحيات المتاريس الفكرية والسياسية، بالرغم من كل دمويتها، نجد ان غربان "الحضارة" الامبريالية ـ الصهيونية، من بوش الى هنتنغتون الى كيسنجر الى بريجنسكي، يلتقون في الصميم مع غربان الظلامية (المسماة عن "خطأ" متعمد "الاصولية") "الاسلامية!"، حول نقطة جوهرية هي: نكران عروبة المسيحية، وتغريبها وادعاء غربيتها.
ولعله من الضروري على هذا الصعيد الاشارة الى إفرازات الحرب اللبنانية، التي حاول فيها بالفعل احد الاجنحة "المسيحية" المزيفة ان يربط مصير المسيحيين بعجلة اسرائيل والامبريالية الاميركية. ولكن هذا الجناح باء بالفشل، بفضل تضحيات ووعي المقاومة الوطنية ـ الاسلامية، وبفضل الوعي الوطني والقومي لدى مختلف الفئات الشعبية اللبنانية، ولا سيما لدى البطريركية المارونية وغيرها من القيادات المسيحية الاصيلة والغالبية الساحقة من الجماهير المسيحية.
ومع ذلك، فإننا نرى للاسف، انه لا تزال تترى من حين الى آخر بعض التصريحات من قبل "الشيخ" أسامة بن لادن واناس اخرين من "مدرسة" قاطعي الرؤوس كالزرقاوي واشباهه، التي تخلط بين النصارى والصليبيين، وتهاجم الجميع معا بدون تمييز، ولا سيما بدون تمييز بين المسيحيين العرب وبين الصهيونيين والامبرياليين الاجانب. ومثل هذه التصريحات تساعد على استمرار لوي عنق الحقيقة، التاريخية والراهنة. وهي ـ شاء اصحابها ذلك ام لا ـ تصب موضوعيا في مصلحة اعداء الامة العربية، ليس فقط لانها تسهم في شق الصف الجماهيري العربي، بل وخاصة لانها تسهم ايضا في "تبييض صفحة" الطغمة العليا الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية، بالتسليم المسبق لها بدور ليس لها وهو: دور الممثل الحصري للمسيحية، بما فيها المسيحية العربية.
وهذا يجعل من الضروري تسليط الضوء على المسيحية منذ نشأتها، وعلاقتها الاصيلة ـ منذ ما وجدت ـ بالعرب والعروبة، وبالنضال التحرري الحضاري للعرب.
XXX
بشكل عام، كان ظهور المسيحية معلما تاريخيا جوهريا للتحضر الذاتي للانسانية، وللاتجاه الانساني نحو الانتقال من الهمجية الى الحضارة. ولهذا فإن المسيحية، في عملية وجودها وتجددها، هي ايضا معلم للنضال المستمر من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والمناقبية والكرامة الانسانية.
وكل شعب مسيحي يعتبر انتقاله من الوثنية الى المسيحية، بوصفه تحولا ايجابيا، وانتقالا الى خيار تاريخي تحضّـري.
ولكن اذا انتقلنا من هذا المعلم العام الى الوسط العربي، بمعناه الاوسع الذي يشمل ما نسميه اليوم:العالم العربي او الوطن العربي الكبير، وسألنا: متى تقبـّل العرب المسيحية؟ سيكون سؤالنا غير دقيق وغير صحيح.
والاصح هو أن نبحث عن مكانة المسيحية في التاريخ والثقافة العربيين، وعن دور العرب في ظهور وانتشار المسيحية، بصرف النظر عن الديانة التي ينتسبون اليها، وأن نسأل: متى وكيف ولماذا وجدت المسيحية، اول ما وجدت، في البيئة العربية تحديدا؟
وباختصار، يمكن القول مباشرة: ان المسيحية كانت "نبتة اجنبية" زرعت في التربة الوطنية لكل شعب من شعوب العالم، الا العرب. ذلك ان المسيحية، تماما كما والاسلام ولكن قبله بقرون، هي "نبتة وطنية" عربية ظهرت ونشأت في التربة الوطنية العربية، وفي الظروف الخاصة لتلك التربة. وانطلاقا من هذه التربة بالتحديد، اي انطلاقا من البيئة والارض العربيتين ظهرت المسيحية وانتشرت في باقي ارجاء ما يسمى اليوم "العالم المسيحي".
وفي وقت لاحق، قامت الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية، بدوافع سلطوية ـ سياسية ـ عسكرية ـ اقتصادية، بنقل "مركز السلطة الكنسية" المسيحية من الموطن الاصلي للمسيحية، القدس وفلسطين والشرق العربي، الى روما، العدو اللدود للمسيحية والمسيحيين طوال القرون الاولى لنشأة المسيحية. وليس ما يشبه هذا الفعل الامبراطوري الروماني سوى قيام "المسلمين!" المزيفين، اي العثمانيين، فيما بعد، ولدوافع سلطوية امبراطورية ايضا، بنقل مركز الخلافة الاسلامية من الارض العربية الى ما يسمى "الاستانة" (اسطمبول = القسطنطينية السابقة) المغتصبة من الاغريق. ولكن هذا الفعل الاغتصابي وذاك، في اطار المسيحية والاسلام على السواء، بكل ما فيه من اجحاف بالحقوق الحضارية التاريخية للعرب، ومن طعن وامتهان للحقيقة التاريخية، الا انه لا يغير حرفا في هذه الحقيقة، بل يؤكدها تماما. ومع كل جبروت "روما الجديدة" ـ اي اميركا ـ فإنها هي ايضا لا تستطيع ان تغير هذه الحقيقة، وبالتحديد حقيقة عروبة المسيحية، لسبب بسيط جدا هو ان احدا، حتى اميركا، لا يستطيع ان يغير الانجيل المقدس واطاره التاريخي: القدس وفلسطين والارض العربية. والشيء ذاته يقال عن الاسلام والقرآن الكريم.
نخلص الى القول إنه بالرغم من اغتصاب "مركز السلطة الكنسية" ونقله الى روما، فيما مضى، وكل ادعاءات القيادة الغربية للمسيحية في العصر الراهن، فإن المسيحية لم تكن في يوم من الايام ظاهرة "اجنبية" مستوردة بالنسبة للعرب. لانه، وخلافا لأي شعب مسيحي اخر، فإن العرب، في "انتقالهم" الى المسيحية، لم ينتقلوا الى ديانة اجنبية، لسبب بسيط، هو انهم هم بالذات، بمعنى ارضهم التاريخية والجماعات التي عاشت فيها والتي تتكون منها الامة العربية المعاصرة (فلسطين، سوريا، شرق الاردن، العراق، مصر، الخ) وأجدادهم، العرب الاقدمين (السريان، الآراميون، الكنعانيون، الفينيقيون، المصريون، اهل الصحراء العربية الخ) يمثلون البيئة الجغرافية ـ الديموغرافية، الثقافية والانسانية، التي ولدت فيها، وحفظت فيها الى اليوم، المسيحية الاصيلة. وبكلمات اخرى فإن العرب لم "ينتقلوا" الى مسيحية ولدت في بيئة اخرى، بل ان المسيحية هي التي وجدت فيهم وبهم.
ان العبادات الوثنية السابقة كان لها مئات الآلهة، حيث كان لكل قبيلة او منطقة او اتنية اكثر من إله في الغالب. وهذا ينطبق على جميع الشعوب القديمة، بما فيها العرب. وكان يتم التوحيد الايديولوجي ـ الديني، ومن ثم الاقتصادي والسياسي، للدول المركزية، او المناطق ذات المصالح او الاصول الاتنية المشتركة، عبر احدى الآليتين التاليتين، او كلاهما معا:
ـ تأليه الحاكم؛
ـ وجمع مختلف الآلهة في بانثيون (هيكل ـ معبد مشترك) واحد.
وبصورة ما، كانت "الكعبة" في مكة المكرمة قبل الاسلام اشبه ما يكون ببانثيون العرب. وأي تحليل تاريخي، من اي زاوية كانت، يثبت ان المسيحية (في الرقعة الجغرافية العربية العظمى، تحديدا)، كسرت، لاول مرة في التاريخ، هذه القاعدة، إذ كانت هي اول ديانة توحيدية "قومية" جامعة للامة العربية، بكل اصولها القبلية والاتنية والشعوبية، بمعزل عن السلطة المركزية، وضدها، وبمعزل عن "الآلهة" الوثنية، وضدها.
