أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات في المنفى الهولندي















المزيد.....


الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات في المنفى الهولندي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1606 - 2006 / 7 / 9 - 11:39
المحور: مقابلات و حوارات
    


- آذان المستمع العرقي بدأت تتشوّه بفعل الأغاني الهابطة التي تفتقر إلى السوية الفنية
- ليس الأغنية في خطر فقط، وإنما المستمع هو الذي يتعرض إلى خطورة مضاعفة
ترسّخ إسم المطرب العراقي كريم حسين في أواسط الثمانينات من القرن الماضي عندما تخرّج من معهد الفنون الجميلة في بغداد، وإجتاز إختبار اللجنة الفنية التي كانت تتألف من كبار الموسيقيين العراقيين أمثال محمد نوشي، محمد جواد أموري، طالب القره غولي، داوود القيسي، وياسين الراوي، حينما كانت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لا تسمح ببث أية أغنية لأي مطرب جديد ما لم يجتز إختبار السوية الفنية لصوته ومؤهلاته التقنية الأخرى. وعلى رغم من أن الفنان كريم حسين كان متدرباً في فرقة كورال الإذاعة والتلفزيون عام 1982، وطالباً في معهد الفنون الجميلة في بغداد، قسم العود، إلا أن إطلالته الأولى على الجمهور العراقي قد تأخرت حتى عام 1985 حينما قدّمه الملحن محمد جواد أموري في أغنية " أنت وين أو آني وين " التي لفتت إليه الإنتباه بقوة بحيث كتب عن خامته الصوتية الناقد الموسيقي الكبير سعاد الهرمزي، وعادل الهاشمي، كما تابعت تجربته الغنائية أغلب الصحف العراقية آنذاك مبشرين بولادة صوت عراقي جديد ينتمي إلى فضاء معقد يصعب الولوج إليه، وهو الفضاء الذي يجمع بين الغناء الريفي والمديني، وهو ذات الفضاء الذي كان يتحرك فيه مطربون عراقيون مهمون من طراز ياس خضر، وستار جبار، وحسين نعمة، ورياض أحمد. لم تقتصر تجربة الفنان كريم حسين على الملحن محمد جواد أموري الذي تبناه وقدّمه إلى الساحة الفنية العراقية، وإنما إمتدت تجربة التلحين إلى ملحنين آخرين إكتشفوا جوانب أخرى في ملكته الصوتية، ولعل أبرز الملحنين طالب القره غولي، ومحسن فرحان، وطارق الشبلي، وكريم هميم وآخرين. وحينما ضاقت السبل بالفنان كريم حسين غادر العراق مضطراً إلى سوريا ليُطلق واحدة من أغانيه المهمة التي رسخت شهرته عربياً وهي أغنية " يا ديرتي " التي كتب كلماتها الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع، ولحّنها محسن فرحان، وتتحدث هذه الأغنية عن مرارة الغربة، والحنين إلى الوطن، وحرارة الإشتياق للأهل والأحبّة والخلان. لم يمكث كريم حسين طويلاً في دمشق، إذ تلقفته الغربة، قاصداً المنفى الهولندى حيث قضى فيه عشر سنوات بالتمام والكمال حتى شبهه بـ " الموت البطئ " إذ لم يقم إلا حفلات متفرقة للجاليات العراقية والعربية في روتردام وكوبنهاغن ولندن، وربما تكون حفلة لندن هي الأكثر حرارة لأنها أعادته إلى جمهوره الأصيل الذي يحبه، ويستمع إليه بكل جوارحه. كما أن هذه الحفلة قد جاءت ضمن فقرات " أسبوع الموسيقى العراقية " الذي نظّمة عازف العود المنفرد أحمد المختار بالتعاون مع الدكتورة نسرين الهاشمي وأساتذة الموسيقى في مركز الدراسات الشرقية والأفريقية " سواس " في جامعة لندن. وقد حضرت " القدس العربي " هذا المهرجان، وغطت أغلب فاعلياته وأنشطته الثقافية والفنية. وفي الآتي نص الحوار:
* يا حبذا لوتسلّط لنا بعض الضوء على مرحلة البدايات حينما كنت طالباً في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة في بغداد.
