أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد السلام أديب - نهب الثروات















المزيد.....

نهب الثروات


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 1602 - 2006 / 7 / 5 - 10:30
المحور: مقابلات و حوارات
    


سؤال 1 : تعرضت ثروات المغرب إلى النهب على امتداد ما يناهز خمسة عقود، فما هي الظروف التي أدت إلى تكريس مسلسل النهب؟
جواب: النهب لم يبدأ منذ خمسة عقود بل هو استمرارية لممارسات مخزنية قديمة في المغرب، ولعل مفهوم حق ملكية الأراضي الموروث عن حكم الفينيقيين والرومان لشمال افريقيا هو الذي ساد منذ الغزو الإسلامي لهذه البلاد، فحق ملكية الأرض طبقا لهذا المفهوم يعتبر خاصا بالدولة أو الحاكم. فهذا المفهوم يعطي للحاكم الحق في أخذ الريع العقاري من العاملين في الأرض التي كانت تخول لهم كحيازة وليس كملك، وقد استدعى ذلك إنشاء جهاز منظم لجباية هذا الريع. فسلطان البلاد أصبح مالكا لرقبة الأراضي الزراعية، أما الفلاحون فلهم حق استغلال الأرض والانتفاع فقط مقابل دفع ضريبة العشور والزكاة لبيت المال.
لكن تجاوزات خدام المخزن من قواد وولاة في تقدير مبلغ الرسوم المدفوعة والتي تصل إلى حد انتزاع حق الانتفاع من الفلاحين وحرمانهم من وسائل رزقهم قد أدى في مرحلة تاريخية معينة إلى إنفصال المغرب إلى شطرين في اطار ما يسمى بقبائل السيبة التي ثارت على عمليات نهب منتجاتها بدعوى جمع هذه الرسوم وقبائل المخزن التي كانت تحت سيطرة مطلقة للسلطة المركزية.
فتطور علاقة السلطة المركزية بالمواطنين واعتبار هؤلاء مجرد رعايا، أباح لخدام المخزن استعمال مختلف الوسائل سواء لتمويل بيت المال أو لمراكمة الثروات.
وقد شهد عهد الحماية عمليات واسعة للسلطات الاستعمارية لنزع ملكية أجود الأراضي الخصبة للعديد من القبائل المغربية، حيث تم تحويل هذه الأراضي إلى ضيعات خصبة تخدم بالدرجة الأولى مصالح المستعمر ومصالح المعمرين الفرنسيين، وعقب الاستقلال بدلا من إرجاع الأراضي المنهوبة إلى أصحابها الأصليين بدأت عمليات الاستحواد عليها من طرف المافيات المخزنية، وكانت هناك فصول من تحويل ملكيات هذه الأراضي من المعمرين القدامى إلى المعمرين الجدد من بينها طبعا قانون المغربة لسنة 1973.
لم أقدم هنا سوى مثال واحد يتعلق بنهب الأراضي، إلا أن الممتلكات العمومية تعني مختلف الثروات سواء كانت في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية، وقد تعرضت مختلف هذه الثروات بطريقة أو بأخرى لعمليات النهب، بدأها المستعمر الفرنسي بنهب مناجم البلاد وثرواته البرية والبحرية والطبيعية، وواصل عدد من النافذين عمليات النهب بعد الاستقلال ولعل توزيع رخص الصيد البحري ومقالع الرمال والمناجم على حفنة من الشخصيات المتواجدة في السلطة يدخل في باب النهب المنهجي لثروات البلاد من دون أن توظف عائداتها لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