ХХХ
ولا شك انه، بالتسلسل الزمني، فإن الديانة اليهودية هي الديانة التوحيدية ـ الإلهية الاولى، قبل المسيحية. في حين ان الاسلام هو الديانة التوحيدية الثالثة. وهنا علينا ان نتوقف عند الملاحظات الاساسية التالية التي "تجمع" و"تفرق" بين اليهودية والمسيحية والاسلام:
اولا ـ ان نقطة التركيز في موضوعنا ليست التوحيد ـ الالهي بحد ذاته، بل التوحيد ـ الالهي كديانة قومية. واليهودية، كدين توحيدي سماوي، تلتقي في ذلك مع المسيحية والاسلام. ويعود لها فضل الاكتشاف التوحيدي ـ الإلهي. الا ان اليهودية، التي ولدت ايضا في البيئة السكانية ـ الجغرافية العربية، فشلت في ان تتحول الى دين قومي جامع للعرب. وسننظر في ذلك لاحقا. ولكن هذا الفشل لا يمنع التأكيد إن اليهودية هي ايضا ابنة البيئة العربية، اتنيا وحضاريا ودينيا. وبذلك فإن الاكتشاف التوحيدي ـ الإلهي ذاته، وبيهوديته ذاتها، هو نتاج عربي الاصل والفصل. والتسمية الرمزية التي وضعها المستشرقون الغربيون، ونعني بها: تسمية "الساميـّة"، التي تجمع الغالبية الساحقة من الجماعات الاتنية والشعوبية المكونة للامة العربية + اليهود العبرانيون، ما هي سوى تسمية شرطية غربية للجماعات العربية القديمة التي كانت القبيلة العبرانية جزءا منها. والقصص التوراتية ـ الانجيلية ـ القرآنية ذاتها، عن الجد الواحد ابرهيم، وعن سارة وهاجر، ويعقوب واسماعيل، والحكايات التقليدية عن ابناء الست وابناء الجارية، وابناء الحضر وابناء الخيام، تؤكد عروبة الديانة التوحيدية ـ الالهية، منذ صيغتها اليهودية ـ العبرية، مرورا بصيغتها المسيحية، وصولا الى صيغتها الاسلامية. وان تعبير "عربي"، في المدلول اللغوي الاصلي "السامي" ذاته، يلتقي تماما مع مدلول تعبير "عبري"، حيث يدل كل من التعبيرين على التنقل او الارتحال، وهو ما وصفت به وكانت عليه غالبية القبائل العربية (="السامية") القديمة، ومنها العبريون. وقد لقيت هذه الديانة التوحيدية ـ الإلهية، اي اليهودية العبرية، في بداياتها، المحاربة من قبل روما، كما من قبل السلطات الاستبدادية الشرقية المحلية، مثلما لقيته المسيحية والاسلام لاحقا. والمأثرة الرئيسية للمسيحية انها، وفي صراع مصيري مع روما، ومع الطغمة اليهودية العليا، ومع ارباب الديانات الوثنية، على السواء، عممت الديانة التوحيدية ـ الإلهية للمسيح على كل العرب. ونظرا للموقع الجغرافي الوسيط للامة العربية، ولتعدديتها الحضارية والاتنية والشعوبية، كان تعميم المسيحية عربيا، شرطا تاريخيا مسبقا وضروريا وخطوة اساسية لتعميمها الانساني.
ثانيا ـ من المؤكد ان اليهودية العبرية قد سبقت المسيحية الى الدين التوحيدي ـ الإلهي. ولكن هذه الاسبقية الزمنية جعلتها في الوقت نفسه تدفع ما يمكن تسميته "ضريبة تاريخية"، في انها ـ اي اليهودية ـ قد دعت الى الاله الواحد الاحد، على المستوى الفكري والذهني والايماني الماورائي، الا انها على المستوى الانساني ـ الاجتماعي، لم تكن توحيدية، إذ اعتبرت ان يهوه هو حصريا "إله اسرائيل"، اي انه إله عبراني قبـَلي، مثله مثل اي اله قبـَلي وثني آخر. وبهذه الصفة "القبـَلية" للديانة اليهودية في منشئها، ومسلكها، لم تستطع التحول الى ديانة انسانية جامعة، لانها لم تستطع، وهي في بيئتها "الطبيعية" الاولى، اي العربية، ان تتحول الى ديانة قومية عربية جامعة. وهذا بالرغم من ان بعض القبائل العربية الاخرى، او اجزاء منها، قد تبنت في وقت من الاوقات اليهودية، ولكن من موقع التفضيل الديني والعنصري لـ"بني اسرائيل" على كل ما عداهم من القبائل العربية الاخرى، وبالتالي سائر المجموعات البشرية.
وهكذا، بدلا من ان تكون الدعوة الى الاله التوحيدي اليهودي، عامل توحيد للقبائل والاتنيات والاقوام العربية غير العبرانية، كانت على الضد من ذلك تماما: عامل تفرقة جديدة، أضيفت الى عوامل التفرقة والاحتراب القبلي، المؤدلجة دينيا في مختلف الآلهة القبلية الوثنية. وهو الوضع الذي كانت مختلف القبائل والاتنيات والاقوام العربية تطمح الى التخلص منه. بل ان "علوية" الإله اليهودي الجديد، طبعت مسلك القبيلة العبرانية بنوع من التعالي المطلق والشوفينية القبلية ـ الدينية، وهو ما وجد انعكاسه في الدعوات التوراتية القاسية والشريرة، الداعية الى ابادة الفلسطينيين، رجالا ونساء واطفالا، زرعا وضرعا. وهي عنصرية مطلقة اخذت عنها وقلدتها، بعد ثلاثة آلاف سنة، عنصرية هتلر ذاته، الذي كان يفاخر الشعب الالماني بأنه "عطية سماوية" لن تتكرر الا بعد الف سنة جديدة!!
ثالثا ـ ان المسيحية، من خلال ما عبرت عنه نظرية "التجسد"، نقلت الانسان الى مستوى "قيمي" جديد، يتجاوز "التوحيد" اليهودي و"التعددية" الوثنية معا، وذلك:
أ ـ انها اعطت للكائن البشري، اي لـ(الانسان ـ ابن الاله = الاله ـ ابن الانسان)، مرتبة علوية، إلهية او شبه إلهية؛ وبالتالي فهي قد حررت الانسان "في ذاته"، حتى لا يكون بعد الان عبدا صاغرا لرجال الدين ـ "الوسطاء المعصومين" الناطقين باسم "الاله"، القبلي او الكوني، ولرجال الحكم ـ الذين يستمدون سلطتهم المطلقة من ذلك "الاله" ذاته.
ب ـ انها حطمت، لأول مرة في التاريخ البشري، الحواجز القبلية والاتنية والعرقية، التي كانت الديانات الوثنية، واليهودية من ثم، تكرسها.
وهذا ما اهـّل المسيحية كي تخرج ليس فقط من ـ وضد ـ الاطار الاسرائيلي، بل وضد كل اطار ضيق آخر، وان تتحول بسرعة الى اطار (حضاري ـ اجتماعي) قومي ـ انساني جامع لجميع مقومات الامة العربية القديمة. وفي هذا السياق ينبغي الملاحظة ان السيد المسيح ذاته لم يكن يتحدث العبرية، بل كان يتحدث الآرامية، احدى اللغات القديمة المشتقة من اللغة العربية الاصلية الاقدم، اللغة ـ الام، التي اطلق عليها المستشرقون الغربيون رمزيا تسمية "السامية"، والتي، من زاوية نظر معينة، يشبه دورها الالسني التاريخي دور اللغة اللاتينية القديمة حيال اللغات الاوروبية المشتقة منها. وقد لقيت الآرامية في تلك الازمان اوسع انتشار في كافة ارجاء العالم القديم الذي يمثله العالم العربي اليوم، مما ساعد على انتشار المسيحية. لقد شكلت اليهودية عامل إزعاج للامبراطورية الرومانية وغيرها من الممالك الاقليمية القديمة. الا انها إستغرقت غالب قوتها في الصراعات ضد الاتنيات العربية الاخرى وفيما بين الاسباط الاسرائيلية بعضها ضد البعض الاخر. وذلك على خلاف المسيحية التي تجاوزت، منذ نشأتها، الاطار "التوحيدي" الاسرائيلي الضيق، ووجهت دعوتها الدينية وقوتها المناقبية نحو مختلف الاتنيات والاقوام.
ولحقبة زمنية طويلة، امتدت بضع مئات السنين، قبل تنصّـر روما، شكلت المسيحية، دينيا ـ حضاريا ـ سياسيا، الهوية القومية الرئيسية للعرب، بوجه السيطرة الرومانية الغربية، من جهة، كما بوجه التمزق القبلي والاتني والاقليمي الضيق، من جهة اخرى.
رابعا ـ بعد تنصـّر روما، في القرن الرابع الميلادي، وتحول المسيحية من دين للمحكومين فقط الى دين للحاكمين ايضا، ظهرت المسيحية الرسمية ـ مسيحية السلطة. ومنذ ذلك الحين بدأت هذه السلطة "المسيحية" تعمل بشكل دؤوب لـ"تغريب" المسيحية الاصلية، العربية، بمختلف الاشكال، كي تتلاءم مع مصالحها المعادية للامة العربية، لأن تلك السلطة كانت سلطة معادية للشعب، غريبة وغربية. ولكن هذه العملية لم تكن تتم بسهولة، بل في جو من الصراع المرير في صفوف المسيحية ككل. وقد اتخذ هذا الصراع اشكالا لاهوتية ومذهبية عديدة، وسالت فيه الكثير من دماء الرهبان ورجال الدين وعامة الشعب. الا ان الاسباب الجوهرية للنزاع كانت تتعدى الجانب اللاهوتي. وقد عبـّر هذا الصراع الدامي عن شكلين رئيسيين من التناقض:
أ ـ التناقض بين المحكومين والحاكمين، اي الشعب والسلطة.