- الحقيقة أن بدايتي في الغناء كانت بداية فطرية، فأغلبنا في الريف العراقي يغني بالفطرة. فأنا منحدر من عائلة ريفية تسكن في قرية من قرى الصويرة في وسط العراق. إستمعت خلال حياتي إلى العديد من المطربين القدامى من عمالقة الغناء العراقي كالقبانجي، وداخل حسن، وناظم الغزالي وغيرهم من الأصوات الغنائية العراقية المعروفة التي أحببتها وتأثرت بها. وحينما كنت أردد بعض الأغاني العراقية كنت ألقى تشجيعاً كبيراً من قبل الناس الذين يستمعون إليَّ. كانت أمنيتي أن أدرس في معهد الفنون الجميلة وأتعلم الموسيقى، وأعزف على آلة العود، وبالفعل تحققت لي هذه الأمنية. وخلال دراستي في المعهد تولّد نوع الإحتكاك المباشر مع الأساتذة الكبار أمثال المرحوم عباس جميل، والاستاذ غانم حداد، والمرحوم روحي الخماش، والمرحوم جميل سليم، وهؤلاء أساتذة لهم باع طويل في الموسيقى، كما درَّسني على آلة العود الأستاذ علي الأمام وغيره من الأساتذة. ومن خلال دراستي في المعهد في بغداد إحتككت بالعديد من المنظمات الجماهيرية، كما إشتركت في بعض المهرجانات والإحتفالات الفنية التي تقام على مدار السنة. يمكن القول إن بدايتي الفنية قد تعززت في معهد الفنون الجميلة في بغداد، ومنه حققت إنطلاقتي الفنية بعد إختبار التي اللجنة كانت تفحص أصوات المطربين الجدد الذين يتقدمون للإذاعة والتلفزيون، وكانت هذه اللجنة قوية، وتتكون من أسماء كبيرة لامعة ولها باع طويل في الموسيقى العراقية ومن ضمنهم الموسيقار محمد جواد أموري، والفنان الكبير طالب القره غولي، والفنان المرحوم محمد نوشي، والمرحوم ياسين الراوي وملحنين كبار آخرين، وتم إختباري من خلال هذه اللجنة المحترفة التي استمعت إليَّ، ونجحت نجاحاً باهراً وبتفوق كبير، وقد قررت هذه اللجنة قبولي بصفة مطرب، وكان بضمنها أستاذي الملحن محمد جواد أموري، والذي أعتبره الأب الثاني لي، ليس لأنه صاحب فضل كبير عليَّ في حياتي الفنية، وإنما لأنني أحترمه جداً وأقدر حرصه ورعايته الفنية لي وأتمنى له الصحة والعافية والتوفيق. ولا أنسى اللحظة التي بادر فيها وهو من ضمن اللجنة وقال لأعضاء اللجنة: هذا الصوت الجديد هو صوت متمكن وأنا أتبناه وأقدّمه إلى الوسط الفني والجمهور في آن معاً. ونحن نعرف جيداً أن محمد جواد أموري من الصعب أن يقتنع بصوت ما إذا لم يكن صاحب الصوت مؤهلاً، وممتلكاً لأدواته الفنية. وقد لحّن لي أول أغنية تحت عنوان " أنت وين وآني وين " كتب كلماتها شاعر غير معروف من البصرة، أقصد إسم غير متداول بين الأسماء الشعرية. وهناك خصلة جميلة في الأستاذ محمد جواد أموري وهي أنه كان يبحث عن الكلام قبل أن يبحث عن الإسم. فهذه الأغنية من كلمات الشاعر علي إنكيّل. وقد لحنها الأستاذ أموري، وتم تسجيلها وظهرت إلى الجمهور الذي تلقاها بإعجاب