سؤال 2 : هذا النهب كان مجرد تجاوزات لأشخاص أم أنه نهج في التدبير و نمط لممارسة الحكم؟
جواب: كما أشرت في السابق أن النهب وتبديد ثروات البلاد ناجم عن عقلية مخزنية موروثة عن العهود البائدة والتي تعتبر البلاد عبارة عن مزرعة خاصة يمتلك صاحبها حق التصرف على هواه في كل ما يوجد داخلها أو في باطنها بما في دلك أرواح ساكنتها. ولعل ما حدث خلال ما يعرف بسنوات الرصاص دليل على تحكم هذه العقلية التي زكت عمليات نهب المال العام القائمة وقادت عملية تصفية كل من حاول استنكار هذا النهب وما ينجم عن ذلك من افقار لعموم الشعب المغربي. فالمعارضة الجذرية التي قادتها حركة إلى الأمام على سبيل المثال خلال عقد السبعينات من القرن الماضي كانت تستهدف بالأساس فضح التبذير والنهب المنهجي للمال العام الذي يؤدي إلى إغناء حفنة من اللوبيات وإلى إفقار أغلبية الشعب الكادحة. فالتعبيرات السياسية التي كانت تفصح عنها حركة إلى الأمام في ذلك الحين كان من الممكن أن تكون جد طبيعية في دولة ديموقراطية تحترم نفسها، لكن العقلية المخزنية السائدة كانت تأبى أن يتواجد مواطن ينتقدها ويفضح ممارساتها في مجال نهب المال العام وهو ما أدى إلى اختطاف وتصفية قادة هذه الحركة والزج بمناضليها في السجون.
سؤال 3 : هل هو نهب عشوائي خاص بأشخاص أم نهب منظم و ممنهج خاضع لتفكير مسبق؟ و هل كان الشخص ينهب حسب مجازه أم أن هذا النهب خاضع لآليات معينة قائمة؟
جواب: أعتقد أن هناك مركزية مخزنية سادت في مختلف عمليات النهب والتبذير التي طالت المال العام خلال الخمسة عقود الماضية، فالسلطة هي المراقب الفعلي للممتلكات العمومية وهي المسؤولة عن كل تبذير أو نهب يطالها فحتى إذا ما تم الاستلاء على بعض هذه الممتلكات من طرف شخص ما ولم تتحرك السلطة لمعاقبته واسترجاع الأموال المنهوبة فهي في حكم المشارك الفعلي في هذا النهب.
كما أعتقد أن الخوف من تواجد دستور ديموقراطي صياغة ومضمونا وكذا تواجد فصل حقيقي للسلط إلى جانب اعتماد الفكر الوحيد في صياغة البرامج الاقتصادية (الليبرالية الاقتصادية) يؤكد الخوف من فقدان امتياز التصرف في ثرواث البلاد بكل حرية وقيام عمليات محاسبة ومعاقبة ناهبي المال العام.
فمختلف عمليات نهب المال العام التي تمت لحد الآن لم تلقى جزائها نظرا لأن الإرادة المخزنية لا ترضى بذلك.
فحتى عمليات الخوصصة التي تعتبر منظمة قانونا يمكن أن تنظر إليها على أنها عمليات نهب ممنهجة بواسطة آليات قانونية، فالمؤسسة العمومية التي يتم خوصصتها تعتبر ملكا عموميا انشئت من مال الشعب وكان من المفروض أن تكون هناك استشارة شعبية حول مدى ملائمة هذه الخوصصة وآثارها على الوضع الإقتصادي والإجتماعي والطرف الذي ستتم الخوصصة لصالحه وقيمة هذه الخوصصة والمآل الذي ستصل إليه المؤسسة باعتبارها مرفقا عموميا، وكذا مآل عائدات الخوصصة والمنافذ التي ستوظف فيه. لكن عدم القيام بكل ذلك يرخي ضلالا من الشكوك على العملية برمتها. ومن هنا يمكن القول بأن هناك آليات معينة تستخدم في نهب المال العام.

سؤال 4: ما هي الدوائر المسؤولة عن هذا النهب، الحكم، السلطة، القرب من الحاكمين، استغلال المواقع....؟ و ما هي الأساليب المتبعة لإنجاز هذا النهب؟
جواب: يمكن القول بشكل عام بأن نظام الحكم كما هو سائد في المغرب يتيح المجال واسعا لاستغلال النفوذ واستعمال مختلف الأساليب المعروفة وغير المعروفة للاغتناء على حساب الثروات العمومية.
أما بالنسبة للأساليب المتبعة لإنجاز النهب فحدث ولا حرج حيث تتراوح هذه الأساليب من سرقة أموال الدولة وتبذير الأموال في إطار الحفلات والسفريات الرسمية وغير الرسمية والمناسبات ... الخ، ثم الإعفاءات الضريبية التي تخول لفائدة بعض الأشخاص والتي قدر ما تفقده الدولة برسمها سنة 2005 بحوالي 15 مليون درهم وأيضا الأرقام الخيالية للتهرب والتملص الضريبيين، ثم هناك الأجور والتعويضات المهولة التي يتقاضاها بعض مدراء الادارات أو المؤسسات العمومية حيث يتوصلون بأجور تتراوح فيما بين 30 و100 مليون سنتيم شهريا.

ثم إن هناك نهب الرمال والثروات الطبيعية كالمياه والنباتات ومصايد الوحش والأسماك ...الخ. ويمكن أن ندخل في مجال التبذير سوء التدبير عبر الصفقات العمومية وشراء لوازم الإدارات المختلفة بأسعار مرتفعة جدا وكذا الصفقات العمومية التي تفوت بمالغ خيالية حيث كانت بعض السدود تنجز في عقد الستينات بمبالغ خيالية 15 مليار درهم مثلا. وتقديم قروض بدون ضمانات كما حدث بالنسبة للزين الزاهدي خلال ادارته لمؤسسة القرض العقاري والذي كان يقدم قروضا بمجرد مكالمات هاتفية وبدون حد أدنى من الشروط القانونية.