ب ـ التناقض بين سكان البلاد الاصليين، العرب بمختلف فئاتهم، وبين السلطة الاجنبية.
في هذا الاطار الصراعي الدامي كان يجري اضطهاد الكثير من الملل والشيع المسيحية العربية المعارضة للسلطة الاجنبية المعادية للشعب. ولاجل تغطية هذا الاضطهاد، كان يتم اتهام هذه الجماعات بالهرطقة والزندقة والكفر الخ. وفي هذا الاطار العام بالذات ظهر الدين الاسلامي، ليكمل دور المسيحية العربية الاصلية في تعزيز القومية العربية بوجه السلطة الاجنبية المعادية للشعب.
خامسا ـ يظهر مما تقدم ان المسيحية العربية اضطلعت بدور الممهد التاريخي، الاجتماعي ـ الانساني والفلسفي ـ الديني، للاسلام.
ومن وجهة نظر تاريخية، فإن ظهور الاسلام، كمرحلة متقدمة في تطور المجتمع العربي القديم، هو ذاته يمثل "تأكيدا" و"استمرارا" للمسيحية، بوصفها اول ديانة توحيدية ـ إلهية قومية جامعة للعرب. وفي هذه الرؤية، ليس الاسلام ارتدادا عن المسيحية او نقضا لها، كما يدعي الصهاينة والامبرياليون، من جهة، وكما يدعي من جهة ثانية الظلاميون "الاسلاميون!" المتعصبون، الذين يبنون كل "وعيهم" و"ثقافتهم" و"ايمانهم" على الجهل الديني الحقيقي والعمى التاريخي والانساني.
XXX
طبعا ان هذا الموضوع، اي عروبة الديانة المسيحية، وأولويتها كديانة قومية عربية، هو موضوع كبير، ذو ابعاد مختلفة: تاريخيا، دينيا ـ فلسفيا، أركيولوجيا، ثقافيا، واخيرا وليس آخرا سياسيا. وفي هذا السياق، يمكننا التوقف باختصار عند بعض النقاط ذات الدلالة المميزة:
1ـ قبل ظهور السيد المسيح بتعليمه الجديد، ظهر على المسرح الانساني يوحنا المعمدان، الذي، جنبا الى جنب رفاقه وانصاره، وقف ضد السلطة الاستبدادية الرومانية، وفي الوقت نفسه ضد خدمها من الطغمة العليا من التجار والكهان اليهود الذين شوهوا جوهر الدين التوحيدي.
وهنا تبرز الاسئلة المنطقية التالية، التي لا يتوقف عندها الايديولوجيون الصهاينة والامبرياليون الغربيون، ولا الظلاميون "الاسلاميون!":
ـ اين كان يختبئ هؤلاء السلف الصالح للمسيحية، أنصار يوحنا المعمدان؟ واين كانوا ينخرطون في جماعات منظمة، كما تدل المعطيات التاريخية، ويقومون بنشاطهم بحرية (بعيدا عن رقابة وقمع الادارة الرومانية والطغمة اليهودية العليا)؟
ـ أليس في القسم الاردني من "البحر الميت"، على حدود الصحراء، على الشاطئ الشرقي لنهر الاردن؟!
فهناك بالتحديد، وليس في المدينة اليهودية ـ الرومانية الفاسدة، كان يوحنا المعمدان يقوم بحرية بنشر دعوته، ويعمد الناس، ويغسلهم (رمزيا) من سفالة تلك المدينة، في المياه العربية الطهور، النابعة من جبال لبنان العذراء.
وهناك ايضا حصل على معموديته السيد المسيح نفسه.
لقد حصل انصار يوحنا المعمدان، الجماعة الاسينية وغيرها، على دعم ابناء القبائل البدوية العربية، الذين لم يقتصر دورهم على مجرد المشاركة فقط في الجماعات المسيحية الاولى المنظمة. ذلك أن تلك الجماعات هي التي تعلمت من البدو تنظيمهم القبلي، الشيوعي البدائي، غير الاناني، غير الاستغلالي، الاخوي والاجتماعي، القائم على: الاخوة بين جميع افراد الجماعة، الاخلاق الشخصية الرفيعة والعفة وضبط النفس، العمل المشترك، الملكية المشتركة، المائدة المشتركة.
مدفوعة بتوجيهات الكهان اليهود، قامت العاهرة سالومي، ابنة العاهرة هيروديا، خليلة الحاكم الروماني هيرودوس، بالطلب منه ان يقدم لها رأس يوحنا المعمدان، الذي جرى اعدامه بنتيجة مؤامرة بين الطغمة العليا اليهودية الفاسقة والمستبدين الرومان. وعلى الاثر، فإن انصاره (اي يوحنا المعمدان) تعرضوا لحملة شديدة من التجسس والملاحقة والاضطهاد في كل المناطق اليهودية. ولكن بالرغم من ذلك فإن دعوة يوحنا المعمدان و"قضيته" استمرت في الانتشار في الارض العربية. والعرب بالتحديد هم الذين اصبحوا الانصار الاول، الاكثر اخلاصا وتفانيا للتعليم الجديد. وبالرغم من اعتراف يوحنا المعمدان بمقدّمية المسيح، فإن قسما من المعمدانيين لم ينتقل كليا الى المسيحية، في الصيغة التي دعا بها المسيح ذاته. وهؤلاء هم من اصبحوا يسمون فيما بعد الصابئة (او مسيحيو يوحنا المعمدان). وقد اعترف بهم القرآن الكريم، كديانة الهية، الى جانب المسيحية واليهودية.
وحتى اليوم لا يزال الصابئة موجودين في بغداد واجزاء اخرى من العراق. وطبعا انهم، الى جانب الشعب العراقي كله، "يتمتعون" الان بـ"الاحتلال الدمقراطي الاميركي"، ويتعلمون للتو من "مسيحيي آخر زمن"، عبر الفوهات الذهبية للمدافع الاميركية، عن "يوحنا المعمدان" من لاس فيغاس(!!!) و"يسوع المسيح" من هوليود(!!!).
2ـ حسب الاسطورة المسيحية انه بعد ولادة السيد المسيح، الآرامي (اي السرياني الغربي ـ السوري) جاء الى فلسطين المجوس (الذين يرمزون الى السريان الشرقيين، اي الاشوريين العراقيين) حاملين الهدايا ليقدموها له، بوصفه الملك ـ المخلص المنتظر. وفي هذا ترميز الى وحدة الموقف بين الشعوب العربية القديمة في فلسطين وسوريا والعراق الخ، وطموحها الى التخلص من النير الروماني، وعدم الاعتراف بسلطة الطغمة العليا التجارية ـ الكهنوتية اليهودية. وقد اصيبت السلطة الرومانية بالهلع الشديد امام ذلك. فبدأ الجلاد هيرودوس، بمساعدة الطغمة اليهودية العليا، حملة واسعة للعثور على الاطفال المولودين حديثا، وقتلهم، على امل ان يكون المسيح المولود بين القتلى، وان يقضى على المسيحية في المهد، كما يقال.
3 ـ وحسب الاسطورة المسيحية ايضا، فان العائلة المقدسة (يوسف النجار، مريم العذراء والطفل يسوع) هربت من امام حملة قتل الاطفال، واختبأت في مصر. وحتى تصل الى هناك، كان على العائلة المقدسة ان تقطع مئات الكيلومترات الممتدة على طول الشاطئ الفلسطيني وصحراء سيناء والارض المصرية.
ـ كيف أمكن لهذه العائلة الفقيرة الهاربة ان تقطع كل هذه المسافة شبه المستحيلة، وذلك في اثناء حملة مطاردة رهيبة من قبل الرومانيين المتوحشين والفريسيين اليهود اعداء الله والانسان؟
ـ واين وكيف اختبأت مؤقتا في مصر، التي كانت هي ايضا حينذاك في براثن الرومان؟
ـ بالتأكيد ان العائلة المقدسة قد تلقت المعونة، المأوى، الماء والمأكل، من قبل الصيادين الفلسطينيين واهل الصحراء، وأهل مصر، الفقراء جميعا. وعن مثل هؤلاء الناس البسطاء والفقراء بالضبط قال السيد المسيح فيما بعد: "كنت يتيما فأويتموني، كنت ظمآنا فسقيتموني، كنت جائعا فأطعمتموني".