كبير. وقد أدخلتني هذه الأغنية إلى الوسط الفني من أوسع أبوابه، حيث حققت هذه الأغنية شهرة كبيرة، كما كان لها صدى كبير في وسائل الإعلام العربي. بعد هذه الأغنية تم تلحين أغنية جديدة لي وهي " ما تدرين ما تدرين سهرت الليالي سنين " كتب كلماتها من البصرة أيضاً الشاعر ناظم عبد الله. والحمد لله فقد غطت هذه الأغنية بنجاحها على الأغنية الأولى لما تتميز به من كلمات جميلة، مؤداة بصوت شجي يلامس قلوب السامعين. كما لحّن لي أغنية ثالثة لها طابع مميز يمكن القول إنها غطت على الأغنيتين السابقتين وهي " بعد اليوم " كتب كلماتها الشاعر الكبير أسعد الغزيزي، كما لحّن لي الأستاذ محمد جواد أموري أغانٍ أخرى مثل " والله الأحبة مشو "، و " مرات أطلب منك تنسى " وهناك أغنيات لا تحضرني عناوينها وقد أخذت هذه الأغنيات صدى واسعاً في أواسط الثمانينات. وبعد هذه النجاحات تعاملت مع ملحنين جدد مثل محسن فرحان، وجعفر الخفاف، وكريم أمين، وعلي سرحان، وطالب القره غولي كما لحّن لي محسن فرحان أغنية أخذت صدى واسعاً خارج العراق أولاً، ثم في داخله، وهي تتغنى بالديرة والحنين إسمها " يا ديرتي " كتب كلماتها الشاعر كاظم إسماعيل الكاطع. كما كتب لي الشاعر الكبير كريم العراقي أغنية " والله ما أعذرك " لحنها جعفر الخفاف، وقد أضافت لشهرتي السابقة بريقاً آخر.
* هل أكتشف الملحنون الآخرون شيئاً في خامتك الصوتية وهل أدلوك إلى مساحة كانت مختفية عليك غنائياً. ما هي اللمسات التي أضافوها إلى تجربتك الغنائية، وهل إكتشفوا أشياءً مميزة عما أكتشفه الملحن الكبير محمد جواد أموري؟
- مع حبي وإعتزازي بكل الأساتذة والملحنين الكبار الذين يمتلك كل واحد منهم روحية خاصة، ولكن روحية محمد جواد أموري بالنسبة لي مميزة، ولها وقع خاص عليَّ شخصياً. فالأستاذ أموري عندما يقتنع بالصوت ويقدم له أغنية فهذا يعني أنه يعطيه %80 لأن يأخذ مجاله، ويحقق نجاحه في الوسط الفني، وهذا النجاح متأتٍ من هذه الروحية المميزة. ولو تعود إلى الأغاني التي قدمها إلى كل المطربين الذين تعامل معهم فستجد أن كل هذه الأغنيات قد بقيت في أذهان الناس منذ السبعينات وحتى الآن، ويندر أن تجد أغنية قد طواها النسيان. هناك أغانٍ لحنها منذ السبعينات والثمانينات لحسين نعمة ورياض أحمد وأنوار عبد الوهاب وأمل خضير وغيرهم من المطربين لما يزل يرددها الجمهور العراقي في الأقل. تستطيع القول إن تعاملي مع الملحنين الآخرين ليس مثل تعاملي مع الأستاذ محمد جواد أموري، وقد كان تعاملي معهم، مع الأسف الشديد، تعاملاً عابراً مرّ مرور الكرام لأنه حسب ظني وجدوا خامة صوتية جاهزة بعد أن شذبها أموري. ومع ذلك فقد غنيت إلى طالب القره غولي أغنيتين وإلى جعفر الخفاف وإلى محسن فرحان وغيرهم العديد من الأغاني وبألوان عراقية مختلفة.