هناك أيضا مسألة الإعفاء من الأداء في المستشفيات العمومية بالنسبة للقادرين على الدفع، وخلق مناصب شغل وهمية، واستعمال ممتلكات الدولة لأغراض خاصة كالسيارات والهاتف، والتنقلات غير المبررة وتلويت الطبيعة. هناك أيضا الرشاوى وإلغاء الرسوم الجمركية وحرمان خزينة الدولة من العائدات التي تدرها. وكذا التبرعات التي تقدم لبعض الأشخاص مثل منح هشام الكروج لأراضي شركة صوديا وتفويت أراضي بوالماس من وزارة الفلاحة إلى بعض النافذين كالمحجوبي أحرضان ... الخ

سؤال 5: ما هو تأثير مسلسل النهب على السيرورة التنموية؟ و هل يمكن تقدير هذا النهب؟
جواب: هناك تأثير عميق لنهب وتبدير المال عام على السيرورة التنمية لأي شعب أبتلي بهذه الآفة، فناهبي المال العام نظرا لعدم توفرهم على أية مبادئ تحكمهم نجدهم في طليعة المدافعين عن استمرار قيام دولة بوليسية قمعية لحمايتهم وعن نمط اقتصادي واجتماعي مفروض من طرف الامبريالية لأنه أقدر على حماية مكتسباتهم ورفض كل محاولة لفرض نظام سياسي ديموقراطي حقيقي خوفا من محاسبتهم وفقدان المصالح التي عملوا على مراكمتها. إن ناهبي المال العام يشكلون مع مرور الوقت ما يشبه المافيات للمحافظة على الأوضاع القائمة بشتى السبل المتاحة. وبطبيعة الحال فإن الأضرار التي يتعرض لها الإقتصاد الوطني تتجلى بوضوح في مثل هذه الأجواء، حيث ينعدم الاستثمار المنتج وينتشر اقتصاد الريع وتتدهور أحوال السوق الداخلية وتزدهر تجارة الممنوعات وتتسع الفوارق الطبقية ...الخ.
أما بالنسبة لحجم نهب وتبذير المال العام فليست هناك في الواقع احصائيات ودراسات دقيقة في هذا الإطار، بل هناك مجرد مؤشرات تدل على أن ما خفي فهو أعضم. فعندما تم فتح ملفات بعض المؤسسات العمومية مثل صندوق الضمان الاجتماعي ومؤسسة القرض العقاري والفندقي والصندوق الوطني للقرض الفلاحي وشركة كوماناف والبنك الشعبي. فالأرقام التقريبية التي عرضت بمناسبة فتح هذه الملفات لم تشكل سوى الشجرة التي تخفي الغابة. وقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن حجم النهب بلغ في المغرب ثلثي المداخيل الضريبية. كما أن افتحاص صندوق الضمان الاجتماعي أفاد بأن حجم الأموال المختلسة في هذه المؤسسة بلغت 115 مليار درهم، وهو ما يشكل يشكل 25 % من الناتج الداخلي الاجمالي.
فمن الصعب إذن تقديم أرقام ثابثة حول حجم نهب وتبذير المال العام في المغرب نظرا لانعدام معطيات دقيقة حول هذا المجال ونظرا لأن عمليات النهب تتم في سرية تامة وعندما تعرف يكون من الصعب تقدير حجمها إذا لم يفتح بشأنها تحقيق شفاف. فللإطلاع على حقائق النهب والتبذير يتطلب قيام إرادة سياسية قوية تستهدف فضح هذه العمليات.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة -أونا- ، هل تنمي ثروة الملك أو الثروات الوطنية؟
- قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصر ...
- مؤشرات التشغيل والعطالة في المغرب
- قراءة نقدية لقانون مالية 2006
- محاكمة رمزية لنهب المال العام تقام لأول مرة في المغرب في انت ...
- صك الاتهام: محاكمة رمزية لخمسين سنة من نهب وإهدار للمال العا ...
- كفى من الالتفاف على مطالب الشعب عبرالامعان في ديموقراطية الو ...
- الاقتصاد المغربي عام 2006
- الزيادات في الأسعار تهدد بظهور توترات تضخمية على المدى المتو ...
- معضلة التشغيل بالمغرب
- مسلسل الخوصصة والانعكاسات الناجمة عنه في المغرب
- أزمة العمل النقابي بالمغرب المظاهر- الأسباب- المخارج
- المسألة الزراعية في المغرب
- الرواتب والأجور في قطاع الوظيفة العمومية
- نهب وتبدير المال العام في المغرب
- المرفق العمومي بين الخوصصة والترشيد
- مبررات إهدار المال العام
- ميزانية الانكماش والتفقير والتهميش
- المرأة المغربية بين مدونة الأسرة والمواثيق الدولية لحقوق الإ ...
- راهن المخزن على صناعة باطرونا مغربية تضمن له البقاء والاستمر ...


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد السلام أديب - نهب الثروات