ان هؤلاء الناس العاديين، الفقراء والبسطاء، من "ابناء العرب" قد فعلوا ذلك، بدون ان ينتظروا شيئا بالمقابل، من تلك العائلة الفقيرة الهاربة، كما كانته العائلة المقدسة، وبدون ان يعلموا شيئا عن المسيح، وحتى بدون ان ينتظروا مكافأة من السماء، في حياتهم، او في الجنة بعد مماتهم. حيث انهم لم يكونوا بالتأكيد توحيديين يهودا (وإلا لوشوا بالمسيح)، ولا مؤمنين باليوم الآخر، لأنهم لم يكونوا بالتأكيد قد انتقلوا بعد الى الايمان المسيحي، لا بالصيغة المعمدانية، لانهم كانوا بعيدين عن يوحنا المعمدان، ولا بالصيغة المسيحية لان المسيح لم يكن بعد قد بدأ دعوته.
لقد قاموا بهذا العمل الانساني النبيل بقوة الدافع الاخلاقي والثقافة الحياتية، اللذين كانوا مجبولين بهما. وهذه المناقبية والثقافة "الطبيعية" لهؤلاء الناس العرب البسطاء هي على وجه التحديد الوسط، وبكلمة ادق الرحم العربي، الذي ولدت فيه، بلا دنس، المسيحية الاصيلة والاصلية: اي المسيحية العربية، التي يرتبط بها جذريا، منذ نشوئها، تاريخ الامة العربية بأسرها وتاريخ المسيحية بأسرها على السواء.
4- عدا التوراة، لا يوجد معلومات ومعطيات اخرى، تاريخية وعلمية، تؤكد ان البار الذي رفع على الصليب (بموجب حكم روماني، وباصرار من الكهان والغوغاء اليهود) حسب الانجيل، هو يهودي. والروايات اليهودية ذاتها تنكر يهودية يسوع. ويقول بعضها إنه ثمرة علاقة جسديّة بين "عاهرة" تُدعى مريم وبين جندي روماني يُدعى "يوسف بانتيرا" (راجع التلمود). والعديد من العلماء والمؤرخين الكبار يؤكدون بأن السيد المسيح، مثلما انه لا علاقة له بالاخلاق اليهودية ـ الفريسية، فليست له ايضا علاقة نسب بداود المتخيـّل، لجهة الخط الابوي لأبيه بالتبني: يوسف النجار، او لجهة امه مريم. بل ان هؤلاء العلماء يؤكدون بأنه (اي السيد المسيح) كان سريانيا ـ اراميا. وللمثال: فإن المفكر الفرنسي ارنست رينان، في كتابه "حياة يسوع"، يسمي المسيحية "ديانة سورية". كذلك يفعل المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي في دراسته (المختصرة) عن التاريخ العالمي. اما المؤرخ اللبناني الكبير، البروفسور فيليب حتي، الذي كان استاذا في عدة جامعات اميركية، فيؤكد، في كتابه "تاريخ سوريا"، ان المسيح كان آرامي اللسان. وحتى اليوم لا يزال السكان المسيحيون للبلدة التاريخية العريقة معلولا (سوريا)، وبعض القرى المحيطة بها، يفتخرون بأنهم يتحدثون بالتحديد لغة يسوع المسيح، كلغة اصلية لهم، جنبا الى جنب اللغة العربية المعاصرة. وحتى بضع مئات من السنين، كان سكان جبل لبنان من المسيحيين القدماء، الموارنة، لا يزالون يتحدثون السريانية. وحتى اليوم لا تزال قداديسهم تجري باللغة السريانية (وهي لهجة من الارامية ـ لغة المسيح والاناجيل الاولى والانجيليين الاوائل).
5- كما ويكتب عن مريم العذراء بأنها امرأة كنعانية. حتى ان اسمها الشرقي الاصيل مريم (او بصورة ادق ماريام) هو من اصل كنعاني ـ ارامي. وهو يتألف من كلمتين (مار) و(يام)، اللتين تعنيان (مار= قديس او قديسة) و(يام = كبير او كبيرة). واذا سئل اي مسيحي غير عربي، ماذا يعني اسم ماري او مريم، فلن يوجد لديه جواب. في حين ان اسم ماريام مترجما عن الارامية يعني مسمـّاه تماما: القديسة الكبيرة. وفي السياق ذاته يكتب: ان رسم مريم العذراء مع الطفل يسوع كان موجودا على الكعبة في مكة المكرمة، الى جانب جميع معبودات وآلهة القبائل العربية، وذلك حتى دخول النبي محمد منتصرا الى مكة. وحينذاك أوعز بإزالة جميع المعبودات، الا رسم مريم ويسوع. وفي تلك السنة جرى الحج الكبير الى مكة، الذي يسمى في التاريخ "حج العرب". وتذكر الكتابات الكلمات المعبرة لتلك الامرأة العربية التي، حينما رأت رسم مريم العذراء، صرخت قائلة: "بأبي أنت وأمي، انك عربية".
6- ان اله المسيح يختلف جذريا عن اله العهد القديم اليهودي، في انه لم يكن الها تسلطيا، قبليا، عنصريا، "قوميا"، "فئويا" او "طبقيا"، بل الها رحيما، لجميع الامم ولجميع الناس، ولا سيما المستعبدين والمظلومين والمحزونين. والقانون الاخلاقي للمسيحية، المجسد في الصفات الحسنى لالهها، لم يكن مبنيا على القانون الاخلاقي اليهودي، الذي حكم على المسيح بالموت، بل كان يقوم على الفلسفة الاغريقية، التي من جهتها كانت مؤسسة على تعليم الفيلسوف الفينيقي العظيم زينون (332 ـ 262 ق.م.)، مؤسس الرواقية، التي تأثر بها غالبية الفلاسفة اليونانيين الكبار، والتي كانت تدعو للمساواة بين الاحرار والعبيد، الاغريق والبرابرة، الرجال والنساء، وغيرها من المبادئ الاجتماعية والاخلاقية، التي تحولت الى أسس للمناقبية المسيحية، التي ميزت العهد الجديد عن العهد القديم. ولذا عندما بدأ التعليم المسيحي الاولي، فإنه، على خلاف المنطقة اليهودية ـ الرومانية، لاقى انتشارا سريعا في جميع الاراضي العربية، لان "البذور الجيدة" وقعت في ارضها الطبيعية الخاصة، التي منها سبق وأخذت هذه البذور ذاتها. واننا نجد اثرا لذلك في ان بعض الطوائف الاسلامية ذاتها (كالموحدين الدروز) لا تزال الى اليوم تنظر نظرة تقديس الى ارسطو وغيره من المعلمين ـ الفلاسفة المناقبيين اليونانيين، الذين كانوا على ارتباط عميق بالثقافة الفينيقية. كما ان بعض الشيع المسيحية، مثل حركة "البوغوميليين" ("عباد الرحمن") التي ظهرت ونشطت في البلقان في القرون 10 ـ 14، تضرب بجذورها الى المسيحية الشرقية العربية.
ونجدنا هنا امام لوحة متكاملة من التفاعل الحضاري الفينيقي ـ الاغريقي ـ السوري/الفلسطيني، المتميز عن التسلطية المادية ـ الروحية، الرومانية ـ اليهودية. وهو التفاعل الذي انبثقت عنه المسيحية العربية، والذي يجد فيما بعد انعكاسا وامتدادا له في الانشقاق الكنسي الاوروبي، الى كنيسة غربية (التي تعود لها وتقع على كاهلها مسؤولية الحروب الصليبية) وكنيسة شرقية (امتنعت عن المشاركة في تلك الحروب الظالمة).
7- بالرغم من جميع اعمال التنكيل الفظيعة، التي تعرض لها المسيحيون الاوائل، فإن المسيحية انتشرت بسرعة في سوريا، فلسطين، الاردن، لبنان، مصر، شبه الجزيرة العربية الخ. ومن هذه الاراضي انطلق مئات وألوف المرسلين الكنسيين، في جميع الاتجاهات: نحو افريقيا، اسيا الصغرى، البلقان، اوروبا، الهند، الصين وغيرها. واكثرية هؤلاء المرسلين كانوا يتكلمون ويكرزون ويعلمون، بفخر، باللغة السريانية ـ الارامية، لغة يسوع المسيح. وحتى اليوم لا يزال يوجد في مدينة "تسيان فو" في الصين، نصب قديم، يعود تاريخه الى 781م، نقشت عليه (باللغتين الصينية والسريانية) أسماء 76 من هؤلاء المرسلين السريان، الذين قضوا بقية عمرهم على الارض الصينية.
8- اذا عدنا الى تاريخ الكنيسة، وقرأناه بدون تحيز، سوف نرى ايضا ان المئات من القديسين وشهداء المسيحية الاوائل هم سريان، مصريون، ليبيون، ابناء شبه الجزيرة العربية وغيرهم، من المسيحيين العرب ـ المؤمنين المتفانين.