* لنتوقف قليلاً عند التقنيات، فأنت تغني بإحساس عالٍ، وهذه الملاحظة قديمة بالنسبة وتعود إلى أكثر من عشرين سنة. هل يعني أنك تراهن على هذا الإحساس العالي الذي يطبع كلماتك بغلالة من الشجن والحنين الدافئ كما هو حال عبد الحليم الذي يغني بإحساس عالٍ شهد له الجميع؟ من أين ينبع إحساسك العالي بالكلمة؟
- الحقيقة أنا بالنسبة لي أستطيع أن أعتبر أن هناك فرقاً كبيراً بيني وبين بعض المطربين فأنا بقيت متمسكاً بواقعي وعاداتي وبتقاليدي. وكما ذكرت قبل قليل أنني منحدر من منطقة ريفية من محافظة واسط. فعندما أغني الأبوذية أو الموال أو أي مقام من المقامات العراقية فإنني لا أعرف كيف أغنيه ما لم أشحنه بإحساس عال مئة بالمئة. فالواقع الاجتماعي الذي كنت أعيشه ترك فيّ مسحة من المعاناة ومن الحزن النبيل، لذلك فعندما أغني أية أغنية أعطي فيها الكلمة معناها الحقيقي، وأشحنا بالتعبير الذي يناسبها. فإذا أردت أن أغني أغنية ما للمرحوم داخل حسن أحاول أن أصل إلى الصدق ذاته الذي كان يصل إليه داخل حسن.
* هل أن هذا الإحساس العالي الذي تمتلكه يميزك عن المطربين الآخرين على الأقل من جيلك أو الجيل الذي سبقك إذ أن بعضاً منهم كان يمتلك هذا الإحساس، غير أن الجزء الأكبر لم يكن يمتلك هذه الميزة أي أعطاء الكلمة حقها أو شحنها بالإحساس. هل أنت تسعى إلى تحقيق هذه الإضافة؟
- أنا أسعى لترسيخ هذه الإضافة، فأنا أتعرض إلى لوم الكثير من الأصدقاء والمعارف والناس المحيطين بي حيث يلقون اللوم عليّ، ويقولون أنت بدأت بداية ناجحة وطيبة وكبيرة، وعليك ألا تفرّط بهذه البداية، وإنما يجب أن تتواصل في شحن الكلمة بالمعنى والإحساس والتعبير، لذلك أنا متأنٍ بعض الشيء في إختياراتي للكلمات والألحان، وأعمل ببطء. لقد أطللت على الساحة الفنية من خلال الملحن محمد جواد أموري ويجب أن أحافظ على نفس القالب، ولا أفرّط بالقمة التي أوصلني إليها، ويجب أن أبقى في نفس المستوى أو أحسن منه، ولا يجوز أن أقبل بأغنية هابطة قد تطيح بكل ما بنيته خلال رحلتي الفنية، وما تركته من بصمات في ذاكرة الناس.
* انتبه عازف العود أحمد مختار إلى ملاحظة مهمة جداً كونه باحثاً وناقداً موسيقياً، وقال أنك يجب أن تتخصص في الغناء الريفي، وتترك بصمة واضحة في الغناء الريفي على وجه التحديد من دون أن تتخلى عن الغناء المديني؟
-طبعاً، كل شيء ممكناً، خصوصاً وأن الله " سبحانى وتعالى " قد منَّ عليَّ بحنجرة قوية، وموهبة في غناء كل الألوان الغنائية العراقية سواء الريفية أو المدينية أو البدوية. فأنا، كما تعرف، أغني المقام والأبوذية والمحمداوي والبدوي، وهذ قابلية نادرة لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد، كما أنني أمتلك صوتاً قوياً إضافة إلى هيمنة هذا الصوت على الجمهور. فعندما إختبرتني اللجنة غنيت ثلاثة ألوان من الغناء وهي اللون الريفي الأبوذية، واللون البغدادي، واللون الحديث، أتذكر أنني غنيت أغنية " البنفسج " كما غنيت طور المحمداوي والأبوذية، وهذه الأطوار هي التي تشخص أهمية المطرب وقابليته، وتعطي القياس المضبوط لفخامة الصوت وقوته. فعندما تأتي بشخص وتريد أن تختبر صوته قل له أن يغني لك الأبوذية أو أي مقام عراقي، ومن خلال هذا الطور تقيس نجاح صوته من فشله، وتعرف إن كان يغني بصورة جيدة أم لا. أنا صوتي خليط من كل هذه الألوان ولذلك عندما أطللت إلى الجمهور على يد الأستاذ محمد جواد أموري أطللت باللون البغدادي، كما غنيت أغانٍ مدينية في بعض حفلاتي، ولكن يجب الإعتراف أن نسبة %80 من الحفلات التي أحييها أغني فيها اللون الريفي وأطعّمها بالأغاني التراثية والاغاني المعاصرة.