9- جاء وقت، كان فيه غالبية كبرى من سكان شبه الجزيرة العربية، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين ومصر، قد اصبحوا مسيحيين. ونذكر على سبيل المثال، في شبه الجزيرة العربية، قبيلة تغلب المسيحية الكبيرة، التي كان منها الشعراء المهلهل وعمرو بن كلثوم والاخطل، والتي قيل فيها "لولا الاسلام، لأكلت تغلب العرب". وقد نشأت في الماضي ثلاث دول مسيحية عربية، احداها في اليمن (كانت حليفة لروما)، واخرى في جزء من العراق (كانت حليفة لفارس)، وثالثة في جزء من سوريا (كانت حليفة لبيزنطية). كما يوجد في لائحة باباوات روما خمسة باباوات سوريين، بينهم اثنان طوبا قديسين.
10- ولكن بعد ان اصبحت المسيحية ديانة دولة، ذرت قرنها، كما اسلفنا، خلافات وصراعات داخلية كبيرة في المسيحية. وقد تبنى حينذاك قسم كبير من المسيحيين العرب الاوائل معتقدات تتعارض مع طقوس وممارسات الكنيسة الرسمية و"السلطة المسيحية" (ولا سيما فيما يتعلق بتحديد طبيعة يسوع المسيح كنبي، وليس كإله، ولمريم العذراء كقديسة، وليس كوالدة للاله، وبعدم الاعتراف وبرفض التراتبية "الطبقية" للكنيسة وتبعيتها للدولة). وهو ما ترتب عليه ظهور فرق عديدة، اعتبرتها الكنيسة الرسمية انها فرق مهرطقة. ان وجود هذه الفرق، في المسيحية العربية المبكرة، دل على وجود انقسام اجتماعي كبير، من جهة، وتناقض مع "السلطة المسيحية" الاجنبية، من جهة ثانية. وقد ادى هذا الانقسام الى تعرض غالبية المسيحيين العرب الى الاضطهاد من قبل الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية المسيحية، ومن ثم الى وقوفهم الواسع الى جانب الفتح العربي الاسلامي، الذي استقبلوه كمحرر، الامر الذي كان له دور حاسم في الانتصار على السلطة "المسيحية" الاجنبية.
11- ان اول زوجة للنبي، "ام المؤمنين" السيدة خديجة، التي كانت اول من آمن بدعوته، وابن عمها ورقة بن نوفل (الحكيم من مكة، واحد اشراف قبيلة النبي، قريش، المحترم جدا من الجميع، وبالاخص من قبل النبي العربي)، كانا من هؤلاء المسيحيين الاوائل، الذين لم تكن الكنيسة الرسمية التابعة للسلطة الاجنبية تعترف بهم بل حسبتهم بأنهم "هراطقة!".
ولا بد من الاشارة الى ان اول زواج للنبي محمد، لم يتم على الطقس الاسلامي، لانه جرى قبل اعلان الدعوة المحمدية. ولكنه لم يتم ايضا على الطقس الوثني، الذي كان النبي الكريم يعارضه ويتهيأ لنقضه. وتقول المصادر التاريخية ان ورقة بن نوفل كان ذا مرتبة دينية مرموقة، إذ انه كان قسا ورئيسا للكنيسة النصرانية في مكة. وبهذه الصفة على وجه التحديد قام القس ورقة بن نوفل بتزويج السيدة خديجة من النبي محمد، وبارك هذا الزواج النبوي. وتضيف المصادر التاريخية ان هذا القس كان على علاقة وثيقة جدا مع النبي، ليس علاقة عشائرية، بل علاقة روحية عميقة. ولدى وفاته، وللنبي حوالى 44 سنة، شكك بعض المؤمنين بالاسلام في ايمان ورقة بالقول أنه مات على النصرانية. ولكن النبي الكريم دافع عنه دفاعا حارا، وقال إنه رآه في الجنة. وهذا يعني، في نظر النبي ذاته، ان ورقة بن نوفل، القس المسيحي، هو معترف به، من قبل النبي تحديدا، كواحد من المؤمنين الاتقياء، على قدم المساواة مع المسلمين الاخيار.
وفي هذا ما يدل على ان علاقة النبي محمد بأولئك المسيحيين "الهراطقة!" (في زعم الكنيسة الرسمية الرومانية) كانت اقرب، واعمق، واشمل وارسخ بكثير مما تتقبله العقول الصغيرة والتفكير الجاهل والمتعصب، "المسيحي!" و"الاسلامي!" على السواء، قديما وحديثا.
12ـ وبنتيجة الصراعات والانتقامات الداخلية المتبادلة في صفوف المسيحيين، وخصوصا بسبب الاضطهاد الذي مارسته السلطة "المسيحية" الاجنبية ضد المسيحيين العرب، على اختلاف مناطقهم، اتنياتهم، قبائلهم واقوامهم، فإن غالبية مسيحيي الجزيرة، بالاخص، الذين سموا "هراطقة"، قد تبنوا الدعوة المحمدية وتحولوا كليا الى الاسلام، منذ بدايته، لثلاثة اسباب اساسية:
اولا ـ لأن وجهات نظرهم قد تطابقت مع ما جاء في القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد. وبطريقة ظهر معها بأن الدعوة المحمدية هي استمرار و"تصديق" لعقائد الشيع المسيحية العربية المتهمة بـ"الهرطقة". ولهذا بالتحديد، فإن بعض اللاهوتيين الرسميين المرموقين، مثل القديس يوحنا الدمشقي (675 ـ 749م)، اتهموا الاسلام بأنه ليس دينا جديدا، وبأنه ليس شيئا آخر سوى بدعة هرطقة مسيحية.
ثانيا ـ لأن الاسلام لم يقتصر على النضال ضد سادة القبائل المستبدين، المختبئين خلف شتى الاصنام و"الآلهة" والمعبودات الوثنية. وانما هو في الوقت نفسه كان يوحد جميع العرب ضد العبودية الاجنبية لاثنتين من اكبر الامبراطوريات العظمى في ذلك الزمن: الفارسية والرومانية ـ البيزنطية، اللتين كانتا تستعمران وتضطهدان العرب. وكانت المسيحية قد انتشرت في صفوف العرب بوصف ذلك ابرز شكل من اشكال الاتحاد الايديولوجي ـ السياسي ـ التنظيمي للنضال ضد هاتين الامبراطوريتين. فكان مجيء الاسلام كتكملة لهذه المهمة التاريخية؛ وهو قد فصل خاصة، وبشكل راديكالي، مع "المسيحية" الرسمية الاجنبية.
ثالثا ـ لأن الاسلام كان يعترف بجميع الديانات التوحيدية، ايا كانت الفرق والشيع فيها. وهو ما كان يعبر عن ويجسد العادات والتقاليد للعرب، وخصوصا أهل شبه الجزيرة العربية، الذين كانوا يعيشون حالة انسانية متناقضة: من جهة، التمزق القبلي. ومن جهة ثانية، كانوا قد اعتادوا، حتى في زمن الجاهلية، على تقبل "الغير" و"الرأي الاخر" و"الدين الاخر"، وان يكون لهم حتى 360 معبودا و"الها" مجموعين في مكان واحد بذاته هو "مكة العرب"، التي كان يحج اليها الجميع، حيث كان "كل يصلي لالهه".
13 ـ ان المسيحية بالتحديد، بالمدى الاجتماعي، الانساني والعقائدي، هي التي شقت الطريق لظهور الاسلام. وتبين المتابعات ان البيئة الانسانية الاولى التي انطلق منها الاسلام، هي احدى الشيع المسيحية، التي لم تكن تعترف بها الكنيسة الرسمية. والى هذه الشيعة كان ينتسب القس ورقة بن نوفل والسيدة خديجة اول زوجة للنبي العربي، واخوانهما وانصارهما. وهذه الشيعة يسميها القرآن الكريم: "المؤلفة قلوبهم" و"الاحناف".
وعلينا ان نلاحظ هنا امرين في غاية الاهمية:
اولا ـ ان "الاحناف"، الذين يذكرهم القرآن الكريم باحترام، كان من الطبيعي ان يستمروا بالوجود كشيعة مستقلة، مثلهم مثل باقي الشيع المسيحية، اليهودية والصابئية، التي حظيت باعتراف وحماية القرآن. ولكننا نجد ان جميع الشيع الاخرى استمرت بالوجود، باستثناء "الاحناف"، الذين تواروا نهائيا كشيعة دينية بعد ظهور الاسلام. ومن المستبعد كليا، تاريخيا ومنطقيا، ان يكون الاسلام قد قام بتصفية هذه الشيعة المسيحية السابقة دون غيرها، وهي التي كانت الاقرب اليه. وهذا يقودنا الى الاستنتاج المنطقي بأن هذه الشيعة قد دخلت جماعيا في الاسلام، بقرار من شيوخها، اساقفتها وبطاركتها.
وثانيا ـ ان الديانة الاسلامية ذاتها تصف نفسها بأنها "الدين الحنيف". وهذا يدفعنا عن حق للتفكير بأن هذه التسمية هي اكثر من مسألة مرادفات كلمية، وهو ما يذكرنا، من جهة اخرى، بوجهة نظر القديس يوحنا الدمشقي الذي اتهم الاسلام بأنه ليس سوى "شيعة مسيحية مهرطقة".
14ـ لقد كانت الصحراء والاماكن العربية النائية، ذات السكان الفقراء، ولا تزال الى اليوم، تتميز بخاصتين اساسيتين:
الاولى ـ البعد عن مراكز السلطة عامة، والسلطة الاجنبية خاصة، المتمركزة بالدرجة الاولى في المدن، وذلك بسبب بعدها عن شبكة المواصلات العامة وصعوبة العيش فيها؛ وهي صعوبة تبلغ احيانا درجة الاستحالة. ولكن مقابل هذه الصعوبة "الطبيعية" للعيش في تلك المناطق، فقد كانت ظروفها الصعبة ذاتها تجعلها اكثر "امنا" حيال تسلط واستبداد السلطة المركزية ولا سيما الاجنبية.
الثانية ـ بسبب هذه الصعوبة "الطبيعية" ذاتها، فإن سكان تلك المناطق المفككين، الذين لا تضبطهم، ولا يعترفون عمليا، بأي سلطة "خارجية"، تطورت لديهم ـ بدافع غريزة حب البقاء ذاتها ـ عادات وتقاليد تقوم على: حس شديد من التضامن الاجتماعي، ونكران الذات لاجل الجماعة، ونصرة الضعيف والمظلوم، ومساعدة المحتاج، وإيواء الضيف، والعرفان بالجميل، والكرم، وصيانة الارض والعرض، وحفظ "كلمة الشرف" وغيرها من العادات العربية الاصيلة.
هذه الميزات "الطبيعية" والاجتماعية هي التي جعلت، موضوعيا، الصحراء العربية بالاخص، مؤهلة كي تكون ملاذ يوحنا المعمدان وانصاره، ومن ثم ملاذ العائلة المقدسة والسيد المسيح وتلامذته والمسيحيين الاوائل.
وبعد اعلان الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية، في عهد قسطنطين الكبير في 325م، الدين المسيحي دينا رسميا للدولة، فإن هذه الظاهرة ـ ظاهرة اللجوء المسيحي الى الصحراء والاماكن العربية النائية والصعبة ـ اتخذت بعدا واسعا وخاصا في اوساط المسيحيين العرب الرافضين للسلطة الاجنبية وايديولوجيتها "المسيحية" الرسمية. ذلك ان قوة الامبراطورية كانت تتمركز في المدن الرئيسية بشكل عام، وفي المدن الشاطئية القريبة من شبكة المواصلات مع اوروبا، بشكل خاص.
وبذلك تحولت الصحراء خاصة، والمناطق العربية النائية والوعرة والصعبة عامة، مركزا لما يمكن تسميته "المعارضة الشعبية المسيحية" ذات الطابع الوطني او القومي، للسلطة المركزية "المسيحية" ذات الطابع الاجنبي. وقد قدمت هذه "المعارضة" التضحيات الجسيمة وألوف وألوف الشهداء من اللاهوتيين المرموقين والقساوسة والرهبان وابناء الشعب العاديين. وبالطبع، فقد ألقي الحرم، من قبل الكنيسة الاجنبية "الرسمية" على تعاليم وكتب هذه المعارضة. واصبح يصح عليها قول القرآن الكريم "المغضوب عليهم ولا الضالين". ولم يتوقف الاضطهاد ضد "المعارضة الشعبية المسيحية" العربية، الا بعد هزيمة الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية على يد الفتح العربي ـ الاسلامي.
15ـ بصرف النظر عن، او بالتجرد التام حيال الجانب اللاهوتي، الذي من المستحيل، بل من العبث المطلق ـ برأينا، الغوص في كنهه؛ وبالاقتصار فقط على التحليل الاجتماعي ـ التاريخي لظهور، مسيرة وصيرورة الاديان، يمكن ان نقول: إن ظهور الاسلام هو الذي أنقذ المسيحيين العرب، وبالاخص الطوائف "المنشقة" و"المهرطقة" الخ، المعارضة للسلطة الرومانية المتحالفة مع الطغمة اليهودية، من خطر الفناء على يد تلك السلطة. ولو لم يوجد الاسلام، لكان على هؤلاء المسيحيين انفسهم ان يوجدوه. فالاسلام، وان كان قد تميز اسما وطقوسا عن المسيحية العربية "المنشقة"، الا انه دعا الى معتقداتها الاساسية ذاتها. والاهم من ذلك، انه تابع "قضيتها" الاساسية في مواجهة السلطة الاجنبية الرومانية، وحليفتها الطغمة العليا اليهودية. ولهذه الغاية فقد استطاع الاسلام، بواسطة عقيدته الجديدة، تجنيد ذلك الاحتياطي البشري الكبير، الذي كانت تمثله قبائل شبه الجزيرة العربية، وتحويّلها ـ بعد التخلي عن الوثنية واعتناق التوحيد ـ الى قوة دينية ـ سياسية ـ عسكرية صلبة، شكلت لاحقا عماد الدولة العربية الاسلامية الصاعدة.
وبعد ان شقت الدعوة المحمدية طريقها، عمد غالبية المسيحيين القدماء في شبه الجزيرة العربية الى تبني تلك الدعوة والتحول الى الاسلام. وبهذه الخطوة الحاسمة، حولوا كل رصيدهم وخبراتهم وامكانياتهم السابقة، معنويا وماديا وتنظيميا، لرص صفوف القبائل العربية وتوحيدها تحت راية الدعوة الجديدة. كما جندوا كل علاقاتهم خارج الجزيرة العربية، لنصرة الثورة الدينية ـ الاجتماعية ـ السياسية ـ القومية الجديدة. ومن ثم نشأ تحالف موضوعي، ضمني او مباشر، بين "المحمديين" الجدد (بمن فيهم المسيحيون "السابقون!") وبين المسيحيين المعادين للامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية، في اليمن والعراق وسوريا وفلسطين ومصر الخ. وقد استفاد "المحمديون" الجدد من "مسيحيتهم الاصلية"، كما ومن العلاقة القومية العربية الاصلية، لتعزيز التحالف مع الشعوب الشقيقة خارج شبه الجزيرة العربية. وعلى صخرة هذا التحالف تكسر جبروت الامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية، وجبروت الامبراطورية الفارسية. وقامت الدولة العربية الاسلامية ذاتها على اساس هذا التحالف الموضوعي. وحينما تحول الاسلام الى دين الدولة الرسمي، اطلقت الحرية الكاملة للمسيحيين، وحظيت المسيحية والمسيحيون بالحماية والرعاية الخاصة من قبل الدولة الجديدة. ولمئات السنين كان غالبية السكان في الدولة من المسيحيين. وظلت اللغة الارامية والسريانية لغة الادارة والتجارة والعلم ردحا طويلا من الزمن في العهد العربي الاسلامي، قبل التحول التدريجي الى اللغة العربية المعاصرة. وقد نشأت المدارس وحلقات العلم، وقامت حركة الترجمة العظمى من السريانية واليونانية الى العربية، على اكتاف الاطباء والفلاسفة والعلماء المسيحيين. ولمئات السنين، شكل المسيحيون العرب العمود الفقري لنهضة الدولة العربية الاسلامية عموما، والحضارة العربية الاسلامية خصوصا.
16ـ ان تلك الحضارة العظيمة لم تبدأ بالافول، الا عندما بدأ يسيطر على الدولة العربية الاسلامية العنصر "الاسلامي!" الانتهازي الدخيل، ولا سيما العنصر التركي الطوراني. وليس بدون اهمية ان هذا العنصر كان يرتبط عشائريا ومصلحيا بالطغمة العليا اليهودية الخزرية الطورانية، مثلما كانت الادارة الرومانية ترتبط بالطغمة العليا اليهودية العبرية، حتى وهي متصارعة مع عامة العبريين، من اليهود او المعمدانيين او المتنصرين. وحجر الزاوية الذي عمد "الاسلاميون!" المزيفون الى زعزعته من اجل التمكن من هدم البنيان كله، هو نزع الهوية العربية عن الدولة العربية الاسلامية، ومن ثم تحطيم التحالف الموضوعي: المسيحي ـ الاسلامي، العربي، الذي كانت قد قامت عليه. واي بحث تاريخي يبين ان وضع المسيحيين العرب، والعلاقات الاسلامية ـ المسيحية، بدأت بالتشوه والتدهور، في تزامن شبه حرفي مع بداية عملية تدهور وضع العرب ونزع الطابع العربي عن هوية السلطة الاسلامية، وسيطرة العنصر "الاسلامي!" الانتهازي الدخيل. وهي العملية التي تتوجت بـ"الفتح" العثماني للبلاد العربية وانتزاع المركز الديني الاسلامي الاول، اي الخلافة، من العرب. وهذه العملية ترتبط تمام الارتباط بمرحلة افول الحضارة العربية الاسلامية. وبالرغم من كل الاذى الذي نال المسيحيين العرب، في عصور الانحطاط، فإنهم ظلوا اوفياء للحلف التاريخي الموضوعي: الاسلامي ـ المسيحي، العربي. وتعبر عن ذلك خير تعبير قصيدة لشاعر مسيحي عربي، قالها عندما عمد الاتراك في مطلع القرن العشرين الى ترجمة القرآن الكريم الى التركية وبدأوا يكبـّرون "الله بيوك" بدلا من "الله اكبر"، محاولين فرض التتريك الكامل على الدين الاسلامي. ويقول احد ابيات القصيدة:
ذودوا عن اللغة التي كتب بها
آي الكتاب وأنزل التنزيلا
اي ان هذا الشاعر المسيحي العربي كان يفتخر بأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ولغة الوحي الالهي، وطبعا كان جزاؤه التعليق على مشنقة تركية.