* محمد جواد أموري كان يعطيك لحناً كل ستة أشهر في حين أن طاقتك البدنية والصوتية والروحية والنفسية تسمح لك بأن تنفّذ في كل شهر أغنية. من وجهة نظرك ماهي الأسباب التي دعت أموري أن يعطيك كل ستة أشهر أغنية؟
- منذ البداية قال لي الأستاذ أموري، وهو ملحن كبير، ويخشى على إسمه، وسمعته الفنية، بأنه حذر جداً على رغمٍ من إقتناعه بصوتي، ولكنه شدّد على ضرورة إتباع ما يقوله لي، وتنفيذه بالحرف الواحد. والأستاذ أموري عندما يتحدث مع تلميذه يختلف عندما يتحدث أي شخص دخيل أو طارئ على الوسط الفني، لأنه يركز في حديثه على المعرفة التفصيلية الدقيقة بصوتي. كان يقول لي أنت ما تزال خامة جديدة، فإما أن تطل على الناس بصورة جيدة أو لا تطل. هناك من أبناء جيلي منْ غنّى ليس فقط في كل شهر أغنية، وإنما في كل بضعة أسابيع أغنية، ولكنهم ظلوا يراوحون في أماكنهم، ولم يحصلوا على الشهرة أو محبة الجمهور. عندما أطللت على الجمهور بأغنية " أنت وين أو آني وين " بقيت هذه الأغنية تقدّم بالإذاعة قبل أن تسجل وتصور إلى التلفزيون. وأتذكر أن الأستاذ أموري قال لي أكثر من مرة: لا تصور هذه الأغنية الآن، وإنما دع الناس يسمعونها، ويتشوقون إليها. وهكذا بدأت إذاعة بغداد وصوت الجماهير بإذاعتها، وكتب عنها النقاد في الصحافة، وحينما سمعها الناس أحبوها وهم لم يروها مصورة في التلفزيون فإزداد شوقهم لها، وظلوا يتساءلون: منْ هو صاحب الصوت الجميل؟ فإذا كان تقبل الناس %50 فأنه تضاعف عندما شاهدوها على شاشة التلفزيون بعد ستة أشهر. ثم صورتها تصويراً خارجياً في مدينة الحبانية، وشاهدها الجمهور، وبقيت في ذاكرة الناس. ألا ترى معي أن هذا التأني مطلوب لأنه يترك بصمات لا تنسى في ذاكرة الجمهور الذي يجب أن نحترمه.
* لماذا لا تميل إلى الكليبات، ولا تضمنها في أغانيك الحديثة؟
- أنا مع الحداثة المدروسة بكل أشكالها، ومع التطور العلمي في التصوير، ولكن لا أحب التصوير المبالغ فيه. فالتصوير الذي يركز كثيراً على المشاهد الخارجية أو الرقص الذي لا حاجة لنا به، هو إيذاء للأغنية ذاتها. إذا كان المطرب يصور أغنية خارجية فإنك لن تراه إلا في لمحات خاطفة مثل الضوء، ولن تسمع صوته إلا نادراً، بينما تسمع في الوقت ذاته التهريج، خصوصاً إذا كان حوله بنات أو لوحات راقصة. إن التصوير الخارجي يتم بحسب رغبة المخرج الذي يريد أن يصور جبالاً أو أنهاراً أو طبيعة خضراء، بينما لا يترك إلا مجال ضئيل لظهور المطرب. هنا يضيع المُشاهد لأن المخرج لم يركز على المطرب ولا على المَشاهِد الخارجية ولا على الأغنية.