17ـ ان عملية "تغريب" المسيحية، المترافقة مع الاضطهاد الشديد للمسيحيين العرب، من قبل السلطة "المسيحية" الاجنبية، وهي العملية التي بدأت مع اعلان قسطنطين الكبير المسيحية دينا رسميا للامبراطورية الرومانية ـ البيزنطية، هذه العملية توقفت بظهور الاسلام وانتصار العرب على تلك الامبراطورية.
ولكن بعد ان سيطر القادة "المسلمون!" الطورانيون على الدولة العربية الاسلامية وبداية انحرافها وانحدارها، الذي بدأ معه الاضطهاد الواسع للمسيحيين العرب، عادت عملية "تغريب" المسيحية تتجدد بقوة، وظهرت بشكل خاص في فترة الحروب الصليبية، ومن ثم في فترة الاستعمار الغربي المعاصر للبلدان العربية.
وبالرغم من التناقض الصوري المضلل فيما بين الطغاة الاتراك، والمستعمرين الغربيين، فقد كان يوجد دائما بين المعسكرين هدف مشترك وهو: طمس وجود المسيحيين العرب والمسيحية العربية من التاريخ العربي، السابق والمرافق واللاحق لظهور الاسلام. وقد تبدى ذلك في الماضي في المذابح والمجاعات التي نظمها الاتراك ضد المسيحيين العراقيين والسوريين واللبنانيين. كما تبدى في الخيار الذي طرحه الاميركيون على المسيحيين اللبنانيين في السبعينات من القرن الماضي وهو: اما الانضواء التام تحت الاحتلال الاسرائيلي للبنان، واما تأمين البواخر الاميركية لهم لنقلهم الى الغرب. واخيرا تبدى ايضا في العملية المنظمة لنهب وحرق المتاحف والمكتبات العراقية، اثناء الاحتلال الاميركي للعراق في 2003، بقصد محو التاريخ العراقي عامة، والتاريخ المسيحي في العراق خاصة.
وان بعض التيارات "الاسلامية!" المزيفة التي تنادي بتكفير المسيحيين العرب، انما تزور التاريخ عامة، وتخون التاريخ العربي الاسلامي ذاته خاصة. وهي تصب الماء في طاحونة الامبريالية الاميركية التي تعمل على "تغريب" المسيحية، وفي الوقت ذاته "أسلمة" العروبة، وفي الاخير حصر "الاسلام" في الزاوية الضيقة للتعصب والتخلف واللاحضارية، كشرط ضروري لتأليب جميع شعوب العالم على هكذا "اسلام!" مزيف.
18ـ خلال تاريخها الطويل، وفي ارتباطها العضوي مع القومية العربية، اثبتت المسيحية العربية، قبل الاسلام ومعه، انها كانت على الدوام "أم الصبي" الحقيقية؛ وقد تبدى ذلك في العديد من السيرورات والمجريات التاريخية واهمها:
أ ـ الدور المميز للمسيحيين العرب (السريان وغيرهم) في النهضة العربية ـ الاسلامية، التي لم يكن في الماضي وليس بالامكان الان تصور وجودها وتطورها بدون هؤلاء المسيحيين، الذين اضطلعوا في الوقت نفسه بدور الجسر الحضاري بين العرب والحضارة الاغريقية القديمة، ومن ثم بين العرب والشعوب السلافية والاوروبية الشرقية خاصة، والشعوب الاوروبية وشعوب العالم عامة.
ب ـ كان للمسيحيين العرب دورهم المرموق في التقريب، خصوصا، بين العرب والمسلمين، وبين كافة الشعوب المسيحية الشرقية. وبصرف النظر عن الجوانب اللاهوتية، فإن هذا التقارب لعب دوره في انقسام الكنيسة المسيحية في 1050، الى غربية وشرقية، حيث كانت الكنيسة الشرقية أميل الى التقارب والتعاون مع الشرق العربي ـ الاسلامي. وتبدى ذلك لاحقا في الاخص في ان الشعوب المسيحية الشرقية (اليونان، الصربيين، البلغار، الارمن، الاوكرانيين، الروس، الخ) لم يشاركوا في الحروب الصليبية، التي اقتصرت على البلدان المسيحية الاوروبية الغربية. وقد دفع اليونانيون، اولا، ثمنا باهظا لهذا الموقف التاريخي، حينما قامت الحملة الصليبية الرابعة في 1204 باجتياح القسطنطينية واقامة مملكة لاتينية فيها دامت 64 سنة. ومن المهم الملاحظة ان الكثير من البيزنطيين قد لجأوا حينذاك الى امارة حلب في شمال سوريا، التي كان يحكمها الامراء الحمدانيون (المسلمون، الذين يعودون بأصلهم الى قبيلة تغلب ـ المسيحية القديمة). واخيرا، وليس بدون تخطيط يهودي خزري مسبق، "سمحت" اوروبا الغربية للمسلمين المزيفين، الاتراك ـ العثمانيين حينذاك، الذين كان ولا يزال يحركهم "ابناء عمومتهم" من الطغمة العليا لليهود الخزر، باجتياح القسطنطينية في 1453 وتتريكها، ثم اجتياح بقية المناطق المسيحية الشرقية في البلقان، بما في ذلك بلغاريا، ذات التاريخ الحضاري العريق. واذا استثنينا اليونانيين وبقية شعوب اوروبا الشرقية انفسهم، فإن العرب يظهرون في رأس قائمة الخاسرين من تتريك القسطنطينية، والسيطرة على اوروبا الشرقية، لانه لولا استعمار هذه المناطق من قبل العثمانيين، لما استطاع الاخيرون الانطلاق لاستعمار البلاد العربية ذاتها وفرض الاذلال والتخلف عليها. وحتى يومنا هذا لا تزال الشعوب الروسية والاوروبية الشرقية الاخرى تعتبر من اقرب الشعوب الصديقة للعرب، على خلاف تركيا "المسلمة!" حليفة الصهيونية والماسونية والامبريالية الاميركية واسرائيل.
ج ـ اثناء مرحلة الحملات الصليبية التي بدأت في نهاية القرن 11، واستمرت حوالى 250 سنة، والتي اقام خلالها الصليبيون بعض الممالك لهم في الشرق العربي، تمسكت الكنائس العربية الشرقية باستقلاليتها، ورفضت التحول الى ركيزة للغزاة الغربيين، مؤكدة الطابع التحرري، الوطني والقومي للصراع.
د ـ عندما بدأ العثمانيون يمارسون سياسة التتريك، المترافقة مع سياسة التخليف والتجهيل، اضطلع المسيحيون العرب، ولا سيما الكنائس والاديرة والمدارس التابعة لها، بدور تاريخي مميز في صيانة اللغة والاداب العربية، ومن ثم في الحفاظ على الشخصية الحضارية العربية.
هـ ـ في الازمنة الحديثة، اضطلع المسيحيون العرب بدور مميز في النهضة العربية الحديثة، ادبيا وثقافيا وسياسيا. وكانوا في طليعة واضعي اسس الادب العربي المعاصر، والمنادين بالفكر القومي، ومؤسسي جميع الاحزاب الشيوعية والتقدمية العربية. وحول هذه النقطة بالذات، فإن بعض السطحيين الذين لا يزال التعصب والجهل يعششان في ادمغتهم، والمغرضين والعملاء الذين يريدون اعادة سياط السلاطين العثمانيين ويضعون انفسهم، مباشرة او موضوعيا، في خدمة المخططات الاميركية والصهيونية، هؤلاء واولئك يحاولون اليوم معا، وفي جوقة عجيبة، الادعاء بأن طرح المفهوم القومي والفكر التقدمي، انما تم بتأثير "خارجي"، وتحديدا بتأثير انتشار الفكر القومي والتقدمي في اوروبا، الشرقية والغربية. ومن الصحيح الاعتراف بوجود التفاعل الفكري العربي ـ العالمي، وهو ما لا يشين بل هو مدعاة فخر للعرب عموما، والمسيحيين العرب خصوصا، لأن الحضارة العربية كانت منذ القديم، ولا تزال الى اليوم جزءا عضويا مكونا، فاعلا ـ متفاعلا، من الحضارة الانسانية؛ ولكن من الاصح ان طليعية النهضويين العروبيين، من المسيحيين العرب، انما تضرب جذورها في رحم التاريخ العريق للمسيحية العربية، كأول ديانة قومية جامعة للعرب.
والمراهنة اليوم على نهضة قومية عربية جديدة، هي المراهنة الحقيقية الوحيدة على مستقبل مشرق للامة العربية خاصة وللشعوب الاسلامية عامة. ونجاح هذه المراهنة يتناقض على خط مستقيم مع طمس الدور التقدمي القومي للمسيحية العربية، و"تغريبها"، ويرتبط عضويا مع ابراز وتوسيع وتطوير هذا الدور، على المستويين العربي والعالمي.
XXX
ما تقدم هو غيض من فيض، من المجريات التاريخية، التي تؤكد:
أ ـ ان المسيحية ليست ظاهرة "غربية"، مستوردة الى الشرق العربي. بل على العكس: ان المسيحية هي ظاهرة شرقية عربية اصيلة، نشأت بمعزل عن الغرب وضده؛ وان المبشر بالمسيح (يوحنا المعمدان) والمسيح نفسه قد حكما بالاعدام، منذ البداية، من قبل الامبراطورية الغربية الرومانية وحليفتها الطغمة العليا اليهودية.
ب ـ ان البيئة الانسانية والحضارية العربية هي البيئة او الوسط الاول الذي نشأت فيه المسيحية. وان المسيحية، قبل ظهور الاسلام بمئات السنين، هي الديانة "القومية" الاولى للعرب، اي الديانة التي وحدت العرب من مختلف القبائل والمناطق والاقاليم حول دين توحيدي واحد موحد.
ج ـ ان المسيحية، كما والاسلام، كانا، ولا يزالان، مظهرين اساسيين للثقافة والحضارة العربية، للوطنية والقومية العربية، وقد تتاليا وتكاملا، في مرحلتين تاريخيتين مختلفتين، بوصفهما وجهين لعملية واحدة هي عملية بلورة للشخصية القومية للامة العربية ودورها الحضاري العالمي. واي تجاهل لهذه العملية، من اي جهة اتى، هو افتئات على المسيحية والاسلام الحقيقيين، وعلى العروبة والحضارة الانسانية معا.
د ـ ان المسيحية، بشخص مختلف طوائفها وكنائسها واديرتها ومدارسها الخ، قد تمت حمايتها والمحافظة عليها في المجتمع العربي بالذات، قبل الاسلام، في زمن المطاردات المخيفة للمسيحيين، بعد تآمر روما والطغمة العليا اليهودية لقطع رأس يوحنا المعمدان وصلب يسوع المسيح ومحاولة القضاء على المسيحية في بدايات ظهورها.
هـ ـ ان الاسلام ظهر كاستمرار لمعركة المسيحية العربية ضد العبودية الاجنبية. وان ظهور الاسلام حمى المسيحية العربية من الاندثار. وإن المسيحية العربية جرى المحافظة عليها من قبل الاسلام، بعد ظهوره، وانها استمرت في الوجود حتى يومنا هذا. وهي قد تابعت تحقيق رسالتها الايجابية والبناءة، الثقافية والوطنية والانسانية، بالرغم من الاثار السلبية والجروح العميقة التي خلفتها الحملات والحروب الصليبية؛ وبالرغم من الطاعون الطوراني عامة والعثماني خاصة وما اصاب به الجسم العربي والاسلامي من مصائب وتشوهات؛ وبالرغم من انشاء الدولة الفاشية المعادية للعروبة وللمسيحية وللاسلام، اي اسرائيل؛ وبالرغم من مرحلة الاستعمار التقليدي الذي لعب أسوأ ما يكون اللعب على المسألة الطائفية التي سموها "المسالة الشرقية"؛ بالرغم من الحملة الصليبية الجديدة، الاميركية ـ الصهيونية، ضد العرب؛ واخيرا وليس آخرا بالرغم من الظلامية التي غشيت جزءا من التاريخ الاسلامي والتي تطبع الى اليوم بعض الحركات "الاسلامية!" المزيفة من قاطعي رؤوس الابرياء واشباههم.
XXX
ان الاجداد الاقدمين للعرب (بمختلف فروعهم الاتنية والشعوبية) قد اعطوا الانسانية بأسرها الابجدية اللغوية، التي انبثقت منها جميع الابجديات الألسنية الاخرى في العالم. كما اعطوا ابجديات المفاهيم العلمية في الرياضيات، الفلسفة، الاخلاقيات، الجماليات، الحقوق؛ وكذلك الديانات التوحيدية الثلاث: اليهودي، المسيحية والاسلام، التي تعتبر الاخيرتين منها ديانتين كونيتين جامعتين. وقد جرت هذه العملية التحضرية المستمرة، التي ترتبط بها البشرية بأسرها، في رد على مختلف اشكال الجهل، والهمجية والاستبداد، المتمثلة في التمزق القبلي والاتني والعنصري، وفي موجات الغزو التتارية ـ المغولية والهونية، وفي الامبراطوريات: الفارسية، الرومانية ـ البيزنطية، العثمانية، الامبريالية والصهيونية.
والقومية العربية ليست فقط ذات ملامح مسيحية ـ اسلامية، لا يمكن محو اي جانب منها بدون تشويه الوجه كله، بل هي اساسا ذات جوهر حضاري واحد متكامل ومتفاعل، هو الذي انتج المسيحية والاسلام، وتبدى فيهما.
والعرب اليوم هم ملزمون بالتمسك بهذا الجوهر الحضاري الذي يمثل الرد التاريخي الحضاري الاعظم، على العولمة البربرية الاميركية ـ الصهيونية، التي تهدف الى تحويل شعوب العالم الى قطعان بشرية مسلوبة الارادة، مستغـَلة ومستعبـَدة، يحكمها قبضة من "السوبرمانات" المتماهين مع اله وحشي "تلمودي" مزيف، لا علاقة له بكل ما يمت للرحمة الالهية والانسانية بصلة.
وبهذا الوجه، وهذا الجوهر فقط، فإن الامة العربية هي مؤهلة كي تضطلع اليوم بدور حجر الزاوية في النضال لاجل تحرير جميع شعوب العالم بأسره، تماما كما كانت، ولا تزال، الرسالة الحقيقية، الجوهرية، للديانتين العربيتين المتكاملتين: المسيحية والاسلام.
ولكل الذين يجدون تناقضا بين المسيحية والعروبة، وبين العروبة والاسلام، وبين المسيحية والاسلام (من جورج بوش، الى بعض الملالي المزيفين، الى الاردوغانيين، والى البنلادنيين) نقول:
ـ لا اسلام بدون العرب والعروبة! ولا عروبة ولا أمة عربية بدون المسيحيين العرب! ولا اسلام حقيقيا بدون المسيحية العربية!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
*كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويبقى السؤال: من سلّم الجولان بدون قتال، وهادن الاحتلال، ولم ...
- المسيحية: الديانة القومية الاولى للعرب
- أول أيار والدور الاممي الخاص للطبقة العاملة العربية
- الارمن ضحية العنصرية التركية والتآمر الغربي على مسيحيي الشرق
- بكركي محاورا تاريخيا
- المأزق الوجودي لاسرائيل!
- بعد تجربة الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة السورية: القوى الوطني ...
- الأكراد شعبنا الثاني
- الصفقة الاميركية السورية الجديدة: اعادة انتاج -سايكس بيكو- ...
- الانقلاب الكياني في التركيبة اللبنانية
- من هم المرتدون الذين سيحاكمون لينين؟ كريم مروة واصحابه نموذج ...
- النظام الدولي المختل والدور التاريخي العتيد للمثلث الشرقي ال ...
- رد الى صديق كردي
- المحكمة الدولية ضرورة وطنية لبنانية وضمانة اولا لحزب الله
- المخاطر الحقيقية للوصاية على لبنان والمسؤولية الوطنية الاساس ...
- حزب الله: الهدف الاخير للخطة -الشيطانية- لتدمير لبنان
- ؛؛الوفاق الوطني؛؛ اللبناني ... الى أين؟؟
- ماذا يراد من لبنان الجديد في الشرق الاوسط الكبير الاميرك ...
- -الفأر الميت- للمعارضة السورية
- العالم العربي والاسلامي ودعوة ديميتروف لاقامة الجبهة الموحدة ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جورج حداد - المسيحية: البوتقة الايديولوجية القومية، الاولى والاساسية، للامة العربية