* أصدرت حتى الآن ثلاثة ألبومات. ما جديدك الآن؟
- خلال زيارتي الأخيرة للإمارات سجلت في دبي أغنيتين، أطلقتُ الأولى في مهرجان دبي للتسوق، أما الأغنية الثانية فسأسجلها قريباً، وقد لحنها لي الأستاذ ضياء الدين، وإسمها " حيل ما بية ما بية ".
* هل فعلاً هناك أغان محببة للمطرب نفسه ؟
- أنا أحببت أغانٍ غناها مطربون آخرون وكنت أتمنى فعلاً لو أنني أغني هذه الأغاني، وشاءت المصادفات أن أغني هذه الأغاني في أمكنة معينة تواجد فيها الملحنون وسمعوني مثل الفنان طالب القره غولي الذي سمعني عندما كنت أغني واحدة من أغنياته فقال للأسف الشديد كنت أتمنى أن تغنيها أنت لأنك أبدعت فيها أكثر من المطرب " الفلاني " الذي غناها، ولكنك لم تكن تظهر بعد على الساحة. تأثرت بأغاني السبعينات، ولكنني في حينه كنت طالباً في المرحلة الإبتدائية. وهناك أغان ظهرت في الثمانينات أحببتها وتأثرت بها قبل أن تعرض في التلفزيون لكنني كنت وقتها طالباً في المعهد. كنت أحب الأغنيات التي غناها ياس خضر وحسين نعمة، وأحسها قريبة إلى نفسي جداً. أما أقرب الأغاني إلى نفسي فهي الأغاني التي لحنها لي محمد جواد أموري.
* بقيت عشر سنوات في هولندا هل تعتبرها خسارة زمنية أم روحية، أم فنية؟
- أعتبر هذه العشر سنوات خسارة في كل شيء، فهي إضاعة لحياة إنسان إبتعد عن أهله ووطنه وناسه ووسطه الفني الذي نشأ وتربى فيه، ولكنني مع ذلك سأبدأ بداية جديدة. وأنا أشبّه هذه الفترة التي عشتها في المنفى الهولندي بالموت البطيء.
* لماذا لم تحرك ساكناً؟
حرّكت الساكن من خلال الحفلات القليلة التي كنت أحييها للعراقيين في بعض العواصم الأوروبية. وأنت تعرف الفرق جيداً بين أن تكون في عاصمة عربية يمكن أن تقيم فيها حفلاً أسبوعياً، بينما لا تستطيع أن تقيم إلا حفلات معدودة في السنة الواحدة في أية عاصمة أوروبية مهما كان جمهورها العربي كبيراً.
*هل تشعر بأنك متحرر على الصعيد الشخصي بعد سقوط الدكتاتورية، وهل ستترك هذه الحرية أثراً على تجربتك الغنائية أو على الأغنية العراقية بشكل عام، أم أن السياق سيبقى كما كان عليه سابقاً؟
-أنا أعتقد أن وزارة الثقافة يجب أن تتبنى هذا الجانب، ولا تدع الأمور تخرج عن قواعدها ونصابها الصحيح. ففي منتصف الثمانينات كان من الصعب أن يظهر مطرب جديد على شاشة التلفزيون أو في الإذاعة إذا لم يمر على لجنة إختبار، أما الآن ففي كل شارع ثمة مطرب أو مطربة، هذا الإنفلات خطر جداً ليس فقط في مضمار الأغنية حسب، وإنما هو يهدد الذائقة الفنية برمتها. من وجهة نظري فليس الأغنية في خطر فقط، وإنما المستمع هو الذي يتعرض إلى خطورة مضاعفة، لأن آذانه بدأت تتشوه بفعل الأغاني الهابطة التي تفتقر إلى السوية الفنية. لقد إختلط الحابل بالنابل، وهذا أمر مرعب حقاً. فمن خلال وزارة الثقافة أو اللجان الفنية المتخصصة يمكن السيطرة على هذا الإنفلات الذي تعيشه الأغنية العراقية والعربية أيضاً. كما يجب التذكير بأن حقبة الدكتاتورية التي عاشها العراق قد أثرت سلباً على ذائقة العراقيين، ولكن الحرية التي تتحدث عنها في سؤالك ستلعب دوراً مهماً في فتح آفاق جديدة للفنانين الناجحين الذين لم ياخذوا حقهم من الشهرة والذيوع في زمن الدكتاتورية. لقد تشرد أغلب الفنانين العراقيين في الدول العربية والأوروبية، ونتمنى أن يعم الهدوء والسلام، وأن نرمم ما هدمته الدكتاتورية. ولا أخفيك بأنني أحس الآن بأن الأغنية العراقية منكسرة، واتمنى أن تعود لها صحتها وعافيها لتنهض من جديد.
* هل أخذت تجربتك الغنائية والفنية حقها من النقد. منْ هم النقاد الذين الذين تناولوا تجربتك الفنية وهل أنت مقتنع بالنتائج والإستخلاصات التي توصلوا إليها؟
- هذا سؤال مهم ضمن سياق تجربتي الفنية، ففي بداية حياتي الفنية مع الملحن محمد جواد أموري والتي أعتبرها بداية موفقة جداً، صادف أن يلتفت إليّ أكبر نقاد الموسيقى العراقيين عندما ظهرت في الأغاني الأربع الأولى، وهو الناقد سعاد الهرمزي، إذ كتب عني بإعجاب كبير وقال بأن لي مستقبل زاهر وكبير، وأن محمد جواد أموري عرف كيف يختار هذا المطرب الشاب ويقدمه للناس. كما كتب عني الناقد الموسيقي عادل الهاشمي، وكان كتابته بمثابة دعم آخر وتعزيز لمكانتي الفنية. لم تتوقف الكتابات النقدية بصدد تجربتي الفنية ففي المنفى كتب عني عدد غير قليل من النقاد من بينهم الناقد حسين السكاف، والصحفي كرم نعمة، وعازف العود أحمد مختار وآخرين أكنّ لهم كل المودة والتقدير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عازف العود المنفرد أحمد مختار: الموسيقى من وجهة نظري عنصر أس ...
- أسبوع الموسيقى العراقية في لندن
- ظلال الصمت لعبد الله المحيسن وإشكالية الريادة الزمنية: هيمنة ...
- أضرار لاحقة للمخرج المصري الألماني سمير نصر: العربي ليس حزام ...
- شريط- ماروك - لليلى مراكشي: تقنيات ناجحة، وأداء متميز، ونهاي ...
- في فيلمه الجديد انتقم ولكن من أجل عين واحدة المخرج الإسرائيل ...
- المخرج رشيد مشهراوي يبدد قسوة الإنتظار الثقيل بالكوميديا الس ...
- اختتام الدورة السادسة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- تجليات الأسلوب اليوغند ستيلي في - أصابع كاووش - التعبيرية
- عدد جديد من مجلة - عمّان - الثقافية
- إعتقال المفكر الإيراني المعروف رامين جهانبكلو وإتهامه بالتجس ...
- مهرجان الفيلم العربي في روتردام يحتفي بربيعه السادس
- بنية الإنسان المكبوت في مسرحية - الصفعة - لإيخون فان إنكْ: ا ...
- إستذكارات - كاميران رؤوف: تتأرجح بين الأداء الكاريزماتي وتأج ...
- مُلوِّن في زمن الحرب لكاظم صالح ينتزع جائزة الجزيرة الخاصة: ...
- في شريط - قطع غيار - لجمال أمين: كائنات معطوبة، فقدت الأمل ب ...
- وفاة الكاتب الهولندي المثير للجدل خيرارد ريفه: موضوعاته المف ...
- الفيلم التسجيلي - السجين رقم 345 - والإنتهاكات المروّعة لحقو ...
- راشيل كوري.. ضمير امريكي ليحيي بركات: شريط تسجيلي يوثق لسياس ...
- مهرجان الجزيرة الدولي الثاني للإنتاج التلفزيوني يعلن عن: ولا ...


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات في المنفى الهولندي